أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بحثتوظيفمؤشر الأداء

تبديل الوظائف بحثاً عن الإنصاف

تبديل أصحاب العمل قد يساعد على تضييق الفجوة بين الجنسين من حيث تعويضات المسؤولين التنفيذيين.

التقدم المُحرَز في تقليص الفجوة في الأجور بين الجنسين بطيء جداً. وعلى الرغم من أن الفجوة ضاقت إلى حد ما على مدى السنوات الـ40 الماضية، فإن التفاوتات الصارخة لا تزال ماثلةً. في العام 1980 كانت المرأة تكسب 64 سنتاً في مقابل كل دولار يكسبه الرجل. وبحلول نهاية العَقد ارتفع هذا المبلغ إلى 74 سنتاً، لكن منذ ذلك الحين كانت الزيادات أكثر تواضعاً بكثير.1F.D. Blau and L.M. Kahn, “The Gender Wage Gap: Extent, Trends, and Explanations,” Journal of Economic Literature 55, no. 3 (September 2017): 789-865. واعتباراً من العام 2018 (بعد نحو 30 سنة) بلغ التفاوت في الأجور 81.6 سنتاً في مقابل الدولار.2M. Leisenring, “Women Still Have to Work Three Months Longer to Equal What Men Earned in a Year,” U.S. Census Bureau, March 31, 2020, https://census.gov.

وكان التحرك نحو التكافؤ Parity بطيئاً في القطاعات كلها، لكنه كان الأبطأ لمن هم في المستويات الأعلى من الدخل، بمن في ذلك المديرون والمسؤولون التنفيذيون. ويدرس كثير من الأبحاث حول هذه المشكلة أسواق العمل الداخلية Internal labor markets– أي من يحصل على الترقيات داخل المؤسسات- ومدى الإنصاف في تعويضه Compensation عند ترقيته.3One of the few studies that tries to fill the gap in research on external job moves is C. Quintana-García and M.M. Elvira, “The Effect of the External Labor Market on the Gender Pay Gap Among Executives,” ILR Review 70, no. 1 (January 2017): 132-159. ومع ذلك تزايدت أهمية السوق الخارجية External market عند شغل الأدوار العليا.4M. Bidwell, F. Briscoe, I. Fernandez-Mateo, et al., “The Employment Relationship and Inequality: How and Why Changes in Employment Practices Are Reshaping Rewards in Organizations,” Academy of Management Annals 7, no. 1 (June 2013): 61-121. وبين العام 1970 وأوائل القرن الحادي والعشرين قفزت نسبة الرؤساء التنفيذيين الذين جيء بهم من الخارج من 15% إلى 33% من معظم تعيينات الرؤساء التنفيذيين.5K.J. Murphy and J. Zábojník, “Managerial Capital and the Market for CEOs,” SSRN, April 2007, https://papers.ssrn.com. ومن الواضح أننا في حاجة إلى دراسة سياق تحركات الوظائف الخارجية إذا كنا نريد فهماً أعمق لاتجاهات التعويض الحالية.

وبالنسبة إلى المديرين والمسؤولين التنفيذيين ارتبط تغيير أصحاب العمل بزيادة أكبر في الأجور. لذلك شرعنا في استكشاف ما إذا كان في إمكان النساء– ولاسيما اللواتي يضطلعن بأدوار عليا– استخدامُ التحركات الخارجية لزيادة تعويضاتهن وربما تضييق الفجوة في الأجور بين الجنسين.

وتشير الدراسات الحالية المستندة إلى استطلاعات إلى أن المكاسب المتأتية من تبديل أصحاب العمل أقل وضوحاً بالنسبة إلى النساء منها بالنسبة إلى الرجال.6For example, see G.F. Dreher and T.H. Cox, “Labor Market Mobility and Cash Compensation: The Moderating Effects of Race and Gender,” Academy of Management Journal 43, no. 5 (October 2000): 890-900; and J.M. Brett and L.K. Stroh, “Jumping Ship: Who Benefits From an External Labor Market Career Strategy?” Journal of Applied Psychology 82, no. 3 (June 1997): 331-341. ومع ذلك قد تكون للمغادرين والمستمرين سمات مختلفة تدفع إلى زيادة الأجور– وقد تتباين هذه الاختلافات بحسب نوع الجنس.

