الموازنة بين التقاليد المعتز بها والابتكار
عندما يكون منتجُكم منتجاً كلاسيكياً محبوباً، كيف يمكنكم تحديثُه لجذب عملاء جدد؟
استراتيجية العلامة التجارية
عاجلاً أو آجلاً، تواجه معظم الشركات الناجحة تحدي تحديث منتج قديم محبوب. إذا أدخلتم أي تغيير، فإنكم تخاطرون بألا يكون محبباً للعملاء الجدد. إذا غيرتم كثيراً، فقد تُنفرون عملاءكم الأكثر ولاء.
إذن كيف يمكنكم الاستفادة من علامة تجارية قوية تاريخياً مع البقاء حساسين لتفضيلات العملاء غير المتجانسة؟ لاستكشاف هذا السؤال، درسنا دُور الأوبرا الإيطالية، التي تواجه هذه المعضلة كل موسم. عديد من أفضل مسرحيات الأوبرا المحبوبة في مجموعة العروض هي أقدم من 150 سنة، وكثيرون ممن يواظبون على حضور مسرحيات الأوبرا لهم أذواق تقليدية إلى حد ما. ومع ذلك إذا التزمت دُور الأوبرا بتفضيلاتهم دون سواهم، فقد تحد من أهميتها الثقافية وتفشل في استقطاب جماهير جديدة.
لقد أثمر تحليلنا لمبيعات التذاكر لـ2,627 منتجاً للأوبرا الإيطالية من العام 1989 إلى العام 2011، والمقابلات مع 15 مديراً فنياً لدور الأوبرا، عن بعض الرؤى العميقة (التبصرات) حول إدارة التوتر بين التقاليد والابتكار بنجاح، والتي يمكن تطبيقها من قِبل أي شخص لديه منتج محبوب يحتاج إلى تحديثه.
لحن جنائزي لنيو كوك
كلما كان المنتج أكثر شهرة، كان التحديث أكثر تحدياً، كما رأينا مع ملحمة ”نيو كوك“ New Coke، وهي المحاولة المتعثرة لشركة كوكاكولا Coca-Cola Co. في العام 1985 لإعادة إطلاق مشروبها الرئيس بطعم أحلى. إذ أيد المستهلكون في اختبارات التذوق المُعمى التغيير، لكن بعد احتجاج العملاء، اضطرت الشركة إلى مواصلة تقديم النسخة الكلاسيكية من المنتج إلى جانب النسخة الجديدة.
دُور الأوبرا، أيضاً، دائماً ما تستجلب كارثة على نفسها عندما تحاول تحديث الأعمال المحبوبة. دعونا نتأمل هنا إنتاجين حديثين – مدام بترفلاي Madame Butterfly من بوتشيني Puccini وكارمن Carmen من بيزيه Bizet – اللذين أعيد تفسيرهما بطرق جديدة لكن استقبُل كل منهما استقبالاً مختلفاً تماماً. أحب حضور الأوبرا المخلصون نقل مدام بترفلاي إلى شرق آسيا المعاصر. لكنهم انتقدوا كارمن الجديدة، والتي انتهت بقتل شخصية البطل دون خوسيه، حبيبها المغدور، بدلاً من قتله إياها كما في الأوبرا الأصلية.
لفهم الاختلافات في كيفية تلقي هذه المنتجات وغيرها من المنتجات المحدثة، جمعنا قاعدة بيانات تفصيلية لاستراتيجيات العرض المسرحي لآلاف العروض، ثم حددنا ما إذا كان كل إنتاج قد اتخذ نهجاً راسخاً Robust أو جذرياً Radical في إعادة تفسير الأصل. فالتفسيرات الراسخة تغيّر الجوانب الطرفية للأوبرا Peripheral aspects (عرضها المسرحي البصري Visual staging) لكنها تحافظ على معالمها المركزية (الموسيقى والمحتويات الدرامية). في المقابل، تغيّر التفسيرات الجذرية جوهر العمل من خلال التلاعب بالسمات الرئيسة (الدرامية أو الموسيقية) للأوبرا، فضلاً عن السمات الطرفية.
كشف تحليلنا الإحصائي لأرقام الحضور أن الجماهير ترغب في درجة معينة من التغيير: زادت دور الأوبرا التي تتبع نهجاً تفسيرياً راسخا من حضورها بنسبة 9% تقريباً مقارنة بالتفسيرات التي أعادت إنتاج النسخة الأصلية بأمانة. لكن خلافاً لمشاعر المخرجين بأن التفسيرات الجذرية أثارت اعتراض الجمهور، وجدنا أن عروضاً كهذه كان لها تأثير أكبر، إذ زادت نسبة الحضور بنسبة 14%.
هل كان المديرون الذين تحدثنا إليهم مخطئين في تقييماتهم؟ نعم ولا. كشفت إعادة تحليل تحليلاتنا بنحو منفصل لحاملي التذاكر الموسمية والحضور بتذكرة لعرض واحد عن تحول مثير للاهتمام: في حين أن حاملي التذاكر الموسمية ينجذبون بقوة إلى التفسيرات الراسخة، والتي تتمثل في زيادة بنسبة 21% في حضورهم، فإن منتجات كهذه تقلل من حضور حاملي التذاكر الواحدة. بعبارة أخرى: التأثير الإيجابي العام للتفسيرات الراسخة هو موجَّه Driven من حاملي التذاكر الموسمية، والذين يعوِّض تقديرهم لهذه التفسيرات الراسخة المدخل المفقود بسبب عدم تقدير المشترين الذين يشترون تذكرة لعرض واحد. والعكس صحيح مع التفسيرات الجذرية: في حين أن حاملي التذاكر الموسمية يستجيبون استجابة سلبية لها، يستجيب حاملو التذاكر الفردية بنحو جيد جداً، مما يزيد من حضورهم، في المتوسط، بنسبة 17.6%. ومن ثم، فإن حاملي التذكرة الواحدة هم الذين يوجِّهون التأثير الإيجابي العام للتفسيرات الجذرية.
بسبب هذا التباين في تفضيلات الجمهور، تواجه دور الأوبرا مفاضلة أساسية: قد تكون أفضل استراتيجية للاستفادة من تقليد محبب لدى شريحة عملاء واحدة غير شعبية مع شريحة أخرى. بالنسبة إلى دُور الأوبرا، يتعلق سؤال الأعمال الرئيس Business question بالأهمية النسبية لحاملي التذاكر الموسمية لنموذج إيراداتهم Revenue model بدلاً من جذب عملاء جدد، الذين قد تكون لديهم، على الأقل في البدء، توقعات مختلفة وموقف أكثر انفتاحاً تجاه معالجة مواد الأوبرا التقليدية.
من يدفع التكلفة؟
يواجه القادة المؤسسيون في عديد من الصناعات تحدياً روتينياً عند النظر في اتخاذ خيارات تصميم تعيد إحياء الماضي المحبّب من خلال ربطه بالحاضر أو المستقبل. أسفرت دراستنا عن أربع توصيات عامة حول كيفية الاستفادة بقدر أفضل من الموروثات الغنية عند تحديث المنتجات.
1. استخدام التقاليد كمورد للابتكار من خلال إعادة التفسير Use tradition as a resource for innovation through reinterpretation. قد يميل بعض المسؤولين التنفيذيين إلى رفض الماضي واللجوء إلى الأذواق الحالية. وقد يبجلون التقاليد ويتجنبون تغيير أي شيء كاستجابة لظروف السوق. وفي كلتا الحالتين، يكون التقليد قيداً أكثر منه عاملاً مساعداً.
لكن الحال ينبغي ألا تكون كذلك. تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن المديرين يجب أن ينظروا إلى التقاليد والابتكار على أنهما يعزز كل منهما الآخر بدلاً من الاعتراض والمشاركة في جهود إعادة التفسير Reinterpretative efforts لإطلاق قيمة هذه الثنائية Duality. في العام 2007، كانت إعادة تصميم فيات Fiat وفقاً لطراز سيارة فيات 500 500 Fiat الكلاسيكية – إعادة التصميم الحائزة على جوائز – تحديثاً لطراز دانتي جياكوسا Dante Giacosa الأسطوري للطراز ذي المحرك الخلفي من العام 1957. ويمكن أن تصبح تقاليد العلامة التجارية، عند إعادة تفسيرها، مورداً للابتكار يستجيب للتفضيلات المتغيرة للأسواق المتطورة.
2. الاستفادة من هويتكم البصرية التقليدية Leverage your traditional visual identity. إن الاحتفاء بعناصر التصميم الأساسية للمنتج Design elements الكلاسيكية مع إضافة لمسات حديثة يمكن أن يطمئن العملاء بأن المنتج الأصلي لا يزال يحظى بالتقدير حتى عندما يصبح أكثر ملاءمة للمستهلكين المتطلعين إلى المستقبل. تعاونت لوي فيتون Louis Vuitton مع الفنان الشهير تاكاشي موراكامي Takashi Murakami لإعادة تفسير حقيبة يدها Speedy الشهيرة – التي جرى تقديمها للمرة الأولى في العام 1930 – وذلك من خلال طباعة نمط زهر الكرز عليها، ومن ثم دمج منتج قديم مع أسلوب فن الكاواي الشعبي الحديث Kawaii pop-art style. تتحدى كل من استراتيجيات التفسير الراسخة والجذرية الشكل الذي يجري فيه دمج التقليد.
وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن المديرين، من خلال استراتيجيات التفسير الراسخة، يمكنهم الحفاظ على ميزات الهوية الأساسية للعلامة التجارية التقليدية واستخدام أشكال منتجات جديدة لتحديثها بنحو معتدل. في المقابل تتحدى التفسيرات الجذرية التقاليد بنحو أعمق من خلال تغليف العناصر الأساسية الجديدة في أشكال منتجات جديدة. إن إعادة تفسير المنتجات التقليدية من خلال التغييرات الأسلوبية التي تحدث شكلها هي طريقة لمتابعة الابتكار من خلال الاستفادة من اللغة البصرية للمنتجات Leveraging products’ visual language من دون إنكار تراثها التاريخي.
3. تخصيص استراتيجية التفسير الخاصة بكم للجمهور المستهدف Tailor your interpretation strategy to the target audience. قد يعتقد المسؤولون التنفيذيون أن السوق ستتقبل التغييرات المعتدلة أو التدريجية فقط في المنتجات الكلاسيكية. إلا أن دراستنا وجدت أن التفسيرات الراسخة والجذرية يمكن أن تكون استراتيجيات فاعلة للمنتجات، اعتماداً على الجمهور المستهدف.
في النهاية يجب على قادة الشركات التفكير مليا في مدى استعدادهم لتحدي إرثهم. يجب أن يكون هذا الاختيار على أساس فهم دقيق لمدى أهمية العملاء الأساسيين والعملاء الجدد لرؤيتهم الاستراتيجية، نظراً إلى أن هذه المجموعات قد تختلف اختلافاً كبيراً في خبرتها وتوقعاتها. تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن الحفاظ على الميزات الأساسية للعرض التقليدي مع تغيير الميزات الطرفية قد يكون الطريق الواجب اتباعها إذا كانت الأولوية هي الاهتمام بالعملاء المخلصين وتعزيز ولائهم من دون خنق الابتكار والتغيير. لكن إذا كان اكتساب عملاء جدد هو الهدف الاستراتيجي، فإن إجراء تعديلات أكثر عمقاً على العرض قد يكون أكثر فاعلية على المدى القصير. يمكن لمطابقة استراتيجية التفسير الصحيحة بمرونة مع الجمهور المناسب أن يساعد المديرين الأذكياء على تلبية الحاجة إلى التجديد مع مراعاة عدم تجانس سوقهم.
4. الجسر بين مجموعات العملاء المختلفة من خلال موازنة استراتيجيات التفسير Bridge different customer groups by balancing interpretation strategies. إذا كان هدف المسؤولين التنفيذيين هو الجسر بين الأذواق المتباينة للعملاء المخلصين والجدد، يجب عليهم التفكير في موازنة استراتيجيات التفسير الراسخة والجذرية في خيارات تحديد موقع المنتجات والتواصل. مثلاً يمكن أن تطور دور الأوبرا برامج لبناء الولاء، مثل باقات الاشتراك التي تتضمن عدداً أكبر من الإنتاجات مع تفسيرات راسخة لجذب العملاء المخلصين، وحزمة أخرى تستهدف العملاء الجدد بنمط استراتيجي مع تفسيرات جذرية.
قد يفكر قادة الشركات في استخدام محافل مختلفة لعرض تفسيرات راسخة وجذرية لعروضهم وتوزيعها لتجنب إبعاد العملاء من خلال أي من النهجين. وهذا يسمح للمؤسسة بوضع نفسها وعروضها بنحو مختلف استناداً إلى المطالب المتباينة للجماهير غير المتجانسة. سيحدد العملاء بعد ذلك المؤسسة مع نهجٍ تفسيري أو آخر، حتى عند اعتماد استراتيجيات مختلفة لإعادة تفسير التقاليد. وبدلاً من مزج التفسيرات الراسخة أو الجذرية معاً في موادها الترويجية والتواصلية، يمكن للمؤسسات أن تبادل بنمط استراتيجي بين التفسيرات الراسخة والجذرية لجذب انتباه شرائح الجمهور المختلفة.
إدارة المفاضلة بين الابتكار والتقاليد هو تحدٍّ حاسم للشركات التي تحمل عبء الموروثات التاريخية المبجلة. وبمجرد أن يفهم المسؤولون التنفيذيون أن التقليد ليس مجرد قيد، بل هو مورد يمكن إدارته بمهارة في إعادة تفسير الماضي ليناسب احتياجات الحاضر، يمكنهم التنقل بثقة في هذه المفاضلة، وإجراء التغييرات اللازمة في التركيز الاستراتيجي وتصميم استراتيجية التفسير الصحيحة للجمهور المناسب.