أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
إدارةاستراتيجياتاقتصادبحث

الأوقات المضطربة تتطلب قواعد ديناميكية

يمكن أن تتغير الظروف بسرعة – يجب تصميم القواعد المؤسسية لتتغير معها.

خلالَ العَقدين الماضيين واجه قادةُ الأعمال كثيراً من الاضطراب والغموض. وليست جائحة كوفيد-19 سوى أحدث هذه الأحداث؛ فقد واجهت المؤسسات أيضاً الأزمة المالية العالمية، وتغيرات تكنولوجية كبيرة، وتطورات سياسية اقتصادية بارزة، بما في ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحروب تجارية، حتى هذه النقطة من القرن الحادي والعشرين. وفي المستقبل من المتوقع أن ينجم مزيد حتى من الفوضى بسبب تحديات مثل الاضطراب الاجتماعي Social unrest المدفوع بتفاوت الدخل Income inequality، وظروف الطقس القاسية الناتجة عن تغير المناخ.

وتشير هذه الأحداث إلى مناخ للأعمال أكثر ديناميكية بكثير. ولكنَّ كثيراً من الممارسات والعمليات المؤسسية حالياً ولدت لمواجهة ظروف قابلة للتوقع ومستقرة نسبياً، وبهدف تحسين الكفاءة والفاعلية بعيدتي المدى. وكشفت تطورات أخيرة أن كثيراً من هذه الممارسات لا تناسب الأوقات غير القابلة للتوقُّع والمضطربة السائدة حالياً. ويصف التعبير الشعبي ”الوضع الطبيعي الجديد“ The new normal ذلك بدقة– عصر يتسم بالغموض ويحتاج إلى أن يُواجَه بمنظورات وممارسات مؤسسية جديدة.

وللازدهار في الأوقات الديناميكية، تحتاج الأعمال إلى تغيير نهجها بشأن وضع القواعد والالتزام بها. فخلال الجائحة، تمسكت بعض الشركات بقواعدها Rules الراسخة، مما أضرَّ بها. مثلاً واصلت أكبر شركة في العالم لإنتاج لحم الخنزير، سميثفيلد فودز Smithfield Foods، العملَ والموظفون يعملون في غرف متقاربة من دون أي حواجز حامية. وجاء كثير من الموظفين إلى العمل وهم مرضى للحصول على ”علاوة المسؤولية“ Responsibility bonus التي قدمتها الشركة إلى العاملين الذين لم يُفوِّتوا أي نوبة عمل. واضطرت الشركة إلى إغلاق مصانع عديدة من مصانعها بعد حالات تفشٍّ لكوفيد-19، ثم غرَّمتها الإدارة الأمريكية للسلامة والصحة الوظيفيتين U.S. Occupational Safety and Health Administration بسبب مخالفات في ولاية ساوث داكوتا وإدارة كاليفورنيا للسلامة والصحة الوظيفيتين بسبب مخالفات في ولاية كاليفورنيا. وفي المقابل عدل كثير من مصانع تعليب اللحوم حول العالم قواعدَها لزيادة التباعد الاجتماعي في خطوط الإنتاج وفي غرف الاستراحة، وقدمت إجازات مَرضية مدفوعة، وحظرت توظيف عمال مؤقتين، وهي إجراءات ساعدت كلها المصانع على الاستمرار في العمل بأمان.1See, for example, S. Marshall and C.C. Unger, “Treating Workers Like Meat: What We’ve Learnt From COVID-19 Outbreaks in Abattoirs,” The Conversation, Oct. 13, 2020, https://theconversation.com; and M. Molteni, “COVID-19 Makes the Case for More Meatpacking Robots,” Wired, May 25, 2020, www wired.com.

