أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالابتكارريادة أعمال

دفع الابتكار الموجه بالاستدامة

يمكن للمؤسسات أن تلجأ إلى الابتكار لمعالجة المشكلات البيئية والاجتماعية – لكنها تحتاج إلى بناء الثقافة الصحيحة.

تايس إتش. جاي. غيرادتس، نانسي إم. بي. بوكين
ليس من المستغرب إيلاء العديد من الشركات الكبيرة المتعددة الجنسيات اهتماماً متزايداً للابتكار الموجه بالاستدامة Sustainability-oriented innovation (الذي نعرّفه على نطاق واسع بأنه تحسينات من أجل الصالح الاجتماعي، وليس فقط مبادرات «خضراء»).1D. Kiron, N. Kruschwitz, M. Reeves, and E. Goh, “The Benefits of Sustainability-Driven Innovation,” MIT Sloan Management Review 54, no. 2 (winter 2013): 69-73; J. Jay and M. Gerard, “Accelerating the Theory and Practice of Sustainability-Oriented Innovation,” working paper 5148-15, MIT Sloan School of Management, Cambridge, Massachusetts, July 2015; R. Nidumolu, C.K. Prahalad, and M.R. Rangaswami, “Why Sustainability Is Now the Key Driver of Innovation,” Harvard Business Review 87, no. 9 (September 2009): 56-64; and S. Schaltegger and M. Wagner, “Sustainable Entrepreneurship and Sustainability Innovation: Categories and Interactions,” Business Strategy and the Environment 20, no. 4 (April 2011): 222-237. وفي مواجهة التحديات والضغط المتزايد من الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمستثمرين والموظفين على الشركات لتكون أكثر وعياً بالآثار البيئية والاجتماعية لأنشطة الأعمال، فإن الشركات تسعى إلى تطوير طرق لأداء الأمور بشكل مختلف في الوقت الذي تسعى فيه أيضاً إلى إيجاد فرص للنمو.2N. Bocken, S. Short, P. Rana, and S. Evans, “A Literature and Practice Review to Develop Sustainable Business Model Archetypes,” Journal of Cleaner Production 65, no. 15 (February 2014): 42-56. ونتيجة لذلك، تحاول شركات كثيرة الاستفادةَ من القدرات على صعيدي الإبداع وريادة الأعمال لدى موظفيهم؛ فيشجعونهم على تطوير منتجات أو خدمات أو نماذج أعمال جديدة تولد قيمة لكل من الشركة والمجتمع.3P. Polman and C.B. Bhattacharya, “Engaging Employees to Create a Sustainable Business,” Stanford Social Innovation Review 14, no. 4 (fall 2016): 34-39.

وليس الابتكار الموجه بالاستدامة جديداً – فقد درس الباحثون ذلك لأكثر من عقد.4A.B. Lovins, L.H. Lovins, and P. Hawken, “A Road Map for Natural Capitalism,” Harvard Business Review 77, no. 3 (May-June 2007); and R. Adams, S. Jeanrenaud, J. Bessant, D. Denyer, and P. Overy, “Sustainability-Oriented Innovation: A Systematic Review,” International Journal of Management Reviews 18, no. 2 (May 2016): 180-205. لكن مع تبني المؤسسات التقليدية لتكنولوجيات جديدة ونماذج أعمال، يجد البعض صعوبة في جعل الموظفين يفكرون كرواد أعمال، وهو أمر ضروري لبناء ثقافة مبتكرة تلتزم بحل المشكلات البيئية والاجتماعية.5C.B. Bhattacharya and P. Polman, “Sustainability Lessons From the Front Lines,” MIT Sloan Management Review 58, no. 2 (winter 2017): 71-78. ولمعرفة ما تقوم به الشركات الرائدة لمعالجة هذا التحدي، أجرينا مقابلات مع مديرين في سبع شركات متعددة الجنسيات معترف بها لأنشطتها المتعلقة بالاستدامة: أكزو نوبل AkzoNobel (شركة هولندية للدهانات والمواد الكيميائية)، وإنترفيس Interface (شركة أمريكية لتصنيع السجاد)، وجونسون أند جونسون Johnson & Johnson (شركة أمريكية للمنتجات الطبية والأدوية والبضائع الاستهلاكية)، وبيرسون للتعليم Pearson Education (شركة بريطانية للتعليم والنشر)، وكونينكليكا فيليبس Koninklijke Philips (شركة هولندية تعمل في مجال الرعاية الصحية والإلكترونيات الاستهلاكية والإضاءة)،6في عام 2016، فصلت فيليبس قسم الرعاية الصحية ونمط حياة المستهلك عن أعمال الإضاءة الخاصة بها. وتُعرَف الآن شركة الرعاية الصحية ونمط حياة المستهلك باسم «رويال فيليبس». وفي عام 2018، غُيِّر اسم «فيليبس للإضاءة» إلى «سيغنيفاي». يو بي إس UBS (شركة سويسرية للخدمات المالية)، ويونيليفر Unilever (شركة هولندية – بريطانية للبضائع الاستهلاكية). وفي هذه المقالة، ندمج تجارب هذه الشركات مع الاستنتاجات المستخلصة من دراسات سابقة لتوضيح ما هو الابتكار الفاعل الموجه بالاستدامة، ولوصف الكيفية التي يمكن بها لهذه الشركات رعاية التفكير والسلوك الرياديين اللذين سيحفِّزان جهوداً كهذه.