ولهذه الأسباب نعتقد أن من الضروري إلقاء نظرة أدق على المسألة من خلال طرح بعض الأسئلة الموجهة. مثلاً، في أسواق العمل الخارجية، هل تحصل المسؤولات التنفيذيات في المقام الأول على أجور أقل في مقابل الاضطلاع بالعمل نفسه، أو أن التفاوت يتعلق أكثر بمنعهن من الحصول على فرص عمل بأجور أعلى؟ تشير الأعمال الأخيرة إلى أن الحصول على الفرص الجيدة جداً هذه هو عنصر حاسم. وتبين أن ممارسات وضع الشركات قوائمَ قصيرة Short-listing practices للبحث الخارجي تضر بالمرأة.7T.L. Botelho and M. Abraham, “Pursuing Quality: How Search Costs and Uncertainty Magnify Gender-Based Double Standards in a Multistage Evaluation Process,” Administrative Science Quarterly 62, no. 4 (December 2017): 698-730; and G.F. Dreher, J. Lee, and T.A. Clerkin, “Mobility and Cash Compensation: The Moderating Effects of Gender, Race, and Executive Search Firms,” Journal of Management 37, no. 3 (May 2011): 651-681. لكن الدراسات تبين أيضاً أنه بمجرد أن تدخل المسؤولات التنفيذيات في القوائم قيدِ النظر، فمن المرجح اختيارهن مثل الرجال ذوي المؤهلات المماثلة.8R.M. Fernandez and M. Abraham, “From Metaphors to Mechanisms: Gender Sorting In(to) an Organizational Hierarchy,” research paper 4779-10, MIT Sloan School of Management, Cambridge, Massachusetts, April 2010; and R.M. Fernandez and M. Abraham, “Glass Ceilings and Glass Doors? Internal and External Hiring in an Organizational Hierarchy,” research paper 4895-11, MIT Sloan School of Management, Cambridge, Massachusetts, January 2011. ويثير هذا الاستنتاج سؤالاً آخر: بمجرد أن توضع المرأة في هذه الأدوار التنافسية كموظفات خارجيات، كيف تقارن زيادات أجورها بأجور الرجال الذين يؤتَى بهم من الخارج؟

التحليل

حلَّل المؤلفون بيانات خاصة بالوظائف التنفيذية من شركة توظيف من بين الخمس الأُوليات المتخصصة في شغل الأدوار العليا.

كذلك فحصوا أكثر من 2,000 تاريخ مهني فردي، متاح للجمهور على لينكد إن LinkedIn، وأجروا مقابلات مع 11 مسؤولاً تنفيذياً في شركة بحث.

في تحليلنا وجدنا أن المقارنة إيجابية لمصلحة المرأة. فباستخدام بيانات خاصة من واحدة من أعلى خمس شركات لتوظيف المسؤولين التنفيذيين، ومقابلات مع المسؤولين التنفيذيين لشركة توظيف، ومعلومات التاريخ الوظيفي على لينكد إن LinkedIn، نظرنا إلى أكثر من 2,000 تبديل في الوظائف الخارجية الرفيعة المستوى عبْر مجموعة واسعة من الصناعات والوظائف.9B. Groysberg, P. Healy, and E. Lin, “Determinants of Gender Differences in Change in Pay Among Job-Switching Executives,” ILR Review, published online June 2020, forthcoming in print. ومن المدهش أننا وجدنا أنه من بين المسؤولين التنفيذيين الذين يغيرون الوظائف، تحصل النساء على زيادات أعلى من الرجال بوجه عام. في هذا الموضوع نحدد كمياً هذه الاختلافات، ونستكشف العوامل السياقية التي يبدو أنها مرتبطة بالمكاسب التي حققتها المرأة، ونسلِّط الضوء على متى يمكن للمرأة أن تحقق نتائج مالية أفضل عند تغيير صاحب العمل.

لنكن واضحين: الزيادات الأعلى لا تعني الأجور الأعلى. ففي عينتنا من مبدلي الوظائف التنفيذية تتقاضى النساء، في المتوسط، أجوراً أقل من أجور الرجال قبل الانتقال وبعده على حد سواء. لكن في بعض الحالات، يبدو أن التحركات الخارجية تقلل من التفاوت في الأجور.

