إدارة التوترات الجديدة للعمل الهجين
يلبي القادة مطالبَ الموظفين بترتيبات عمل أكثر مرونة وسط مخاوف حول التأثير في الثقافة المؤسسية والقدرة على الابتكار.
قبلَ ثلاث سنوات كان تطوير الثقافة المؤسسية والابتكار الملهم صعباً. وقتها جلس الجميع في مقصورات متجاورة طوال الأسبوع، وشربوا القهوة من الإبريق نفسه. والآن بعدما بدا أن العمل الهجين وُجِد ليبقى، حيث يقسم عديد من الموظفين ساعات عملهم بين المنزل وموقع الشركة، تتضخم هذه التحديات. يُظهِر بحث جديد أن المديرين قلقون جداً بشأن الجوانب السلبية للترتيبات الهجينة في مجالين هما، بخلاف معظم المجالات الأخرى، اجتماعيان بطبيعتهما: على الرغم من أن الأدلة على الضرر اللاحق بالابتكار والثقافة لا تزال شفهية إلى حد كبير، فإن التهديد المحتمل حقيقي.
نحدد العمل الهجين Hybrid work على أنه توازن مرن، مع تقسيم ساعات العمل بين موقع الشركة وأماكن أخرى، عادة ما تكون مكتباً منزلياً. وأصبح استمراره خلال السنتين اللتين درسنا فيهما الشركات العالمية الرائدة في السوق التي تبنت النموذج خلال جائحة كوفيد-19. وقال جميع المديرين في عيِّنتنا إن شركاتهم تعتزم وضع استراتيجيات هجينة بعيدة الأجل، أو إنها فعلت ذلك بالفعل.
وضرورة دعم العمل الهجين هي إلى حد كبير مطلب من مطالب القوى العاملة. ذلك أن الموظفين – الذين يشيرون إلى أدائهم القوي عندما عملوا من المنزل خلال أسوأ فترات الجائحة – يطالبون على نحو معقول بقدر أكبر من المرونة في العمل أينما ومتى يريدون. ويعرف القادة أن عليهم عرضَ ترتيبات عملٍ مرنة لجذب المواهب المتميزة والاحتفاظ بها وتحفيزها.
وتتمتع الشركات بمزايا أخرى من هذه الترتيبات. مثلاً، خبرت 90% من الشركات التي درسناها مكاسب إنتاجية متواضعة في السنة الأولى من العمل من بُعد الناجم عن الجائحة، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى تكنولوجيات المؤتمرات والتعاون المتاحة بسهولة. وتشمل المزايا الإضافية المبلَّغ عنها تحسينَ التواصل بين المديرين وأعضاء الفريق، وتسريع تسليم النتائج في مقابل الأهداف القصيرة الأمد، وتقليل الحضور (أي الحضور في مكان العمل على الرغم من المرض).
ومن ثم فإن السؤال لا يدور حول ما إذا كان ينبغي تبني العمل الهجين بقدر ما يتعلق بكيفية تأدية ذلك. يجب على المديرين تلبية مطالب الموظفين الفورية لمزيد من المرونة من دون التضحية ببناء الثقافة والابتكار، وهما حجر الزاوية للميزة التنافسية البعيدة الأجل. في كثير من الأحيان تُختزل التوترات بين صاحب العمل والموظف إلى مناقشات حول العدد المثالي لأيام العمل في المكتب، لكن السياسات العامة بوجه عام غير قابلة للاستمرار.1L. Gratton, “Four Principles to Ensure Hybrid Work Is Productive Work,” MIT Sloan Management Review, Nov. 9, 2021, https://sloanreview.mit.edu.