كيف تبدو ثقافة الابتكار الموجه بالاستدامة

يتخذ الابتكار الموجه بالاستدامة عدة أشكال – كل شيء من تطوير منتجات أو خدمات جديدة أو محسنة إلى إنشاء عمليات ونماذج أعمال جديدة تجلب منافع للبيئة أو المجتمع ككل.7Adams et al., “Sustainability-Oriented Innovation: A Systematic Review”; and E. Hansen and F. Grosse-Dunker, “Sustainability-Oriented Innovation” in “Encyclopedia of Corporate Social Responsibility,” vol. 1, eds. S.O. Idowu et al., (New York: Springer, 2013), 2,407-2,417. وفي حين أن الابتكارات نفسها قد تكون أو لا تكون مزعزعة أو راديكالية، فإن الفكرة تتمثل في التخفيف من الآثار السلبية للحلول القائمة أو، بشكل أفضل حتى، إحداث أثر إيجابي.8H. Plieth, A.C. Bullinger, and E.G. Hansen, “Sustainable Entrepreneurship in the Apparel Industry,” Journal of Corporate Citizenship, no. 45 (2012): 123-136.

وفي وصف البيئات التي تعزز بنجاح الابتكار الموجه بالاستدامة، أبرز معظم المسؤولين التنفيذيين والمديرين الذين قابلناهم الرابط الوثيق بين الغرض الفردي والغرض المؤسسي وأهمية ربط المصالح البعيدة الأجل للشركة بمصلحة المجتمع. (شاعت هذه المواضيع في دراسات أخرى، كذلك.9P. Polman and C.B. Bhattacharya, “Engaging Employees to Create a Sustainable Business.”) وهناك شريحة من الموظفين، كما لاحظ الأشخاص الذين أُجرِيت معهم المقابلات، اختاروا صاحب عملهم عمداً على أساس التزامه بالاستدامة. فوجود غرض مشترك، كما يقول كثرون، يساعد على تحديد اتجاه ما يفعله الأفراد والشركات بالفعل.10E. Hollensbe, C. Wookey, L. Hickey, G. George, and C.V. Nichols, “Organizations With Purpose,” Academy of Management Journal 57, no. 5 (October 2014): 1,227-1,234. وعند مواءمة أغراض الأفراد والشركات، يلاحظ المديرون أن الموظفين على استعداد للذهاب إلى أبعد مما هو مطلوب للتعبير عن قيمهم.

سؤال أساسي كيف يمكن للشركات دفع الموظفين للسعي إلى تحقيق الابتكار الذي يعزز الاستدامة؟ الاستنتاجات *يجب أن يوضح المديرون غرض الشركة وكيف تناسبه الاستدامة. *يجب أن يحضوا على المشاركة ويحفزوها من خلال إدارة الأداء والإبلاغ الذي يتضمن الاستدامة. *يجب عليهم التأكد من أن الموظفين يمتلكون الوسائل والفرص الكافية للتعاون.