التحقيق في الفجوة

قبل التعمق في الاستنتاجات التي توصلنا إليها حول زيادة الأجور، دعونا نُلقِ نظرة فاحصة على الفجوة في الأجور نفسها. عند تحليل التعويض، من المهم مراعاة عوامل رأس المال البشري (مثل التعليم والتجربة)، وخصائص صاحب العمل (مثل حجم المؤسسة والصناعة)، وأنواع الوظائف (الأدوار الوظيفية ومستويات التراتبية الإدارية)، وجزء الأجر المستند إلى الأداء Performance-based. إن عزل هذه العوامل– بالنظر إلى الرجال والنساء من مستويات متماثلة في التعليم، والخبرة العملية، والأدوار Roles، وما إلى ذلك- يوفر صورة أكثر دقة عن عدم التكافؤ Disparity.

ويبدأ مثل هذا التحليل بالفوارق “الخام” Raw في الأجور بين الرجل والمرأة، ثم يرتب في طبقات العوامل التفسيرية Explanatory factors واحداً تلو الآخر لتحديد أكبر مصادر الاختلاف، وفي نهاية المطاف لمعرفة الفجوة المتبقية بعد أخذ هذه العوامل في الاعتبار. وهذا العدد المتبقي Residual figure، الذي يُشَار إليه في كثير من الأحيان بالفجوة غير المبررة بين الجنسين Unexplained gender gap، يُعتبَر عادة دليلاً مباشراً على التمييز في الأجور. ولكن يمكن أن يؤثر التمييز بالتأكيد (وفي الأغلب يؤثر) أيضاً في المؤسسة التي يتلقى فيها الأفراد تعليمهم، والخبرات التي يطورونها في العمل، وما يُوظَّفون من أجل الاضطلاع به، وأين يُوظَّفون للاضطلاع به. والأكثر من ذلك، يمكن أن تساهم سمات أخرى غير مَقِيسة في التفاوت في الأجور. لذلك ينبغي أن نلاحظ أن التحليل الدقيق نفسه الذي يضبط العوامل المَقِيسة، على الرغم من أنه مفيد، فإن له حدوده أيضاً.

قارنَّا ما كانت تتقاضاه المسؤولات والمسؤولون التنفيذيون قبل أن يبدلوا أصحاب العمل وفي وظائفهم الجديدة، ولاحظنا ثلاثة اختلافات رئيسة.

أولاً، كما هو متوقع، لاحظنا فجوة كبيرة في الأجور الخام بين النساء والرجال قبل التغيير وبعده على حد سواء. وفي عينتنا من المسؤولين التنفيذيين، من دون ضبط أي عوامل أخرى، وجدنا أن تعويض الرجال أعلى بنسبة 19.5 نقطة مئوية من تعويض المرأة في الوظيفة السابقة، وأعلى بنسبة 14.0 نقطة مئوية في الوظيفة الجديدة.

ثانياً، عندما أدرجنا عوامل تفسيرية إضافية، انخفضت الفجوة غير المبررة في الأجور بين الجنسين، لكنها لا تزال قائمة. (انظر: تحجيم الفجوة بين أجور الجنسين من المسؤولين التنفيذيين). ومع وجود ضوابط لمستويات الخبرة والتعليم وسمات أصحاب العمل، تقلصت الفجوة إلى 16.9 نقطة مئوية في الوظيفة السابقة، و13.2 نقطة مئوية في الوظيفة الجديدة. وحدث أكبر انخفاض في الفجوة بين الجنسين عندما نظرنا إلى الوظيفة والرتبة؛ مما أدى إلى انخفاض الفجوة إلى 11.1 نقطة مئوية في الوظيفة السابقة، و6.1 نقطة مئوية في الوظيفة الجديدة. ولاحظنا زيادة تضييق الفجوة عند ضبط جزء التعويض النقدي المستند إلى الأداء. وعلى الرغم من استمرار وجود فجوة مع إدراج هذه العوامل كلها، فقد بلغت 8.2 نقطة مئوية في الوظيفة السابقة، و5.9 نقطة مئوية في الوظيفة الجديدة– أي أقل من نصف حجم الفجوة الخام.

ثالثاً، بغض النظر عما نضبطه، كان الفارق في الأجور بين النساء والرجال عموماً أقل في الوظيفة الجديدة. وتشير نقطة البيانات الواضحة هذه إلى أن النساء، في المتوسط، يحصلن على زيادات أعلى من الرجال عند تغيير أصحاب العمل.