ومن الواضح أن المؤسسات حين تواجه أزمة يجب ببساطة أن تُعدل سياساتها. لكن، وكما يبين المثال أعلاه، لا تفعل المؤسسات كلها ذلك. وتكون القواعد Rules في الأغلب مصمَّمة لمعالجة مسألة محددة، ويستهدف الغرض منها ومتطلباتها أن تبقى ثابتة سنوات مقبلة. وإضافة إلى ذلك حين يتناول المديرون عملية وضع القرارات من منظور تقليدي من الأعلى إلى الأسفل، لا ينظرون عموماً في تأثير هذه المتطلبات في الموظفين الواجب عليهم اتباعُها. وهذا يقلل إلى حد كبير قدرتهم على تشذيب ممارسات الأعمال أو تهذيبها لتلبية متطلبات جديدة مع تغير الظروف. وهكذا يمكن لقواعد كانت فاعلة يوماً أن تكون مختلة Dysfunctional، وتستمر في الأغلب سنواتٍ كثيرة حتى تكون راسخة في إجراءات المؤسسات.

ومن أجل العمل بفاعلية في الوضع الطبيعي الجديد والأكثر ديناميكية، يتعين على المؤسسات أن تغير الطريقة التي تصمم بها سياساتها وإجراءاتها وتطبقها وتراقبها. وفي هذا الموضوع نوفر خريطة طريق لإنشاء قواعد ديناميكية– مُعرَّفة هنا كقواعد مبنية من أجل التغيير بالتعاون والتجريب والتعلم.

القواعد الديناميكية تبدأ بالعقلية الصحيحة

يُعَد التغيير في العقلية Shift in mindset الشرطَ المسبق للمؤسسات للانتقال من ثقافة مؤسسية تحابي القواعد التقليدية إلى ثقافة تتبنى قواعد ديناميكية. فمن دون هذا التغيير في العقلية، لن تحدث أو لن تنجح الخطوات الأخرى الضرورية لإنشاء القواعد الديناميكية– زيادة مشاركة الموظفين في تصميمها، وتبني المنهج التجريبي، وإجراء عمليات تدقيق القواعد Rule audits.

وهناك فارقان حاسمان بين الذهنيتين اللازمتين للقواعد التقليدية والديناميكية: من يشارك في وضعها وفي تغييرها، وما يُؤخَذ في الاعتبار لدى تحديد مدى نجاحها.

أولاً، تُركز عقلية القواعد التقليدية Traditional rules mindset على التحكم Control: يخبر المديرون الموظفين بما يفعلونه، ويراقبون الموظفين لضمان احترامهم للقواعد، ويفرضون عقوبات على الذين يفشلون في اتباعها. والعقلية التقليدية تنظر إلى أولئك الموجودين في الإدارة العليا على أنهم المنوط بهم وضع القواعد، ويتصرفون باستقلال عن أولئك الواجب عليهم اتباعُها.

أمَّا في عقلية القواعد الديناميكية Dynamic rules mindset يكون الموجودون في الإدارة العليا ميسِّرين تعاونيين Collaborative facilitators، يعملون مع الموظفين لوضع متطلبات العمل وتعديلها. ويُقر المديرون بأن الموظفين خبراء في الموضوع، وعمليون، وذوو معرفة عملية لا يمتلكها المديرون في الأغلب. ويُدعَى الموظفون للمشاركة في عملية وضع القواعد.

مثلاً كان القادة في فالف كورب Valve Corp، وهي شركة للبرمجيات مقدَّرة ببلايين الدولارات يقع مقرها الرئيس في بلفيو بولاية واشنطن، يشعرون بقلق حول التوازن بين العمل والحياة Work-life balance لدى موظفيهم، فنظروا في تطبيق حظر على العمل الإضافي Overtime ban. ولو التزموا بعقلية تقليدية؛ لطبقوا الحظر ببساطة وضمِنوا الالتزام به. وبدلاً من ذلك تشاوروا مع الموظفين أولاً، واكتشفوا أن الحظر ستكون له تداعيات غير مقصودة وسلبية. (مزيد من التفاصيل عن ذلك أدناه).

