يواجه التنوع المؤسسي رد فعل عنيفاً. وتواجه الجامعات أيضاً رد فعل عنيفاً ضد التنوع. ألغت المحكمة العليا الأمريكية أخيراً سياسات قبول واعية بالتنوع العرقي في جامعة هارفارد Harvard University وجامعة نورث كارولينا في تشابل هيل University of North Carolina at Chapel Hill. من المرجح أن تكون لإنهاء سياسات القبول الواعية بالتنوع العرقي آثار متتالية، إذ إن البيئة التنظيمية غير الواضحة قد تَثني المؤسسات عن تنفيذ جهود التنوع الحالية في حين تحفز البعض على استبعاد مجموعات السود واللاتينيين والسكان الأصليين صراحة.
تُظهر هذه الأحداث الأخيرة أن مقاومة التقدم في مجال الحقوق المدنية لأعضاء الفئات المهمشة أو الممثلة تمثيلاً ناقصاً لا تزال راسخة، ويزداد تجرؤ معارضي الجهود المبذولة لتحسين المساواة.
يضع رد الفعل العنيف على التنوع الشركات في موقف صعب. ذلك أن الإذعان لضغوط الجماعات المناهضة للتنوع قد يكلفها النيات الحسنة التي حاولت تنميتها بين المستهلكين الآخرين؛ واستسلام الشركات لضغوط المحافظين يعرضها لرد فعل سلبي من النشطاء التقدميين. كذلك يمكن أن يشجع التراجع النشطاء المحافظين على الدفع بمطالبهم إلى أبعد من ذلك. وفي حين أن التراجع قد يقلل مؤقتاً من الضغط على الشركات، قد يضر الاستسلام للقوى المناهضة للتنوع بالشركات على المدى الطويل. تتغير العوامل الديموغرافية، إذ يشكل غير البِيض جزءاً متزايداً من سوق الشباب المرغوب فيها. إن استئصال التمييز وزيادةَ فرص الحصول على الفرص أمران ضروريان لضمان وجود مجموعة غنية من المواهب. وبالنسبة إلى عديد من المديرين والموظفين الأفراد، فإن مكافحة التمييز هي ببساطة واجب أخلاقي.
مبادرات التنوع عرضة لهجوم لأن عديداً منها كان مؤقتاً.
إن الدورات التدريبية لمرة واحدة التي تستغرق ساعات، أو التعيينات الجديدة غير المدعومة، أو البرامج التي تذوي مع انحسار الاحتجاجات المناهضة للعنصرية، لا ترقى إلى مستوى التغييرات الهيكلية التحويلية اللازمة لجعل النتائج المؤسسية منصفة حقاً. يجب على القادة الملتزمين بإخلاص بالتنوع الاستعدادُ لتكلفة الدفاع عن المؤسسات الشاملة واعتماد سياسات تجعل من الصعب التراجع عن مكاسب التنوع.
احتضان فاتر للتنوع
عندما وقَّع الرئيس ليندون جونسون Lyndon Johnson قانون الحقوق المدنية للعام 1964، بحضور مارتن لوثر كينغ جونيور Martin Luther King Jr.، كان يستجيب لعقود من التحريض من أجل الشمول (الإدماج) الاقتصادي الكامل. بموجب الباب السابع من القانون، أصبح التمييز العنصري الشائع المؤسس لأماكن العمل الأمريكية غيرَ قانوني. ومعظم المؤسسات التي تبنت سياسات التنوع فعلت ذلك لأن الحركات الاجتماعية أجبرتْها، وليس بدافع الالتزام الرفيع بتكافؤ الفرص.
واعترفت عديد من المؤسسات بأثر رجعي بأن زيادة التنوع ساعدتها على استغلال الأسواق المتخصصة أو تعزيز الابتكار. لكن الحجج القائلة بأن التنوع يمكن أن يكون جيداً لصافي الدخل لم تؤدِّ إلى تحول جوهري في أماكن العمل الأمريكية التي تمارس الفصل العنصري والمرتبة في طبقات على أساس عرقي. ويتيح الاعتماد على دراسة جدوى التنوع للقادة سحب دعمهم لهذه المبادرات إذا لم تتحقق المكاسب الاقتصادية.
في حين أن قوانين الحقوق المدنية أدت إلى تغييرات حقيقية في مكان العمل، إلا أنها كانت هامشية إلى حد كبير. على الرغم من المكاسب المبكرة في توظيف السود واللاتينيين، توقف إلغاء الفصل العنصري في مكان العمل بنحو أساسي في ثمانينات القرن العشرين، ويُعَد التمييز في التوظيف ضد الرجال السود ثابتاً نسبياً منذ ذلك الحين. عند التوظيف كثيراً ما يجري تعيين الأشخاص الملونين في مناصب متنوعة معزولة عن الوظائف الأساسية للمؤسسة، ما يحد من فرص نموهم الوظيفي وتنقُّلهم. اختلف إنفاذ قوانين مكافحة التمييز اختلافاً كبيراً اعتماداً على الرياح السياسية، وعادة (لكن ليس حصرياً) يزداد في عهد الرؤساء الديموقراطيين ويتضاءل في عهد الجمهوريين. وكما وجد عالما الاجتماع فرانك دوبين Frank Dobbin وألكسندرا كاليف Alexandra Kalev في بحثهما، دفعت محاولات الامتثال لبيئة تنظيمية غير مؤكدة الشركات إلى تبني سياسات تنوع ذات فاعلية مشكوك فيها. وكثيرا ما يقدم خبراء الموارد البشرية سياسات تعتبرها المحاكم جهوداً حسنة النية لمكافحة التمييز، على الرغم من أن السياسات غير فاعلة وأحياناً تؤدي إلى نتائج عكسية.
نادراً ما قوضت المؤسسات المتنوعة المعايير البيضاء والقوة التي شكلتها. وظل التجانس هو المعيار، والتنوع انحرافاً. اعترافاً بالتغييرات التي أدخلتها حركة الحقوق المدنية على أماكن العمل، سلطت كيمبرليه كرينشو Kimberlé Crenshaw وزملاؤها الضوء في كتابهم للعام 1996 نظرية العرق النقدية Critical Race Theory على الأرضية غير المتكافئة التي زُرِعت سياسات التنوع عليها: ”البِيض أنفسهم الذين أداروا سياسات صريحة للفصل والهيمنة العرقيَّين احتفظوا بوظائفهم كمتخذي قرارات في مكاتب التوظيف في الشركات، ومكاتب القبول في الكليات، ومكاتب الإقراض في المصارف، وما إلى ذلك“.
هذا التاريخ من احتضان المؤسسات الفاتر للتنوع جعلها غير مستعدة للتعامل مع رد الفعل العنيف الحالي. بعد ثلاث سنوات قصيرة من استجابتها الجماعية للاحتجاجات الحاشدة على مقتل جورج فلويد George Floyd على يد الشرطة، تتراجع الشركات عن تعهداتها بالتنوع. وشملت الوعود زيادة تمثيل الفئات المهمشة والنساء في المناصب العليا ومجالس الإدارة؛ ومعالجة الفجوات في الاستبقاء Retention والترقية Promotion والأجور Pay؛ والعمل مع كبار القادة والمديرين على تعزيز مهارات سلوكيات القيادة الشاملة. أضافت الشركات مناصب تركز على التنوع والمساواة والشمول (الإدماج) لإظهار نياتها لمعالجة التفاوت، من دون التحول بطرق من شأنها دعم التغييرات المؤسسية الطويلة المدى.
وأدى تباطؤ الاقتصاد، وما نشتبه في أنه رد فعل عنيف على التنوع، إلى خفض الشركات الوظائفَ الجديدة الخاصة بالتنوع والمساواة والشمول بمعدل أسرع من خفضها الوظائف الأخرى. أدت الهجمات على التنوع والمساواة والشمول إلى تراجع بعض المؤسسات عن التزاماتها بإنشاء مبادرات تركز على معالجة السياسات والممارسات والثقافات المؤسسية التي تستهدف المجموعات التي تواجه عدم مساواة مستمراً. كذلك استسلمت محاولات دمج برامج التنوع والمساواة والشمول الموضوعية إلى رد الفعل العنيف، كما يتضح من تخلي كوكا-كولا Coca-Cola عن سياسة التنوع والمساواة والشمول المقترحة لشركات محاماة خارجية. هاجم بعض المساهمين الناشطين تدخلات التنوع والمساواة والشمول للشركات، واستهدفوا أيضاً ممارسة عمليات تدقيق التنوع والمساواة والشمول، التي تساعد على التخفيف من التمييز في مكان العمل.
مواجهة المقاومة
على الرغم من أننا حددنا قصة متشائمة، فإن برامج التنوع يمكن أن تنجح. تظهر الأبحاث أن برامج التنوع تكون فاعلة عندما تخصص المؤسسات مناصب متخصصة لإدارة أهداف الإنصاف وبرامجه ومراقبتها.
المساءلة هي المفتاح للحفاظ على سياسات التنوع والمساواة والشمول وبرامجها الفاعلة. في حين أن عمل المساواة يجب أن يشمل جميع الموظفين، يجب تمكين المتخصصين في التنوع والمساواة والشمول من مساءلة القيادة. يجب على قادة المؤسسة تحمُّل مسؤولية تصميم برامج الإنصاف التي تعيد تشكيل السياسة المؤسسية ونمذجتها وتنفيذها. تظهر الأبحاث أن مبادرات التنوع والمساواة والشمول الاستراتيجية، بما في ذلك إنشاءُ برامج التوجيه التي تحفز الموظفين إلى رعاية أعضاء المجموعة المهمشة، وإظهار الشفافية في عمليات التوظيف والترقية، ومساءلة الموظفين عن أهداف التنوع، يمكن أن تنجح.
يجب أن يُعِد ردُّ الفعل العنيف الأخير ضد التنوع القادةَ المؤسسيين لمقاومة محتملة لمبادرات التنوع من أصحاب المصلحة الداخليين والناشطين الخارجيين المناهضين للتنوع. يمكن أن يساعد الإدلاء ببيانات عامة لدعم التنوع والمساواة والشمول في تحديد أهداف المساءلة، لكن لسوء الحظ، يبدو أن عدداً متزايداً من القادة يختارون الصمت أو الاستسلام رداً على النشطاء المناهضين للتنوع.
نرى ظاهرة مماثلة في الكيفية التي أدى بها الرفض اليميني لعلم المناخ إلى تقليل بعض القادة من أهمية أهداف الاستدامة، وهي ممارسة تعرف باسم الإسكات الأخضر Greenhushing. وجدت دراسة حديثة تبحث في هذه الديناميكية في صناعة الضيافة أن المستهلكين يفضلون أن تفصح الفنادق عن جهودها نحو تحقيق مسؤوليتها الاجتماعية بدلاً من الانخراط في الإسكات الأخضر. ومن المثير للاهتمام أن الدراسة وجدت أن تواصلاً كهذا دفع المستهلكين أيضاً إلى التفكير في أخلاقيات اختياراتهم. بالمثل نعتقد أن المناقشة العلنية لالتزام المؤسسة بمعالجة المسائل النظامية من خلال المساءلة تقلل من مقاومة المبادرات التي يمكن أن تغير السلوكيات والمواقف وتؤدي إلى التقدم.
يجب على المؤسسات مواجهة رد الفعل العنيف على التنوع، إلى جانب الطبيعة الفارغة لسياسات التنوع السطحية، وجهاً لوجه. مع تزايد انتقاد التدريب على التنوع وإرهاق البِيض White fatigue الذي يعرقل المناقشات الجادة حول العنصرية، يواجه الشمول العرقي في المؤسسات تهديداً وجودياً. تتطلب مقاومة هذا التراجع في التنوع مساءلة مؤسسية لمجموعة واسعة من الالتزامات التي جرى التعهد بها رداً على التفاوتات العنصرية المعترف بها.
بالنسبة إلى المؤسسات الملتزمة بتضمين الإنصاف Equity في مهمتها وقيمها وثقافتها وممارساتها، نوصي باتباع نهج استراتيجي في التخطيط. ويجب وضع توقعات معقولة للنتائج – وليس محاولة التغيير بين عشية وضحاها – ووضع أهداف واقعية Realistic goals موجهة نحو تحقيق النتائج Results-oriented وقابلة للقياس Measurable، مع تحديد مواعيد مستهدفة Targeted dates للإنجاز. يجب أن تتضمن هذه العملية تصميم حلقة الملاحظات التي تسمح بالتصحيحات في التخطيط والتطبيق والتنفيذ، ومن ثم تزويد المديرين بمقاييس للتحقق من التأثير والتقدم. أمام المؤسسات فرصة لإعادة تأكيد التزاماتها بالعمل من أجل إنشاء مؤسسة منصفة وتعزيزها من خلال القضاء على التفاوت.