الأجور بين الجنسين
الأجور بين الجنسين

تفكيك الضوابط

وللتعمق أكثر، حللنا تأثير العوامل التفسيرية Explanatory factors في فجوة الأجور بين الجنسين، من خلال الاضطلاع بما يسمى بتفكيك بليندر–أواكساكا Blinder-Oaxaca decomposition لفارق الأجور: وحلَّلنا أولاً تعويض الرجال والنساء بنحو منفصل ثم طرحنا سؤالين:

1. ما مقدار سد الفجوة إذا كانت المرأة لديها سمات رأس المال البشري (الخبرة والتعليم) نفسها التي يتمتع بها الرجل، وتعمل في أنواع الوظائف نفسها؟

2. وما مقدار سدها إذا عُوِّضت المرأة بمستوى الرجل نفسه عن الصفات والأدوار التي تمتلكها حالياً؟

وبالنظر إلى المشكلة بهذه الطريقة، وجدنا أن الاختلافات في السمات تفسر 60% إلى 70% من الفجوة في الأجور بين الجنسين– وأن الاختلافات في كيفية دفع الأجور إلى النساء في مقابل مؤهلاتهن تمثل 30% إلى 40% من الفجوة.

ومن العوامل المهمة الأخرى التي ينبغي النظر فيها مدى اعتماد الأجر على الأداء. وعندما ضبطنا مكافأة الأداء كحصة من التعويض النقدي، انخفض الفارق المتبقي في الأجور بين النساء والرجال بنحو كبير في الوظيفة السابقة (بنسبة 3 نقاط مئوية)، لكنه لم يتغير كثيراً في الوظيفة الجديدة. ويرجع ذلك إلى أن النساء، في المتوسط، حصلن على أجور مستندة إلى الأداء أكثر مما فعلن في السابق عندما بدلن وظائفهن.

العوامل الأخرى التي تؤثر في الفجوة

تصور سباقاً للمشي لمسافات طويلة. يمكن للعدائين المتخلفين اللحاق بالقادة من خلال تحسين موقفهم النسبي في المجموعة، أو التقدم إلى ما وراء العدائين الأوسطين، أو يمكن للمجموعة أن تضيق بحيث يركض الجميع بعضهم أقرب إلى بعض.

الآن دعونا نستخدم هذه العدسة للنظر في التعويض. عندما تزيد المرأة من أجرها وتضيق الفجوة بين الجنسين عن طريق تبديل أصحاب العمل، هل تتقدم في مجموعة توزيع الأجور مقارنة بالرجل، أو أن الفارق في الأجور يتناقص عموماً؟

تحليلنا يشير إلى التفسير الأخير. بالنسبة إلى الرجال والنساء على حدٍّ سواء تكون الاختلافات في الأجور على أساس سمات الموظفين وأنواع الوظائف أقل في الوظائف الجديدة منها في الوظائف السابقة. وينخفض الانحراف المعياري Standard deviation للفوارق المتبقية في الأجور بين الرجال بنسبة 70% تقريباً في الوظائف الجديدة مقارنة بالوظائف السابقة. ولولا هذا الانخفاض بين الرجال، لكانت النساء يفقدن مكانتهن (بنحو 4 نقاط مئوية) في مركزهن النسبي بشأن توزيع الأجور عندما بدلن الوظائف. ولكن الفارق المتضائل في أجور الوظائف الجديدة قد ضيَّق المجموعة عموماً.

وقد يكون للسمات الفردية غير المقيسة أيضاً تأثيرٌ في الفجوة في الأجور بين الجنسين. مثلاً قد تختلف النساء اللاتي يغيرن أصحاب العمل عن النساء اللاتي يبقَين، بطرق لا تعكس الاختلافات بين المنتقلين والمستقرين الذكور.

وللتعويض عن هذه الاختلافات غير المقيسة، استخدمنا ما يُعرَف باسم نموذج الانحدار Regression model مع تأثيرات ثابتة فردية. يولِّد هذا النهج ضبطاً Control لكل شخص– في الأساس يقيس الفارق في الأجر على المستوى الفردي لكل شخص في العينة، ثم متوسط Average تلك الاختلافات في المجموعات التي يتابعها الباحث (في حالتنا، النساء مقارنةً بالرجال). وتُحتسَب معظم الاختلافات الفردية التي لا تتغير بمرور الوقت.

