لكل منتج (معاد تخصيصه) قصة
تصبح البضائع المصنوعة من مواد معاد استخدامها أو معزز تدويرها أكثر جاذبية عندما يُعَدُّ العملاء لسرد رواية حول تاريخ المنتج.
في مقدور تحويل النفايات إلى كنز، من خلال إعادة التخصيص Repurposing وإعادة التدوير Recycling، أن يكون استراتيجية مستدامة جداً للحصول على المواد. لكن تسويق المنتجات الناتجة يمكن أن يمثل تحدياً، لاسيما في الأشياء المعاد تدويرُها مع بقاء تأثيرات مرئية من ماضيها، مثل الحقائب المصنوعة من الأنابيب الداخلية للدراجات القديمة، والطاولات المصنوعة من القوارب القديمة، وأغلفة الحاسوب المحمول المصنوعة من الناموسيات المستخدمة.
وقد تظهر الآثار المرئية لماضي المنتج أن عملية إعادة التخصيص نجحت في الحد من استخدام الطاقة إلى أدنى حد ممكن، الأمر الذي يجعل المنتج مستداماً بنحو خاص. ومع ذلك تأتي إعادة تخصيص المنتجات والمواد مع تحديات إنتاج فريدة، لذلك هي عادة ليست منخفضة التكلفة. وبدلاً من دفع سعر عالٍ Premium للمنتجات المصنوعة من النفايات، يفضل عديد من المستهلكين إنفاق أموالهم على الأشياء الجديدة تماماً.
كيف يمكننا إقناع المستهلكين باختيار المنتجات المعاد تخصيصها والتي قد تظهر عليها علامات البِلى مقارنة بالمنتجات الجديدة؟ وعلى الرغم من أن بعض الناس يسعون إلى الحصول على البضائع الأكثر ملاءمة للبيئة، وهم على استعداد لدفع مزيد في مقابلها، أوضحت أبحاثنا الأولية أن أغلب المستهلكين ليسوا بهذا القدر من الحماس. وتجد بعض الأبحاث أن إبراز الجوانب المستدامة للمنتج قد يؤدي إلى خفض الطلب فعلياً.1A.R. Brough, J.E.B. Wilkie, J. Ma, et al., “Is Eco-Friendly Unmanly? The Green-Feminine Stereotype and Its Effect on Sustainable Consumption,” Journal of Consumer Research 43, no. 4 (December 2016): 567-582; and M.G. Luchs, R. Walker Naylor, J.R. Irwin, et al., “The Sustainability Liability: Potential Negative Effects of Ethicality on Product Preference,” Journal of Marketing 74, no. 5 (September 2010): 18-31.
وتقصينا طرق جعل المنتجات المعاد تخصيصها مرغوباً فيها من قِبل السوق الأوسع من خلال التغلب على الوصمة المحتملة المرتبطة بالمواد المستخدمة والتي جرى التخلص منها. ركزنا على كيفية جعل الناس يشعرون بخصوصية عندما يختارون منتجاً معاداً تخصيصُه على الرغم من أنه مصنوع من نفايات. وكان تبصرنا الرئيس أن من الممكن الاستفادة من صلة البشر بسرد رواية ما. ووجدنا أنه من خلال إعداد المستهلكين للتفكير في تحويل بند ما الى منتج جديد، بدلاً من أصله في كومة قمامة، يحصل الشيء على القيمة عن طريق النظر إليه على أنه فريد وخاص وبتاريخ حياة خاص به.
حوِّلُوا المستهلكين إلى رواة قصص
لدى البشر صلة عميقة الجذور بالقصص: إذ تأسرنا القصص، وهي الطريقة التي نستشعر بها التجربة.2J.S. Bruner, “Acts of Meaning” (Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press, 1990). فالقصص هي طريقة رائعة لإشباع المعلومات بالمعنى الذي يبحث عنه الأشخاص أينما وُجدوا.3V.E. Frankl, “Man’s Search for Meaning,” revised and updated ed. (Pocket Books/Simon & Schuster). وما دام المسوقون كانوا على دراية بهذه الصلة وعرفوها. ومع ذلك تتمثل الممارسة السائدة في صياغة قصص تضع العلامة التجارية في مركز الصدارة، واستثارة بعض المشاعر تجاهها، وهو ما يبدو لنا غير مناسب للمشكلة المطروحة.
ليست القصة التي نحتاج إلى أن نرويها عن شخصيات ثانوية، مثل ناطق رسمي أو تعويذة، أو حتى العلامة التجارية. وإذا كان لنا أن نحمل الناس على فهم حقيقة مُفادها أن المنتج المعاد تخصيصُه منتج خاص، فالمنتج ذاته يجب أن يكون الطرف الفاعل الرئيس حتى يصبح مشبعاً بخصوصية القصة كلها. وباتباع مبدأ ”أنتم ما تملكون“، من شأن الحصول على منتج خاص ومتبع بقصة أن يسمح للناس بالشعور بأنهم متميزون عن الآخرين.