والفرق الثاني بين ذهنيتي القواعد الديناميكية والتقليدية هو أن واضعي القواعد من ذوي العقلية التقليدية غالبا ما يكونون غير مدركين- أو حتى غير مهتمين- بمجمل تأثير قواعدهم في أولئك الذين يتعين عليهم اتباعها. وبدلاً من ذلك يكون هناك تركيز ضيِّق على السلوك الذي تهدف القاعدة إلى التأثير فيه. وما دام السلوك قد شُكِّل بالطرق المرغوب فيها، فإن السياسة تُعتبَر سياسة ناجحة. والعقلية التقليدية تفترض أن أي مشكلات تسببها القواعد التقليدية فإن الفوائد المتأتية منها للمؤسسة تفوق ذلك. وفي المقابل تضطلع عقلية القواعد الديناميكية على نية حقيقية لفهم التأثير الكامل للسياسات، بما في ذلك تداعياتها الضارة المحتملة.

وهذه النية هي ما دفع مديري Valve إلى التشاور مع موظفيهم قبل أن يطبقوا قاعدتهم الجديدة لحظر العمل الإضافي. فقد رد الموظفون بأن العمل الإضافي ضروري أحياناً لإنجاز الأعمال المهمة ضمن المواعيد النهائية المُحدّدة، ففي هذه الحالات سيشعرون بأن عليهم مواصلة العمل. ولكن لو طُبِّقت القاعدة الجديدة؛ فإنهم سيضطرون إلى العمل في الخفاء. وتنبه قادة المؤسسة لأن الحظر لن يمنع العمل الإضافي؛ فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الضغوط لأن الموظفين سيضطرون إلى كسر القاعدة سراً.

وبدلاً من فرض حظر جديد، فقد تعاون قادة Valve مع الموظفين لمراقبة مقدار العمل الإضافي المنجز. واتفق الطرفان على أن بعض العمل الإضافي سيكون وظيفياً، في حين أن كمية مفرطة منه ستكون مؤشراً إلى فشل جوهري في التخطيط يحتاج إلى معالجة. والنهج التعاوني في وضع القواعد ساعد على منع مشكلة ما حتى قبل أن تبدأ. والاستمرار في مناقشة الأفكار بين القادة وموظفيهم الذين هم على تماسٍّ بالعملاء سيساعد المؤسساتِ، على غرار Valve، على أن تكون أكثر استجابة في الأوقات الديناميكية.

مثل طيور الكناري في مناجم الفحم، سيكون الموظفون أولَ من يلاحظون تأثيرات التغيرات البيئة السريعة، ولاسيما حين يتأثر عملهم سلباً.

فمثل طيور الكناري في مناجم الفحم، سيكون الموظفون أول من يلاحظون تأثيرات التغيرات البيئية السريعة، ولاسيما حين يتأثر عملهم سلباً. وإضافة إلى ذلك قد يتمكن الموظفون من توقع المشكلات التي قد تنجم عن القواعد الجديدة حتى قبل وضعها موضع التنفيذ. وحين يُدعَى الموظفون للمشاركة في عملية وضع القواعد، يمكن أن تؤدي ملاحظاتهم إلى وضع سياسات جديدة، أو إلى تعديل سياسات قديمة أو حتى إبطالها.

وللتحول إلى القواعد الديناميكية يجب أن يساعد القادة على نشر العقلية الصحيحة في مؤسساتهم. ولكن تغيير العقليات صعب، ولاسيما في الشركات الكبيرة والبيروقراطية. وحددنا ثلاث خطوات معينة على القادة اتخاذُها لتسهيل ذلك التحول: (1) اعملْ على زيادة مشاركة الموظفين في وضع القواعد Increase employee involvement in rule-making، و(2) احتضن التجريب السريع Embrace rapid experimentation، و(3) طبّقْ ممارسات التدقيق في القواعد Enact rule audits.

اعملْ على زيادة مشاركة الموظفين في وضع القواعد

استفادت شركات كثيرة من المشاركة الأكبر للموظفين في الاستراتيجيات والإجراءات المؤسسية. ويشمل مثالٌ شهير مهندسَ البرمجيات لدى أمازون Amazon تشارلي وارد Charlie Ward، الذي طرح اقتراحا في صندوق للمقترحات حول نظام التواصل الداخلي لدى Amazon، وتحولت فكرته لخدمة الشحن المجاني فيما بعد وصارت تُعرَف بـ أمازون برايم Amazon Prime. ومن المقبول على نطاق واسع الآن أن مشاركة الموظفين تشكل جانباً أساسياً في الابتكار المؤسسي ومبادرات تطوير المنتجات الجديدة. وينطبق الأمر نفسه على تصميم القواعد المؤسسية وإدارتها.

والشفافية والتواصل أساسيان لكي ينضم الموظفون إلى المديرين في جهد تعاوني. وتشمل القواعد غرضا Purpose (السبب وراء وجود القاعدة) ومتطلباتٍ Requirements (ما الذي يجب فعله للامتثال للقاعدة). فأحياناً كثيرة لا توفر المؤسسات للموظفين سوى شرح سريع، هذا إذا قدمت أي شرح على الإطلاق، حول غرض القواعد وتركز بدلاً من ذلك على المتطلبات الواجب عليهم اتباعها.

ولوضع قواعد ديناميكية، يحتاج القادة إلى بذل مزيد من الجهد لشرح غرضهم. وبعبارة أخرى يتعين على القادة عرض غاية الصورة الكبيرة Big-picture goal على الموظفين. ويستطيع القادة أن يشرحوا السبب وراء وضع القاعدة، وماذا ستكون عليه متطلباتها المقترحة، وكيف تخدم هذه المتطلبات غرض القاعدة. وبفتح حوار مع الموظفين حول الوضع ككل، يستطيع القادةُ التعبيرَ عن التعاطف مع أي جهد إضافي سيتطلبه الامتثال للسياسات ومن ثم يحصلون على مستوى أعلى من الالتزام.2For a discussion on how to increase employee suggestions, see M. Parke and E.N. Sherf, “You Might Not Be Hearing Your Team’s Best Ideas,” Harvard Business Review, June 4, 2020, https://hbr.org.

وهناك جانب آخر مهم لهذه العملية ألا وهو تمكين الموظفين من مشاركة أفكارهم حول القواعد من دون خوف من العقاب. ويهتم كثير من الموظفين بالقواعد لأنها تشكِّل عملهم يوميا. وقد يتحدثون كثيراً بالفعل عن السياسات والعمليات وعن أفكارهم حول كيفية تحسينها. ولكن في إطار تقليدي كثيراً ما تُجرَى هذه المحادثات بطرق غير منهجية– في غرف الاستراحة مع الزملاء، أو في المنزل، أو في الحانة.

ويجب على المديرين دعوة الموظفين إلى مشاركة أفكارهم حول القواعد. إن إدراك أهمية ما لدى الموظفين من خبرة وإشراكهم في إدارة القواعد يمكن أن يؤديا إلى دورة حميدة يضع فيها الموظفون والمديرون سياسات أفضل وأفضل. وحين يرى الموظفون أفكارهم تُؤخَذ بالاعتبار وتُستخدَم، يكونون أكثر تفاعلاً وأكثر ميلاً إلى دعم القواعد الديناميكية في المستقبل.

وأبحاث غوغل Google حول الدور الحاسم للسلامة النفسية في فِرَقه هي أبحاث وثيقة الصلة بهذه المسائل. فحين يشعر أعضاء الفريق بأن في مقدورهم المخاطرة من دون الشعور بعدم الأمان أو الإحراج، فمن المرجح أن يميلوا أكثر إلى التحدث بصراحة بطرق تمكن فرقهم من تحقيق أداء عالٍ. كذلك إذا شعر الموظفون بالراحة عند مشاركة أفكارهم ومخاوفهم حول القواعد مع القادة المؤسسيين، فإنهم يميلون أكثر إلى عرض وجهات نظرهم بصراحة وعلنية. وهذا الفهم للأمان النفسي مهم بنحوٍ أساسي أيضاً لقدرة القادة على دمج أصوات جديدة ومتنوعة تعكس المستويات والمواقع الوظيفية والمواقع الجغرافية والخلفيات المختلفة في المؤسسة. وعند الاضطلاع بذلك، ستحصل المؤسسات على ملاحظات فورية من الخطوط الأمامية، وهذا مهم للتكيُّف في الأوقات الديناميكية.

