حطموا الممارسات الأيقونية في شركتكم
هذا ما يحتاج القادة اليوم إلى فعله لتحطيم الحواجز أمام التغيير الثقافي.
هيرمينيا إيبارا
يحاول معظم القادة اليوم فعل الأشياء نفسها: مساعدة مؤسساتهم على أن تكون أكثر رشاقة Agile، وابتكاراً، وذكاء رقميّاً، وأكثر تركيزاً على العملاء.
لكن عاجلاً أو آجلاً، يصطدمون بقيم وسلوكيات راسخة، ويتوقف التقدم. ويصح الأمر خصوصاً بالنسبة إلى التحول الرقمي. فالخبراء يتفقون على أن الذهنيات التقليدية و«طرق فعل الأشياء هنا» — أي التعريف العادي للثقافة Culture— هي العراقيل الرئيسية أمام التحوّل الأساسي المفترض أن تمكّنه التكنولوجيات الناشئة.1See, for instance, G. Westerman, D.L. Soule, and A. Eswaran, “Building Digital-Ready Culture in Traditional Organizations,” MIT Sloan Management Review 60, no. 4 (summer 2019): 59-68.
لكن الثقافة المؤسسية يصعب تغييرها. فهي غير ملموسة؛ فليس هناك عوامل مباشرة للتحكّم فيها. ووفق ملاحظة إد شاين Ed Schein من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology(اختصارا: المعهد MIT)،2E.H. Schein, “Organizational Culture and Leadership,” 5th ed. (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2016). فإن ما ينتبه له قادة المؤسسة عن كثب ويمارسونه بكثافة سيوفر بمرور الوقت أفضل الأدلة على ثقافة المؤسسة. اعتبروا الأمر مثل الفرق بين بيان بالقيمة الرسمية وما يقوله الموظفون عن المؤسسة على الموقع الإلكتروني غلاسدور Glassdoor. توجد عادة فجوة كبيرة بين التطلّع المعلن والواقع المجرب.
وحين يواجه القادة تلك الفجوة، يقعون أحياناً كثيرة في فخ من اثنين: الاعتماد المفرط على التغييرات الهيكلية الرسمية (قنوات جديدة للخطوط الإدارية Lines of reporting، وظائف ووحدات عمل جديدة) في جهد يهدف في نهاية المطاف إلى تحويل ذهنيات الموظفين، أو ببساطة ترك وظيفة تغيير الثقافة لإدارة الموارد البشرية، على أمل أن تكون الشعارات الجديدة واقعاً بمرور الوقت وبفضل التدريب والتكرار. وبالطبع، لا ينجح أي من النهجين.
وفي أبحاثي المستمرة حول كيفية تحوّل المؤسسات القائمة بما يتوافق مع العصر الرقمي، لاحظتُ وجود طريقة ثالثة تولّد نتائج أفضل — وهي تحديد الممارسات الأيقونية Iconic practices: الممارسات التي ترمز إلى القيم الثقافية التاريخية لكن التي يرسل وجودها المستمر رسائل مختلطة حول رغبة المؤسسة في التغيير، ثم التخلص منها (أو تعديلها تعديلا كبيرا).
وتنشأ الممارسات الأيقونية لمساعدة المؤسسة على تحقيق المهام الحاسمة أكثر من غيرها لرسالتها. وبمرور الوقت تؤدي هذه الممارسات وظائف رمزية Symbolic functions أو احتفالية Ceremonial، مثل إظهار مرء ما على أنه شخص واسع الاطلاع، يفهم الثقافة ويمكن الوثوق به كحافظ لها.
وإحدى الطرق الجيدة لتحديد الممارسات الأيقونية هي الإشارة إلى العادات التي تبدو، لدى النظر إليها من الخارج، متضمنة استثماراً مبالغاً فيه من الموظفين أو الوقت. مثلاً، وكما أوضح الرئيس التنفيذي CEO لأمازون Amazon جيف بيزوس Jeff Bezos في تقرير سنوي أخير، فإن مقدار الوقت الذي يمضيه المسؤولون التنفيذيون بأمازون في كتابة المذكرات الداخلية Memo الشهيرة المؤلفة من ست صفحات وفي الحصول على ردود الآخرين عليها هو إشارة قوية إلى القيم المؤسسية المهمة: التفكير العميق والوضوح3J. Bezos, “2017 Amazon Annual Report,” Amazon, accessed Sept. 10, 2019, https://ir.aboutamazon.com.. فتعلّم كيفية كتابة مذكرة داخلية جيدة يُعَد طقس مرور Rite of passage لكبار الموظفين جميعاً. وفي طقس محير أحياناً كثيرة للموظفين الجدد، تبدأ الاجتماعات كلها بفترة صمت تدوم لـ30 دقيقة يقرأ فيها الحاضرون المذكرة الداخلية قبل أن تلي ذلك أي مناقشة. وصارت الممارسة أيقونية، وهي مسرحية مؤسسية بقدر ما هي أداة للإنتاجية: فبينما لا تزال المذكرات الداخلية تبدو كأدوات مساعدة حاسمة لاتخاذ القرار، فمن الواضح للعين المُدرَّبة أنثروبولوجياً أنها طريقة حاسمة لإظهار أن المرء منتمٍ إلى ثقافة أمازون انتماء كاملا.
وقد تشمل الممارسات الأيقونية أي شيء من الاجتماعات خارج مقر الشركة واجتماعات مراجعة الأعمال إلى عمليات الالتحاق Onboarding وطرق اتخاذ القرارات في شأن الموظفين أو المال. وهي ما يتضح عادة في مناسبات تحضرها نخبة السلطة Power elite في الشركة — الظروف حيث تُصنع السمعة أو تُحطَّم. وتكون للأمكنة أحياناً كثيرة أسماء خاصة لإثارة الأهمية الخاصة بما يرشح هناك (مثلاً، الغرفة الكبيرة، في مؤسسة من المؤسسات التي عملتُ فيها). وكما أشار شاين ببراعة، تنشئ هذه الممارسات حدود الشمول Inclusion boundaries الخاصة بالمؤسسة وتحافظ عليها: أي من يكون في الدائرة الداخلية، ومن يكون خارجها، ومن يُتحمَّل لكنه هامشي.
منطقيّاً، يجب تغيير الممارسات الأيقونية حين تكبر الشركة أو تواجه تحديات جديدة. لكن لأنها ترمز إلى القيم الأساسية التي أدت إلى نجاح المؤسسة، فقد تستمر لفترة طويلة بعد أن تصبح بالية، أو غير ذات معنى، أو حتى مصدراً لنتائج عكسية.
ويمكن للقيم الثقافية للمؤسسة أن تحبط التغييرات اللازمة عندما تصل المؤسسة إلى نقطة انعطاف عنوانها «ما أوصلكم إلى هنا لن يوصلكم إلى هناك»، على غرار الزعزعة الرقمية Digital disruption التي تجربها كثير من الشركات القائمة. وكما يوضح المثالان الواردان أدناه، يتطلّب التغيير الثقافي التخلّص من الممارسات التي تعزز الذهنيات والسلوكيات القديمة التي تحاول الشركة تحويلها Transform أو تحويل هذه الممارسات — ويمكن لذلك تسريع التغيير الثقافي.
إلغاء مراجعة منتصف العام في مايكروسوفت
في عام 2016 حين تولى جان فيليب كورتوا Jean-Philippe Courtois مسؤولية المبيعات والتسويق والعمليات العالمية لدى مايكروسوفت Microsoft، وتبع إداريّاً بشكل مباشر الرئيس التنفيذي CEO ساتيا ناديلا Satya Nadella، أدرك أن عليه أن يقود المؤسسة بعيداً عمّا أسماه ثقافة التفتيش Inspection culture وباتجاه ثقافة من التعلّم Learning والإرشاد Coaching. ويعود السبب “لماذا” إلى تحوّل الشركة إلى استراتيجية تعطي الأولوية للحوسبة السحابية Cloud-first strategy؛ فلدى الانتقال إلى أعمال Businesses حيث لا تتمتع مايكروسوفت بصفة الخبير الضليع، ربما اضطر موظفوها إلى التجربة وتحمل الأخطاء. وتطلب الأمر تحولاً في الذهنية من معرفة كل شيء إلى تعلّم كل شيء، وفق الوصف الشهير لناديلا للموضوع.
ومع اعتماد الإيرادات أكثر من أي وقت مضى على مدى استخدام العملاء لمنتجات مايكروسوفت وخدماتها، أعادت الشركة هيكلة Restructured قوة المبيعات ومؤسستها الشريكة، وعدّلت التعويضات المالية Compensation، وطبقت أدوات رقمية Digital tools لتوفر لها بيانات في الوقت الفعلي (الحقيقي) Real-time عن استخدام العملاء ومقاييس Metrics لكيفية تخصيصهم لوقتهم لإدارة الحسابات. ولكن الذهنيات والسلوكيات تغيرت ببطء.
وأثناء تأمل كورتوا في كيفية التخلص من العقبات أمام التغيير،4H. Ibarra and A. Jones, “Jean-Philippe Courtois at Microsoft Global Sales, Marketing, and Operations: Empowering Digital Success,” Harvard Business Review case no. LBS218 (Boston: Harvard Business School Publishing, May 1, 2019). أدرك أن ما كان يعوق الموظفين هو ثقافة لا تزال تقدّر امتلاك المرء للإجابة الصحيحة، وأن يكون أذكى شخص في الغرفة، والنتيجة غير معلنة لذلك تتمثل بعدم الإقرار بالأخطاء أو الفشل لدى التدقيق. وكان من أبرز مظاهر ثقافة التفتيش هذه الاجتماع السنوي المعروف بمراجعة منتصف العام في يناير.
وكانت مراجعة الأعمال في يناير اجتماعاً يسافر من أجله جوّاً الطبقة العليا من المديرين من حول العالم إلى مكان يخضعون فيه لاستجواب قاس من الفريق الأعلى حول تقدمهم وخططهم، وكان له «أثر مخيف في الموظفين»، وفق قول أحد المديرين: «كانوا يشعرون بأنهم يدخلون إلى ذلك الاجتماع ليخضعوا لمحاكمة شخصية حول أنفسهم، بدلاً من الأشياء التي كانوا يعرضونها بالفعل». وتذكر آخر قائلاً إن الاجتماع «بدا مثل امتحان قديم الطراز، امتحان للذاكرة حول كل الأشياء التي تعرفونها عن أعمالكم». وانتشرت قصص عن مديرين في المراتب العليا يبدؤون تحضيراتهم قبل مدة طويلة من فترة عيد الميلاد، مما يعني أن جزءاً كبيراً من الموارد البشرية الأكبر قيمة في الشركة كان يوجه أكثر من شهر من وقته للاستعداد لاجتماع داخلي.
وبعد عقود من المراسم، قرر كورتوا وقف مراجعة منتصف العام. باعتباره من ضمن فريق من القادة الذين نضجوا في عصر عُرِف بالمساءلة الدقيقة — أي الموقف الاستجوابي الذي تبناه قادة الشركة في هذه الاجتماعات الشديدة مرئيا بوضوح Highly visible والمنظمة بعناية — كان من أسياد اللعبة. فبالنسبة إليه: «كانت لحظة تعلّم كبيرة للشركة، تعود إلى عهد بيل [غيتس] Bill [Gates]».
لكنه أدرك أن الطقس المراسيمي صمد أكثر من جدواه. والأسوأ أن الطقس المراسيمي أشار إلى أن الشركة كانت لا تزال تكافئ المرء على امتلاك الإجابة الصحيحة قبل أي شيء آخر:
بسبب مساعدة الكثيرين أصحاب العروض التقديمية، ورغبة الكثيرين في مشاهدة دراما “القُدَّاس الأعلى” High mass,، بدأ الأمر يتحول إلى أداء مسرحي. كنا نتوق جميعاً إلى ترك انطباع جيد، فأمضينا أسابيع وأسابيع في الإعداد.
وكما تشير كلمات كورتوا، رمزت مراجعة منتصف العام إلى الثقافة التي بناها مؤسسو مايكروسوفت. ولما لم يكن الأمر مجرد تمرين بسيط، فقد عبّر عن قيم أساسية تتعلّق بالصرامة Rigor والانتباه لأدق التفاصيل؛ وكان الإبحار عبره بمهارة عبارة عن طقس عبور للتقدم في الرتب العليا، وكان، بناء على ذلك، جزءاً مهمّاً من الهوية المهنية لأي مسؤول تنفيذي أعلى يتولى منصبه منذ فترة طويلة.
لكن في الواقع تخلصت التكنولوجيا من الحاجة إلى التفتيش والتحكم الإداريَّين القديمي الطراز. وكما أوضح كورتوا، فإنه حين يصبح لدى الجميع لوحة المعلومات Dashboard نفسها، سيتمكن المسؤولون التنفيذيون من تمضية وقت أقل بكثير على المراجعة؛ فبدلاً من المراجعة، يمكنهم تركيز وقت اجتماعهم على التعلّم:
نمتلك جميعاً لوحة المعلومات نفسها، لذلك يجب ألا نُفاجَأ حين نعلم «أن هذه الأعمال في ورطة بالفعل، نعم، أو أن تلك الأعمال مزدهرة، نعم». ولذلك لا فائدة من المبالغة في الأمر. فالأكثر أهمية بالنسبة إلينا هو السبب والكيفية، وأن نحاول هيكلة المناقشة حول ما نستطيع تعلّمه.
وفور تخلص كورتوا من المناسبة نصف السنوية الضخمة، تحوّلت الاجتماعات ربع السنوية الأربعة من أن تكون مخصصة لمراجعة الأعمال إلى اجتماعات ترابط أعمال ربع سنوية Quarterly business connections، وهو تغيير في الاسم أدى إلى جلسات أقصر وأخف وأكثر تفاعلية. فالنموذج الجديد، مثلاً، حد من عدد الشرائح التقديمية التي يعرضها المديرون في الاجتماعات إلى عُشْر العدد السابق. وشُجِّع القادة على التصرف كمرشدين أكثر منهم مفتشين، ليسألوا أسئلة مثل: «ماذا تجربون؟ ما الذي ينجح؟ ما الذي لا ينجح؟ كيف نستطيع أن نساعد؟» في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وحدها، حسب أحد المديرين التابعين لكورتوا أنه وفر أربعة آلاف ساعة من الإعداد — وبرأيه، يُستحسَن تمضية الوقت مع العملاء والموظفين.
إلغاء الاجتماعات التنسيقية في إيه أند أو
في عصر التكنولوجيات الإدراكية التحويلية، مثل الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، يتضح أن الممارسات الإدارية يجب أن تكون سريعة الحركة Nimble أيضاً. ومن بين هذه الممارسات، تخلصت شركات كثيرة من التقييمات والتصنيفات السنوية للأداء، فهي لم تعد مناسبة للغرض.5T. Koulopoulos, “Performance Reviews Are Dead. Here’s What You Should Do Instead,” Inc., Feb. 25, 2018, www.inc.com.
فقد أشار المنتقدون إلى أن المراجعات السنوية تستغرق وقتاً أطول مما ينبغي في مقابل القيمة التي تضيفها وتحمّل الموظفين المسؤولية عن سلوك سابق على حساب تحسين الأداء الحالي وإعداد المواهب للمستقبل. كذلك، فإن المؤسسات التي تتبنى ثقافة تعاونية لكنها تُواصِل استخدام نظام إدارة أداء قائم على منحنى قسري Forced-curve performance management system تنشئ من دون قصد بيئة يجب أن يتنافس فيها الموظفون مع بعضهم بعضاً على الدرجات العالية، مما يحد من التعاون بين الوحدات، مثلما حصل في مايكروسوفت.6H. Ibarra, A. Rattan, and A. Johnston, “Satya Nadella at Microsoft: Instilling a Growth Mindset,” Harvard Business Review case no. LBS128 (Boston: Harvard Business School
Publishing, June 1, 2018). ويُقَال إن بروكتر أند غامبل Procter & Gamble، مثلاً، حررت كثيراً من الوقت الممكن تخصيصه لتطوير الموظفين من خلال التخلّص من كل من التصنيفات المستندة إلى منحنى قسري وجلسات معايرة المواهب Talent calibration sessions، فالعمليتان، كما يرى المديرون، تدهورتا إلى مساومات عشوائية.7P. Cappelli and A. Tavis, “HR Goes Agile,” Harvard Business Review 96, no. 2 (March-April 2018).
وهذا ما حصل في ألن أند أوفري Allen & Overy (إيه أند أو A&O)، وهي من شركات المحاماة الخمس الأكبر في العالم، فهي صارت في عام 2019 الشركة الأولى من بين الشركات النظيرة لها التي تتخلص من عملية المراجعة التقليدية للأداء. وكانت إيه أند أو استثمرت في دمج التكنولوجيا مع تقديم الخدمات القانونية التقليدية8“Allen & Overy Annual Report and Financial Statements: For the Year Ended 30 April 2018,” Allen & Overy, accessed Sept. 10, 2019, www.allenovery.com. وطمحت إلى رعاية «ثقافة تعاونية حيث يمكن للأفراد الموهوبين، الذين يعملون معاً، الازدهار حقّاً وتحقيق أشياء عظيمة» وحيث «لا يكون التفكير الواسع الخيال والمستقل موضع تشجيع فحسب بل متوقعاً أيضاً».9“Our History,” Allen & Overy, accessed Sept. 10, 2019, www.allenovery.com.
وكما هي الحال في كل شركة محاماة بارزة أخرى، خصص الشركاء Partners كميات مبالغاً فيها من الوقت لاجتماعات التنسيق Moderation meetings الهادفة إلى وضع تقييم للأداء المقارن Comparative performance assessment للشركاء المشاركين Associates المبتدئين، بالاستناد عادة إلى منحنى توزيع قسري. وكانت اجتماعات التنسيق شاقة – في نظر الكثيرين- لكن ضرورية أيضاً لمعايرة المعايير Calibrating standards بين الفرق. وكما قال لي أحد الشركاء المشاركين: «بخلاف ذلك، سينتهي بكم الأمر بالنظر في موظفيكم كما لو كنتم في فراغ. فأنتم بحاجة أحياناً إلى التحقق من الفهم لضمان أن يكون ما تعتبرونه رائعاً بالفعل». وبينما ظل بعض الشركاء يعتبرون الاجتماعات مفيدة، اعتقد كثر أنهم لم يعودوا يحصلون على قيمة جيدة من الوقت والجهد اللذين تطلبتهما العملية. وبادئ ذي بدء، شعر البعض بأن الممارسة شجعت على المساومات، مما عزز الجيوب المنعزلة Silos التي كانوا يحاولون اختراقها. وضغط رؤساء المجموعات الممارسة Practice groups من أجل الحصول على شركاء مشاركين لهم، «كان الأمر أشبه بخوض معركة لتحقيق ذلك»، على حد تعبير أحدهم. واعتبر آخرون عملية التصنيف Ranking process عائقاً أمام أنواع محادثات التطوير التي يرغب الشركاء المبتدئون في إجرائها وترغب الشركة في تشجيعها؛ لأن “العدد” الذي حصل عليه الشخص تَحوَّل عادة في النهاية إلى الملاحظة Feedback الرئيسية التي يتلقاها ردا على ما يقدمه.
تتمثل المشكلة باستمرار الممارسات التي كانت حيوية يوماً، لكنها الآن تبيّن فقط أن المشاركين يعرفون كيف يلعبون اللعبة.
وأصر ديفيد بنتون David Benton، رئيس أسواق المال في إيه أند أو، وقد ألهمه تعلّمه لما تفعله شركات أخرى، أن تنفذ الشركة تحولاً تجريبياً Pilot بعيداً من التصنيف العددي Numerical rating باعتباره مؤشراً على قدرة الشخص وأدائه وإمكاناته. وكما وصف زملاؤه الأمر لي، كان بنتون يطرح أسئلة لم يتمكن النظام الحالي، بتقييمه السنوي، من معالجتها: «كيف يمكن لنا أن نضمن حدوث المحادثات الصحيحة عند كل مستوى؟ وكيف يمكن لنا أن نحدد المواهب ونساعد على رعايتها بشكل أفضل؟ وما الذي قد يساعد على احتواء المحادثات الفردية بين الشركاء والشركاء المشاركين معلومات مفيدة؛ فيفهم الشركاء المشاركون كيفية متابعة مهامهم وما الفرص المتاحة لهم؟»
وبحلول عام 2019، وبعد ثلاث محاولات تجريبية، بدأ العمل بنظام جديد لإدارة الأداء في كل مكتب من مكاتب إيه أند أو تقريباً — واختفى التقييم والتصنيف القديمان. وأشارت بيانات الاستطلاعات ومجموعات التركيز Focus groups إلى زيادة في رضا الموظفين عن الملاحظات الواردة لهم من مديريهم، وعن دعم تطورهم المهني، وأبلغ الشركاء عن رضاهم عن مناقشات تطوير المواهب التي حلت محل اجتماعات التنسيق القديمة.
ما الذي يجب عليكم أن تتوقفوا عن فعله؟
يجب أن يكون واضحاً أن المشكلة لا تكمن في إجراء مراجعات للأعمال أو في إجراء معايرة للمواهب، ولن تكمُن في المستقبل في كتابة مذكرات داخلية مؤلَّفة من ست صفحات للترويج لأفكار، أو في أي ممارسات أخرى رائجة اليوم. وتتمثل المشكلة باستمرار الأشياء التي كانت حيوية يوماً لكنها الآن تعمل فقط لتبيّن أن المشاركين يعرفون كيف يلعبون اللعبة عند المستويات العليا.
وإذ يسعى معظم القادة إلى تحقيق التحول الرقمي، فإنهم يعرفون أن عليهم أيضاً تنظيم تحول ثقافي — من إعطاء الأولوية للتنفيذ الخالي من العيوب إلى تقدير التعلّم والتجريب الأكثر رشاقة، ومن أداء عمل منعزل إلى رعاية التعاون الحقيقي بين التخصصات، ومن تقييم الأداء السابق للموظفين إلى تمكين تطورهم المستقبلي.
صياغة الطموح هي الجزء السهل من المهمة. أما تحطيم ما يعوق التحرك في هذا الاتجاه؛ فأصعب بكثير.
في التحول من الطرق القديمة لفعل الأشياء، تعبّر الممارسات الرمزية عمّا يسميه عالم النفس في جامعة هارفارد Harvard University روبرت كيغان Robert Kegan التزامات متنافسة Competing commitments: فهي أولويات متضاربة تبقي في الواقع قدماً على دواسة المكابح في حين تضغط القدم الأخرى على دواسة المسرّع. فنحن نريد أن نكون أكثر رشاقة وابتكاراً، مثلاً، لكن من دون تقليص الهوامش أو الكفاءة. ونريد مفكرين مبدعين، لكننا لا نريد أن نفقد السيطرة الإدارية.
ولرعاية التغيير الثقافي الحقيقي، يجب أن يوائم القادة بين ما يقولونه وبين طريقة عمل شركاتهم بالفعل حين يحلون المشكلات المهمة ويتخذون القرارات الرئيسية. ويجب أن تنسى مؤسساتهم الدروس المستفادة من سنوات التجربة وأن تفهم أن القيم الثقافية نفسها التي جعلتها ناجحة في الماضي ربما تصلبت إلى ممارسات أيقونية تعوقها الآن. وفي هذا الجهد، يكون ما يجرؤون على التخلص منه أكثر أهمية مما يقرر القادة تطبيقه.
المراجع
↑1 | See, for instance, G. Westerman, D.L. Soule, and A. Eswaran, “Building Digital-Ready Culture in Traditional Organizations,” MIT Sloan Management Review 60, no. 4 (summer 2019): 59-68. |
---|---|
↑2 | E.H. Schein, “Organizational Culture and Leadership,” 5th ed. (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2016). |
↑3 | J. Bezos, “2017 Amazon Annual Report,” Amazon, accessed Sept. 10, 2019, https://ir.aboutamazon.com. |
↑4 | H. Ibarra and A. Jones, “Jean-Philippe Courtois at Microsoft Global Sales, Marketing, and Operations: Empowering Digital Success,” Harvard Business Review case no. LBS218 (Boston: Harvard Business School Publishing, May 1, 2019). |
↑5 | T. Koulopoulos, “Performance Reviews Are Dead. Here’s What You Should Do Instead,” Inc., Feb. 25, 2018, www.inc.com. |
↑6 | H. Ibarra, A. Rattan, and A. Johnston, “Satya Nadella at Microsoft: Instilling a Growth Mindset,” Harvard Business Review case no. LBS128 (Boston: Harvard Business School Publishing, June 1, 2018). |
↑7 | P. Cappelli and A. Tavis, “HR Goes Agile,” Harvard Business Review 96, no. 2 (March-April 2018). |
↑8 | “Allen & Overy Annual Report and Financial Statements: For the Year Ended 30 April 2018,” Allen & Overy, accessed Sept. 10, 2019, www.allenovery.com. |
↑9 | “Our History,” Allen & Overy, accessed Sept. 10, 2019, www.allenovery.com. |