وعلى الرغم من أن هذه التقنية أيضاً لها حدودها، تمكنَّا من استخدامها لقياس الفارق في الزيادات بين النساء والرجال الذين غيروا وظائفهم، من دون تجاهل الدور الذي يمكن أن تؤديه الظروف الفردية. كذلك ضبطنا السمات القابلة للقياس نفسها التي ضبطناها عندما نظرنا إلى الفجوة في الأجور نفسها. وعند احتساب عوامل رأس المال البشري مثل التعليم والخبرة العملية، وجدنا أن الزيادات في أجور النساء أعلى بنسبة 5.5 نقطة مئوية، في المتوسط، من الزيادات في أجور الرجال. كما أن احتساب خصائص أصحاب العمل ثم الوظائف زاد من حجم هذه المكاسب بالنسبة إلى النساء مقارنةً بالرجال إلى 5.9 و6.2 نقطة مئوية على التوالي (وأصبحت التقديرات أكثر دقة).

ومع ذلك اختفت المزايا بالنسبة إلى المرأة تماماً عندما وضعنا في الاعتبار مستويات الأجور المستندة إلى الأداء. ويؤكد هذا الاستنتاج مدى نقص استخدام المكافآت كأداة لتحقيق تكافؤ الفرص في مجال التعويض.

لماذا السياق مهم

في أي الحالات تكون المرأة مهيأةً للاستفادة مالياً من التحركات الخارجية في مجال الوظائف؟ تشير الاستنتاجات التي توصلنا إليها إلى أن الاختلافات السياقية Contextual differences في أسواق العمل مهمةٌ. ومن الصعب تحديد آثار العرض والطلب باليقين السببي، لأن كل قوة تؤثر بنحو غير مباشر في الأخرى. لكن الأنماط في البيانات تشير إلى أن هذه القوى تؤثر في النساء اللاتي سيستفدن أكثر من تغيير أصحاب العمل.

قوى الطلب Demand forces. وسط الضغوط الرامية إلى معالجة قضايا المساواة Equality concerns، تكثف المؤسسات عموماً جهودها لتوظيف مزيد من النساء في المناصب العليا. وفي حين أن بعض الشركات قد تدافع عن الإنصاف من أجل الإنصاف، تشير الأبحاث إلى أن عديداً من أصحاب العمل يركزون على تعيين المسؤولين التنفيذيين على وجه الخصوص سعياً إلى تحقيق أهداف التنوع Diversity goals، ويرجع ذلك جزئياً على الأقل إلى أن تمثيل المرأة هو الأكثر وضوحاً في الأدوار العليا.10L.M. Leslie, C.F. Manchester, and P.C. Dahm, “Why and When Does the Gender Gap Reverse? Diversity Goals and the Pay Premium for High Potential Women,” Academy of Management Journal 60, no. 2 (April 2017): 402-432. وهذه ليست أنباء طيبة بالنسبة إلى المرأة على المستويات الأخرى، لكن النساء اللاتي يشغلن مناصب تنفيذية يكون جانب الطلب لمصلحتهن.

ولهذا السبب تشير مقابلاتنا إلى أن النساء من الرتب العليا في وضع أفضل من النساء في المستويات الدنيا من حيث الحصول على زيادات أكبر في الأجور وتضييق الفجوة في التعويضات بين الجنسين. وكما أشار أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة للبحث، ”فإن معظم موكليَّ تقريباً [الذين يتطلعون إلى شغل منصب رفيع] سيبذلون مزيداً لإدراج امرأة على القائمة القصيرة… وإذا لم تكن المرأة مهتمة في البداية بدور لأنه ليس كبيراً بما يكفي أو واسعاً بما يكفي بالنسبة إليهن، فسيقول صاحب العمل في كثير من الأحيان: ‹حسناً، حسناً. يمكنكِ الحصول على هذا القسم الآخر من الشركة أيضا›. وبالمال، سيدفعون أكثر للنساء بسعادة. فهناك دفع قوي وزخْم لجلب النساء إلى الفريق التنفيذي“.

وتنقل البيانات التي حللناها رسالةً مماثلة. بين كبار المسؤولين التنفيذيين وجدنا أن الزيادات في أجور النساء اللاتي يبدلن الوظائف تزيد بنسبة 9.41 نقطة مئوية على الزيادات في الوظائف التي تزيد في الرجال الذين يبدلون وظائفهم؛ وفي المستويات الدنيا تلقت النساء الزيادات نفسها التي حصل عليها الرجال عندما انتقلن إلى وظائف جديدة. وبالنظر إلى هذا النمط قد تكون مرئية Visibility المناصب العليا هي التي تدفع- جزئياً- قدرة المرأة إلى تحقيق زيادات نسبية أعلى.

وإذا كانت مرئية الأدوار التنفيذية تفرض ضغوطاً على المؤسسات لتوظيف النساء، فهل يعني ذلك أن أصحاب العمل البارزين– مثلاً الشركات المتداوَلة في البورصة ذات الحضور العالمي– سيكون لديهم طلب أكبر على المسؤولات التنفيذيات؟ في مقابلاتنا وجدنا بعض التلميحات إلى ذلك. وكما قال أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة بحث: ”بالنسبة إلى شركة أمريكية متعددة الجنسيات، إذا كانت تعمل هنا في بلدي، فهل كانت ستدفع أكثر لتوظيف أنثى مقارنة بذكر؟ إذا بقيت العوامل الأخرى كلها متساوية، أود أن أقول: نعم. لكنني لا أرى هذا يحدث في الشركات المحلية“.

ويشير تحليلنا أيضاً إلى أن الشركات التي هي محل اهتمام الجمهور قد تكون أكثر احتمالاً من غيرها لإعطاء المسؤولات التنفيذيات زيادات أعلى لتنويع القوى العاملة لديها. وبالنسبة إلى الانتقال الوظيفي إلى الشركات المتداولة في البورصة، لاحظنا أن متوسط زيادة أجور النساء البالغ 33.2% كان أعلى بنسبة 11.5 نقطة مئوية من متوسط زيادة أجور الرجال البالغ 21.7%. وبالنسبة إلى الانتقال الوظيفي إلى الشركات الخاصة، التي تخضع لتدقيق أقل، حصلت النساء على متوسط الزيادة نفسها التي حصل عليها الرجال بنسبة 15.7%.

قوى العرض Supply forces. ما تأثير قوى العرض في زيادات الأجور للنساء؟ افترضنا أن الندرة النسبية للنساء في مجموعات المرشحين يمكن أن تعزز الأجور. وفي مقابلاتنا ظهر هذا التأثير بالفعل، على الرغم من أنه لا يبدو مستغَلاً على نطاق واسع. ووصف أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة البحث الأمرَ على هذا النحو: ”بعض المسؤولات التنفيذيات اللائي يدركن ذلك [تأثير الندرة Scarcity effect] تفاوضن على اتفاقيات تعويض مدهشة“. وأعتقد أن هذه الظاهرة حقيقية جداً، وأن عدداً قليلاً من النساء اللواتي اكتشفنها حققن دخلاً جيداً منها.

وبالتنقيب أعمق قليلاً، نظرنا إلى الصناعات التي كانت فيها المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً تاريخياً، مثل الخدمات اللوجستية والتصنيع والبناء. وتبين الأبحاث أن المسؤولات التنفيذيات في هذه المجالات كثيراً ما يفتقرن إلى الدعم الوظيفي، نظراً إلى محدودية إمكانية وصولهن إلى شبكات القدوات Role models والمرشدين التوجيهيين Mentors لإذكاء تطورهن المهني.11K.S. Lyness and D.E. Thompson, “Climbing the Corporate Ladder: Do Female and Male Executives Follow the Same Route?” Journal of Applied Psychology 85,no. 1 (February 2000): 86-101. لكن في تحليلنا بدا أن ندرتهن تمنحهن نفوذاً مالياً. ولاحظنا أن من بدَّلن وظائفهن في صناعات يقل فيها عدد النساء حصلن على زيادة في الأجور بنسبة 34% في المتوسط– أي بزيادة قدرها 13.2 نقطة مئوية عن الزيادة التي حصل عليها الرجال في هذه الصناعات ونسبتها 20.8%. وفي الصناعات التي يتسم تمثيلها بالمساواة، لا تكون زيادات الأجور بالنسبة إلى النساء اللاتي يبدِّلن وظائفهن أعلى بكثير من زيادات أجور الرجال.

ويمكن أن يحدث تأثير الندرة أيضاً في الوظائف التي تكون فيها المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً تقليدياً، مثل البحث والتطوير والإدارة العامة والعمليات. وكما علق أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة للبحث قائلا: ”إذا كانت لديكم امرأة جيدة حقاً في المبيعات، أو جيدة حقاً كمديرة عامة، فستحصل على علاوة أكبر من تلك الوظائف التي تكون فيها أكثر تمثيلاً“.

وفي عينتنا، فإن المسؤولات التنفيذيات اللاتي غيرن وظائفهن في الوظائف التي ليس فيها تمثيل كافٍ من النساء زادت أجورهن بنسبة 30.2% في المتوسط، مقارنة بنسبة 16.8% للرجال؛ ومع ذلك، ولأن هذه التقديرات لم يكن من الممكن تحديدها بدقة، لم نتمكن من استنتاج أن الزيادات كانت مختلفة بين الرجال والنساء.

وأخيراً نظرنا في تكاليف العمالة الناجمة عن الندرة، التي لا تنبع فقط من انخفاض المعروض من النساء، بل أيضاً من ارتفاع تكلفة إغرائهن بالانتقال. وتتحمل المرأة وطأة شؤون الأسرة في عديد من الأسر، ولذلك كثيراً ما يكون تبديل الوظائف صعباً عليها. ولدراسة هذا التأثير العائلي، قارنَّا زيادات أجور النساء والرجال بين مجموعتين: المسؤولين التنفيذيين الذين لديهم شريك و/أو أطفال، وأولئك اللاتي ليس لديهن. ولأن الوضع العائلي لم يُرصَد إلا في منطقتي أمريكا الجنوبية وأوروبا في مجموعة بياناتنا (45% من العينة)، درسنا هاتين المنطقتين فقط، حيث يبلغ متوسط زيادة الأجور لمبدِّلي الوظائف بوجه عام نحو 10%. وفي هذه المناطق حصلت النساء اللاتي لهن شريك أو أطفال على زيادات تزيد بنسبة 17.9 نقطة مئوية في المتوسط على الزيادات التي يحصل عليها الرجال. وبالنسبة إلى النساء اللاتي ليس لهن شريك أو أطفال لم تكن الزيادات أعلى من الوضع الحاضر الذي يبلغ 10%.

الأجور بين الجنسين
الأجور بين الجنسين

في سياقات معينة يمكن أن تؤدي التحركات الخارجية في مجال الوظائف إلى تعويض أعلى– وأكثر إنصافاً– للمسؤولات التنفيذيات. ولأن نتائجنا تبدو متناقضة مع العمل السابق الذي استخدم أساليب مختلفة، تستحق هذه المسألة مزيداً من الدراسة. ومع ذلك نرى إمكانية إحراز مزيد من التقدم نحو تحقيق التكافؤ.

وعلى الرغم من أن النساء لا يبدو أنهن ينتقلن إلى مناصب أكثر ربحاً في صناعات أو أدوار أكثر ربحاً من الرجال عموماً، هناك عاملان مخففان Mitigating factors يمكن أن يساعداهن على تحقيق مكاسب. أولا، لدى المسؤولات التنفيذيات فرصة غير مستغَلة لتضييق الفجوة بين الجنسين أكثر من خلال التفاوض على حصة أكبر من الأجر المستند إلى الأداء– ولاسيما في السياقات التي يكُن فيها مرئيات للغاية، أو نادرات، أو كلا الأمرين. وثانيا، عموماً يتناقص التفاوت المتبقي وغير المبرَّر في الأجور في التنقلات إلى الوظائف الخارجية.

ولكن لا توزَّع المكاسب بالتساوي على النساء في الحالات كلها. وعلى الرغم من أننا نشهد تقدماً بالنسبة إلى البعض، فإن التعويض لا يزال بعيداً عن الإنصاف بوجه عام. لكن هناك حراكاً، ومن خلال فهْم أين يقع تأثير هذا الحراك، يمكن لأصحاب العمل والمرشحين للوظائف البناءُ عليها.

بوريس غرويسبرغ Boris Groysberg (@bgroysberg)

بوريس غرويسبرغ Boris Groysberg (@bgroysberg)

أستاذ كرسي ريتشارد بي تشابمان لإدارة الأعمال Richard P. Chapman Professor of Business Administration في كلية هارفارد للأعمال Harvard Business School؛ وعضو هيئة التدريس في مبادرة إتش بي إس الجنسانية HBS Gender Initiative؛ والمؤلف المشارك، مع كولين أمرمان Colleen Ammerman، لكتاب زجاج نصف مكسور: تحطيم الحواجز التي لا تزال تعوق النساء عن العمل Glass Half-Broken: Shattering the Barriers That Still Hold Women Back at Work (مطبعة: Harvard Business Review Press، 2021).

بول هيلي Paul Healy

بول هيلي Paul Healy

أستاذ كرسي جيمس آر ويليستون لإدارة الأعمال James R. Williston Professor of Business Administration في كلية هارفارد للأعمال.

إريك لين Eric Lin (@linxeric)

إريك لين Eric Lin (@linxeric)

أستاذ مساعد في دائرة العلوم السلوكية والقيادة Department of Behavioral Sciences and Leadership في الأكاديمية العسكرية الأمريكية U.S. Military Academy. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/63104.

المراجع

المراجع
1 F.D. Blau and L.M. Kahn, “The Gender Wage Gap: Extent, Trends, and Explanations,” Journal of Economic Literature 55, no. 3 (September 2017): 789-865.
2 M. Leisenring, “Women Still Have to Work Three Months Longer to Equal What Men Earned in a Year,” U.S. Census Bureau, March 31, 2020, https://census.gov.
3 One of the few studies that tries to fill the gap in research on external job moves is C. Quintana-García and M.M. Elvira, “The Effect of the External Labor Market on the Gender Pay Gap Among Executives,” ILR Review 70, no. 1 (January 2017): 132-159.
4 M. Bidwell, F. Briscoe, I. Fernandez-Mateo, et al., “The Employment Relationship and Inequality: How and Why Changes in Employment Practices Are Reshaping Rewards in Organizations,” Academy of Management Annals 7, no. 1 (June 2013): 61-121.
5 K.J. Murphy and J. Zábojník, “Managerial Capital and the Market for CEOs,” SSRN, April 2007, https://papers.ssrn.com.
6 For example, see G.F. Dreher and T.H. Cox, “Labor Market Mobility and Cash Compensation: The Moderating Effects of Race and Gender,” Academy of Management Journal 43, no. 5 (October 2000): 890-900; and J.M. Brett and L.K. Stroh, “Jumping Ship: Who Benefits From an External Labor Market Career Strategy?” Journal of Applied Psychology 82, no. 3 (June 1997): 331-341.
7 T.L. Botelho and M. Abraham, “Pursuing Quality: How Search Costs and Uncertainty Magnify Gender-Based Double Standards in a Multistage Evaluation Process,” Administrative Science Quarterly 62, no. 4 (December 2017): 698-730; and G.F. Dreher, J. Lee, and T.A. Clerkin, “Mobility and Cash Compensation: The Moderating Effects of Gender, Race, and Executive Search Firms,” Journal of Management 37, no. 3 (May 2011): 651-681.
8 R.M. Fernandez and M. Abraham, “From Metaphors to Mechanisms: Gender Sorting In(to) an Organizational Hierarchy,” research paper 4779-10, MIT Sloan School of Management, Cambridge, Massachusetts, April 2010; and R.M. Fernandez and M. Abraham, “Glass Ceilings and Glass Doors? Internal and External Hiring in an Organizational Hierarchy,” research paper 4895-11, MIT Sloan School of Management, Cambridge, Massachusetts, January 2011.
9 B. Groysberg, P. Healy, and E. Lin, “Determinants of Gender Differences in Change in Pay Among Job-Switching Executives,” ILR Review, published online June 2020, forthcoming in print.
10 L.M. Leslie, C.F. Manchester, and P.C. Dahm, “Why and When Does the Gender Gap Reverse? Diversity Goals and the Pay Premium for High Potential Women,” Academy of Management Journal 60, no. 2 (April 2017): 402-432.
11 K.S. Lyness and D.E. Thompson, “Climbing the Corporate Ladder: Do Female and Male Executives Follow the Same Route?” Journal of Applied Psychology 85,no. 1 (February 2000): 86-101.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى