إنقاذ الإدارة من هوسنا بالقيادة
تأسر المفاهيم النبيلة حول القيادة مخيلتنا الجماعية – ولم نُقدِّر ونستثمر بالقدر الكافي في المهارات الإدارية اليومية التي تحتاج إليها المؤسسات بشدة.
على مدى عقودٍ كان مفكرون في مجال الأعمال والمسؤولون التنفيذيون الذين يتطلعون إليهم عند البحث عن بصيرة نافذة يضعون القائد ذا الرؤية والملهم فوق مستوى المدير الجيد المفيد لكن المفتقر إلى الإلهام. غيرَ أن الأدلة من حولنا تشير إلى أننا نخفض قيمة الممارسات الإدارية على نحو يعرضها للخطر: وما ننتقده باعتباره مجرد إدارة (من قِبل هؤلاء الذين ليسوا أكثر من مديرين) أمر صعب وقيم بنحو لا يُصدَّق.
ويصبح الأمر أكثر أهمية في أوقات الاضطرابات والأزمات. خذوا جائحة كوفيد-19: سواء كنا نتحدث عن عبور الاضطرابات في سلاسل التوريد Supply chain، أو العمل بأمان على تماسٍّ مع العملاء، أو ببساطة إبقاء الأبواب مفتوحة أمام العملاء، كانت الشركات في حاجة ماسة إلى أشخاص يعرفون كيفية تنسيق العمل، وحل المشكلات الفنية، والتعامل بمهارة مع التحديات البشرية التي لا تُعَد ولا تحصى والتي يواجهها الموظفون وغيرهم من أصحاب المصلحة Stakeholders. وينطبق الأمر نفسه على المؤسسات المشاركة في تطوير اللقاحات والعلاجات أو تصنيعها أو توزيعها أو إدارتها. ولتلبية هذه اللحظة كنا في حاجة إلى مديرين يمكنهم الحفاظ على الأمور قيد التشغيل ودعم الموظفين – ليس القادة الذين يلقون خطباً مثيرة لكنهم يظلون منفصلين عن العمليات اليومية.
كان ما يسمى بالاستقالة الكبرى Great Resignation ذا دلالة في هذا الصدد. إذ لم يستقل الناس بأعداد كبيرة لأن المسؤول التنفيذي الأعلى لشركتهم لا يتمتع بالقدر الكافي من الخيال أو الإلهام. بل لقد ترك الناس وظائف رديئة – وظائف تفتقر إلى الاستقلالية، أو التنوع، أو فرص النمو؛ ووظائف تقدم رواتب قليلة ولا تكافئ الأداء بإنصاف؛ ووظائف غير محددة وغير مهيكلة بوضوح؛ ووظائف تفتقر إلى الضوابط التي تحول دون حمل العمل الزائد Overload والإحباط المزمن.1M. Schwantes, “Why Are People Quitting? Burnout’s Just the Tip of the Iceberg,” Inc., Sept. 14, 2021, www.inc.com; A. De Smet, B. Dowling, M. Mugayar-Baldocchi, et al., “‘Great Attrition’ or ‘Great Attraction’? The Choice Is Yours,” McKinsey Quarterly, Sept. 8, 2021, www.mckinsey.com; and T. Smart, “Study: Gen Z, Millennials Driving ‘The Great Resignation,’” U.S. News & World Report, Aug. 26, 2021, www.usnews.com. وتركوا أيضا رؤساءهم المباشرين، الذين لم يعد افتقارهم إلى الكفاءة الإدارية اليومية، والجدارة بالثقة، والشمول، والاهتمام مقبولاً.2De Smet et al., “‘Great Attrition’ or ‘Great Attraction’?”; “2021 People Management Report,” PDF file (Westwood, Massachusetts: The Predictive Index, 2021), www .predictiveindex.com; and “The Great Resignation Research Report,” PlanBeyond, accessed May 31, 2022, https://planbeyond.com. وتركوا المؤسسات التي انتهكت عقودها النفسية مع الموظفين من خلال انتهاك قواعد الثقة والإنصاف والعدالة غير المكتوبة.3D. Sull, C. Sull, and B. Zweig, “Toxic Culture Is Driving the Great Resignation,” MIT Sloan Management Review, Jan. 11, 2022, https://sloanreview.mit.edu.
وفي حين كان عدد العاملين الذين تركوا وظائفهم غير عادي، ولاسيما في بعض القطاعات، فإن ذلك لم يحدث لأسباب جديدة، ولا ينبغي لذلك أن يدهشنا. يدرس الباحثون المؤسسيون الدوران الوظيفي Turnover منذ عقود. إن الأسباب المذكورة حالياً – بما في ذلك انخفاض مستوى الرضا عن الوظائف والالتزام والمشاركة المرتبطين بسوء الإدارة – هي نفسها التي حددتها مئات الدراسات الفردية والتحليلات الماورائية Meta-analyses المتعددة. في العقد السابق لانتشار الجائحة، مثلاً، لم تتجاوز نسبة الموظفين من ذوي المشاركة العالية %22 من بين الملايين الذين شملتهم الاستطلاعات، وكانت العلاقة بين انخفاض مستوى المشاركة وارتفاع معدل الدوران الوظيفي موثقة بنحو جيد.4J.K. Harter, F.L. Schmidt, S. Agrawal, et al., “The Relationship Between Engagement at Work and Organizational Outcomes: 2020 Q12 Meta-Analysis: 10th Edition,” PDF file (Washington, D.C.: Gallup, October 2020), www.gallup.com. ربما أنشأت جائحة كوفيد-19 نقطة تحول لما قد يضطلع به الأشخاص في العمل أو لا يرغبون في الاضطلاع به، لكنها لم تنشئ المشكلات الأساسية أو تغيرها بقدر كبير – كانت المشكلات منتشرة على نطاق واسع منذ فترة طويلة.
لماذا تشيع هذه المشكلات في كل مكان وتستمر؟ لأن المؤسسات والفرق العليا تهوِّن من صعوبة أن يكون المرء ببساطةٍ مديراً جيداً أو تتجاهلها – مهارته في توظيف الناس، وإشراكهم، وتطويرهم، وتدريبهم، والإشراف عليهم، وتقييمهم، وترقيتهم. تتوافر ورش عمل القيادة على نطاق واسع، لكنها تميل إلى الاهتمام بالشواغل الرفيعة المستوى، وتنفق القليل من الوقت أو لا تنفق أي وقت على تعليم هذه المهارات الحاسمة والأساسية. أغلب المديرين لا يخضعون للمساءلة عن بناء هذه المهارات وممارستها، ولا يعتنون بالقدر الكافي بالسلامة النفسية للتركيز على تطوير هذه الأساسيات، التي يفترض الناس في الأغلب أن أي شخص لديه ذكاء قادر على إتقانها بسهولة. بل لقد استوعبوا بدلاً من ذلك الرسالة القوية التي تؤكد أن صفات مثل الرؤية الاستراتيجية والحضور التنفيذي تشكل أهمية أكبر كثيراً، الأمر الذي يتركهم هم ومؤسساتهم في حال من عدم الجاهزية على النحو اللائق للتعامل مع الواقع.
لقلب هذا الاتجاه، نوصي باتخاذ إجراءات تعالج بنمط مباشر الأسبابَ التي تجعل الأشخاص الجيدين يستقيلون (أو يبقون، لكن بمستويات منخفضة من التحفيز أو الالتزام أو المشاركة). قد تبدو هذه الاقتراحات المستندة إلى الأدلة مثل إصلاحات أساسية، وهي كذلك في جزء منها؛ نحتاج إلى العمل على الأساسيات. لكنها تتطلب أيضاً من المديرين أن يدركوا الاحتياجات والمشاعر البشرية المعقدة، وأن يستجيبوا لها على النحو اللائق – ربما بالنسبة إلى المهارات التي من المرجح أن تحل محلها الأتمتة أو الذكاء الاصطناعي في أي وقت قريب.
قبل الخوض في توصياتنا، دعونا نلقِ نظرة فاحصة على الكيفية التي وصلنا بها إلى هذه النقطة، لأن فهمها قد يساعدنا على تجاوز هذه النقطة.
تمييز مَعيب
في العام 1977 زعم العالم في مجال القيادة أبراهام زاليزنيك Abraham Zaleznik أن المديرين والقادة عبارة عن أنماط مختلفة من الأفراد أساساً.5A. Zaleznik, “Leaders and Managers: Are They Different?” Harvard Business Review 15, no. 3 (May 1977): 67-84. وزعم أن القادة يتمتعون بالجرأة والرؤية الثاقبة والإلهام؛ هم يُنشئون رسائل واستراتيجيات مقنعة ويصوغونها بوضوح. وقال إن المديرين مجرد منفذين؛ هم ينظمون الموظفين والمهام. وسواء كان ذلك عن قصد أو لم يكن، فقد عظم زاليزنيك القادة والقيادة، وفي المقابل، انتقد الأنشطة الشائعة التي تضطلع بها الإدارة والمديرون الذين يؤدونها.
وكان لتميز زاليزنيك صدى واسع النطاق: بعد 45 سنة أصبحت وجهات نظره واسعة النطاق، على الرغم من قلة الأدلة التي تؤكد أن إعطاء الأولوية لنوع ضيق من القيادة يؤدي دوماً إلى نتائج إيجابية. وأجرينا أخيراً أبحاثاً مستفيضة مع ما يقرب من 2,200 مشارك من بلدان متعددة ووثقنا تفضيلاً قوياً لكل ما هو قيادة Leadership على الإدارة Management.6K.M. Kniffin, J.R. Detert, and H.L. Leroy, “On Leading and Managing: Synonyms or Separate (and Unequal)?” Academy of Management Discoveries 6, no. 4 (December 2020): 544-571. في عينات متعددة، كان أغلب الناس يعتقدون أن سلوكيات القيادة في النموذج الأولي أكثر صعوبة في التعلم وأكثر قيمة من سلوكيات الإدارة، وبهامش ضخم، رأوا أن التصنيف قائد Leader أكثر جاذبية من مدير Manager. وكان من المرجح أيضاً أن يكونوا أكثر رغبة في توظيف شخص يتمتع بمهارات قيادية قوية ودفع أجور أعلى من تلك التي يدفعونها إلى شخص يتمتع بمهارات إدارية قوية، حتى عندما كان الدور يدعو بوضوح إلى الأخيرة. وكان من الصعب حمل الناس على تجاوز هذا التفضيل، حتى عندما طلبنا إليهم التمهل وذكر أهم القدرات اللازمة للدور قبل اتخاذ قراراتهم. باختصار، كان ما وجدناه أدلة قوية مستمرة على ”رومانسية القيادة“ التي وصفها آخرون، حيث تستند مفاهيم القيادة إلى تقييم واعٍ ومنطقي، لكنه فضفاض؛ هذا إذا وُجِد.7J.R. Meindl, S.B. Ehrlich, and J.M. Dukerich, “The Romance of Leadership,” Administrative Science Quarterly 30, no. 1 (March 1985): 78-102. مع الأسف لم تفلح عقود من البحث العلمي والتدريس في مطابقة الأفراد مع المواقف.8F.E. Fiedler, “A Theory of Leadership Effectiveness” (New York: McGraw-Hill, 1967).
حوَّل الباحثون تركيزهم بقدر كبير بعيداً عن دراسة السلوكيات الإدارية نحو دراسة أساليب القيادة.
إذا كان هذا التفضيل للقيادة على الإدارة مجرد مسألة دلالات لفظية، أو أنه لا يظهر إلا كتفضيل افتراضي، فلن تكون هناك حاجة إلى كتابة هذه المقالة. لكن النماذج الذهنية تؤثر فيما نضطلع به. فلنتأملْ هنا الكيفيةَ التي تصف بها مدارس الأعمال هدفها. في العام 1977، عندما نُشر موضوع زاليزنيك، استخدمت تسع من أفضل 10 كليات للدراسات العليا في مجال الأعمال (كما صنفها تقرير الولايات المتحدة للأخبار والعالم U.S. News & World Report) كلماتِ المدير أو الإدارة في بيانات رسائلها؛ ولم تذكر القيادة سوى مرة واحدة فقط. لكن في العام 2017، أشارت تسع من رسائل المدارس الـ10 نفسها صراحةً إلى القيادة؛ لم تذكر الإدارة سوى مدرستين فقط. حتى أن الباحثين حولوا تركيزهم بعيداً عن دراسة السلوكيات الإدارية – مثل هيكلة عمل الموظفين، ومحاسبة الموظفين، واتخاذ القرارات المستندة إلى الأدلة، وإدارة المخاطر – ونحو دراسة أساليب القيادة التحويلية، والكاريزما، والبصيرة، وغير ذلك من أساليب القيادة المغرية.9T.A. Judge, R.F. Piccolo, and R. Ilies, “The Forgotten Ones? The Validity of Consideration and Initiating Structure in Leadership Research,” Journal of Applied Psychology 89, no. 1 (February 2004): 36-51.
واتخذت التغطية الإعلامية منعطفاً مماثلاً. على مدى عقودٍ نجحت صحافة الأعمال في تجنيد قادة من ذوي البصيرة الثاقبة، مثل إيلون ماسك Elon Musk وستيف جوبز Steve Jobs، في حين رفضت المديرين باعتبارهم ”بيروقراطيين، ومُعزّزين لتفكير القطيع، ورموزاً لانتفاخ الشركات“.10M. Korn, “What It’s Like Being a Middle Manager Today,” The Wall Street Journal, Aug. 5, 2013, www.wsj.com. في هذه الأثناء، يبحث خبراء الموارد البشرية في المؤسسات بجد عن الموارد والاحترام، على الرغم من خبرتهم في عمليات الإدارة اليومية والسلوكيات التي تظهر في البحث، يبقى ذلك أمراً حاسماً لأداء الفرد والمجموعة.