مطابقة المهام مع بيئة العمل
ينظر نهج أكثر دقة في العمل الهجين من خلال عدسة أنواع المهام، ويفرق بين تلك التي يجب الاضطلاع بها من بعد وتلك التي يجب عدم الاضطلاع بها من بعد. يربط مثل هذا النموذج بنحو صريح بين المهام الاجتماعية والإبداعية والعمل الذي يُنفَّذ بنحو أفضل في بيئة المكتب الفعلية. كما يشجع التفاعلات الشخصية غير الرسمية التي تصوغ روابط وثيقة بين الزملاء. تعزز هذه الروابط أداء المهام التي تركز على الابتكار والثقافة، حتى عند تنفيذ بعض هذه المهام من بُعد.
اتخذت أكثر من نصف المؤسسات التي درسناها قراراتِها للسماح بالعمل المختلط بناءً على طبيعة المهام التي يؤديها موظفوها. وحددنا أربع فئات.2See T.H. Davenport, “Process Management for Knowledge Work,” in “Handbook on Business Process Management 1: Introduction, Methods, and Information Systems,” 2nd ed., eds. J. vom Brocke and M. Rosemann (Heidelberg, Germany: Springer, 2015): 17-35.
المهام الإجرائية الفردية Individual procedural tasks، مثل إدخال البيانات أو معالجة المطالبات، من دون التفاعل مع الآخرين. ومن ثم، بالنسبة إلى العمل من بعد، أصبح الإشراف فقط أكثر صعوبة.
المهام الإبداعية المركزة Focused creative tasks، مثل كتابة الكودات، أو تصميم كتيب، تتطلب القليل من العمل الجماعي ويمكن دعمها بسهولة بواسطة التكنولوجيا. ونقلُها إلى العمل من بُعد أسهل.
المهام الجماعية المنسقة Coordinated group tasks، مثل الاجتماعات العامة، والعمل الروتيني على المشروعات، واجتماعات المراجعة المنتظمة، ومشاركة المعلومات الجماعية، تُعَد موحدة إلى حد كبير لكنها لا تزال تتطلب تفاعلاً بشرياً. ويصعب تحقيقها مع المشاركين من بُعد، لكن من الممكن ذلك باستخدام تكنولوجيا التواصل.
المهام الإبداعية التعاونية، مثل تطوير المنتجات، وحل المشكلات الإبداعي، والتخطيط الاستراتيجي، هي أكثر الأنواع اجتماعية – وعناصر مهمة لعمليات الابتكار. بالنسبة إلى المديرين في دراستنا، كانت تجارب المهام الإبداعية التعاونية في البيئات الهجينة هي التي كشفت عن العواقب السلبية المحتملة للثقافة والابتكار. إن الطبيعة التعاونية المتأصلة لمهام كهذه هي التحدي الأساسي الذي يدفع النقاش حول العمل الهجين.
■ نشأت أبحاث المؤلفَين في العمل الهجين من سلسلة من ورش العمل عبر الإنترنت مع مديرين من 20 شركة عالمية بدأت في مارس 2020 واستمرت كل ثلاثة أشهر على مدار سنة. وتضمن المشاركون مديرين من أون Aon وأكسا AXA وباركليز Barclays وكابجيميني Capgemini ودويتشه تيليكوم Deutsche Telekom ودي إتش إل DHL ودي إل إل DLL وإيفونيك Evonik وآي بي إم IBM وميرسك Maersk وريكوه أوروبا Ricoh Europe وشل Shell ويونيليفر Unilever وفودافون Vodafone ووالغرينس بوتس أليانس Walgreens Boots Alliance وزيوريخ Zurich.
■ وأجرى المؤلفان استطلاعاً للمديرين من مايو إلى منتصف يونيو 2021 ثم أجريا مقابلات من أواخر يونيو إلى سبتمبر 2021.
■ وحصلا على ملاحظات المشاركين على النتائج الأولية في ورشة عمل في نوفمبر 2021 وجمعا معلومات إضافية في ورشة عمل على مدى يومين في لندن في مارس 2022.
العلاقات الأضعف تضعف الثقافة
رأى المديرون في عينتنا عديداً من المزايا لأدوات التعاون الافتراضي التي ساعدت الشركات على التغلب على كوفيد-19. يمكن أن تكون هذه الأدوات عالية الكفاءة لنقل المعلومات، وكسر الحواجز داخل الفرق، وتوليد فرص أكثر تكافؤاً للمساهمات، وتمكين التواصل بنحو أفضل بين المديرين والموظفين على نطاق واسع. لكن لديها حدوداً.
أفاد المشاركون في دراستنا بأن تكنولوجيا التعاون كانت ضعيفة نسبياً لتعزيز التفاعلات العالية الجودة، ولاسيما بين الأشخاص الذين لا يعرف بعضهم بعضاً جيداً ولديهم روابط شبكية فضفاضة. في ظل هذه الظروف، كان تكوين علاقات هادفة تولد طرق عمل مشتركة والتزاماً عميقاً أمراً صعباً بنحو خاص. كما بدا أن العمل من بُعد يقوض الولاء المؤسسي. قال أحد المديرين ساخراً إنه، بالنسبة إلى العاملين من بُعد بالكامل، قد يكون الفارق الأكثر بروزاً بين اثنين من أصحاب العمل هو ببساطة ما إذا كانت الاجتماعات تُعقد على زوم Zoom أو تيمز Teams.
رأى المديرون أن ضعف علاقات الموظفين بينهم وبين المؤسسة وبين بعضهم وبعض قد يكون ضاراً بالثقافة المؤسسية. في الثقافات القوية يجري تقاسم القيم والمعتقدات على نطاق واسع ويجري التمسك بها بحزم.3E.H. Schein, “Organizational Culture and Leadership (Vol. 2)” (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2010). ويتطلب ذلك تنشئة اجتماعية كافية لتأسيس مصالح وافتراضات ولغة مشتركة. إذ تُيسِّر الثقافة القوية التفاعل السلس بين الأفراد والجماعات والفرق مع التمييز أيضاً بين الهويات والسلوكيات الخاصة بالمؤسسة.4L. Smircich, “Concepts of Culture and Organizational Analysis,” Administrative Science Quarterly 28, no. 3 (September 1983): 339-358. وترتبط الثقافة المؤسسية الضعيفة بمستويات أعلى من النزاع وانعدام الثقة والعمل في جيوب منعزلة.5J. Trevor, “Re:Align: A Leadership Blueprint for Overcoming Disruption and Improving Performance” (London: Bloomsbury Publishing, 2022).
مثلاً تخشى شركة التأمين العالمية أكسا من فقدان التماسك الثقافي. في فترة ما قبل الجائحة، فضّل 38% فقط من القوة العاملة في أكسا أداء قدر كبير من العمل من بُعد. وفي أواخر العام 2021، وصل هذا الرقم إلى 90%. ورأى المديرون في هذا التغيير نذيراً لتفكيك الروابط: إما كانت للموظفين روابط أضعف بعضهم مع بعض، أو لم يشكلوا هذه الروابط في المقام الأول. لكنهم كانوا يعلمون أنه لكي تظل أكسا قادرة على المنافسة في الحرب على المواهب، كانت ستحتاج إلى أن تعرض فرص العمل المرن. لذلك تواصل الشركة الجهودَ للحفاظ على الإحساس بالجماعة وتعزيز ثقافتها في غياب التفاعل الشخصي.
يمكن أن تزيد هذه المخاوف في الشركات التي تسهل المواءمة المؤسسية والتعاون بين الفرق عبر هيكل ذي مصفوفة Matrixed structure. تستخدم شركة المواد الكيميائية المتخصصة إيفونيك للصناعات Evonik Industries، التي لديها عمليات في أكثر من 100 دولة، و22 خطاً تجارياً، ونحو 33,000 موظف، هذا النهج المؤسسي، ما يؤسسها بقوة في ثقافة مشتركة. في المراحل الأولى من الجائحة، كان القادة يعتبرون العمل الهجين فرصة ومصدر قلق محتمل، وعملوا على بناء قيم ثقافية مشتركة والحفاظ عليها في خطوط الأعمال والمناطق الجغرافية المختلفة.
تحديات الابتكار
الابتكار هو نشاط يعتمد على الاتصال Contact. تتطلب النتائج غير الروتينية تفاعلات وثيقة، ووليدة المصادفة، ومفتوحة.6S.C. Kang and S.A. Snell, “Intellectual Capital Architectures and Ambidextrous Learning: A Framework for Human Resource Management,” Journal of Management Studies 46, no. 1 (January 2009): 65-92. ووجد المديرون الذين قابلناهم أن قضاء وقت أقل في المكتب يعني فرصاً أقل لهذه اللقاءات، مثل مواصلة المناقشة في أثناء الخروج من الاجتماع. ومع وجود مكاتب قليلة الموظفين، تضاءلت فرص أن يجرب الأشخاص المناسبون هذا النوع من التفاعلات الإبداعية التي تثير أفكاراً جديدة. كما قال الرئيس التنفيذي لأبل Apple، تيم كوك Tim Cook، عند التأكيد على أهمية وجود الموظفين مادياً معاً، ”الابتكار ليس دائماً نشاطاً مخططاً له“.
إن البيئة الافتراضية غير مناسبة للقاءات مصادفة كهذه. وحاول بعض المديرين في عينتنا محاكاة العفوية عبر الإنترنت من خلال لقاءات افتراضية من دون أجندات تطلبت، على عكس الغرض منها، جدولةً وكانت في الأغلب تبدو مصطنعة. ومع اختفاء ما هو جديد، اختفى المشاركون أيضاً. اشتكى الموظفون في عينتنا أيضاً من أن العمل في البيئة المختلطة أصبح يدور أكثر حول المعاملات Transactional والعمليات Operational. وفاتهم الشعور بالانخراط ولاحظوا انخفاضاً في ضخ الأفكار الجديدة.
من منظور المؤسسة، تتطلب القدرةُ على الابتكار تدفُّقَ المعرفة القيِّمة داخل المؤسسة، وعند الاقتضاء، إلى شبكتها الموسعة. لم يتغير تبادل المعلومات التقنية عبر البريد الإلكتروني والمنصات الافتراضية كثيراً في أثناء الجائحة. لكن آليات إنشاء المعرفة ومشاركتها وتضمينها تآكلت بسبب انخفاض الروابط الشبكية الوثيقة والروابط القوية والتبادل الهادف للأفكار والإلهام. وقال المديرون إن تطوير رأس المال الفكري تضرر مع انخفاض رأس المال الاجتماعي.
في حين أن الآثار البعيدة المدى للعمل الهجين غير معروفة بعد، لاحظت بعض الشركات بالفعل انخفاضاً في مشروعات الابتكار. ووجدت الشركة EOS، الشركة الرائدة المزودة لحلول الطباعة الثلاثية الأبعاد الصناعية، أنه في أثناء الجائحة، بدلاً من إنشاء تصاميم جديدة، ضاعف عملاؤها تصنيع العناصر التي كانوا ينتجونها سابقاً. نتيجة لذلك تلقت الشركة EOS عدداً أقل من طلبات العملاء بنسبة 30% لتطوير حلول طباعة ثلاثية الأبعاد جديدة. كان العمل من بُعد من قِبل مهندسي عملائها، الذين كانت لديهم فرص أقل لتبادل الأفكار في محادثات تلقائية قرب مبردات المياه والجلسات التعاونية المجدولة، مسؤولاً جزئياً. كان لهذا التباطؤ في الابتكار من قِبل العملاء تأثير كبير في الطلب على خدمات الشركة EOS.
وتشهد شل Shell، وهي من بين أكبر شركات الطاقة في العالم، تغييرات كبيرة، بما في ذلك إعادة تواؤم من البتروكيماويات إلى الطاقة المتجددة. ويتطلب هذا التحول القدرة على حل المشكلات الاستراتيجية والتشغيلية المعقدة. لكن الحد من التواصل الشخصي كان له تأثير سلبي في أنواع التفكير الابتكاري اللازم لعمل كهذا. وعندما تحولت الشركة إلى العمل الهجين في أثناء الجائحة، لاحظ القادة تراجعاً في إنتاج الأفكار الجديدة، ومقترحات الأعمال، والحلول التعاونية. ورداً على ذلك استدعت شل مسوِّقي الطاقة لديها جميعاً إلى المكتب من أجل التعاون بنحو أفضل في الصفقات والمفاوضات الرئيسة.
أخيراً، كما أشار الرئيس التنفيذي لجاي بي مورغان تشايس JPMorgan Chase، جايمي ديمون Jamie Dimon، إذا كانت القدرة على الحضور إلى المكتب تختلف باختلاف الجنس والأدوار، سينخفض التنوع في مكان العمل الفعلي. وتظهر الأبحاث أن التنوع مساهم مهم في الابتكار.
التوازن الحقيقي والافتراضي
مع انحسار الجائحة وتحولات العمل من الواقع الافتراضي البحت إلى الهجين حقاً، يحاول المديرون الذين يركزون على المدى الطويل الحفاظَ على الحيوية في الثقافة المؤسسية والابتكار. ويتضمن ذلك موازنة الوقت الذي يقضيه الموظفون في الاضطلاع بالعمل الشخصي والعمل الافتراضي، وأيضاً تحسين ساعات العمل لتكوين الروابط الاجتماعية وتعزيزها والمشاركة في التعاون الإبداعي. ويعود جزء كبير من التحدي إلى مسائل الزمن والمكان.7L. Gratton, “How to Do Hybrid Right,” Harvard Business Review 99, no. 3 (May-June 2021): 65-74.
كم من الوقت؟ أول حساب يجب أن يُجريه المديرون هو نسبة العمل المكتبي إلى العمل من بُعد. كانت الشركات في عينتنا تقترب من إجماع (لا يزال تقريبياً) حول هذا الأمر. لقد توقعت، في المتوسط، أن تظل 60% من الاجتماعات عبر الإنترنت – وهي زيادة هائلة عن مستويات ما قبل الجائحة. كان هناك تحيز واضح نحو عقد اجتماعات لأداء المهام الإبداعية التعاونية – تلك المرتبطة بالابتكار وبناء الثقافة – شخصياً. لكن المديرين اعتقدوا أنه حتى الاجتماعات مع مزيد من الأجندات الروتينية، بما في ذلك المهام الجماعية المنسقة مثل مشاركة المعلومات والمراجعات، لا ينبغي عقدُها كلها عبر الإنترنت. مثلاً اختارت بعض الشركات التناوب بين الاجتماعات العامة الشخصية والافتراضية.
بالطبع حضور الاجتماعات هو مجرد جزء واحد مما يفعله العاملون في مجال المعرفة. ففي استقراء للمهام كلها قدر المديرون أن متوسط 40% من عمل الموظفين يتطلب وجوداً مادياً. وتتضمن تلك المهام الشخصية حل المشكلات والاستكشاف غير المنظم، والذي يشبه طرح الأفكار، إضافةً إلى أشياء مثل اللقاءات والمحادثات بالمصادفة. ويعتقد المديرون أنه من الممكن تنفيذ الـ60% المتبقية من المهام من بُعد، باستخدام التعاون الافتراضي عند الضرورة. مع الجدولة الدقيقة، سيعود معظم العاملين في مجال المعرفة إلى المكتب على الأقل يومين في الأسبوع.
استقرت شركة الاتصالات العالمية فودافون على يومين إلى ثلاثة أيام في الأسبوع في المكتب، حيث تختار الفرق جداولها الخاصة. ويقضي الموظفون بعض الوقت في التواصل وجهاً لوجه، وبناء شبكاتهم، وتطوير العلاقات، وتبادل النصائح. ويخصص وقت المكتب أيضاً لما تسميه الشركة ”الإبداع المشترك والإلهام“ Cocreation and inspiration (المهام الإبداعية التعاونية) والعمل ”المركّز“ Concentration (المهام الإبداعية المركزة). يختلف الوقت الذي يُنفَق وفق احتياجات صاحب العمل وتفضيلات الموظفين ومتطلبات المهام المختلفة، كما أوضح روبرت ليسون Robert Leeson، رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات في المكتب العالمي ومكان العمل الرقمي في فودافون.
وقدمت الشركة أيضاً أياماً في كل ربع سنة بعنوان روح فودافون Spirit of Vodafone. وإذ تجري في الموقع ومن دون اجتماعات، تركز على رفاه الموظفين والتواصل والنمو الشخصي. إضافة إلى ذلك، وبموافقة المدير المباشر، يمكن للموظفين العمل من أي مكان من دون الحاجة إلى الحضور إلى مكتب فودافون مدة تصل إلى أربعة أسابيع في السنة.
وتطلبت الشركات الأخرى التي درسناها من فرق محددة أن تجتمع شخصياً في كثير من الأحيان. تطلب شركة ريكوه للخدمات المكتبية والتكنولوجيا من فرق العروض الاجتماع في غرفة حربية داخل المكتب لصياغة العروض المعقدة وتقديمها. وكانت هذه العملية أكثر صعوبة عندما لم يلتق أعضاء الفريق شخصياً.
أي موظفين؟ قد لا تُجدوَل الأنشطة المحددة التي ينخرط فيها الموظفون عندما يكونون في المكتب مسبقاً، لكن الأيام التي سيعملون فيها في الموقع بوجه عام هي كذلك. لبناء العلاقات، والعمل بنحو خلاق وتعاوني، والتعامل مع المسائل المعقدة أو الدقيقة، يجب أن يكون الأشخاص المعنيون حاضرين فعلياً في الوقت نفسه.
وترك بعض المديرين في عينتنا الأمر لقادة الفرق، كي يقرروا متى يجب أن يكون الأعضاء حاضرين. واختار آخرون نهج ”أيام الترسيخ“ Anchor days، الذي ينص على أن القوة العاملة بكاملها يجب أن تكون موجودة في أيام معينة.
قدمت شركة تمويل الأصول العالمية دي إل إل أخيراً إرشادات جديدة للعمل الهجين تأخذ في الاعتبار متطلبات الموظفين المهنية والشخصية. ومن أجل تحقيق المرونة والتعاون، تقسم الشركة موظفيها وفق أدوارهم ومهامهم. ويُشجَّع الموظفون العاملون في المكتب على الحضور فعلياً يومين على الأقل في الأسبوع، بما في ذلك أيام الترسيخ، لكي تكون الفرق بكاملها معاً قدر الإمكان عملياً. ويتمتع الموظفون الميدانيون والدوليون بقدر أكبر من المرونة لكنهم يستجيبون لمتطلبات العملاء. ولمزيد من دعم العمل المختلط، تعتزم الشركة DLL تدريب المديرين على إدارة اجتماعات افتراضية أكثر تفاعلاً وإنتاجية، وتقديم ”أيام الترسيخ المشترك“ التي تجمع فرقاً من إدارات مختلفة، واستطلاع الأعضاء بانتظام لتحسين الممارسات والعمليات المختلطة.
تمثل التعيينات الجديدة تحدياً خاصاً. تشعر الشركات في عينتنا كلها بقلق بشأن إعداد الموظفين. وإدراكاً منها أن لقاء الزملاء الجدد لا يمكن اعتباره أمراً مفروغاً منه في البيئات الهجينة، تدير هذه العملية بطريقة هادفة ومهيكلة بنحو أكبر.
أي نوع من المجال؟ هناك عيب واحد لجمع الموظفين جميعاً في المكتب في وقت واحد: هو يحد من قدرة الشركة على تقليص مساحة المكتب – وهي إحدى الفوائد الملموسة لوجود مزيد من العاملين يعملون من بُعد. ومع ذلك تصورت الشركات في عينتنا كلها إجراء إصلاح شامل لبصماتها العقارية. لقد خططت، في المتوسط، لتخفيض مذهل بنسبة 40% في مساحة الطوابق.
وستُهيَّأ أيضاً هذه المكاتب الأصغر والأقل كثافة موظفين بنحو مختلف، وسيعمل الموظفون بوجه مختلف داخلها.8G.C. Kane, R. Nanda, A. Phillips, et al., “Redesigning the Post-Pandemic Workplace,” MIT Sloan Management Review 62, no. 3 (spring 2021): 12-14. أهم التغييرات المخطط لها التي ذكرتها عينتنا هي مناطق اجتماعية إضافية (80%)، ومساحات إبداعية (75%)، وغرف اجتماعات (74%)، ومكاتب مشتركة (74%)، ومكاتب ساخنة (71%). أما مكاتب الزوايا Corner offices ففي طريقها للخروج. المعنى الضمني هو أن المكاتب ستصبح أقل وظيفية وأكثر اجتماعية. ووصف أحد المسؤولين التنفيذيين مساحة العمل المعاد تصورها على أنها نادٍ: بيئة اجتماعية إيجابية يجتمع فيها الموظفون.
فودافون، مثلاً، تعمل على تجديد مساحتها المادية لتمكين الموظفين من التفاعل بطرق تأمل في أن توجه قيمة رأسمالها الاجتماعي. وتنتج المكاتب الفردية مزيجاً من المساحات، بعضها من أجل التعاون المركَّز والبعض الآخر الذي يسهل التفاعل غير المجدول. تجرب شل تخطيطات المكاتب ذات المخطط المفتوح التي تتضمن مقاعد وطاولات بدلاً من المكاتب التقليدية. بالنسبة إلى الاجتماعات والتعاون، ستستخدم التكنولوجيا التي توفر التجربة نفسها للموظفين الافتراضيين والشخصيين – مثلاً، اللوحات البيضاء الرقمية Digital whiteboards التي يمكن تشغيلها من داخل الغرفة ومن بُعد.
ويطرح مثال اللوح الأبيض الرقمي نقطة أساسية: تتطلب البيئات الافتراضية وكذلك البيئات الواقعية الانتباه لنجاح العمل المختلط. يجب أن يكمل الاثنان كلاهما الآخر. هذا هو عمل المديرين. لا تستطيع التكنولوجيا بمفردها – على الرغم من أنها أداة قوية – تفادي سلبيات العمل من بُعد المتزايد.9D.Z. Levin and T.R. Kurtzberg, “Sustaining Employee Networks in the Virtual Workplace,” MIT Sloan Management Review 61, no. 4 (summer 2020): 13-15.
مع بقاء 60% من الاجتماعات افتراضية، يجب على المديرين تعلم كيفية تسهيل تلك المناسبات حتى ينجزوا أكثر من مجرد تبادل المعلومات الأساسي. كانت المؤسسات في عينتنا كلها تستعرض بنحو عاجل كيفية تدريب المشرفين على تنظيم الروابط والتعاون بنحو أفضل في بيئات العمل المختلطة. يجب عليهم أيضاً محاربة ”تضخم الاجتماعات“، وهي شكوى شائعة بين مئات المسؤولين التنفيذيين الذين علمناهم افتراضياً في أثناء الجائحة، وخطر كبير عندما تجعل التكنولوجيا جدولة الاجتماعات وتوسيع نطاقها أمراً سهلاً جداً. في البيئات المختلطة، يصبح من الحاسم بنحو خاص أن تدفع الاجتماعات والتفاعلات المجدولة الأخرى عبر الإنترنت العمل إلى الأمام كما تفعل التجمعات الشخصية.
هذه لحظة فارقة في النقاش حول مستقبل العمل. لقد زادت الجائحة العالمية من إلحاح ضرورة اضطلاع الشركات بإعادة النظر في الافتراضات المتعبة حول إدارة العمل من أجل القيمة Value. وأنتج بحثنا نتائج واسعة النطاق تتسق مع التبني الواسع للعمل الهجين. وقبلت معظم المؤسسات أن العمل الجيد لا يتطلب دائماً وجوداً مادياً.
ومع ذلك يركز النقاش حول العمل الهجين كثيراً على عدد الأيام التي يجب أن يقضيها الموظفون في المكتب في مقابل العمل من المنزل. ويساهم هذا النقص في الفوارق الدقيقة في التوتر بين الموظفين الذين يطالبون بعمل مرن وأصحاب العمل الذين لديهم مخاوف مشروعة. ويمكن للطرفين تبرير ادعاءاتهما المتنافسة. يذكر الموظفون، بنحو صحيح، أن من الممكن أداء عديد من المهام بنحو جيد أو أفضل بعيداً عن المكتب أو في البيئات الافتراضية. ومع ذلك يشير بحثنا إلى أن العمل من بُعد لا يُفضي إلى المهام كلها. ذلك أن التكاليف الخفية – التي يمكن تقديرها على المدى الطويل – قد تضر بقدر كبير بثقافة الشركة والقدرة على الابتكار.
ويتمثل النهج الأكثر إيجابية في التركيز على المهمة الفردية التي تُنفَّذ، ولماذا تتطلب حضور الموظف فعلياً أو لا تتطلبه. هذا ينقل السرد بعيداً عن السياسات الشاملة التي يعتبرها عديد من الموظفين غير عادلة، ويولد قبولاً من الموظفين الذين يحتاج إليهم العمل المختلط من أجل النجاح. من الممكن الحصول على أفضل ما في العالمَين، كما يزعم عديد من النقاد – لكن فقط إذا جرى التعامل مع العمل المختلط باعتباره مسألة ذات أهمية استراتيجية، مع مراعاة التكاليف والفوائد بعناية.
مثل تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت، يعد العمل الافتراضي وسيلة فاعلة لمشاركة المعلومات وإقامة روابط. لكنها تجربة سطحية مهما كانت التكنولوجيا متطورة. فالبشر كائنات اجتماعية. والهدف هو الاستفادة من التفاعلات الشخصية الهادفة لتحفيز الجهد الجماعي والإبداع والعاطفة والمشروعات في العالمين الواقعي والافتراضي. هذه هي مكونات كل من الثقافة والابتكار التي لا بديل لها.
جوناثان تريفور – ماتياس هولفيغ
المراجع
↑1 | L. Gratton, “Four Principles to Ensure Hybrid Work Is Productive Work,” MIT Sloan Management Review, Nov. 9, 2021, https://sloanreview.mit.edu. |
---|---|
↑2 | See T.H. Davenport, “Process Management for Knowledge Work,” in “Handbook on Business Process Management 1: Introduction, Methods, and Information Systems,” 2nd ed., eds. J. vom Brocke and M. Rosemann (Heidelberg, Germany: Springer, 2015): 17-35. |
↑3 | E.H. Schein, “Organizational Culture and Leadership (Vol. 2)” (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2010). |
↑4 | L. Smircich, “Concepts of Culture and Organizational Analysis,” Administrative Science Quarterly 28, no. 3 (September 1983): 339-358. |
↑5 | J. Trevor, “Re:Align: A Leadership Blueprint for Overcoming Disruption and Improving Performance” (London: Bloomsbury Publishing, 2022). |
↑6 | S.C. Kang and S.A. Snell, “Intellectual Capital Architectures and Ambidextrous Learning: A Framework for Human Resource Management,” Journal of Management Studies 46, no. 1 (January 2009): 65-92. |
↑7 | L. Gratton, “How to Do Hybrid Right,” Harvard Business Review 99, no. 3 (May-June 2021): 65-74. |
↑8 | G.C. Kane, R. Nanda, A. Phillips, et al., “Redesigning the Post-Pandemic Workplace,” MIT Sloan Management Review 62, no. 3 (spring 2021): 12-14. |
↑9 | D.Z. Levin and T.R. Kurtzberg, “Sustaining Employee Networks in the Virtual Workplace,” MIT Sloan Management Review 61, no. 4 (summer 2020): 13-15. |