لكن إخبار قصة طويلة عن المراحل كلها التي مر بها منتج معاد تخصيصه قد يتسم بالكفاءة من حيث التكلفة بالنسبة إلى الأشياء النادرة والمرتفعة الثمن، لكنه غير عملي وغير ممكن حين يكون النطاق واسعاً. وقررنا استغلال سمة – غير مُقدَّرة حق قدرها – من سمات الشذرات القصصية في البشر: لدينا القدرة على أن نستنتج القصص ونستكملها بأنفسنا، حتى لو اقتصر ما يمكننا استخلاصه كله على فتات من المعلومات. (ما عليكم إلا أن تفكروا في مدى ضآلة ما قد يحتاج إليه الناس لبناء توقعات من النميمة الدسمة، أو تشكيل افتراضات من أجزاء المعلومات).
هذه القدرة البشرية تؤدي إلى آلية عملية جداً: الحد الأدنى لسرد القصص Minimal storytelling. يعتمد الحد الأدنى لسرد القصص على طبيعة التسلسل الزمني للقصص. والفرضية الأساسية هنا هي أن الناس قادرون على استنتاج قصة ما داموا على وعي بما لا يقل عن حلقتين متتاليتين: قبل وبعد. آليةُ سرد القصص هذه غير معروفة جيداً ونادراً ما تُستخدَم عندما تقرر الشركات استراتيجيات سرد قصصها. غيرَ أننا وجدنا أنها مناسبة جداً في سياق منتجات معاد تخصيصها ذات قصة حياة خاصة.
اختبار الحد الأدنى لسرد القصص
تماشياً مع مبدأ الحد الأدنى لسرد القصص، عندما أعددنا تجربتنا، أنشأنا إشارات بسيطة جداً لقصص التحول التي أنتجتها منتجاتنا المعاد تخصيصها والتي أظهرت ببساطة – أو ذكرت – ما كان المنتج عليه في السابق وما أصبح عليه الآن. وذكرنا هاتين المعلومتين فقط من تاريخ المنتجات، وتركنا للمستهلكين ربطَهما معاً في قصة واحدة.
أجرينا عديداً من الدراسات لاختبار ما إذا كان أسلوب الحد الأدنى من سرد القصص هذا سيكون قادراً على زيادة جاذبية البضائع المعاد تخصيصها. مثلاً اختبرنا رسالتين ترويجيتين مختلفتين في متجر مؤقت فعلي. في رسالة واحدة شدَّدنا على الفائدة (”أنا محفظة رائجة“، مثلاً) التي يفترض أن الناس يريدون الحصول عليها من المنتج. وفي الرسالة الأخرى، ألمحنا إلى قصة حياة المنتج وسلطنا الضوء على هويته السابقة (”كنتُ إطاراً للدراجات“، مثلاً). وكان هذا التلميح إلى القصة عاملَ تغيير. فعندما رأى الناس التلميح بشأن هوية المنتج السابقة، تضاعف عدد المشتريات إلى ثلاثة أمثاله، وتضاعفت العوائد إلى أربعة أمثالها.4B. Kamleitner, C. Thürridl, and B.A.S. Martin, “A Cinderella Story: How Past Identity Salience Boosts Demand for Repurposed Products,” Journal of Marketing 83, no. 6 (November 2019): 76-92. ووجدنا تأثيرات مماثلة عندما أجرينا حملات إعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي Social media campaigns في العالم الحقيقي، حيث اختبرنا نهجَين: بسيطاً يظهر المنتج المعاد تخصيصه وينص على ماهيته الآن، أو يخبر الماهية السابقة للمنتج.
قد يبدو هذا غريباً للعقل المنطقي. ذلك أن الإعلان الذي يصف حياة المنتج الماضية لم تكن له أي علاقة بغرض عملاء المنتج. وإضافة إلى ذلك، ذكّرنا العملاء أساساً بأنهم كانوا يشترون منتجاً من النفايات. ويميل التأثير الإيجابي المترتب على تسليط الضوء على المعلومات عن الماضي إلى اكتساب مزيد من القوة فيما يتصل بالمنتجات التي لا تظهر ماضيها كنفايات، مثل الأكياس المصنوعة من المظلات، أو المنتجات المعاد تدويرها التي “مزقت” حرفياً كل الآثار المرئية لماضيها.