لا ندعي أن أحداً آخر لا يقول إن الإدارة الجيدة أمر مهم. اعترف زاليزنيك نفسه بأنها كذلك، كما فعل آخرون من كبار المفكرين على مر السنين.11J.P. Kotter, “What Leaders Really Do,” Harvard Business Review 79, no. 11 (December 2001): 85-96. لكن الإشارة إلى أن الأمر لا يرقى إلى حد كبير إلى الاعتراف بمدى الصعوبة أو الأهمية التي يتسم بها هذا الأمر وتقديم توجيهات ملموسة بشأن ما يضطلع به المديرون البارزون من عمل. وهذا هو هدفنا هنا.
المديرون الجيدون يصممون وظائف جيدة
في الأغلب يرتبط التصميم الدقيق للعمل بالكفاءة المؤسسية. ومن المؤكد أن هذه الفائدة تعود عليهم، لكن هناك أيضاً جانباً إيجابياً على الصعيد النفسي: في وسع المديرين أن يلبوا احتياجات الموظفين فيما يتصل بتقرير المصير – بمعنى الانتماء والاستقلالية، والشعور بالكفاءة – من خلال صياغة الوظائف التي تشرك الأفراد من دون إنهاكهم.12A. Van den Broeck, D.L. Ferris, C. Chang, et al., “A Review of Self-Determination Theory’s Basic Psychological Needs at Work,” Journal of Management 42, no. 5 (July 2016): 1195-1229. فالرسائل والرؤى وحدها لا تخدم هذه الوظائف.
قد يبدو تصميم العمل مثل مجال من مجالات الموارد البشرية، لكن المديرين الجيدين يدركون أهميته ويتفهمون جيداً كيفية المساهمة في تشكيل هذا التصميم. هم ينظرون إلى زملائهم في إدارة الموارد البشرية ويعاملونهم باعتبارهم شركاء موثوقاً بهم بدلاً من انتقادهم كبيروقراطيين. يساعد المديرون الجيدون في إنشاء الوظائف التي يستطيع الأشخاص من خلالها أداء أفضل أعمالهم من دون الشعور بالتشوش أو الارتباك أو المحاصرة.
هم يحددون الأدوار والمهام، ويوفرون الموارد اللازمة للاضطلاع بها. الإنهاك والإحباط والارتباك والأخطاء والتوتر والإجهاد: هذه هي عواقب الوظائف التي تفتقر إلى الوضوح والحدود – الأشياء التي تحدث قبل أن يستقيل الناس أو يُفصَلوا. لقد عرفنا هذه النتائج السلبية على مدى سنوات، قبل كوفيد-19 بفترة طويلة.13A.L. Rubenstein, M.B. Eberly, T.W. Lee, et al., “Surveying the Forest: A Meta Analysis, Moderator Investigation, and Future Oriented Discussion of the Antecedents of Voluntary Employee Turnover,” Personnel Psychology 71, no. 1 (spring 2018): 23-65.
ويحول المديرون الجيدون دونَ ذلك من خلال تحديد أدوار الموظفين ومهامهم بالتفصيل. هم يوضحون الأهداف والتوقعات، ويشرحون العمل الذي يجب الاضطلاع به، ويحددون ما يجب إعطاؤه الأولوية، ويرسمون علاقات التراتبية وقنوات التواصل، ويتحققون بنمط دوري من فهم هذه المقاييس Parameters لمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة إلى التوضيح أو لا. والواقع أن أنشطة ”الهيكلة“ هذه، التي تُجوهلت إلى حد كبير في العقود الأخيرة على الرغم من كثرة الأبحاث التي تظهر أهميتها، توفر الاستقرار، ما يسمح للموظفين بالشعور بالكفاءة والسيطرة.14Judge, Piccolo, and Ilies, “The Forgotten Ones?” 36-51.
لا تكمن المشكلة في أن الأدوار لم تحدد قط؛ بل تكمن في أن الأدوار لم تُحدَّث لكي تتمكن من مواكبة التغيرات المؤسسية، أو أنها لم تنل دفاعاً في مقابل ”التوسع الوظيفي“ Job creep، الذي يحول الأدوار التي يمكن إدارتها والاضطلاع بها في البداية إلى أدوار جائرة. إذا سألتم أي موظف عما أضيف إلى مهامه في الأشهر أو السنوات القليلة الماضية، فمن المرجح أن يعلن غاضباً قائمة مثيرة للإعجاب. لكن إذا سألتم عما أزيل من مهامه أو المهام التي قد يكون مقبولاً التوقف عن الاضطلاع بها، فمن المرجح أن يواجه صعوبة في طرح أمثلة.
في معظم المؤسسات يكون المديرون أفضل بكثير في إضافة عمل لتلبية الاحتياجات المتزايدة تصعيداً مقارنةً بوقفهم أشياء لم تَعُد مهمة حقاً أو تستحق المشكلات التي تسبِّبُها.15G.S. Adams, B.A. Converse, A.H. Hales, et al., “People Systematically Overlook Subtractive Changes,” Nature 592, no. 7853 (April 2021): 258-261. يتبين أن إيقاف الأشياء كثيراً ما يتطلب شجاعة لأن شخصاً ما يستثمر في ”ما قمنا به دوماً“ أو ”الطريقة التي تسير بها الأمور“. ذلك أن إيقاف الأشياء يعني أن بعض الأشخاص قد يشعرون بقدر أقل من الكفاءة في البدء أو قد يرون أن وضعهم يتراجع، أو أن بعض المجموعات أصبحت لديها الآن قوة أقل أو موارد أقل. وعلى هذا فإن عديداً من المديرين يخافون من ردود الفعل العنيفة (أو يحمون أنفسهم من الاحتمالات نفسها)، فلا يطرحون المسؤوليات والمهام لمساعدة الموظفين على البقاء عقلانيين.
وهناك نهج أكثر إيجابية يتمثل في الكفاح من أجل مطابقة الموارد والاحتياجات الجديدة. لا يقبل المديرون الجيدون فحسب التفويضَ من الأعلى بزيادة أعداد العملاء الذين تخدمهم الشركة أو المبيعات الجارية زيادة كبيرة من دون الدفع في اتجاه ما يلزم على صعيد الميزانية، والموظفين، والأدوات، والتكنولوجيا، بل حتى وقت الاستراحة (أجل، يُعَد التوازن مورداً) لتلبية هذه التوقعات بنحو معقول. وإذا لم يكن أي قدر من الدعم كافياً لجعل المطالب الجديدة معقولة بالنسبة إلى أولئك المكلفين بتنفيذ هذه المطالب، يجد المديرون الجيدون سبلاً محترمة لكن صارمة لكي يقولوا كفى. وهذا لا يشكل إشارة إلى أن المديرين أو موظفيهم كسولون أو غير راغبين في بذل جهد إضافي؛ إنه في إشارة إلى أنهم يدركون أن ما يمكن الاضطلاع به فترة قصيرة في حالات الطوارئ غير مستدام ويؤدي إلى مشكلات كبرى طويلة الأجل فيما يتصل بأداء الموظفين ورفاههم.