احتضِن التجريب السريع 

غالباً ما تحتاج المؤسسات إلى التحرك بسرعة عند تطبيق قواعد جديدة في بيئة ديناميكية. فبدلاً من تمضية أشهر وهي تصوغ القاعدة ”المثالية“ Perfect، تحتاج المؤسسات إلى وضع قاعدة ”جيدة بما فيه الكفاية“ Good enough وتطبيقها مع إدراك أنها ستُحدَّث وتُحسَّن بمرور الوقت، جزئياً بناءً على الملاحظات الواردة من الموظفين. ويعتمد نهج كهذا على نجاحات النماذج الأولية السريعة Rapid prototyping– أو التطوير السريع لتطبيقات Application في هندسة البرمجيات– الذي يولي التخطيطَ أهميةً أقل، ويضع أهمية أكبر على العمليات التكيفية Adaptive process. ويمكن أن تبدأ عملية مشابهة بإدارة واحدة، مثلاً، لإعداد واختبار بنية تحتية لتجربة القواعد عبر المؤسسة ككل.3M. Luca and M.H. Bazerman, “Want to Make Better Decisions? Start Experimenting,” MIT Sloan Management Review 61, no. 4 (summer 2020): 67-73.

لتوضيح أهمية تجربة القواعد سريعاً في حالة التوليد الفاعل للقواعد الديناميكية، انظروا في المثال السلبي لنهج ياهو Yahoo بشأن السياسات الخاصة بالعمل من المنزل. وقبل العام 2013 سمحت Yahoo، على غرار شركات أخرى كثيرة في مجال التكنولوجيا، لموظفيها بالعمل من المنزل. وربما تُشتهَر ماريسا ماير Marissa Mayer، التي شغلت منصب الرئيس التنفيذي لياهو Yahoo بين يوليو 2012 ويونيو 2017، أكثر ما تشتهر به بالتغيير- السيئ السمعة- للقاعدة التي حظرت عمل الموظفين من بُعد، والسبب الظاهري هو أن جعْلَ الجميع يعملون في المكتب يعزز التواصل والتعاون. وشعر عديد من الموظفين بالخيانة من جرَّاء تغيير القواعد، وقالوا إنهم التحقوا بالشركة على أمل أن يتمكنوا من العمل من المنزل. وما حدث منذ ذلك الحين كان بمنزلة كارثة للشركة، بلغت ذروتها في اختيار مجلة فورتشن Fortune ماريسا ماير كواحدة من أكثر القادة تخييبا للآمال في العام 2016، وفي استقالتها كرئيسة تنفيذية في العام 2017. يبدو من المرجح أن ياهو لو اختبرت قواعدها حول العمل من بُعد؛ لربما عرفت كيف أنها تؤثر حقاً في التحديات المتعلقة بالتعاون والاستقلالية التي ابتُليَت بها الشركة على مدى سنوات.

طبِّقْ ممارسات تدقيق في القواعد

على الشركات التي تحاول التحول إلى طريقة أكثر ديناميكية في التشغيل أن تجري تدقيقاً منهجيا في القواعد Rule audit. وعلى غرار التدقيق المالي Financial audit، الذي يشمل فحصاً مكثفاً للحالة المالية للمؤسسة، بحيث يضطلع على تدقيق القواعد بتقييم السياساتِ الحالية للشركة. والهدف هو تقييم ما إذا كانت القواعد الحالية تحتاج إلى تحديث لتتناسب مع البيئة الحالية للمؤسسة.

ولأن لمعظم الشركات قواعد عديدة، لا نوصي بأن يتفحص القادة كل قاعدة موجودة. بدلاً من ذلك تكون الخطوة الأولى هي تحديدَ القواعد الأكثر زعزعة للأفراد والمؤسسة. ويُفضَّل أن تتمكن المؤسسة من تقييم ذلك على مستوى الأنظمة Systems level والمستوى الفردي Individual level.

وعلى مستوى الأنظمة، قد تمتلك المؤسسات وصولاً Access إلى التقييمات الموضوعية لأعباء الامتثال Compliance burdens، مثل كمية الوقت المنفَق في ملء المعاملات. وعلى المستوى الفردي يمكن تعزيز مثل هذه التقييمات بتقييمات أكثر شخصية Subjective، مثل الاستطلاعات والمقابلات. مثلاً يستطيع المديرون سؤال الموظفين: أي ثلاث قواعد تُسبب أشد زعزعة لعملهم. والقواعد التي يعتبرها موظفون متعددون مُزعزِعة قد تُخضَع من ثم لتحقيق إضافي.

وفور تحديد القواعد المزعزِعة يجب على المديرين تمحيص غرض كل منها ومتطلباتها. ويتعين أن يكون غرض القاعدة واضحاً ومفيداً في آن. وأحياناً يكون الغرض منصوصاً عليه بوضوحٍ كتابةً، في حين قد يكون أحياناً أخرى مستنتجَاً من قِبل قواعد أخرى في وثيقة أو صفحة إلكترونية أو دليل. وأحياناً قد يواجه المديرون صعوبة في تحديد غرض واضح. أو قد يكتشف المديرون الغرض لكن يستنتجون أنه لم يعد مفيداً للمؤسسة، وهو ما يحدث عندما لا تتغير القواعد، وتبقى غير مفحوصة سنوات عديدة. وعندما يدرك المديرون أن غرض القاعدة إما غامض أو غير مفيد، يجب عليهم في حالات كثيرة وقفُ العمل به. وفي بعض الحالات قد يقررون أنه لا يزال مفيداً ويختارون توضيح الغرض بدلاً من ذلك.

بعد ذلك يتعين على المديرين كشفُ المتطلبات السلوكية Behavioral requirements كلها اللازمة للامتثال للقواعد. وهذا يجب أن يشمل كلاً من المتطلبات الواضحة والكامنة التي ربما لا تكون محددة رسمياً لكنها مطبقة عملياً. وعلى المديرين والموظفين من ثم النظر في الدرجة التي تدعم بها المتطلبات حقاً غرض القاعدة. مثلاً تعرضت قواعد كثيرة مطبقة من قبل إدارة أمن النقل Transportation Security Administration بعد هجمات 11 سبتمبر للسخرية بوصفها ”مسرحية أمنية“ Security theater لأنها مزعزِعة للمسافرين ولعمليات المطارات، لكنها لا تجعل السفر الجوي أكثر أمناً حقاً.4M. Tonar and E. Talson, “Is the TSA Really Necessary?” Forbes, Jan. 28, 2019, www.forbes.com. ويجب وقف العمل بأي سياسة مزعزعة ولا تؤدي غرضا مفيداً.

ولو كانت لقاعدةٍ ما متطلباتٌ مزعزعة لكنها تخدم غرضا مفيداً؛ لوجَبَ من ثمَّ أن يتحول التركيز إلى تقليل زعزعة هذه المتطلبات بالتجارب السريعة. وعلى المديرين أن يشرحوا للموظفين كلاً من غرض القاعدة وكيف يُقصَد من المتطلبات أن تخدم هذا الغرض. ومن ثم عليهم أن يُصغوا إلى الملاحظات التي يقدمها الموظفون ويجربوا التغييرات المقترحة. وقد يقرر المديرون إلغاء بعض المتطلبات أو تغييرها لجعلها أقل زعزعةً أو أكثر فائدة. وعليهم أن يقيِّموا باستمرار الفوائد والتكاليف المرتبطة بهذه القرارات، حتى لو قرروا إلغاء القاعدة تماما. وخلال هذه التغييرات على القادة أن يضمنوا دائماً تعزيز مشاركة الموظفين المتأثرين بالسياسات وتأثيرها والمطلعين عليها.

وخلال التدقيق بالقواعد بكاملها على القادة والمديرين التأكيد على العقلية الأساسية للقواعد الديناميكية: عقلية التعلم Mindset of learning. وبدلاً من إبلاغ الموظفين بأن يتبعوا ممارسات معينة، وأنهم سيخضعون لمراقبةٍ ضماناً للامتثال، على المديرين أن يشرحوا ما يأملون تحقيقَه ويسألوا الموظفين أن يساعدوهم على فهم ما إذا كانت هذه الأغراض تُلبَّى أو لا. ويجب أن يُفضي تشجيع الموظفين- على مشاركة الملاحظات حول تداعيات السياسات والتأكيد على الطبيعة التعاونية للعملية- إلى مجموعة أكثر وظيفية من القواعد المؤسسية.

يمكن تطبيق التدقيق في القواعد على أساس منتظم داخل المؤسسات، لكن أحد الأوقات المناسبة بنحوٍ خاص هو عند الاستجابة لتحول مؤسسي كبير أو تحول بيئي أو استباق له.

ويمكن تطبيق التدقيق في القواعد على أساس منتظم داخل المؤسسات، لكن أحد الأوقات المناسبة بنحو خاص لإجراء تدقيق هو كاستجابة لتحول مؤسسي كبير أو تحول بيئي أو استباق له. مثلاً أطلقت الشركة العملاقة للسيارات دايملر Daimler أخيراً تعديلاً كاملاً لثقافتها لدعم التحول إلى عمليات مؤتمتة إلى حد كبير باستخدام تكنولوجيات متقدمة. ومن الغايات Goal الرئيسة لمبادرة التغيير هذه تطوير عقلية جديدة تبني الرشاقة بمشاركة الموظفين وتعاونهم. وبنحو خاص بسَّط هذا التغيير السياسات Policies والإجراءات Processes، وراجع نظام الموظفين Personnel system، وكرس أساليب عمل جديدة، موجهة كلها إلى مزيد من الشفافية والمرونة والانفتاح والمشاركة. وبالطبع يتطلب تطبيق هذا النوع من التغيير الثقافة Culture change سنوات، لكن بتضمين التغييرات في السياسات والإجراءات المُراجعَة، صارت دايملر مستعدة للتغيير المستمر. وكما أشار أحد قادة التغيير داخل دايملر، ”يشهد القطاع تحولاً، ودايملر تمرُّ في عملية إعادة تعريف نفسها… نحن نعيد تصميم المستقبل بأنفسنا“.5“Change the Game — but How? Leadership Development,” Daimler, accessed Dec. 14, 2020, www.daimler.com.

ستكون المؤسسات في وضع أفضل للنجاح في الأوقات الديناميكية حين تحتضن عقلية يعمل وفقها القادة والموظفون معاً لفهم الغرض والمتطلبات والتأثير الكامل للقواعد. وبالتأكيد على التجربة والتعلُّم، يستطيع المديرون والموظفون التعاون لتوقع السياسات المزعزعة وتحديدها وتغييرها لتكون أقل إشكالية وأكثر فاعلية. مثلاً تعاني شركات كثيرة الآن بسبب القواعد الخاصة بالعمل من بُعد. وبينما تُشجع بعض الشركات، مثل ريديت Reddit، العاملين على الانتقال إلى أي مكان يرغبون فيه من دون خفض في الرواتب، قالت شركات أخرى، مثل مايكروسوفت Microsoft وتويتر Twitter، إنها ستسمح بتحركات كهذه لكنها ستقلص التعويضات لتعكس الانخفاض في تكلفة المعيشة. ويجدر القول إن الوقت الحالي هو الوقت المثالي للإدارة لتجرب قواعدها وتعززها بالملاحظات المقدمة من الموظفين.

عندما يسهم الموظفون في تطوير السياسات ومراجعتها، سيكونون أكثر ميلاً إلى تأييد القواعد والالتزام بها، ويشعرون بزعزعة أقل، ويكونون أكثر رضىً عن المؤسسة وحرصاً على تحقيق أهدافها.

وستكون لعقلية القواعد الديناميكية فوائد تتجاوز المساعدة على إنشاء مجموعة أكثر وظيفية من القواعد. فالعلاقات بين المديرين والموظفين قد تتحسن إذ ينتقلون من حال الخصومة حول الامتثال للسياسات إلى حال الشراكة في السعي إلى وضع قواعد فاعلة. وقد يجد القادة أن الوقت الذي قَضَوه في مراقبة القواعد وفرضها كان يمكن أن يُقْضى على شيء آخر، وأنهم في مناقشاتهم مع الموظفين قد يصلون إلى فهم محسن لكيفية الاضطلاع بالعمل فعليا. وقد يشعر الموظفون بقيمة وتقدير أكبر لأنفسهم إذ يسهمون في وضع السياسات ومراجعتها. وسيكونون أكثر ميلاً إلى تأييد القواعد والالتزام بها، ويختبرون زعزعة أقل منها، ويكونون أكثر رضىً عن المؤسسة والتزاماً بتحقيق أهدافها.

وأخيراً نتوقع أن تحسِّن القواعدُ الديناميكية قدرةَ المؤسسة على توقُّع التغييرات البيئية والتكيف معها. وحين يحتضن المديرون والموظفون التجربة والتعلم في وضع القواعد وإعادة صياغتها، يبنون ليونة في هيكل المؤسسة وعملياتها وممارساتها Practices. وهذا النوع من المرونة أساسي في الأوقات المضطربة التي يبدو أنها صارت القاعدة. ولأن التغيير يكون أكثر جوهرية وأقل قابلية للتوقع، ستكون المؤسسات التي تضع قواعد ديناميكية أفضل استعداداً للمستقبل، بغض النظر عما قد يحمله.

ديفيد آر. هانا David R. Hannah (@daverhannah) وكريستوفر دي. زاتزيك Christopher D. Zatzick

ديفيد آر. هانا David R. Hannah (@daverhannah) وكريستوفر دي. زاتزيك Christopher D. Zatzick

أستاذان مشاركان في الدراسات الإدارية والمؤسسية من مدرسة بيدي للأعمال Beedie School of Business في جامعة سيمون فرايزر Simon Fraser University

يان كيتزمان Jan Kietzmann (@7_dials)

يان كيتزمان Jan Kietzmann (@7_dials)

أستاذ مشارك في أنظمة الابتكار والمعلومات من مدرسة غوستافسون للأعمال Gustavson School of Business في جامعة فيكتوريا University of Victoria. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62406.

المراجع

المراجع
1 See, for example, S. Marshall and C.C. Unger, “Treating Workers Like Meat: What We’ve Learnt From COVID-19 Outbreaks in Abattoirs,” The Conversation, Oct. 13, 2020, https://theconversation.com; and M. Molteni, “COVID-19 Makes the Case for More Meatpacking Robots,” Wired, May 25, 2020, www wired.com.
2 For a discussion on how to increase employee suggestions, see M. Parke and E.N. Sherf, “You Might Not Be Hearing Your Team’s Best Ideas,” Harvard Business Review, June 4, 2020, https://hbr.org.
3 M. Luca and M.H. Bazerman, “Want to Make Better Decisions? Start Experimenting,” MIT Sloan Management Review 61, no. 4 (summer 2020): 67-73.
4 M. Tonar and E. Talson, “Is the TSA Really Necessary?” Forbes, Jan. 28, 2019, www.forbes.com.
5 “Change the Game — but How? Leadership Development,” Daimler, accessed Dec. 14, 2020, www.daimler.com.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى