قوة الاختصارات في اتخاذ القرارات
مجموعة متزايدة من الأبحاث تشير إلى أن الرؤساء التنفيذيين الذين يستخدمون الاستدلال يمكنهم اتخاذ قرارات أكثر فاعلية من أولئك الذين يتخذون نهجاً أكثر شمولاً.
كيف يتخذ الرؤساء التنفيذيون CEO قرارات جيدة؟ في الوقت الذي تزايد فيه وصول كبار القادة بإمكانية إلى مزيد من البيانات وأدوات التحليل المتطورة أكثر من أي وقت مضى، بقدر متزايد لم يعد التحدي الرئيس المعيق لاتخاذ قرارات جيدة – بشأن التوظيف وتطوير المنتجات وتخصيص الموارد- هونقص في المعلومات. بدلاً من ذلك، صار التحدي هو معرفة مقدار المعلومات الكافية، وكيفية استخدامها.
لطالما أوصى علماء اتخاذ القرارات بأن يضطلع الرؤساء التنفيذيون والمديرون بجمع المعلومات الشاملة وتحليلها قبل اتخاذ الخيارات. تستند هذه النصيحة إلى افتراضين: (1) يؤدي مزيد من المعلومات إلى فهم أفضل للقرار المطروح والعواقب المحتملة، و(2) قد يؤدي التركيز على جمع المعلومات بدلاً من الاعتماد بنحو أساسي على معرفة الفرد إلى تقليل التحيزات الضارة Harmful biases.
ومع ذلك تُظهر مجموعة متزايدة من الأبحاث أن الرؤساء التنفيذيين قد يكونون في كثير من الأحيان أفضل حالاً في وضع مزيد من الثقة في القواعد الأساسية البسيطة المعروفة باسم الاستدلال Heuristics. عادة ما تنبع هذه من الخبرة المباشرة للقائد، ويجري تطبيقُها عن قصد، وكثيراً ما تؤدي إلى نتائج متفوقة في مجال القرارات. تشير دراستنا الأخيرة، التي نُشرت في دورية الدراسات الإدارية Journal of Management Studies، إلى أن الرؤساء التنفيذيين الذين يستخدمون مزيداً من الاستدلال في اتخاذ القرارات يمكنهم زيادة سرعة تطوير المنتجات الجديدة New product development في مؤسساتهم وتحقيق أداء أعمال عام Overall business performance أكبر. وتشير دراسة أخرى، أجراها كريستوفر بينغهام Christopher Bingham وآخرون ونشرت في دورية ريادة الأعمال الاستراتيجية Strategic Entrepreneurship Journal، إلى أن استخدام الاستدلال في اتخاذ قرارات التوسع الدولي International expansion decisions يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع المبيعات ونمو الإيرادات من تلك المبادرات.
متى (ولماذا) الاستدلال
تجد الأبحاث أن الاستدلال يعمل بنحو أفضل في ظل ثلاثة شروط.
عندما تكون بيئة القرار صاخبة When the decision environment is noisy. في بيئة كهذه من غير المرجح أن يؤدي مزيد من المعلومات إلى فهم أفضل لمشكلة محددة على صعيد اتخاذ القرارات. مثلاً عندما يتخذ المسؤولون التنفيذيون خيارات بشأن مشروعات الابتكار التي يجب الاستثمار فيها بناء على حجم السوق المقدر أو الجدوى أو الجدول الزمني، كثيراً ما تعكس نقاط البيانات هذه التقييمات الذاتية لقادة المشروعات المحتملة بدلاً من الحقائق الموضوعية. يؤدي استخدام الاستدلال في ظل هذه الظروف إلى تصفية الضوضاء في عملية اتخاذ القرارات.
تظهر الأبحاث أن الاستدلال البسيط، مثل ”الاستثمار في المشروعات ذات المزايا الأكبر“ أو ”الاستثمار في المشروع الذي يفضله عضو الفريق الأكثر خبرة“، يمكن أن يكون دقيقاً في اختيار مشروعات الابتكار الناجحة مثل اتخاذ القرارات الشامل مع زيادة سرعة اتخاذ القرارات.
عندما يواجه متخذو القرارات بيئة ديناميكية جداً When decision makers face a highly dynamic environment. في هذه الحالة تصبح المعلومات قديمة بسرعة، ويمكن أن يؤدي استخدام المعلومات القديمة إلى تقليل جودة القرارات. مثلاً عند اختيار العملاء المستهدفين لمبادرات تسويقية جديدة، قد يكون من الأكثر فاعلية استخدام الاستدلال البسيط بدلاً من الاعتماد على بيانات العملاء السابقة، وربما القديمة. يمكن للقاعدة البسيطة التي تنص على ”استهداف العملاء الذين اشتروا منا في الأشهر الستة الماضية“ توقع سلوك الشراء المستقبلي بنمط أكثر دقة من النماذج المعقدة المدربة على كميات كبيرة من البيانات القديمة.
عندما يكون الحصول على كميات كبيرة من المعلومات أمراً صعباً When obtaining large amounts of information is difficult. في حالة التوظيف، مثلاً، من غير العملي أو المكلف الحصول على معلومات شاملة عن كل مرشح محتمل. بدلاً من ذلك يتعين على أصحاب العمل الاعتماد على بعض المعلومات، مثل السيرة الذاتية للمرشح وانطباعهم عن أداء المرشح في المقابلة.
تشير الأبحاث إلى أن استخدام الاستدلال في مواقف كهذه يمكن أن يتوقع الأداء الوظيفي المستقبلي بنحو أكثر دقة من تحليل المعلومات التفصيلية التي يُحصَل عليها في المقابلات المهيكلة Structured interviews. مثلاً، قد يسأل المديرون أنفسهم ثلاثة أسئلة بسيطة عند النظر في مرشح إلى وظيفة: هل يتمتع المرشح بقدرة استثنائية؟ هل أنا معجب بسجل المرشح؟ وهل سيرفع المرشح مستوى الأداء داخل الفريق؟ قد يختارون توظيف مرشح فقط إذا كانت الإجابة عن الأسئلة الثلاثة هي ”نعم“. ومع ذلك يجب أن يركز الاستدلال المستخدم في التوظيف على المعايير المتعلقة بالأداء، وألا يكون له تأثير التمييز غير المنصف ضد الأفراد أو تعزيز التحيزات الاجتماعية.
باختصارٍ يعمل الاستدلال بنحو أفضل في البيئات الصاخبة والديناميكية، وحيث تكون المعلومات نادرة.
كيف يمكن للاستدلال توضيح التفكير
لفهم كيف يمكن أن يساعد استخدام الاستدلال في الممارسة العملية، دعونا نفكر في كيفية مساعدة القادة على معالجة أربعة أسئلة أساسية في تطوير المنتجات الجديدة.
ما الفرص التي يجب أن نركز عليها في تطوير المنتجات الجديدة؟ سينطوي اتخاذ القرارات الشامل في هذا الصدد على إصدار تعليمات إلى فرق التطوير Development teams لتحليل مجموعة واسعة من قطاعات السوق والتكنولوجيات لتحديد الفرص الواعدة. بدلاً من ذلك يمكن للرؤساء التنفيذيين استخدام الاستدلال لتركيز جهودهم على أنواع معينة من العملاء (”تطوير المنتجات للعملاء المستهلكين End customers فقط“) أو أنواع منتجات محددة (”تطوير منتجات البرمجيات Software products فقط“). تتيح هذه الأساليب البحثية تركيزاً أضيق لتطوير منتجات جديدة واحتمالات أكبر لتوليد أفكار أكثر ابتكاراً. يمكن للرؤساء التنفيذيين أيضاً استخدام الاستدلال للحد من عدد المشروعات التي يمكن تطويرها بالتوازي، ما يضمن توافر موارد كافية لكل مشروع.
كيف نختار من بين المشروعات المتنافسة؟ يمكن أن يساعد الاستدلال أيضاً الرؤساء التنفيذيين على الاختيار بفاعلية بين المشروعات من ضمن حقل بحث محدد. يمكن أن يؤثر عديد من العوامل في جاذبية مشروع جديد، مثل الربحية المستقبلية، والمخاطر، وميزة المنتجات، والجدوى، وحجم السوق، والمنافسة، وطول فترة الحصول على العائد من الاستثمار. عند استخدام عملية اتخاذ القرارات الشامل، يضطلع الرؤساء التنفيذيون بتحليل كل من هذه العوامل وتقييمها بعناية. ومع ذلك، كثيراً ما يكون الاستدلال البسيط أسرع وأكثر فاعلية عند تحديد المشروعات التي يجب المضي قدماً فيها، وأيها يجب إسقاطها. يمكن للرؤساء التنفيذيين تعيين درجات إيجابية وسلبية (+1 / -1) لكل عامل لكل مشروع، وإحصاء هذه الدرجات، واختيار المشروع الذي يحتوي على أعلى إجمالي. أو يمكنهم القضاء على المشروعات كلها التي تسجل نتائج سيئة على العوامل التي يعتبرونها الأكثر أهمية، وهذا استدلال يسمى الإقصاء وفق الجوانب Elimination by aspects. تظهر الأبحاث أن هذين الاستدلالين يمكنهما تحديد المشروعات التي من المحتمل أن تفشل وأيها من المحتمل أن تنجح في الأغلبية العظمى من الحالات.
ما الوتيرة الصحيحة لتطوير المنتجات الجديدة؟ يمكن أن يساعد الاستدلال الرؤساء التنفيذيين والمديرين في إنشاء شعور بالإيقاع والسرعة لتطوير المنتجات الجديدة. مثلاً تستخدم أبل Apple القاعدة البسيطة المتمثلة في ”إصدار نسخة جديدة من الآيفون iPhone كل 24 شهراً“ لهيكلة أنشطتها التطويرية. تعزز هذه القاعدة الكفاءة من خلال تزويد الموظفين بشعور مستمر ويمكن توقعه بالإلحاح، وتسهل تكامل الموردين الخارجيين، وتسهل انتقال الموظفين من مشروع إلى آخر. وبالمثل وضع بعض الرؤساء التنفيذيين قاعدة مُفادها وجوب الانتهاء من مشروعات المنتجات الجديدة كلها في غضون 18 شهراً لتوفير إيقاع ووتيرة ثابتة. ويضع رؤساء تنفيذيون آخرون قاعدة مُفادها وجوب مزامنة إصدارات منتجات التداول بين الشركات B2B الجديدة مع دورات إصدار المنتجات للعملاء Customer release cycles، ما يجبر فرق التطوير على تقليل نطاقات مشروعاتها لتسليم المشروعات من ضمن المواعيد النهائية Customer deadlines.
كيف يمكننا تحقيق التوازن بين الكفاءة والمرونة؟ يجب أن تكون مجموعات التطوير فاعلة (أي تبسط العمليات لتقديم المنتجات في ظل قيود الوقت والموارد)، ويجب أن تتمتع أيضاً بالمرونة للاستكشاف والتجربة، لكن التركيز على أحدهما كثيراً ما يأتي على حساب الآخر. يمكن أن يساعد الاستدلال الرؤساء التنفيذيين على موازنة هذه المفاضلة Trade-off بنمط فاعل. مثلاً تستخدم ثري إم 3M القاعدة الأساسية التي تنص على أنه يمكن للمطورين جميعاً قضاء 15% من وقتهم في العمل على مشروعات بناءً على أفكارهم الخاصة. توازن هذه القاعدة البسيطة بين الكفاءة والمرونة من خلال تحديد الوقت المتاح للاستكشاف المستقل، من أجل تعزيز الابتكار مع إدارة الموارد بفاعلية. وعلى نحو مماثل يتمتع الرؤساء التنفيذيون بخيار النص على أن عدداً محدداً من المشروعات لا بد من أن يتبنى قدراً كبيراً من التجريب (مثل ”خُمْس المشروعات يجب أن يكون مبتكراً بنمط جذري“) أو وضع حدود للموارد المخصصة كل عام لمشروعات جديدة تماماً (”10% من الميزانية مخصصة للأفكار الجديدة على العالم“). أظهرت الأبحاث أن قواعد بسيطة كهذه يمكن أن تمكن الشركات من تطوير منتجات مبتكرة جداً على الرغم من الموارد المحدودة.
الحصول على أقصى قيمة من القواعد الأساسية
من أجل الحصول على مزايا اتخاذ القرارات بنمط أسرع مع الاستدلال مع الحفاظ على جودة القرار، يجب على الرؤساء التنفيذيين الذين يستخدمونه النظر في الإجراءات التالية:
استخدِموا الاستدلال في السياق الصحيح Use heuristics in the right context. الاستدلال فاعل في البيئات الصاخبة والديناميكية وحيث يصعب الحصول على المعلومات، في حين أن اتخاذ القرارات الشامل يكون أكثر فاعلية في البيئات المستقرة حيث تتوافر كميات كبيرة من المعلومات الموضوعية بسهولة. ومن ثم يجب على الرؤساء التنفيذيين تكييف أسلوبهم في اتخاذ القرارات مع خصائص البيئة.
مثلاً عند اتخاذ القرارات بشأن الشركات التي يجب الاستحواذ عليها في الأسواق الناضجة، يمكن أن يكون اتخاذ القرارات الشامل فاعلاً لأن المعلومات الموضوعية عن أهداف الاستحواذ متاحة بسهولة. في المقابل عندما يستحوذ الرؤساء التنفيذيون على شركات في أسواق ديناميكية جداً تشهد تطوراً تكنولوجياً سريعاً، قد يكون الاستدلال أكثر فاعلية، لأن مزيداً من المعلومات لا يؤدي بالضرورة في كثير من الأحيان إلى توقعات أفضل لقيمة الهدف.
طوِّروا الاستدلال الخاص بكم واصقلوه Develop and refine your own heuristics. الاستدلال الفاعل ليس تعسفياً – يجري تطويره من خلال التفكير الدقيق وفهم مشكلات العمل الصعبة. الاستدلال موثوق به عندما يلتقط العوامل المنتظمة السببية في قاعدة بسيطة، لكن يمكنه أن يقدم التحيز عندما لا يرصد علاقة سببية. ومن ثم قد يكون تخصيص مساحة للتفكير الدقيق عند توليد الاستدلال وقتاً يقضيه الرؤساء التنفيذيون بنحو جيد.
يُعَد تطوير الاستدلال الخاص بالفرد أمراً بالغ الأهمية، لأن التبصرات التي تُرصَد في استدلال طوره شخص آخر قد لا تنتقل إلى سياق قرار مختلف. يصبح الاستدلال أيضاً أكثر فاعلية عندما يضعه الرؤساء التنفيذيون موضع التنفيذ، ويراقبون نتائجه، ويصقلونه بمرور الوقت. وجدت الأبحاث أن الاستدلال البسيط للتوسع الدولي لجهة موردة لصناعة المستحضرات الصيدلانية، مثل ”دخول البلدان التي لديها كثير من النشاط في مجال المستحضرات الصيدلانية“، يمكن، من خلال الخبرة، تحسينُه إلى الاستدلال الأكثر تعقيداً وفاعلية المتمثل في ”دخول البلدان التي لديها كثير من النشاط في مجال المستحضرات الصيدلانية، وهي موطن لمقر شركة كبيرة للمستحضرات الصيدلانية“.
شارِكوا القصة وراء استدلالٍ ما واشرحوها Share and explain the story behind a heuristic. سيكون الاستدلال الذي يطوره الرؤساء التنفيذيون بمنزلة مبادئ توجيهية لاتخاذ القرارات لعديد من أعضاء المؤسسة، الذين سيطبقون بأنفسهم قواعد مثل تلك التي تحدد أنواع الأسواق الدولية التي قد تكون ذات أهمية أو أنواع مشروعات التطوير التي يجب متابعتُها. ومع ذلك نظراً إلى أن الاستدلال قصير جداً وبسيط بطبيعته، فإنه لا يتيح الفرصة لنقل المنطق الكامن وراءه ومشاركته. تزيد مشاركة القصة حول سبب إنشاء استدلال من فرص تذكر الموظفين إياه وتطبيقهم له.
تشير التطورات الحديثة في تحليلات البيانات – ونجاح عديد من المؤسسات في اكتساب رؤى عميقة (تبصرات) مفيدة من هذه الأدوات – إلى أن تحليل كميات كبيرة من المعلومات باستخدام خوارزميات معقدة قد يكون الطريقة الأكثر فاعلية لاتخاذ القرارات. ومع ذلك يجب اتخاذ عديد من القرارات الإدارية في بيئات صاخبة وديناميكية، حيث قد يكون من الصعب الحصول على معلومات جيدة وتقييمها. في بيئات كهذه، يمكن أن تؤدي القواعد الأساسية البسيطة إلى خيارات أسرع وأفضل من التحليلات المعقدة القائمة على كميات كبيرة من المعلومات. نحن نشجع الرؤساء التنفيذيين والمديرين على فهم قيمة الاستدلال وتعلُّم كيفية تطويره واستخدامه كمكمِّل لجمع المعلومات الشاملة وتحليلها في اتخاذ القرارات.