ولهذا السبب يصف مارتن Martin – وهو فني تكنولوجيا المعلومات يعمل في إحدى الشركات المدرجة في قائمة فورتشن 50 Fortune 50 للتكنولوجيا- شارلوت Charlotte بأنها أفضل مديرة عرفها في حياته المهنية التي دامت عقدين. عندما استرجع مارتن الوقت الذي عملا فيه معاً، أخبرنا أنه كان يوفر خبرة فنية أساسية في مشروع مهم في مجال تكنولوجيا المعلومات مع عميل مُتطلِّب وغير مرن عندما ولدت زوجته. وعلى الرغم من ”الانتقادات الحادة“ التي تلقتها شارلوت من العميل ومن يفوقونها رتبة، أصرت على أن يأخذ مارتن بعض الوقت لقضائه مع أسرته وأعادت جدولة المواعيد النهائية للمشروع. لقد دافعت بقوة عن حق مارتن في إجازة الأبوة وأوضحت أن إعادته إلى العمل باكراً وإنهاكه لن يخدما أحداً. وعندما سألنا شارلوت قالت: ”كنتُ أعرف عندما عاد أنه سيستمر في العمل بنسبة 100% وأكثر، وهذا ما فعله. وفي نهاية المطاف، كان [المشروع] ناجحاً وسُلِّم قبل الوقت المحدد“.
ولا بد أيضاً من نمذجة ”كفى“ Enough is enough على المستويات كلها. لا جدوى من التحدث عن وضع حدود وتوقعات معقولة إذا أرسل المديرون أنفسهم – ومديروهم أنفسهم – رسائل إلكترونية في الساعات كلها، وعملوا في كل إجازة، وقالوا نعم لكل طلب جديد من الأعلى. ويجب ألا يتطلب الأمر الشجاعة لقول ”لا“ أو وضع رسائل تفيد بأن الموظف ”خارج المكتب“. وعندما يضطلع المديرون بهذه الأمور أولاً، يمكِّنون الآخرين في اتباع مثالهم من دون خوف من العواقب.
إنهم يصممون الأعمال من أجل التحفيز. إن جعل العمل أكثر سهولة هو بدايةٌ مهمة، لكنه ليس كافياً. ويجب أن يكون للعمل نفسه أيضاً القدرة على أن يكون حافزاً على أساس مستمر. وهذا يشتمل على تحليل تنوع المهام وأهميتها إلى عوامل أخرى في تصميم الوظائف، والتأكد من وضوح مظهر النجاح، وبناء فرص منتظمة للتطور في الوظيفة. مع الأسف لا تزال عديد من الوظائف تفتقر إلى واحدة أو أكثر من هذه السمات، على الرغم من أننا عرفنا منذ فترة طويلة فوائدها التحفيزية.16J.R. Hackman and G.R. Oldham, “Motivation Through the Design of Work: Test of a Theory,” Organizational Behavior and Human Performance 16, no. 2 (August 1976): 250-279; and Rubenstein et al., “Surveying the Forest,” 23-65.
يستغرق المديرون الجيدون وقتاً لتحديد المشكلات التي يمكن أن تجعل الوظيفة تشعر بتبلد العقل أو تكون غير ذات معنى. ويمكنهم الاضطلاع بذلك من خلال محادثات صريحة مع الموظفين الحاليين، أو أسئلة طرح محدَّدة في أثناء مقابلات الاستقالة Exit interviews. ويتعامل المديرون الجيدون مع المسائل التي يجدونها، ويُفضَّل ذلك من خلال السماح للموظفين بالتعبير عن كيف يمكن إعادة النظر في وظائفهم لتصبح أكثر تحفيزاً. وفي بعض الأحيان يتعين عليهم أن يدركوا أن الأجزاء الأقل جاذبية في وظيفة ما (أو حتى الوظيفة بالكامل) يجب أن تؤتمت. لكن في الأغلب يمكنهم تبديل المهام – من خلال عمليات تناوب مُجدوَل بين المهام، مثلاً – أو تسليط الضوء على تأثير العمل من خلال إتاحة الفرصة للموظفين للقاء الأشخاص الذين يستفيدون منه. مثلاً، يمكن تخفيف الضجر والرفض الساحقين المتضمنين في تحصيل الأموال من خلال مطالبة العاملين بالاجتماع مع أولئك الذين يبذلون قصارى جهدهم للمساعدة.17A.M. Grant, “Employees Without a Cause: The Motivational Effects of Prosocial Impact in Public Service,” International Public Management Journal 11, no. 1 (March 2008): 48-66. يمكن للمديرين أيضاً دمج تجارب ممتعة في عمل ممل ومتكرر. وفي وسع مديري المستودعات، مثلاً، أن يضعوا مسابقات ودية ملعَّبة Gamified أو احتفالات بالإنجازات المهنية والشخصية في يوم العمل للمساعدة على تحقيق الرغبة في الكفاءة والانتماء.
بعد التحديد الواضح للذي يتعين الاضطلاع به، يبتعد المديرون الجيدون من الطريق ويثقون بقدرة الموظفين على الاضطلاع بوظائفهم.
ومن خلال بناء عملية اتخاذ القرار في أدوار معينة، حتى عندما تكون بعض المهام روتينية بطبيعتها، يعالج المديرون الجيدون احتياج الموظفين إلى الاستقلالية. وعلى الرغم من أن الهيكل الواضح يمنع الإرهاق، فإن إدارة التفاصيل الإدارية إدارة دقيقة تُخمِد الإبداع والمبادرة. وبعد التحديد الواضح للذي يتعين الاضطلاع به، ومستوى الجودة المطلوب، والمستهدف، والتوقيت، يبتعد المديرون الجيدون من الطريق ويثقون بقدرة الموظفين على الاضطلاع بوظائفهم. وتُنبئنا المناقشات الدائرة حول من ينبغي له أن يكون في المكتب أو يعمل ساعات “طبيعية” على الجانب الآخر – كما في أثناء الجائحة – بأمور كثيرة في هذا الصدد، لكنها ليست جديدة: منذ فترة طويلة كان الناس يرغبون في الحصول على الاستقلالية لتحديد متى وأين وكيف يضطلعون بوظائفهم.
المديرون الجيدون يضعون للموظفين معايير عالية
على مدار عقود، نطلب إلى المديرين أن يكونوا ”مراعين“ و”ودودين“ و”مرتبطين“. والدليل واضح: تساعد معاملة الموظفين بأسلوب لطيف على تلبية حاجتهم إلى الانتماء.
وعلى الرغم من أن بعض المديرين يكافحون من أجل تحقيق هذه الغاية، يذهب كثير آخرون إلى ما هو أبعد مما ينبغي في الاتجاه الآخر ويفشلون في إظهار الود الصارم عندما يكون مطلوباً. عندما يكون الود قريباً جداً من الصداقة – أحياناً بسبب الرغبة في الحصول على إعجاب الموظفين بدلاً من خشيتهم – يتخلى المديرون في الأغلب عن العمل الشاق المتمثل في إجراء محادثات صعبة ليضطلع به آخرون.18L.A. Hill and K. Lineback, “Being the Boss: The 3 Imperatives for Becoming a Great Leader” (Boston: Harvard Business Press, 2011). ويمتنعون عن سرد حقائق قاسية حول مجالات التحسين، أو مواجهة السلوك السيئ، مما يقوض تطور الموظفين والأداء المؤسسي.
ويدرك المديرون الجيدون أن ملاحظات كهذه تشكل ضرورة أساسية، وهم لا يخجلون في تقديمها لدعم تطور الموظفين ومحاسبة الأشخاص.
هم يقولون الحقيقة الكاملة عن التطور والأداء. كل شخص لديه مجال للتحسين. حتى أصحاب الأداء الأكثر قوة يحتاجون إلى ما هو أكثر من مجرد الاعتراف بالعمل الذي أنجزوه بنحو جيد؛ هم يحتاجون أيضاً إلى ملاحظات بناءة حول المجالات التي قصروا فيها أو المهارات التي ينبغي لهم العمل عليها. قد يكون الفشل في تقديم هذا الأمر ناتجاً ثانوياً عن محاولة بناء علاقات وثيقة مع الموظفين، لكنه في واقع الأمر يقوض الثقة. الجميع ما عدا أكبر النرجسيين يدركون أنهم ليسوا مثاليين. يدرك الموظفون بديهياً أن المديرين غير الراغبين في تقديم ملاحظات صادقة حول التطوير والأداء ربما لا ينطقون بالحقيقة الكاملة حول كثير من الأمور الأخرى.
في نهاية المطاف ليس من “اللطيف” أن نحجب المعلومات التي من شأنها أن تسهل تحسين الأعمال وتوفِّر وقتاً مهماً أو طاقة ثمينة. مثلاً، في عديد من الحالات، يُعلَّق الموظفون بدلاً من إخبارهم لماذا لن يحصلوا على فرصة أو ترقية مرغوب فيها. هذا ليس لطيفاً. إنه جبن – وهو دليل على وجود مدير يخشى من أن يجري محادثات عاطفية صعبة. كذلك يعد حجب الملاحظات الصادقة علامة على عدم الاحترام – هو عبارة ضمنية تفيد بأن الموظفين أكثر هشاشة من أن يسمعوا الحقيقة، وأنهم يفضلون أن تكون لديهم رؤية إيجابية مشوهة لأنفسهم بدلاً من القصة الكاملة.19M.H. Kernis, “Toward a Conceptualization of Optimal Self-Esteem,” Psychological Inquiry 14, no. 1 (2003): 1-26.
قبل بضع سنوات، وكجزء من مشروع بحثي حول سلسلة وطنية تقدم خدمات ضيافة، طلب أحدنا إلى مجموعة من المديرين أن يخبروه عن الأوقات التي فعل فيها رئيسهم شيئاً من أجلهم يعتبرونه عملاً شجاعاً. كل رد تقريباً تضمن قول الرئيس الحقيقةَ القاسية للمرؤوس. وقال أحد المشاركين: “كنت أرغب بشدة في الترقية إلى الوظيفة التالية. كنت أطالب بالفرصة، لكنه كان صادقاً جداً معي، فقال لي: ‘إنك لستَ مستعداً. يتعين عليك أن تعمل على اكتساب هذه المهارات أولا’ ”. هل تلقى هذا النوع من الملاحظات استقبالاً حسناً في الوقت الحالي؟ في كثير من الأحيان لا. لكن بمرور الوقت أدرك الناس مدى صدق مديرهم، الأمر الذي أدى إلى زيادة الثقة. وعلى حد تعبير مجيب آخر عن سؤالنا: “في البدء تعرضتُ للتقريع… ثم رأيت ذلك معقولاً… ثم هدأ الغضب، وانتهيت إلى اعتبار الأمر شجاعة”.
هم يواجهون السلوك السيئ. المديرون الجيدون يشيرون أيضاً إلى السلوك السيئ بوضوح. هم لا يستبعدونه بالإشارة إلى النوايا المفترضة للموظف. وهم لا يقولون: ”إنه ليس بالأمر المهم“، أو يقولون لأنفسهم إنهم سيتعاملون مع الأمر في وقت لاحق لتجنب الدخول في محادثة صعبة أو اتخاذ قرار صعب الآن.20J.R. Detert, “The Problem With Saying ‘It’s No Big Deal,’” Harvard Business Review, Aug. 20, 2021, https://hbr.org. باختصارٍ هم لا ينخرطون في عمليات عقلانية مما يعميهم عما ينطوي عليه الأمر فعلاً: خوفهم من المواجهات غير المريحة أو عدم رغبة في التعامل مع التداعيات.
إليكم مثالاً من دراسة حالة: كان الرئيس التنفيذي لصندوق استثمار عقاري في مرحلة حاسمة من التوسع السريع كان يتولى قيادتها عندما علم أن نايت Nate، المدير الذي يتمتع بإعجاب كبير والذي يتمتع بمزيج نادر من المهارات، اخترق الرسائل الإلكترونية لرئيسه ويقرؤها.21As described in J.R. Detert and C. Black, “Defining Moments: Anxious Alastair,” Darden Business School case no. UVA-OB-1259 (Charlottesville, Virginia: Darden Business Publishing, 2018). عندما وُوجه بالأمر اعترف نايت بأنه فعل ذلك واعتذر بنحو بارع قائلاً إنه كان مذعوراً من خذلان أي شخص، وأراد فقط أن يبقى في المقدمة. وفي إشارة إلى الدور الحاسم الذي أداه نايت فيما حدث كله ودوافعه وراء هذا الانتهاك للثقة للمرة الأولى، حض رئيس نايت الرئيس التنفيذي على إعطاء نايت فرصة ثانية. لكن الرئيس التنفيذي أصر على فصل نايت على الفور. ورد الرئيس التنفيذي بأن شخصاً ما حين يعبر خطاً واضحاً من هذا القبيل لا يُعذَر، لأن لحظات إجهاد أخرى ستأتي بكل تأكيد.
وكان الرئيس التنفيذي محقاً في ذلك: كان ترشيد السلوك بدلاً من فرض العقاب من شأنه أن يعرِّض ثقافة الشركة وسمعتها الخارجية للخطر.22J.R. Detert and B. Taubenfeld, “(I Think) I Know Why You Did That: The Risky Business of Inferring Intentions,” Darden School of Business case no. UVA-OB-1348 (Charlottesville, Virginia: Darden Business Publishing, 2021). وأظهر فصل موظف حاسم عند مرحلة حاسمة أن الأخلاقيات والجدارة بالثقة كانت من القيم الأساسية، وليس القيم اللطيفة التي ينبغي لنا أن نتبناها عندما يسهل ذلك.23P.M. Lencioni, “Make Your Values Mean Something,” Harvard Business Review 80, no. 7 (July 2002): 113-117.
المديرون الجيدون يركزون على الإنصاف Fairness، إذ لا تحدث الإدارة في فراغ. تستند كيفية شعور الموظفين بأعمالهم، ومؤسستهم، وعلاقاتهم مع زملاء العمل ومديرهم في الأغلب إلى أحكام نسبية. ولا يقتصر الأمر على المبلغ الذي تدفعه لشخص ما أو كيفية التحدث معه أو تقييمه؛ هم يهتمون أيضاً بكيفية تسديدك أجورهم ومعاملتك لهم وتقييمك من هم من حولهم. فتصورات الإنصاف لها أهمية كبيرة، وتستند هذه التصورات إلى المقارنات.24For the classic statement on equity theory, see J.S. Adams, “Inequity in Social Exchange,” in “Advances in Experimental Social Psychology,” vol. 2, ed. L. Berkowitz (New York: Academic Press, 1965), 267-299.
وعندما تزداد تصورات انعدام الإنصاف والتفاوت في المعاملة، ينخفض مستوى رضا الموظفين والتزامهم وجهدهم. لماذا؟ لأن هذه التصورات تقوض الثقة، وتسرق من الموظفين الوضوح والاستقرار والسلامة التي يسعون إلى الحصول عليها.25J.A. Colquitt, D.E. Conlon, M.J. Wesson, et al., “Justice at the Millennium: A Meta-Analytic Review of 25 Years of Organizational Justice Research,” Journal of Applied Psychology 86, no. 3 (June 2001): 425-445. ولهذا السبب لا يتجنب المديرون الجيدون فحسب حواجز الثقة الواضحة مثل توجيه الشتائم، أو سرقة الأفكار، أو التمييز الواضح ضد الآخرين. بل يضطلعون أيضاً بالعمل الشاق الذي ينطوي عليه وضع الإجراءات Processes المنصفة والتمسك بها، ومحاسبة الموظفين على اتباعها.
هم يعطون الأولوية للإجراءات. لوقف الاستقالات، تزيد عديد من المؤسسات الأجورَ وتبدأ في تقديم مزايا أكثر سخاء. لكن حتى في المواقع حيث تشتد الحاجة إلى هذه التغييرات، مثل خدمات الأغذية وبيعها بالتجزئة، لا تكون كافية. كذلك يهتم الموظفون كثيراً بكيفية How اتخاذ القرار بشأن الأمور. ما إجراءات تحديد كيفية حصول الأشخاص على تعويض ومكافأة وتعزيز مهام خاصة أو فرص تعلم واختيارها، وما إلى ذلك؟ وهل يخضع الجميع للإجراءات نفسها؟ في أماكن العمل، كثيراً ما تكون جوانب العدالة الإجرائية هذه ذات أهمية بالنسبة إلى الموظفين بقدر أهمية النتائج العادلة. ويدرك المديرون الجيدون هذه الحقيقة. ويحدِّدون مبادئ توجيهية واضحة لاتخاذ القرارات، ويشرحون ما تلك المبادئ وكيف تُتّبَع، ويطبقونها باستمرار – وكل منها يؤدي دوراً كبيراً في رضا الموظفين ونيتهم في البقاء.26See, for example, R. Folger and M.A. Konovsky, “Effects of Procedural and Distributive Justice on Reactions to Pay Raise Decisions,” Academy of Management Journal 32, no. 1 (March 1989): 115-130. ويشرحون أيضاً سبب اتخاذ القرارات – مثلاً، سيحصل عدد أقل من الأشخاص على أعلى التصنيفات لأن الشركة تسعى إلى التميز بنحو أفضل ومكافأة التميز بنحو أفضل، كما أنها تعلم الموظفين بأمانة أكثر عن موقفهم – حتى عندما يعرفون أن هذه القرارات لن تكون شائعة بين أولئك المتأثرين بتلك القرارات.
يضع المديرون الجيدون أيضاً إجراءات تتيح للموظفين توضيح احتياجاتهم بنمط منتظم وتقديم ملاحظات صادقة حول القرارات التي تؤثر فيهم. وتشمل هذه المحادثات إجراء محادثات على فنجان قهوة أو وجبات غداء منتظمة وغير رسمية مع المدير، فضلاً عن المشاركة الرسمية في اللجان أو فرق العمل الرئيسة. ومن خلال البحث عن هذه المدخلات Inputs، يستطيع المديرون تجنب الفخ الكلاسيكي المتمثل في إخبار الناس بأن شيئاً ما مهم من دون إضفاء صفة عملية عليه فعلياً.27S. Kerr, “On the Folly of Rewarding A, While Hoping for B,” Academy of Management Journal 18, no. 4 (December 1975): 769-783. مثلاً هم أقل ميلاً إلى تبني التنوع والإنصاف من حيث المبدأ، في حين لا يُولون إجراءات التوظيف والترقية الاهتمامَ، مما يقوِّض هذه الأهداف من دون تغيير. كذلك هم أقل ميلاً إلى إخبار الناس بأن المؤسسة تقدر التفكير البعيد المدى ولا يعيدون النظر في التقييم وأنظمة المكافأة والمقاييس التي تؤكد على الأداء في المدى القريب.
فضلاً عن ذلك يدرك المديرون الجيدون ألا جدوى من وضع القواعد والإجراءات السليمة إذا لم تُطبَّق على نحو ثابت. كما لا يجدون أعذاراً ويقدمون استثناءات للأنانيين الذين يتفوقون في المقاييس الفردية أو أصحاب الأداء المنخفض الذين يتمتعون بصلات جيدة.
هم يتصدَّون للتفاوتات. يحدث ضرر غير مقصود بصرف النظر عن مدى جودة تصميم أنظمة المؤسسة أو مدى جودة الأشخاص المسؤولين عنها. مثلاً قد تؤدي المفاوضات الخاصة بتوظيف موظف عالي القيمة أو الاحتفاظ به – أو لهذا الغرض مجرد ملء المناصب الحاسمة بالأشخاص المتوافرين – إلى شعور الموظفين الآخرين بأنهم الآن يتقاضون أجوراً أقل مما ينبغي أو لا يحظون بالتقدير. والقرارات التي تظل سرية بناءً على طلب أحد الموظفين من الممكن أن تترك الآخرين يشعرون بأنهم مستبعدون من شيء يؤثر فيهم بنحو مباشر. ويصدق هذا بنمط خاص في البيئات الديناميكية، حيث لا يمكن الحفاظ على كل وعد يُقطَع، ولا يحافظ كل نظام على استمراريته مع تغير الظروف. وهذه مجرد حقائق واقعة، وليست علامات على سوء الإدارة.