بناء الثقافة الصحيحة

صُمِّم بحثنا لمساعدة الشركات على دفع الموظفين وتحفيزهم لتغيير سلوكهم ودعم المبادرات الجديدة بنشاط. إذاً ما الذي يمكن أن يفعله المسؤولون التنفيذيون والمديرون لتعزيز الابتكار الذي يركز على الاستدامة في مؤسساتهم؟ استناداً إلى تجارب الشركات السبع التي درسناها (والتي تعزز الاستنتاجات من أبحاث أخرى)،11J.E. Austin and E. Reficco, “Corporate Social Entrepreneurship,” working paper 09-101, Harvard Business School, Boston, Massachusetts, March 2009; R.M. Kanter, “How Great Companies Think Differently,” Harvard Business Review 89, no. 11 (November 2011): 66-78; D.F. Kuratko, J.S. McMullen, J.S. Hornsby, and C. Jackson, “Is Your Organization Conducive to the Continuous Creation of Social Value? Toward a Social Corporate Entrepreneurship Scale,” Business Horizons 60, no. 3 (May-June 2017): 271-283.21; and C.A. Ramus, “Encouraging Innovative Environmental Actions: What Companies and Managers Must Do,” Journal of World Business 37, no. 2 (summer 2002): 151-164. حددنا خمسة عناصر أساسية. أولاً، تحتاج الشركات إلى توجيه واضح وأن تكون قادرة على شرح الغايات Goals للموظفين. ثانياً، تحتاج إلى توفير ميزانية كافية وموارد أخرى (بما في ذلك المكان والزمن والتدريب) للسعي إلى تحقيق الغايات. ثالثاً، يجب أن يتوفر لها ما نسميه «مجال التعاون» Room for collaboration – أي إنها بحاجة إلى السماح للموظفين بالعمل مع أجزاء أخرى من المؤسسة أو المشاركة مع مورّدين وعملاء ومنظمات غير حكومية وأطراف خارجية أخرى لمعالجة الفجوات في المهارات والموارد. رابعاً، يجب على الشركات تقديم تعزيز إيجابي إلى الموظفين الذين يشاركون في مشاريع الابتكار الموجهة إلى الاستدامة. وأخيراً، تحتاج إلى وضع إجراءات للمساءلة تكرس خلق القيمة الاجتماعية والبيئية كأولوية.

إتجاه واضح. لترجمة غرض Purpose الشركة إلى عمل، من المهم للمديرين صياغة كيفية تناسب الاستدامة مع الأهداف العامة للشركة. ويتضمن ذلك شرح الكيفية التي يدعم بها الابتكار الموجه بالاستدامة الاستراتيجية ويتكامل في العمليات اليومية. ففي يونيليفر، مثلاً، جعل الرئيس التنفيذي بول بولمان Paul Polman النمو المستدام أولوية استراتيجية وجزءاً أساسياً من نموذج النمو البعيد الأجل للشركة. وبدعم من بولمان، أنشأت الشركة خارطة طريق تهدف إلى زيادة الأثر الاجتماعي الإيجابي ليونيليفر مع تعزيز موقعها التنافسي. وقال موظفو يونيليفر الذين تحدثنا إليهم إن الخطة تحفزهم، ويرى الكثيرون منهم أنها دعوة إلى البحث عن طرقهم الخاصة للسعي إلى تحقيق الابتكار الموجه بالاستدامة.

ومع ذلك، وجدنا أن المديرين بحاجة إلى أن يكونوا مستعدين للذهاب إلى أبعد من مجرد التعبير عن تشجيع جهود الابتكار الموجهة بالاستدامة. ويجب عليهم توجيه الموظفين الذين يشاركون في أنشطة كهذه ودعمهم. مثلاً، في إنترفيس، الشركة المصنعة للسجاد، كان أحد أكثر الأهداف البعيدة الأجل لمؤسسها راي أندرسون Ray Anerson، في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، هي التوصل إلى مستوى صفري من النفايات. ويواصل المجلس التنفيذي لإنترفيس تشجيع الموظفين على إنشاء منتجات وعمليات ومواد جديدة موجهة بالاستدامة، ويواصل تحديد الخطوات التي قد يتخذها الموظفون لتنفيذ رؤية أندرسون. وفي مبادرة يقودها الموظفون، تتعاون إنترفيس مع مجتمعات الصيد الصغيرة في الفلبين والكاميرون لإعادة تدوير شباك الصيد المهملة المصنوعة من النايلون وتحويلها إلى مواد لسجاد جديد. ولدعم نموذج الأعمال، يتولى المسؤولون التنفيذيون بشكل نشط وعلني مبادرات موجهة بالاستدامة كهذه المبادرة، ومن ثم إضفاء الشرعية داخلياً على الأنشطة.

ووجدنا أن وجود مجموعة متماسكة من قيم الاستدامة المؤسسية قد يكون بمثابة بوصلة للسلوك وصنع القرار بالنسبة إلى الموظفين. ولا تقتصر عقيدة جونسون أند جونسون – التي تضع «احتياجات الأشخاص الذين نخدمهم ورفاهيتهم أولاً» – على وصف التزام الشركة بالمجتمع. بل تعطي الموظفين أيضا سياقاً واضحاً للتصرف. وفي الآونة الأخيرة، شرعت موظفة في جونسون أند جونسون في بذل جهود لتحسين إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية النفسية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبمجرد أن ألهمتها ومكّنتها رسالة الشركة، اتخذت خطوات للابتكار تبعاً لذلك، وحددت الشركة طرقاً لتوفير التدريب للمحترفين في مجال الصحة النفسية في المنطقة وتوفير حصول السكان المحليين على أدوية أقل تكلفة.

الميزانية والموارد. إضافة إلى تحديد اتجاه واضح، يتعين على الشركات التي تسعى إلى تعزيز الابتكار الموجه بالاستدامة التأكد من حصول الموظفين على التمويل اللازم والخبرة والدعم المؤسسي للسعي إلى تحقيق مشاريع ذات صلة. ويدرك كل من الشركات التي درسناها أهمية توفير الموارد المالية ومساعدة الموظفين على الاتصال بالخبراء المناسبين. وفي العديد من الحالات، تقدم وحدات الأعمال المساندة والموظفون الذين يتولون أدواراً مختلفة في كل أنحاء المؤسسات الدعم إلى المشاريع الموجهة بالاستدامة ويعززون خصائص المبادرات. مثلاً، كرست بيرسون، شركة التعليم، ما تسميه حاضنة سوق الغد في عام 2016 لاستكشاف المنتجات والمشاريع الجديدة الممكنة التي تركز على توسيع الفرص التعليمية للموظفين في المجتمعات الصغيرة ذات الدخل المنخفض.

ويمكن للموظفين الذين لديهم أفكار يعتقدون أنها واعدة التقدم للحصول على التمويل، وتلقي الدعم من المسؤولين التنفيذيين، والحصول على إجازة لتنفيذ خطط أعمالهم.

ومثل بيرسون، يمنح العديد من الشركات التي درسناها الموظفين الإذن والمرونة للسعي إلى تحقيق الأنشطة الموجهة بالاستدامة التي يهتمون بها. فيليبس، مثلاً، تعطي العلماء في قسم الابتكار وقتاً في أيام الجمعة للعمل على مشاريعهم الخاصة وتتيح لهم التقدم إلى زمالات بحثية مدتها ثلاثة أشهر للسعي إلى تحقيق الأفكار المثيرة لاهتمامهم. إضافة إلى ذلك، تتيح الشركة لمشاريع الاستدامة مجالاً أوسع من حيث مدى السرعة المتوقعة لإظهار العوائد.

ومن الواضح أن قدرة الشركة على الابتكار بنجاح تتطلب أكثر من مجرد الطموح والوقت والموارد المالية.12B. Jenkins, “Cultivating the Social Intrapreneur,” Stanford Social Innovation Review 4, no. 9 (January 2018). فهي تعتمد أيضاً على القدرة على جذب المواهب الصحيحة ومساعدة الموظفين على تطوير القدرات والمهارات الصحيحة. واعترافاً منها بأنها لم تكن تجذب عدداً كافياً من الموظفين ذوي العقلية الريادية، فقد غيرت يونيليفر طريقة توظيفها للخريجين الجدد، وأضافت برنامجاً جديداً يركز على توظيف الأفراد من ذوي عقلية الاستدامة. وأنشأت جونسون أند جونسون، من جانبها، ما تسميه برنامج رواد الأعمال الاجتماعيين Social Intrapreneurship Program، المصمم على غرار برنامج طوره معهد أسبن، وهو يهدف بشكل خاص إلى مساعدة الموظفين على تعلم كيفية تطوير مبادرات تركز على الاستدامة.

ويُعلِّم الاستشاريون المشاركين كيفية جذب الموارد وتحديد الشركاء والعمل بشكل تعاوني لتحقيق الغايات المشتركة.

ومن بين الشركات التي درسناها، تبرز إنترفيس في التزامها بالتدريب. إذ يمر كل موظف جديد ببرنامج تدريبي إلزامي يشرح بالتفصيل أهمية الاستدامة لإنترفيس، ويصف الأنشطة الجارية ويستحث الموظفين ليبحثوا عن فرص جديدة للابتكار الموجه بالاستدامة. كذلك توفر الشركة تدريباً اختيارياً متقدماً يهدف إلى مساعدة الموظفين على أن يصبحوا أكثر فاعلية في حل المشكلات المجتمعية. ويقول الموظفون إن التدريب يساعد على توجيههم نحو فلسفة إنترفيس واستراتيجيتها؛ مما يجعلهم يشعرون بمزيد من الإيجابية تجاه الشركة.