نجحت عديد من دراسات المتابعة Follow-up studies، بما في ذلك تحليل بروتوكولات الأفكار Analysis of thought protocols، في تكرار نجاح الحد الأدنى لسرد القصص، وأكدت على السبب وراء نجاح تذكُّر ماضي المنتج إلى هذا الحد: استخدمه الناس كتلميح إلى قصة المنتج، الأمر الذي جعلهم مالكين لمنتج فريد، الأمر الذي جعلهم من ثم يشعرون بخصوصية. كانت قصة أحد البنود المشاركة في الدراسة: ”لقد أُعيد تدويره من وسادة هوائية مستخدمة – شيء أنقذ حياة شخص ما. وهذا أمر رائع جداً“. والأكثر من ذلك أن القصص التي تُروى ذاتياً مخصصة Customized ولا تنسى. يستخدم المستهلكون تجاربهم الخاصة لاستكمال الأجزاء المفقودة وإنشاء قصة على هواهم. من المرجح أن تبقى القصة لأن الناس يروونها بأنفسهم. وفي حين أننا لم ننظر إلى التأثير إلا وقت الشراء، يشير هذا الجانب بالذات من الآلية إلى أنه قد يعود بفوائد طويلة الأمد. إذا كان العملاء قادرين على تذكر سبب أهمية المنتج المعاد تخصيصه بنحو خاص، فقد يكون من الأسهل عليهم إخبار الآخرين عنه، وقد يكونون أكثر تسامحاً مع العيوب المحتملة. ما قد يكون بخلاف ذلك غير مثالي أو غير ملائم – آثار النفايات – أي تتحول العيوب إلى ميزة فعلية للمنتج.
لكن هناك حدوداً لقوة هذه التقنية عندما يثير ماضي المنتج الاشمئزاز. لقد اختبرنا هذا مع أغطية حاسوب محمول مصنوعة من الناموسيات القديمة والمتسخة بشكل واضح. وحين قارنا بين التأثيرات المترتبة على تبني ماضٍ غير مُواتٍ وبين السكوت التام عنه، وجدنا أن تسليط الضوء على التاريخ لم يلحق الضرر بالطلب، لكننا لم نرصد الدافع نفسه للشراء الذي رصدناه في غيرها من المنتجات.
كل ما يلزم لتحقيق أدنى قدر من النجاح في سرد القصص هو بعض المدخلات التي من شأنها أن تعمل على تنشيط عقول العملاء المُتلقِّية للقصص. وفي حالتنا، كان هذا ببساطة مجرد ذكر هوية المنتج السابقة. وقد ينجح هذا بنحو أفضل عندما تستخدم الأحداث إشارات ملموسة حول ماضي المنتج والتي يسهل تخيلها، وإذا أعطيتم المنتج صوتاً. تذكروا أيضاً أن القصص متسلسلة: قدموا ماضي المنتج قبل تسليط الضوء على حاضره.
يذكرنا أدنى حد من سرد القصص بأن الناس لا يريدون ببساطةٍ أن يستهلكوا القصص بنحو سلبي. وتُسلط حالة المنتجات المعاد تخصيصها الضوء على إمكانية إيقاظ قدرة المستهلكين الفطرية على سرد القصص بأنفسهم. وعلى الرغم من أن هذه أنباء طيبة للشركات التي تبيع منتجات أعيد تخصيصها، نعتقد أن هذا الأسلوب من الممكن تطبيقه على نطاق أوسع. يوفر الحد الأدنى لسرد القصص وقت المسوقين وأموالهم ويمكن استخدامه في مجموعة واسعة من الوسائط حيث يكون محتوى القصة محدوداً.
وتظهر أبحاثنا أن من الممكن استخدام قوة سرد القصص لتحويل العيب إلى ميزة من خلال أداة تسويق واحدة منخفضة التكلفة.
المراجع
↑1 A.R. Brough, J.E.B. Wilkie, J. Ma, et al., “Is Eco-Friendly Unmanly? The Green-Feminine Stereotype and Its Effect on Sustainable Consumption,” Journal of Consumer Research 43, no. 4 (December 2016): 567-582; and M.G. Luchs, R. Walker Naylor, J.R. Irwin, et al., “The Sustainability Liability: Potential Negative Effects of Ethicality on Product Preference,” Journal of Marketing 74, no. 5 (September 2010): 18-31.
↑2 J.S. Bruner, “Acts of Meaning” (Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press, 1990).
↑3 V.E. Frankl, “Man’s Search for Meaning,” revised and updated ed. (Pocket Books/Simon & Schuster).
↑4 B. Kamleitner, C. Thürridl, and B.A.S. Martin, “A Cinderella Story: How Past Identity Salience Boosts Demand for Repurposed Products,” Journal of Marketing 83, no. 6 (November 2019): 76-92.