تُحدَّد جودة الإدارة من خلال ما يحدث بعد ذلك في هذه الحالات. مثلاً يعمل المديرون الجيدون على التصدي للتغييرات التي تطرأ على المستويات الأعلى والتي تؤثر في موظفيهم بلا مبرر. وهم لا يختبئون وراء إزاحة المسؤولية، فيتقبلون بسلبية أن ”شخصاً أعلى اتخذ القرار“. بل يسعون بدلاً من ذلك إلى قلب القرارات السيئة – كما فعل كريم Karim، الرئيس الإقليمي للقطاع الفخم في أحد الفنادق.28J. Detert, “Choosing Courage: The Everyday Guide to Being Brave at Work” (Boston: Harvard Business Review Press, 2021). على الرغم من أن وحدة عمله Business unit تجاوزت الأهداف الموضوعة للإيرادات تجاوزاً كبيراً وحصدت “مستويات ربح غير مسبوقة”، طُلِب إلى كريم خفض المناصب الإدارية بنسبة 30%: ”لا أسئلة؛ فقط افعل ذلك!“، لكنه لم يفعل ذلك، بل كتب رسالة يقول فيها إنهم قادرون على البدء في التوفير في تكاليفهم براتبه هو إذا أصروا على الاستمرار.
إن كون المرء مديراً جيداً لا يتطلب وضع وظيفته على المحك لتصحيح كل انتهاك للعدالة. غير أن هذا ينطوي على الاستعداد لتحمل بعض المخاطر في محاولة تصحيح الأخطاء التي تُرتكَب ضد الموظفين. هل كان على مؤسستكم أن تقدم مزيداً من العروض للحصول على موظفين جدد؟ جيد. الآن حاربوا من أجل حصول أشخاص آخرين على الصفقة نفسها.
كذلك يتعامل المديرون الجيدون أيضاً مع وعودهم غير المحققة وتناقضاتهم بنحو مباشر. ويستمعون عندما يعبر الناس عن غضبهم أو خيبة أملهم، ويحاولون إيجاد بدائل مقبولة. وعندما يعجزون حقاً عن إصلاح شيء ما، يتحملون مسؤوليته ويعتذرون عن فشلهم في تصحيح الأمور. وحتى إذا لم يمنع هذا انتهاك الثقة، لا يزال قادراً على تجنب كسر كامل للاتفاق الضمني الذي يبقي الموظفين على صلة بمؤسستهم.29R.M. Kramer and R.J. Lewicki, “Repairing and Enhancing Trust: Approaches to Reducing Organizational Trust Deficits,” The Academy of Management Annals 4, no. 1 (January 2010): 245-277; and P.H. Kim, D.L. Ferrin, C.D. Cooper, et al., “Removing the Shadow of Suspicion: The Effects of Apology Versus Denial for Repairing Competence- Versus Integrity-Based Trust Violations,” Journal of Applied Psychology 89, no. 1 (March 2004): 104-118.
من الواضح أن من الأسهل كثيراً للمديرين أن يقولوا إنهم يبذلون ما في وسعهم كله لدعم العدالة، لكنهم بعد ذلك يرفعون أيديهم عندما لا تسير الأمور كما كان المأمول. لكن الاضطلاع بذلك يقوض النزاهة السلوكية – الالتزام بمتابعة النزاهة كقيمة بدلا من مجرد الحديث عن أهميتها.30T. Simons, “Behavioral Integrity: The Perceived Alignment Between Managers’ Words and Deeds as a Research Focus,” Organization Science 13, no. 1 (January-February 2002): 18-35. يتطلب ذلك قوة حقيقية، وللأسف تُظهر الأبحاث أن مثل هذه القوة لا تبزغ بنحو متكرر.31D. Sull, S. Turconi, and C. Sull, “When It Comes to Culture, Does Your Company Walk the Talk?” MIT Sloan Management Review, July 21, 2020, https://sloanreview.mit.edu.
لا شيء من هذا يعني أن القيادة الصلبة والرؤيوية ليست على قدر كبير من الأهمية. في بعض الحالات قد يكون ضرورياً – مثلاً تحويل مؤسسة راكدة أو فاشلة، أو عبور الاضطرابات التكنولوجية، أو بدء خط أعمال جديد. كذلك لا نأخذ على محمل الجد رؤية ثنائية للبشر وقدراتهم. من الواضح أن هناك أشخاصاً قادرين على تصور المستقبل، وكذلك مشاركة خططهم باقتناع والعمل مع آخرين على تنفيذها.
إن تنفيذ مهمة أو رؤية أمر بنفس أهمية وضع التصور والرؤية، ويتعين علينا أن نبدأ في التعامل مع هذه المهمة أو الرؤية بهذه الطريقة.
غير أن تنفيذ مهمة أو رؤية هو أمر بنفس أهمية وضع التصور والرؤية، ويتعين علينا أن نبدأ في التعامل مع هذه المهمة أو الرؤية بهذه الطريقة. وهذا يعني جلب مزيد من المسؤولين التنفيذيين – الذين يقدرون الإدارة الجيدة ويواصلون ممارستها – إلى الصفوف العليا، وبناء هذه المهارات قصداً عند تطوير أشخاص من المستوى المتوسط يطمحون إلى شغل وظائف أكبر.
يعتمد النجاح المؤسسي على العمل اليومي بقدر ما يعتمد على العمل النبيل. ومن دون التنفيذ القوي، لن تتمكن الأفكار الكبيرة – الرسائل المبدئية، والرؤى المقنعة، والاستراتيجيات الذكية – إلا من تحقيق أقل القليل.
على الرغم من الاهتمام الهائل الذي نوليه للجوانب الملهمة للقيادة، تشير الأدلة بوضوح إلى أن أغلب الناس في مكان العمل لا يزالون غير ملهمين أو منخرطين في العمل أو ملتزمين حقاً. ويتجه عديد منهم إلى المخارج. يمكن للإدارة الجيدة أن تساعد على حل هذه المشكلات. وهي ليست أقل قيمة من القيادة الجيدة – إذا كان من الواجب حتى التمييز على هذا النحو – وهي ليست أسهل منها على الإطلاق. هي تتطلب الشجاعة والعزم وكثيراً من الممارسة. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن نتعرف على الكيفية التي يشعر بها الناس إزاء مؤسستهم، وكيفية أدائها، وما إذا بقوا. فلنتوقف عن التظاهر بأنها مجموعة مهارات أقل أهمية – ولنكن جديين في بنائها.
المراجع
↑1 M. Schwantes, “Why Are People Quitting? Burnout’s Just the Tip of the Iceberg,” Inc., Sept. 14, 2021, www.inc.com; A. De Smet, B. Dowling, M. Mugayar-Baldocchi, et al., “‘Great Attrition’ or ‘Great Attraction’? The Choice Is Yours,” McKinsey Quarterly, Sept. 8, 2021, www.mckinsey.com; and T. Smart, “Study: Gen Z, Millennials Driving ‘The Great Resignation,’” U.S. News & World Report, Aug. 26, 2021, www.usnews.com.
↑2 De Smet et al., “‘Great Attrition’ or ‘Great Attraction’?”; “2021 People Management Report,” PDF file (Westwood, Massachusetts: The Predictive Index, 2021), www .predictiveindex.com; and “The Great Resignation Research Report,” PlanBeyond, accessed May 31, 2022, https://planbeyond.com.
↑3 D. Sull, C. Sull, and B. Zweig, “Toxic Culture Is Driving the Great Resignation,” MIT Sloan Management Review, Jan. 11, 2022, https://sloanreview.mit.edu.
↑4 J.K. Harter, F.L. Schmidt, S. Agrawal, et al., “The Relationship Between Engagement at Work and Organizational Outcomes: 2020 Q12 Meta-Analysis: 10th Edition,” PDF file (Washington, D.C.: Gallup, October 2020), www.gallup.com.
↑5 A. Zaleznik, “Leaders and Managers: Are They Different?” Harvard Business Review 15, no. 3 (May 1977): 67-84.
↑6 K.M. Kniffin, J.R. Detert, and H.L. Leroy, “On Leading and Managing: Synonyms or Separate (and Unequal)?” Academy of Management Discoveries 6, no. 4 (December 2020): 544-571.
↑7 J.R. Meindl, S.B. Ehrlich, and J.M. Dukerich, “The Romance of Leadership,” Administrative Science Quarterly 30, no. 1 (March 1985): 78-102.
↑8 F.E. Fiedler, “A Theory of Leadership Effectiveness” (New York: McGraw-Hill, 1967).
↑9 T.A. Judge, R.F. Piccolo, and R. Ilies, “The Forgotten Ones? The Validity of Consideration and Initiating Structure in Leadership Research,” Journal of Applied Psychology 89, no. 1 (February 2004): 36-51.
↑10 M. Korn, “What It’s Like Being a Middle Manager Today,” The Wall Street Journal, Aug. 5, 2013, www.wsj.com.
↑11 J.P. Kotter, “What Leaders Really Do,” Harvard Business Review 79, no. 11 (December 2001): 85-96.
↑12 A. Van den Broeck, D.L. Ferris, C. Chang, et al., “A Review of Self-Determination Theory’s Basic Psychological Needs at Work,” Journal of Management 42, no. 5 (July 2016): 1195-1229.
↑13 A.L. Rubenstein, M.B. Eberly, T.W. Lee, et al., “Surveying the Forest: A Meta Analysis, Moderator Investigation, and Future Oriented Discussion of the Antecedents of Voluntary Employee Turnover,” Personnel Psychology 71, no. 1 (spring 2018): 23-65.
↑14 Judge, Piccolo, and Ilies, “The Forgotten Ones?” 36-51.
↑15 G.S. Adams, B.A. Converse, A.H. Hales, et al., “People Systematically Overlook Subtractive Changes,” Nature 592, no. 7853 (April 2021): 258-261.
↑16 J.R. Hackman and G.R. Oldham, “Motivation Through the Design of Work: Test of a Theory,” Organizational Behavior and Human Performance 16, no. 2 (August 1976): 250-279; and Rubenstein et al., “Surveying the Forest,” 23-65.
↑17 A.M. Grant, “Employees Without a Cause: The Motivational Effects of Prosocial Impact in Public Service,” International Public Management Journal 11, no. 1 (March 2008): 48-66.
↑18 L.A. Hill and K. Lineback, “Being the Boss: The 3 Imperatives for Becoming a Great Leader” (Boston: Harvard Business Press, 2011).
↑19 M.H. Kernis, “Toward a Conceptualization of Optimal Self-Esteem,” Psychological Inquiry 14, no. 1 (2003): 1-26.
↑20 J.R. Detert, “The Problem With Saying ‘It’s No Big Deal,’” Harvard Business Review, Aug. 20, 2021, https://hbr.org.
↑21 As described in J.R. Detert and C. Black, “Defining Moments: Anxious Alastair,” Darden Business School case no. UVA-OB-1259 (Charlottesville, Virginia: Darden Business Publishing, 2018).
↑22 J.R. Detert and B. Taubenfeld, “(I Think) I Know Why You Did That: The Risky Business of Inferring Intentions,” Darden School of Business case no. UVA-OB-1348 (Charlottesville, Virginia: Darden Business Publishing, 2021).
↑23 P.M. Lencioni, “Make Your Values Mean Something,” Harvard Business Review 80, no. 7 (July 2002): 113-117.
↑24 For the classic statement on equity theory, see J.S. Adams, “Inequity in Social Exchange,” in “Advances in Experimental Social Psychology,” vol. 2, ed. L. Berkowitz (New York: Academic Press, 1965), 267-299.
↑25 J.A. Colquitt, D.E. Conlon, M.J. Wesson, et al., “Justice at the Millennium: A Meta-Analytic Review of 25 Years of Organizational Justice Research,” Journal of Applied Psychology 86, no. 3 (June 2001): 425-445.
↑26 See, for example, R. Folger and M.A. Konovsky, “Effects of Procedural and Distributive Justice on Reactions to Pay Raise Decisions,” Academy of Management Journal 32, no. 1 (March 1989): 115-130.
↑27 S. Kerr, “On the Folly of Rewarding A, While Hoping for B,” Academy of Management Journal 18, no. 4 (December 1975): 769-783.
↑28 J. Detert, “Choosing Courage: The Everyday Guide to Being Brave at Work” (Boston: Harvard Business Review Press, 2021).
↑29 R.M. Kramer and R.J. Lewicki, “Repairing and Enhancing Trust: Approaches to Reducing Organizational Trust Deficits,” The Academy of Management Annals 4, no. 1 (January 2010): 245-277; and P.H. Kim, D.L. Ferrin, C.D. Cooper, et al., “Removing the Shadow of Suspicion: The Effects of Apology Versus Denial for Repairing Competence- Versus Integrity-Based Trust Violations,” Journal of Applied Psychology 89, no. 1 (March 2004): 104-118.
↑30 T. Simons, “Behavioral Integrity: The Perceived Alignment Between Managers’ Words and Deeds as a Research Focus,” Organization Science 13, no. 1 (January-February 2002): 18-35.
↑31 D. Sull, S. Turconi, and C. Sull, “When It Comes to Culture, Does Your Company Walk the Talk?” MIT Sloan Management Review, July 21, 2020, https://sloanreview.mit.edu.