هناك بالفعل ”أنا“ في الفريق
إيلاد إن. شيرف – سوبرا تانجيرالا – أليكس نينغ لي
تخيلوا تشغيل مصنع يجمّع أجهزة إلكترونية. يعمل المشغلون لديكم في فرق مترابطة جداً على خطوط التجميع، وهم يتعاملون مع تغيير تكنولوجي أساسي نفذتموه أخيراً. وُضِعت أذرع روبوتية وآلات آلية لتبسيط عملية التجميع، كي تحل محل عديد من المهام التي كانت تؤديها اليد سابقاً.
الآن تتعامل الأذرع الروبوتية مع الحركات المتكررة والدقيقة، مثل شد المكونات معاً وتطبيق المواد اللاصقة. يريح هذا التغيير المشغلين لديكم من العمل العادي ويتيح لهم التركيز على جوانب أكثر تعقيداً من عملية التجميع، مثل مراقبة الجودة واستكشاف الأخطاء وإصلاحها وتحسين العملية. ومع ذلك يجب عليهم التكيف مع بيئة العمل الجديدة: هم في حاجة إلى تعلم كيفية تشغيل الأنظمة المؤتمتة وصيانتها بنمط فردي مع تعلم كيفية التنسيق بنحو مختلف كمجموعة.
هذا النوع من التغيير الأساسي في كيفية ارتباط أعضاء الفريق بأدوارهم الفردية وبعضهم ببعض يعمل في أنواع أماكن العمل كلها. سواء كان ذلك ناتجاً عن قرارات تنظيمية لاعتماد تكنولوجيا جديدة أو تنظيمات جديدة أو تحولات هيكلية Structural transformations، هو يتطلب التكيف على مستوى الفرد والفريق.
قد يحتاج أعضاء فريق المحاسبة الذين يعانون التغييرات في قوانين الإفصاح Disclosure laws، مثلاً، إلى إتقان قواعد الإبلاغ الجديدة بنمط فردي إضافةً إلى إعادة التفكير في التعاون داخل الفريق لإنشاء أنظمة رقابة داخلية جديدة. قد يحتاج موظفو المؤسسة الذين ينتقلون من هيكل وظيفي إلى هيكل إداري إلى اكتساب المعرفة بنمط فردي حول المنتجات والخدمات التي يقدمها كل قسم إضافة إلى تعلم كيفية التنسيق الفاعل مع الزملاء في البيئة الجديدة متعددة الوظائف.
يُعَد التغلب على تحديات التعلم والتكيف المزدوجة هذه أمراً أساسياً لإدارة التغيير الناجحة، لكن كما لاحظنا في ورقتنا الأخيرة في دورية العلوم التنظيمية Organization Science، لا يولي القادة في كثير من الأحيان اهتماماً كافياً لما إذا كان الأفراد في فريقهم يعيدون تشكيل المهارات Reskill أو متى أو كيف يفعلون ذلك – وعندما يفعلون ذلك، في الأغلب يكون تركيزهم على الفريق ككل. يُظهر بحثنا أن فوائد قد تتوافر لجعل إعادة تشكيل المهارات الفردية أولوية. كشفت دراستنا لكيفية تكيف الفرق والأفراد مع التغيير في شركة تصنيع أن الفرق، عندما يحدث التعلم الفردي أولاً، تتكيف بسهولة أكبر مع التغيير الأساسي.
إعادة تشكيل مهارات الفرد قبل الفريق
يتطلب العمل الجماعي الناجح مهارات على مستويين مختلفين: يحتاج أعضاء الفريق إلى أن يصبحوا بارعين في مهامهم الخاصة، ويحتاجون إلى العمل معاً بنحو جيد. وإلى أن يتقن أعضاء الفريق مهاراتهم الفردية، نزعم أن من الصعب على الفريق إتقان التنسيق الجماعي وتعزيزه إلى حده الأقصى. ذلك لأن الإتقان الجماعي لا يمكن أن يُبنَى في كثير من الأحيان إلا على المهارات الفردية. للتعامل بنحو أفضل مع التغيير الأساسي، يجب أن يحدث تطوير المهارات الفردية أولاً.
تلقى هذه الأفكار دعماً من خلال دراستنا للتغيير الأساسي، كما تكشف في قسم في شركة كبيرة لتصنيع الإلكترونيات في شرق الصين توظف أكثر من 10,000 عامل. تابعنا 116 فريق إنتاج على مدار عدة أشهر. كانت هذه الفرق قد بدأت من فورها في التكيف مع سلسلة من التطورات التكنولوجية الجذرية التي تتطلب استخدام أدوات وعمليات إنتاج جديدة. لقياس أداء الفريق قبل التغيير وبعده، استخدمنا مقياس الشركة الخاص، العائد Yield، وهو النسبة المئوية للمنتجات التي تُصنَّع بنحو صحيح وفق مواصفات فنية.
كذلك توقعنا، أثرت الحاجة إلى التكيف مع التغيير سلباً في العائد. قبل نحو أسبوعين من التغيير، كان متوسط العائد 99.15%؛ بعد نحو أربعة أسابيع من التغيير، انخفض متوسط العائد إلى 93.82%. لكن الانخفاض لم يُوزَّع بالتساوي بين الفرق كلها. لقد عزونا بعض الاختلافات بين الفرق إلى الاختلافات في شدة التغيير الذي واجهه الفريق: كان لدى بعض الفرق الكثيرُ لإعادة تعلمه على المستويين الفردي والجماعي.
ومع ذلك، بعد حساب شدة التغيير، وجدنا أن الفرق التي ركزت في البَدء على إعادة تشكيل المهارات الفردية كان أداؤها أفضل بنسبة 12% من الفرق التي ركزت مباشرة على تحسين التنسيق الجماعي. أدت أنظمة المكافآت Reward system دوراً حاسماً: أعضاء الفريق الذين حصلوا على مكافآت أكثر تركيزاً على الفرد (مقارنة بالمكافآت التي تركز على الفريق) في هذه المرحلة الأولية تفوقوا في وقت مبكر في التعافي من التغيير.
عندما استكشفنا العائد مرة أخرى بعد شهرين، في مرحلة لاحقة من التغيير، ارتفع متوسط العائد في الفرق كلها مرة أخرى إلى 96.95%. ومع ذلك كان هناك تباين كبير في أداء الفريق مقارنةً بأداء الفريق قبل التغيير.
في هذه المرحلة، كانت الفرق التي بنيت على إعادة المهارات الفردية وتركز الآن على التنسيق الجماعي أفضل بنسبة 11% من الفرق التي لم تُجرِ مثل هذا التبديل. وحدث تمكين هذا التغيير في التركيز من خلال نظام مكافآت أكثر توجهاً جماعياً. والفرق التي أكدت على مكافآت الفريق في هذه المرحلة اللاحقة من التغيير حولت تركيزها بسهولة أكبر من إعادة تشكيل المهارات الفردية إلى التنسيق الجماعي.
إدارة التغيير على مرحلتين
يوضح بحثنا كيف تتطلب إدارة التغييرات التنظيمية الأساسية استجابة متسلسلة على مرحلتين.
في الفترات المبكرة التي تلي التغيير الأساسي، يجب على القادة تشجيع إعادة مهارات المهام الفردية. لا تعني إعادة المهارات هذه توفير التدريب ذي الصلة فحسب، بل تعني أيضاً منح الأعضاء الوقت للتجربة وإتقان مهامهم بمفردهم، قبل الاضطلاع بأي محاولات لتحسين الفريق ككل. في سياق دراستنا، أعطت الفرق التي نجحت في وقت مبكر الأعضاء مزيداً من الوقت لتجربة طرق جديدة لإكمال مهامهم الخاصة وتكييف المعدات الموحدة مع احتياجاتهم الخاصة.
يجب أن يدعم نظام المكافآت إعادة تشكيل المهارات الفردية هذه في هذه المرحلة. عندما تعكس المكافآت المساهمات الفردية، يركز أعضاء الفريق على تحسين المهارات الفردية. هذه المكافآت تعزز التركيز على الذات والسعي إلى تحقيق الأهداف الشخصية.
في الفترات اللاحقة التي تلي التغيير الأساسي، بمجرد أن يتقن أعضاء الفريق مهامهم الفردية، يمكنهم البَدء في تجربة التنسيق وتدفق المهام وتحديد التكرار في عملياتهم الجماعية. بالنسبة إلى دراستنا، بمجرد أن يتقن الأعضاء مهامهم الجديدة بنمط فردي، أصبح من الواضح أن بعضهم يمكنه إكمال مهامهم بنحو أسرع من قبل. تعني هذه النتيجة أنه كان على الفرق تغيير كيفية تعيين المهام لزيادة كفاءة سير العمل إلى أقصى حد. هذه هي المرحلة التي يجب فيها التركيز بقدر أكبر على مكافآت الفريق. عندما تركز المكافآت على الفريق وتُقلَّل الفروق في الأجور بين الأعضاء، يركز أعضاء الفريق على تعلم المهارات الجماعية. تعزز هذه المكافآت التركيز على الآخرين والتعاون والسعي إلى تحقيق أهداف الفريق.
يُعَد تسلسل المكافآت أمراً بالغ الأهمية لضمان تركيز أعضاء الفريق على الأولوية الصحيحة بالترتيب الصحيح، من خلال الانتقال من التركيز الأولي على إعادة المهارات الفردية إلى ممارسة التنسيق الجماعي في وقت لاحق فقط. ذلك أن تقديم مكافآت موجهة نحو الفريق فقط منذ البَدء يفشل في حفز إعادة المهارات الفردية التي تشكل أساس العمل الجماعي.
التوقيت مهم
بينما يقدم بحثنا بعض الأدلة التجريبية لدعم فكرة بناء المهارات الفردية قبل مهارات الفريق لتحسين التكيف مع التغيير في بيئة الأعمال، يمكننا ملاحظة كيف ينطبق هذا المبدأ بالتساوي في المجالات الأخرى.
في أوائل تسعينات القرن العشرين، طُبِّقت قاعدة جديدة في كرة القدم منعت حراس المرمى من استخدام أيديهم لالتقاط الكرات التي يركلها المدافعون نحوهم. وهذا يمثل تغييراً جوهرياً في طريقة ممارسة الرياضة، لأنها تتطلب مهارات جديدة وأنواعاً جديدة من التنسيق.
في البَدء، عانت الفرق في الأداء بموجب القاعدة الجديدة. المدافعون، عادة، كانوا يركلون الكرة ليعيدوها مرة أخرى إلى حارس المرمى. ونظراً إلى أن حراس المرمى لم يتمكنوا من لمس الكرة بأيديهم وكانوا أقل مهارة في حركة القدم، ارتكبت الفرق أخطاء.
ركز عديد من مدربي كرة القدم في البَدء على عمليات التسليم بين حراس المرمى والمدافعين، لتحسين كيفية تنسيق هذه المجموعة من اللاعبين بعضهم مع بعض. ولم تكن هذه النُهُج ناجحة جداً. وضعوا الحصان أمام العربة من خلال مطالبة اللاعبين بالتركيز على التعاون قبل أن يطور كل من حراس المرمى والمدافعين مهاراتهم الفردية الجديدة.
في المقابل ركز المدربون الآخرون على مساعدة حراس المرمى والمدافعين أولاً على إتقان مهاراتهم في المناورة والتمرير من دون جعلهم يعملون بعضهم مع بعض. في وقت لاحق فقط، بمجرد أن اكتسب اللاعبون هذه المهارات بنمط فردي، جمعتهم هذه الفرق معاً لتنسيق دفاعهم وهجومهم بطرق جديدة ومبتكرة. كانت هذه الاستراتيجية أكثر نجاحاً وأدت إلى إعادة تصور كيفية لعب اللعبة ككل.
لا يمكن للقدرات الجماعية أن تنمو إلا على أساس المهارات الفردية القوية. في الأغلب ينسى القادة ذلك، وفي أوقات التغيير، يحاولون حشد الفريق للعمل معاً بنحو أفضل قبل أن يتقن الأعضاء مهامهم الفردية. يجب على القادة الذين يديرون التغيير أن يتذكروا توفير مساحة وحوافز كافية للأفراد لتجربة التكنولوجيات والمعرفة الجديدة وتعلمها بأنفسهم قبل الدخول إلى الفريق لتحديد أفضل السبل للتعاون الجماعي.