تتطلب قدرة الشركة على الابتكار بنجاح أكثر من مجرد الطموح والوقت والموارد المالية. فهي تعتمد أيضاً على القدرة على جذب المواهب الصحيحة ومساعدة الموظفين على تطوير القدرات والمهارات الصحيحة.

 

مجال للتعاون. شدد العديد من المديرين الذين قابلناهم على أهمية العلاقات التعاونية داخل شركاتهم ومع مجموعات من الخارج. فقد تحدث العديد من الأشخاص الذين قابلناهم عن الآثار السلبية التي قد يحدثها التنافس الداخلي والتفكير المعزول في الابتكار وعن منافع التعاون في التخصصات. وتعزز بعض الشركات هذه الفكرة من خلال الحوافز السلوكية. انظروا في يو بي إس، التي ركزت أكثر على التعاون على مدار السنوات العديدة الماضية لا تروِّج الإدارة الرفيعة بشكل منتظم لقيمة التعاون فحسب، بل تجعلها جزءاً من تقييم أداء الموظفين وأساس مكافآت التقدير.

وأعادت شركات أخرى توزيع القدرات الداخلية من خلال تطوير برامج موجهة بالاستدامة باعتبارها فروعاً لأعمالها التقليدية. فمثلاً، أرادت فيليبس الاستفادة من خبرتها كشركة متخصصة بالإضاءة لتطوير نماذج الأعمال التي تحقق منافع لكل من الأعمال والبيئة. ومن خلال محادثات مع أحد عملائها، جاءت فكرة بيع «الضوء كخدمة» لعملاء تجاريين. فبدلاً من بيع معدات الإضاءة بطريقة تقليدية، تصمم فيليبس نظاماً موفراً للطاقة وتفرض رسماً – مع التزام بتكييف النظام مع تغير احتياجات العميل وإعادة تدوير النظام في النهاية.13Philips’ Light-as-a-Service Offering, Nov. 22, 2016, smartcitiesworld.net.

ومكّن وجود شراكات خارجية، وفق ما أخبرنا الأشخاص الذين قابلناهم، شركاتهم من الوصول إلى قدرات لم تكن متوفرة لديهم داخلياً مع تكريس روابط جديدة مفيدة.14 C. Kraaijenhagen, C. van Oppen, and N.M. Bocken, “Circular Business: Collaborate and Circulate” (Amersfoort, Netherlands: Circular Collaboration, 2016); and I. Weissbrod and N.M. Bocken, “Developing Sustainable Business Experimentation Capability — A Case Study,” Journal of Cleaner Production 142, no. 4 (January 2017): 2,663-2,676. مثلاً، في عام 2015 كرست بيرسون علاقة استراتيجية مع منظمة أنقذوا الأطفال Save the Children لتوفير موارد تعليمية للاجئين الأطفال. وكان الهدف المباشر من البرنامج، الذي يُطلَق عليه «كل طفل يتعلم»، زيادة الفرص التعليمية للاجئين السوريين الأطفال الذين يعيشون في الأردن. ومع ذلك، كان تعامل بيرسون كبرنامج تجريبي يمكن تكييفه مع مناطق أخرى تمزقها النزاعات.

وأكد العديد من المديرين الذين قابلناهم على أهمية وجود علاقات وثيقة مع الأطراف المعنية التي تركز على المجتمع الصغير في دعم الابتكار الموجه بالاستدامة. وتمكّن علاقات كهذه الشركات من التفاعل مع المجموعات الخيرية المحلية على أساس منتظم؛ مما يسمح للموظفين بتحديد الفرص الريادية الممكنة التي يمكن أن تفيد المجتمع.15T.M. Jones, “Instrumental Stakeholder Theory: A Synthesis of Ethics and Economics,” Academy of Management Review 20, no. 2 (April 1995): 404-437. مثلاً، أنشأت أكزو نوبل، الشركة الهولندية لتصنيع الدهانات والطلاء المتخصص، علاقة مع منظمة غير حكومية في المملكة المتحدة تحمل اسم «إعادة طلاء المجتمع» . وهي تجمع عشرات الآلاف من غالونات الدهانات المتبقية من الأُسر البريطانية كل عام وتعيد تصنيعها لإعادة استخدامها من قبل المجتمعات الصغيرة والجمعيات الخيرية، ومن ثم إبعاد الطلاء عن المكبات.

وفي دراسة عن كيفية تشجيع الشركات على الابتكار الموجه بالاستدامة، وجدنا أن من المهم أن يتمتع الموظفون بالخبرة في مجالهم الخاص، لكنهم يحتاجون أيضاً إلى أن يكونوا متعددي التخصصات؛ لأن القيمة الاقتصادية والمجتمعية التي تولدها مبادراتهم تتجاوز الحدود الوظيفية. وتؤدي الفرق واللجان المتعددة الوظائف دوراً كبيراً في إشراك الأطراف المعنية وتعزيز التعاون. مثلاً، تمتلك إنترفيس برنامج سفير الاستدامة. ولا يقتصر هدفها على تثقيف الموظفين حول الاستدامة وتحديهم للابتكار، بل يشمل أيضاً رعاية فريق من الموظفين المتحمسين والملتزمين من أجزاء مختلفة من الشركة.

التعزيز الإيجابي. إن الطريقة المثلى لدفع الموظفين إلى تجاوز المشاركة الأولية في أنشطة الابتكار تتمثل في تقديم تعزيز إيجابي. ويمنح المديرون ذلك من خلال كل من الإطراءات غير الرسمية والتقدير الرسمي. وعلى الرغم من أن العديد من الموظفين الذين يشاركون في مشاريع الابتكار الموجهة نحو الاستدامة يمتلكون دوافع جوهرية للمشاركة في هذه الأنشطة، يجب على الشركات البحث عن طرق لتوسيع المشاركة وإظهار كيف أن المكافآت الشخصية تتجاوز التكاليف. فعلى الرغم من أن يو بي إس، كشركة خدمات مالية، تعمل في قطاع رفيع التنظيم، فإنها تحاول تشجيع موظفيها على التفكير بشكل ريادي. وفي مناسبة حديثة، تحدث مسؤولون رفيعون وكبار في الشركة عن الحاجة إلى مدح الموظفين الذين يناصرون المبادرات من داخل الشركة ودعمهم.

تحتاج المؤسسات التي ترغب في تعزيز الابتكار الموجه بالاستدامة إلى تحديد مسؤولية الموظفين بطرق تمتد إلى أبعد من الزيادة القصوى في أرباح المساهمين.

الحاجة إلى المسؤولية. تحتاج المؤسسات التي ترغب في تعزيز الابتكار الموجه بالاستدامة إلى تحديد مسؤولية الموظفين بطرق تمتد إلى أبعد من الزيادة القصوى في أرباح المساهمين وتبنِّي أهداف Targets وأنظمة للتقييم تشمل الاستدامة. فوجود حوافز كهذه يشجع الموظفين على العمل نحو أهداف طموحة للتنمية المستدامة.16E.G. Hansen and S. Schaltegger, “The Sustainability Balanced Scorecard: A Systematic Review of Architectures,” Journal of Business Ethics 133, no. 2 (January 2016): 193-221; and E.G. Hansen, F. Grosse-Dunker, and R. Reichwald, “Sustainability Innovation Cube — A Framework to Evaluate Sustainability-Oriented Innovations,” International Journal of Innovation Management 13, no. 4 (December 2009): 683-713. من جانبها، قدمت أكزو نوبل نظام مكافأة يكافئ المديرين الرفيعين والكبار لتلبية الأهداف البعيدة الأجل للاستدامة. ولتشجيع الاستثمار في الابتكار الموجه بالاستدامة، يرتبط %30 من المكافأة المحفزة البعيدة الأجل للمديرين الرفيعين بحسن أداء الشركة في مؤشر وضعته روبيكو سام RobecoSAM، وهي شركة استثمار سويسرية تركز على الاستدامة.

وأشار العديد من الأشخاص الذين أُجرِيت معهم المقابلات إلى أن الشفافية فيما يتعلق بأهداف الاستدامة وأدائها تساعد الشركات على الوفاء بمعايير الإفصاح الجديدة، وتزيد الوعي بين العملاء، وتظهر ما تعتبره الشركة مهماً. وفي بيرسون، مثلاً، قدمت الإدارة التزاماً بالنهوض بالتعليم الجيد والحد من أوجه عدم المساواة. وتماشياً مع هذه الأهداف، بدأت الشركة بإعداد التقارير عن «فاعلية» منتجاتها وخدماتها للطلبة، وتدقق النتائج برايس ووترهاوس كوبرز. ويمكن لممارسات كهذه أن تساعد الشركات على أن تصبح أكثر التزاماً بالمسؤولية وأن تضع أهدافاً ومعايير أعلى.17T. Hahn and F. Figge, “Why Architecture Does Not Matter: On the Fallacy of Sustainability Balanced Scorecards,” Journal of Business Ethics 150, no. 4 (March 2016): 1-17.

ويمكن للابتكار الموجه بالاستدامة أن يساعد الشركات على أن تصبح أكثر تنافسية وأن تحدد أسواقاً جديدة مع معالجة احتياجات العالم. ومع ذلك، ما لم توفر الإدارة فهماً واضحاً للغرض، والموارد المناسبة، والبيئة التعاونية، والتعزيز الإيجابي Positive reinforcement، والالتزام بالمسؤولية، ستجد الشركات صعوبة في جعل الموظفين يشاركون في المبادرات الموجهة بالاستدامة. ومن دون الحماسة والالتزام من جانب الموظفين المندفعين، ستخاطر الشركات التي تطمح إلى أن تكون مبتكرة في مجال الاستدامة بفقدان أفضليتها.

تايس إتش. جاي. غيرادتس Thijs H.J. Geradts

تايس إتش. جاي. غيرادتس Thijs H.J. Geradts

محاضر في الإدارة الاستراتيجية وريادة الأعمال من جامعة إراسموس Erasmus University بروتردام بهولندا، وزميل باحث بجامعة نينرود للأعمال Nyenrode Business Universiteit في بروكيلين بهولندا.

نانسي إم. بي. بوكين Nancy M.P. Bocken

نانسي إم. بي. بوكين Nancy M.P. Bocken

أستاذة في الأعمال المستدامة من جامعة لوند Lund University في لوند بالسويد، وأستاذة مساعدة في جامعة دلفت للتكنولوجيا Delft University of Technology بدلفت في هولندا.

حول البحث تستند هذه المقالة إلى 63 مقابلة شبه نظامية Semistructured interviews مع مديرين رفيعين وكبار ومتوسطين يتولون المسؤولية عن أنشطة الابتكار الموجهة بالاستدامة في سبع شركات متعددة الجنسيات. واختيرت الشركات بناءً على تصنيفها في مؤشر داو جونز للاستدامة Dow Jones Sustainability Index واستطلاع غلوب سكان/ساستاين أبيليتي للرأي GlobeScan/SustainAbility survey، الذي يستطلع آراء قادة الفكر حول مسائل الاستدامة. وطلبنا إلى الأشخاص الذين أُجرِيت معهم المقابلات أن يحددوا العوامل التي تحفز الموظفين أو تدعمهم أو تثبطهم أو تعوقهم فيما يتعلق بمشاريع الابتكار الموجهة بالاستدامة داخل شركتهم وأن يقدموا أمثلة عن أفضل الممارسات. بعد ذلك استخدمنا المشاريع والممارسات الأكثر ذِكْراً لوضع لمحتنا العامة.

شكر وتقدير

نود أن نعرب عن امتناننا للمستجيبين في استطلاعنا للرأي الذين يمثلون الشركات المشاركة – أكزو نوبل وإنترفيس وجونسون أند جونسون وبيرسون وفيليبس ويو بي إس ويونيليفر– لمشاركة تجربتهم وتقديم أكثر المدخلات قيمة التي أدت إلى هذه المخطوطة. ونشكر بشكل خاص جهات اتصالنا وهم: أندريه فينمان من أكزو نوبل، وجيان فان أركيل من إنترفيس، وأدريان توماس، وكوري فايل، وغاريت بار من جونسون أند جونسون، وتيودورا بركوفا من بيرسون، وفرانس فان هاوتن وهينك دو بروين وروبرت ميتزكي وساسيكا فيربانت من فيليبس، وأنجيلا فيبك من يو بي إس، وكيلفين هيوز وهانيكي ويلينبرغ وفلوريان فيرناي من يونيليفر الذين كانوا الأكثر دعماً وساعدوا بشكل كبير في البحث. كما أننا ممتنون لكلٍّ من: أندريه نيجوف وبيورن أترستام، وهيدي – يان ليمسترا وجيسون جاي، على تعليقاتهم على نسخة سابقة من المخطوطة.

المراجع

المراجع
1 D. Kiron, N. Kruschwitz, M. Reeves, and E. Goh, “The Benefits of Sustainability-Driven Innovation,” MIT Sloan Management Review 54, no. 2 (winter 2013): 69-73; J. Jay and M. Gerard, “Accelerating the Theory and Practice of Sustainability-Oriented Innovation,” working paper 5148-15, MIT Sloan School of Management, Cambridge, Massachusetts, July 2015; R. Nidumolu, C.K. Prahalad, and M.R. Rangaswami, “Why Sustainability Is Now the Key Driver of Innovation,” Harvard Business Review 87, no. 9 (September 2009): 56-64; and S. Schaltegger and M. Wagner, “Sustainable Entrepreneurship and Sustainability Innovation: Categories and Interactions,” Business Strategy and the Environment 20, no. 4 (April 2011): 222-237.
2 N. Bocken, S. Short, P. Rana, and S. Evans, “A Literature and Practice Review to Develop Sustainable Business Model Archetypes,” Journal of Cleaner Production 65, no. 15 (February 2014): 42-56.
3 P. Polman and C.B. Bhattacharya, “Engaging Employees to Create a Sustainable Business,” Stanford Social Innovation Review 14, no. 4 (fall 2016): 34-39.
4 A.B. Lovins, L.H. Lovins, and P. Hawken, “A Road Map for Natural Capitalism,” Harvard Business Review 77, no. 3 (May-June 2007); and R. Adams, S. Jeanrenaud, J. Bessant, D. Denyer, and P. Overy, “Sustainability-Oriented Innovation: A Systematic Review,” International Journal of Management Reviews 18, no. 2 (May 2016): 180-205.
5 C.B. Bhattacharya and P. Polman, “Sustainability Lessons From the Front Lines,” MIT Sloan Management Review 58, no. 2 (winter 2017): 71-78.
6 في عام 2016، فصلت فيليبس قسم الرعاية الصحية ونمط حياة المستهلك عن أعمال الإضاءة الخاصة بها. وتُعرَف الآن شركة الرعاية الصحية ونمط حياة المستهلك باسم «رويال فيليبس». وفي عام 2018، غُيِّر اسم «فيليبس للإضاءة» إلى «سيغنيفاي».
7 Adams et al., “Sustainability-Oriented Innovation: A Systematic Review”; and E. Hansen and F. Grosse-Dunker, “Sustainability-Oriented Innovation” in “Encyclopedia of Corporate Social Responsibility,” vol. 1, eds. S.O. Idowu et al., (New York: Springer, 2013), 2,407-2,417.
8 H. Plieth, A.C. Bullinger, and E.G. Hansen, “Sustainable Entrepreneurship in the Apparel Industry,” Journal of Corporate Citizenship, no. 45 (2012): 123-136.
9 P. Polman and C.B. Bhattacharya, “Engaging Employees to Create a Sustainable Business.”
10 E. Hollensbe, C. Wookey, L. Hickey, G. George, and C.V. Nichols, “Organizations With Purpose,” Academy of Management Journal 57, no. 5 (October 2014): 1,227-1,234.
11 J.E. Austin and E. Reficco, “Corporate Social Entrepreneurship,” working paper 09-101, Harvard Business School, Boston, Massachusetts, March 2009; R.M. Kanter, “How Great Companies Think Differently,” Harvard Business Review 89, no. 11 (November 2011): 66-78; D.F. Kuratko, J.S. McMullen, J.S. Hornsby, and C. Jackson, “Is Your Organization Conducive to the Continuous Creation of Social Value? Toward a Social Corporate Entrepreneurship Scale,” Business Horizons 60, no. 3 (May-June 2017): 271-283.21; and C.A. Ramus, “Encouraging Innovative Environmental Actions: What Companies and Managers Must Do,” Journal of World Business 37, no. 2 (summer 2002): 151-164.
12 B. Jenkins, “Cultivating the Social Intrapreneur,” Stanford Social Innovation Review 4, no. 9 (January 2018).
13 Philips’ Light-as-a-Service Offering, Nov. 22, 2016, smartcitiesworld.net.
14 C. Kraaijenhagen, C. van Oppen, and N.M. Bocken, “Circular Business: Collaborate and Circulate” (Amersfoort, Netherlands: Circular Collaboration, 2016); and I. Weissbrod and N.M. Bocken, “Developing Sustainable Business Experimentation Capability — A Case Study,” Journal of Cleaner Production 142, no. 4 (January 2017): 2,663-2,676.
15 T.M. Jones, “Instrumental Stakeholder Theory: A Synthesis of Ethics and Economics,” Academy of Management Review 20, no. 2 (April 1995): 404-437.
16 E.G. Hansen and S. Schaltegger, “The Sustainability Balanced Scorecard: A Systematic Review of Architectures,” Journal of Business Ethics 133, no. 2 (January 2016): 193-221; and E.G. Hansen, F. Grosse-Dunker, and R. Reichwald, “Sustainability Innovation Cube — A Framework to Evaluate Sustainability-Oriented Innovations,” International Journal of Innovation Management 13, no. 4 (December 2009): 683-713.
17 T. Hahn and F. Figge, “Why Architecture Does Not Matter: On the Fallacy of Sustainability Balanced Scorecards,” Journal of Business Ethics 150, no. 4 (March 2016): 1-17.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى