أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اخترنا لكالتعلمالنظامبحث

كيف يعزِّز العمل التطوعي مهارات مكان العمل

إن فكرة تعزيز التعلُّم من خلال الخدمة مثيرةٌ للجدل إلى حد مدهش. ويتعين على أصحاب العمل أن يخطِّطوا بحذر.

جذبُ المواهب العليا والاحتفاظ بها، ورفعُ الروح المعنوية، وبناءُ الوعي بالعلامة التجارية، ورد الجميل للمجتمع المحلي– هذه من بين الأسباب الأكثر شيوعاً التي تدعم عبْرها الشركاتُ العملَ التطوعي للموظفين، في أحيان كثيرة من خلال جدولة مرنة أو إجازة مدفوعة الأجر.1D.Z. Basil, M.S. Runte, M. Easwaramoorthy, et al., “Company Support for Employee Volunteering: A National Survey of Companies in Canada,” Journal of Business Ethics 85, supplement 2 (April 2009): 387-398; and J. Kosakowski, “How Corporate Responsibility Professionals Use Employee Volunteer Programs,” Forbes, April 27, 2017, www.forbes.com. “Giving in Numbers: 2020 Edition,” PDF file (New York: Chief Executives for Corporate Purpose, 2020), https://cecp.co. لكنَّ هناك مبرراً جديداً آخذاً في الظهور: إذا أُدِير العمل التطوعي لقضية خيرية بنحو مناسب، فإنه يساعد الموظفين على تطوير قدرات قيمة يمكن إعادة استخدامها في العمل.

والعمل التطوعي المستند إلى المهارات Skills-based volunteering هو قناة سريعة النمو تشارك من خلالها الشركات في المواطنة المؤسسية Corporate citizenship.2“Giving in Numbers: 2020 Edition,” PDF file (New York: Chief Executive for Corporate Purpose, 2020), https://cecp.co. وتميل الأنشطة التطوعية التقليدية (خدمة الناس في مطبخ لإطعام الفقراء، مثلاً، أو زراعة الأشجار) إلى الاستفادة من الكفاءات العامة. ومن الناحية الأخرى ينطوي العمل التطوعي المستند إلى المهارات على تطبيق الخبرات المتعلقة بالوظائف في مجالات متخصصة مثل التسويق وإدارة المشروعات، وتكنولوجيا المعلومات، وفي الأغلب يمكِّن المشاركين من اكتساب مهارات جديدة في أثناء ذلك.

وقد بدأ أصحاب العمل ينظرون إلى العمل التطوعي المستند إلى المهارات على أنه فرصة ”رابحة للأطراف الثلاثة“ بالنسبة إلى معظم أصحاب المصلحة (الأطراف المعنية) – المنظمة غير الربحية وصاحب العمل والمتطوع. ومن الواضح أن المنظمات غير الربحية تستفيد من ضخ الموارد المادية والفكرية لمساعدتها على تحقيق رسائلها. وتستفيد الشركات من الآثار المترتبة على زيادة مشاركة الموظفين من حيث تطور الأداء الفردي والمؤسسي.3B.D. Knox, “Employee Volunteer Programs Are Associated With Firm-Level Benefits and CEO Incentives: Data on the Ethical Dilemma of Corporate Social Responsibility Activities,” Journal of Business Ethics 162, no. 6 (March 2020): 449-472; and J.B. Rodell, “Finding Meaning Through Volunteering: Why Do Employees Volunteer and What Does It Mean for Their Jobs?” Academy of Management Journal 56, no. 5 (October 2013): 1274-1294. وفي الواقع، وفي حين تستكشف إدارات الموارد البشرية إمكانية العمل التطوعي لاستكمال التدريب، بدأت الخطوط الفاصلة بين المسؤولية الاجتماعية للشركات وتنمية المواهب تنطمس.4For example, see A.S. Hirsch, “Doing Well by Doing Good,” SHRM, Jan. 5, 2019, www.shrm.org

ووجدت عديد من الدراسات أن هناك نتائج إيجابية للمتطوعين أيضاً (على الرغم من أن الأبحاث التي تركز على العمل التطوعي المستند إلى المهارات قليلة). مثلاً عندما يطبق الموظفون مهاراتهم المهنية بنحو متكرر، يجدون مهامهم التطوعية أكثر قيمة ويُبلغون عن مستويات أعلى من تنمية المهارات.5P. Caligiuri, A. Mencin, and K. Jiang, “Win-Win-Win: The Influence of Company-Sponsored Volunteerism Programs on Employees, NGOs, and Business Units,” Personnel Psychology 66, no. 4 (December 2013): 825-860; and D.A. Jones, “Widely Assumed but Thinly Tested: Do Employee Volunteers’ Self-Reported Skill Improvements Reflect the Nature of Their Volunteering Experiences?” Frontiers in Psychology 7 (April 2016): 495. وعندما يكتسبون مهارات جديدة، يشعرون بأنهم أكثر قابلية للنجاح في وظائفهم.6J.E. Booth, K.W. Park, and T.M. Glomb, “Employer-Supported Volunteering Benefits: Gift Exchange Among Employers, Employees, and Volunteer Organizations,” Human Resource Management 48, no. 2 (March 2009): 227-249. ويبدو أن العكس صحيح أيضاً: وعندما لا يتعلم الموظفون من العمل التطوعي، يعاني أداؤهم الوظيفي بالفعل.7J. Hu, K. Jiang, S. Mo, et al., “The Motivational Antecedents and Performance Consequences of Corporate Volunteering: When Do Employees Volunteer and When Does Volunteering Help Versus Harm Work Performance?” Organizational Behavior and Human Decision Processes 137, no. 6 (November 2016): 99-111.

لكن في نهاية المطاف، التصريح بأن العمل ”التطوعي المستند إلى المهارات“ فوز واضح للأطراف الثلاثة هو مبالغة في التبسيط. وعلى الرغم من الآثار الإيجابية بوجه عام في تنمية المواهب، لا تسلط هذه المجموعة من الأبحاث الضوء على كيفية استجابة الموظفين عندما تُموْضِع Position مؤسستُهم العمل التطوعي صراحة كوسيلة لتطوير المهارات أو اكتسابها. لكن هذه الموضعة مهمة. فلأن الموظفين يمكنهم، اعتماداً على توقعاتهم، إما تبني برامج الشركات وإما إخراجها عن مسارها، قررنا دراسة استجاباتهم لجهود أصحاب العمل والرسائل المتعلقة بالعمل التطوعي.

تُظهر الاستنتاجات المبكرة التي توصلنا إليها أن برامج العمل التطوعي المستندة إلى المهارات يمكن أن تأتي بنتائج عكسية إذا اعتقد الموظفون أن الربح– في هذه الحالة، من خلال تحسين أداء الموظفين– هو الهدف الحقيقي. وقد تقوِّض فكرة العمل التطوعي المستند إلى المهارات نفسها، على الأقل بالنسبة إلى البعض، الغرضَ من العمل التطوعي: العطاءَ وليس الكسب.

وأمضينا سنة واحدة في التحقيق في شركتين قصدتا إدراج العمل التطوعي في مبادرات التعلم والتطوير Learning and development. وكانت لكل منهما سياسات واضحة وحملات تسويق داخلية شددت على الصلة بين العمل التطوعي وتنمية المهارات، وشُجِّع الموظفون على توثيق جهودهم التطوعية في مراجعات أدائهم. وإلى جانب ملاحظاتنا ومناقشاتنا غير المنهجية مع المديرين ومع الموظفين المتطوعين، أجرينا مقابلات مع فرق العلاقات المؤسسية Corporate relations، وسهلنا مجموعات تركيز Focus groups، وأجرينا مقابلات مع متطوعين عبر مواقع جغرافية مختلفة.

وكانت الردود على أسئلتنا حول تطوير المهارات من خلال العمل التطوعي مفاجِئة لنا. فعلى الرغم من أن أبحاثاً سابقة مستندة إلى استطلاعات وجدت علاقة Correlation بين تنمية المهارات والانطباعات الإيجابية عن الأنشطة التطوعية، إلا أن الموظفين المشاركين في بحثنا النوعي لم يكونوا هم الذين يولِّدون مثل هذه العلاقة.8Booth, Park, and Glomb, “Employer-Supported Volunteering Benefits.” وفي الواقع اعترف كثير منهم بأنهم لم يفكروا قط في التعلم من العمل التطوعي من قبل. وبالنسبة إلى نحو ثلثي من أجرينا معهم مقابلات، ساعدتهم عملية المقابلة نفسها على تحديد كيف وماذا تعلموا وتوضيح ذلك.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الثلث المتبقي ممن أجرينا معهم مقابلات كانت استجابتهم دفاعية Defensive وأعربوا عن غضبهم الصريح إزاء الاقتراح القائل بأن العمل التطوعي يمكن أن يُستخدم لتحقيق مكاسب شخصية أو مكاسب لأصحاب العمل. وغضب هؤلاء المتطوعون من فكرة أن العمل التطوعي يمكن أن يكون أكثر من رد الجميل للمجتمع المحلي، ورفضوا اعتباره فرصة لتطوير المهارات.

ما الذي يفسر التباين في الردود؟ يشير تحليلنا إلى أن ذلك يعتمد على كيفية تفسير الناس لدوافع أصحاب العمل. سنناقش السبب بمزيد من التفصيل– لكن أولاً، دعونا نُلقِ نظرة فاحصة على كل نوع من أنواع الاستجابة.

عندما يتحول رد الجميل إلى رد فعل سلبي

الأشخاص الأكثر تطرفا في ردودهم- ضِمن الذين أجرينا معهم مقابلات- غضبوا عندما سُئِلوا عما إذا كانوا اكتسبوا مهارات من العمل التطوعي. وكان أحد المتطوعين مصراً على أن العمل التطوعي وتنمية المهارات يجب أن يكونا ”منفصلين تماماً“ وقال: ”حسناً، سأعيد الكُرة إلى ملعبكما…. كيف تجيبان أنتما عن هذا السؤال؟“، وأصر بلهجة حادة قائلاً: ”أردت أن أتطوع فقط لتقديم مساعدتي الشخصية“، واتهم الإدارة بأنها غير أخلاقية لاقتراحها أن العمل التطوعي هو طريق لتنمية المهارات. وأكد متطوع آخر أن الدافع وراء العمل التطوعي ينبغي أن يكون الإيثار، وأن ”تملق مديركم أو إدارتكم… غير ذي صلة على الإطلاق“.

لقد أظهر هؤلاء المتطوعون ما كان يمكن أن يطلِق عليه عالم الأنثروبولوجيا وارد غوديناف Ward Goodenough الغضب الأخلاقي Moral outrage: الغضب أو الاشمئزاز أو الإحباط الموجه نحو أولئك الذين يُعتبَر أنهم انتهكوا المعايير الأخلاقية.9W.H. Goodenough, “Moral Outrage: Territoriality in Human Guise,” Zygon 32, no. 1 (March 1997): 5-27 ويبدو أن هذا الرد ظهر لدى بعض متطوعينا لأنهم شعروا بأن سؤالنا يتحدى هويتهم الأخلاقية ونزاهتهم، وتساءلوا: كيف يمكن للأعمال الاعتقادُ أن عملها مع الجمعيات الخيرية كان مدفوعاً بأي شيء سوى الرغبة في مساعدة الآخرين. وقال أحد المتطوعين: ”[أريد أن] أوضح وجهة نظري“، وأضاف: ”بالنسبة إليَّ يتعلق الأمر بالمساهمة في المجتمع المحلي؛ لا يكفي القول: ’حسناً، أنا ذاهب لأساهم في المجتمع المحلي إذا حصلتُ على شيء في المقابل منه‘ “. وعلى الرغم من أن هؤلاء المتطوعين وجدوا تجاربهم ذاتَ مغزى وأهمية، قال كُثر إنهم شعروا بالإهانة بسبب الإيحاء بأنهم أو شركاتهم يمكن أن يكسبوا من العمل التطوعي. لقد تبرعوا بسعادة بمهاراتهم، لكنهم كانوا مذعورين من التفكير في تطوير مهارات جديدة في هذه العملية. وقال أحد المتطوعين بصوت مرتفع: ”الأمر لا يتعلق بتطويري كشخص لمصلحة شركتي؛ إنه يتعلق باستخدام مهاراتي في رد الجميل إلى المجتمع المحلي“. ووجدنا أن الغضب الأخلاقي يرتبط بقوة بالرفض الصريح لفكرة أن التعلم يمكن أن يحدث أو حدث أو سيحدث.

وأدلى آخرون بتعليقات ترقى إلى ما كان يمكن أن يطلق عليه عالم السلوك كريس أرغيريس Chris Argyris إجراءات روتينية دفاعية Defensive routines: إجراءات أو استجابات مصمَّمة لتجنب التهديد. وكما أشار أرغيريس، تمنع الإجراءات الروتينية الدفاعية التعلم لأنها تمنع التفكير، وتُنهي المحادثات، وتصرف الانتباه عن الهجوم المتصور.10C. Argyris, “Strategy, Change, and Defensive Routines” Boston: Pitman, 1985.)) والعبارة ”أوه، هذا مثير للاهتمام“ هي أحد الأمثلة التي ظهرت مراراً وتكراراً في مقابلاتنا. وشملت عبارات أخرى ”صحيح، موافق“، ”قد تكون هذه الفكرة جيدة“، و”يا للمفاجأة“. وأشارت ردود كهذه، إلى جانب لغة الجسد الدفاعية Defensive body language (تكتيف الذراعين وتحوُّل ارتكاز الجسم إلى جانب من جانبَي الكرسي)، إلى اللامبالاة، وأضافت حشواً إلى المحادثة من دون توفير الجوهر، وأنهت في نهاية المطاف المناقشة. وعند سؤالهم عن التعلم من التجربة، رفض عديد من المتطوعين المشاركة، وكرروا ببساطةٍ دافعَهم الأخلاقي الشخصي: ”لا يتطوع المرء لتحقيق منافع لنفسه“.

أدهشتنا الردود الغاضبة والدفاعية. وعلى الرغم من أن أبحاثاً سابقة تشير إلى أن معظم المتطوعين يقدِّرون فرص تطبيق المهارات وتطويرها، وكان للمؤسسات التي درسناها هدف صريح لزيادة العمل التطوعي المستند إلى المهارات، نفى أعضاء هذه المجموعة الفرعية من المتطوعين بشدة أنهم شاركوا في العمل التطوعي لتطوير المهارات. وعلى الرغم من جهودنا الحثيثة لتهدئة إحباطهم واعتذاراتنا عن أن خط استجوابنا أثار مشاعر سلبية، تركوا المقابلات محبطين في أحسن الأحوال وغاضبين في أسوأ الأحوال.

التمعُّن في التعلُّم من العمل التطوعي

الآن دعونا ننظرْ فيما يقرب من ثلثي المتطوعين الذين استجابوا بفضول بدلاً من العدائية أو الدفاعية. مثلاً قال أحدهم: ”لم أفكر قط في العمل التطوعي باعتباري أتعلم شيئاً؛ العمل التطوعي، في رأيي، هو دائماً مثل التخلي عن وقتي لمساعدة الآخرين“. في البداية على الأقل، لم يركز عديد من المتطوعين على حقيقة أن أنشطةً مثل المشاركة في فرص الإرشاد والتوجيه Mentorship opportunities، أو تقديم ورش عمل لإعداد الوظائف، أو العمل في مجلس إدارة منظمة غير ربحية مكنتهم من الاستفادة من مجموعات مهاراتهم الحالية أو تطوير مجموعات جديدة من المهارات.

ومع استمرار المقابلات لاحظنا أن هؤلاء المتطوعين شرعوا في رحلة التَّمَعُن (إدراك المعنى) Sensemaking journey.11K.E. Weick, K.M. Sutcliffe, and D. Obstfeld, “Organizing and the Process of Sensemaking,” Organization Science 16, no. 4 (July-August 2005): 409-421. لقد فكروا في تجاربهم، والنظر بمنطقية في أنشطتهم، وربطوا النقاط بين العمل التطوعي والتعلم، واعترفوا بأن العمل التطوعي غيَّر سلوكهم في العمل. إن التَّمَعُن أمر بالغ الأهمية للتعلُّم؛ إذ تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين لا يتفكرون في تجاربهم بقصد هم أقل قابلية للتعلُّم منها.12M.R. Haas, “Knowledge Gathering, Team Capabilities, and Project Performance in Challenging Work Environments,” Management Science 52, no. 8 (August 2006): 1170-1184. ولاحظ المستجيبون كيف عزَّزت عملية المقابلة قدرتهم على التَّمَعُن فيما اضطلعوا به. وأشار أحدهم قائلاً: ”أعتقد أنه بمجرد التحدث إليكما، صرت أدرك أننا نضطلع بهذا العمل التطوعي، غيرَ أن معظم المشاركين ربما لا يفهمون ما يتعلمونه منه، بمن في ذلك أنا“.

وبمجرد أن بدأ الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلاتٍ التَّمَعُنَ في تجاربهم، تمكنوا من توضيح كيف وماذا تعلموا. فلنأخذْ، مثلاً، مديرَ أعمال ناقش تجربته التطوعية بوصفه رئيساً لمجموعة غير ربحية تدعم الشباب المعرضين للمخاطر الذين يُستدعَون إلى جلسات استماع قانونية. وقال: ”بالتأكيد، لقد أعطاني العملُ التطوعي مهارات أعود بها إلى المؤسسة. أعتقد أن المهارة الأكبر هي التيسير Facilitation“، مشيراً إلى أنه تطور من خلال ”تطوير التعاطف والفهم لظروف الآخرين وجلبِ ذلك إلى دوري اليومي“.

وشدد عديد من المتطوعين على اكتساب المهارات الشخصية Soft skills، مثل المرونة Resilience والقيادة Leadership وبناء الفريق Team building، بدلاً من المهارات التقنية Technical skills. مثلاً علقت مديرة للموارد البشرية تتطوع في برنامج إرشادي وتوجيهي لرواد الأعمال الشباب بأن رؤية التقدم في برنامجها ”أعطتني الثقة بأن نُصحي ومجموعة مهاراتي مفيدة“. واعترفت بأن ”العمل التطوعي يجعل المرء شخصاً أكثر رأفة بكثير“، وأنها مع تقدمها في السن، ”يصبح من المهم أكثر بكثير تدريبُ مجموعات المهارات هذه“. ولتنمية المهارات الشخصية فائدة مهمة يمكن تحديدها، لأن من الصعب تعليم هذه المهارات في بيئة التدريب ومن ثم تطبيقها في الممارسة العملية– ومن الأرجح أن تُكتسَب المهارات القيادية على وجه الخصوص بالأفعال Actions والتأمل Reflection.13S.J. Ashford and D.S. DeRue, “Developing as a Leader: The Power of Mindful Engagement,” Organizational Dynamics 41, no. 2 (April-June 2012): 146-154.

إن التَّمَعُن ليس مُمكِّنا فحسب، بل يدفع الأفراد أيضاً إلى الانطلاق نحو العمل والسؤال: ”ماذا الآن؟“.14Weick, Sutcliffe, and Obstfeld, “Organizing and the Process of Sensemaking”. ووجدنا أن المتطوعين ناقشوا إمكانية اكتساب المهارات وتبادلها بطرق لم يفكروا فيها من قبل. مثلاً شعرت محللةٌ لخدمة العملاء Customer service analyst، تتطوع كميسِّرة للمناسبات (بيع التذاكر وتوزيع النشرات وتوجيه الضيوف) لمستشفى للأطفال، بأن مهاراتها في مجال الأعمال غير مستغَلة بنحو جيد. وقالت: ”أعتقد أن بعض العمل التطوعي المستند إلى المهارات سيكون مجزياً حقاً…. أعتقد أن ذلك سيكون جيداً بالفعل، في الواقع، أن يضطلع المرء بشيء من هذا القبيل“. وذكرت أنها ستبحث عن فرص للتطوع كمرشدة توجيهية ”لمساعدة شخص ما في مهارات إكسل Excel… وهي الأشياء التي أضطلع بها يوماً بعد يوم“. وأعربت عن اعتقادها أن الإرشاد والتوجيه يمكن أن يطورا أيضاً مهاراتها في إدارة الموظفين بواسطة تزويدها بفرص لتقدير أساليب التعلم المختلفة والتواصل مع الآخرين بوضوح. وبمجرد أن فهِم الأشخاص الذين أجرينا معهم مقابلاتٍ العملَ التطوعي المستند إلى المهارات، اقترح كثير أنهم سيسعون، على حد تعبير أحدهم، إلى ”العمل التطوعي الذي يتناسب مع ما أريد أن أعطيه وأكسبه“.

دوافع أصحاب العمل مهمة

ما الذي يفسر تباين الردود على أسئلتنا حول التعلم والتطوير؟ يبدو أن العوامل المؤثرة في الردود تتوقف على كيفية تفسير الموظفين لدوافع أصحاب عملهم.

وكان المتطوعون الذين شعروا بالغضب الأخلاقي- إزاء التلميح بأنهم يستطيعون التعلم من العمل التطوعي المستند إلى المهارات- يشكون عموماً في دوافع شركتهم لدعمه. سَخِر البعض من فكرة أن شركتهم قد تكون ذات نوايا إيثارية. وقال أحد المتطوعين إن ”ظهور الشركة بمظهر جيد“ هو الغرض الحقيقي؛ وسخر آخر قائلاً: ”الجميع يقول: [أوه، انظروا إلى شركتي، أليست مهمة؟]“. ويبدو أن الانطباعات السلبية تعززت من قِبل المديرين التنفيذيين الذين يعتبرون العمل التطوعي ”تجنباً لتأدية العمل“، والذين لديهم ”تصور بأنه يبتعد بالموظفين بالفعل بعيداً عما ينبغي عليهم الاضطلاع به“. وأشار المتطوعون إلى أن مديريهم التنفيذيين فشلوا في وضع نماذج للعمل التطوعي أيضاً. وكما قال أحدهم بصراحة: ”لا أرى المديرين يتطوعون، لذلك لا، لا [أرى كيف يطورني هذا الأمر]“.

آمن معظم الذين أجرينا معهم مقابلات، والذين اعتبروا في نهاية المطاف العمل التطوعي طريقاً لتنمية المهارات، بنيَّةِ أصحاب العمل الإيثارية. وأشار أحدهم قائلاً: ”تتعاطف الشركة في الواقع مع ذلك“، في حين أشار آخر قائلاً: ”يتعلق الأمر بالقيم؛ يتعلق بفعل الأمر الصحيح“. وأشار عديد منهم إلى أهمية دعم كبار القادة: ”إنها القيادة، إنها الثقافة، إن الأمر مُعْدٍ… إذا كان التأييد Advocacy الصحيح موجوداً على المستوى الصحيح، فليس لديَّ أدنى شك في أنها تتسلل بطريقة إيجابية“. واستعرض عديد من المتطوعين قصصاً عن مناصرة كهذه، وكانت في الأغلب في شكل سماح مديرهم المباشر لهم بأخذ إجازة. حتى أن أحد الموظفين اقتطع وقتاً من العمل للتطوع على أساس شهري.

تخبرنا نظرية الإسناد (العزو) Attribution theory أن الناس مجبرون على تحديد سبب إقدام الآخرين على ما يضطلعون به– وبعبارة أخرى، عزو الأسباب إلى السلوك– وأن تفسيرهم لسلوك الآخرين يوجِّه ردودهم.15F. Heider, “The Psychology of Interpersonal Relations” (New York: Wiley, 1958). لذلك فمن المنطقي أن يستجيب المتطوعون بنحو مختلف اعتماداً على الطريقة التي ينظرون بها إلى دوافع أصحاب العمل. ولأن المديرين كثيراً ما يُنظَر إليهم على أنهم يجسدون المؤسسة، كان الموظفون الذين أيد مديروهم تطوعهم يميلون إلى الاعتقاد أن شركاتهم إيثارية، وهو ما كان له صدى في هويتهم الأخلاقية الخاصة. ويميل الموظفون الذين لا يدعمهم مديروهم إلى الاعتقاد أن نوايا شركاتهم استغلالية، ما يؤدي إلى السخرية ورفض فكرة أن العمل التطوعي يمكن أن يوفر فرصاً للتطوير.

كيف يمكن للقادة تعزيز التعلُّم

تشير أبحاثنا وتحليلاتنا إلى أن القادة يمكنهم مساعدة شركاتهم على تحسين مكاسب التعلم والتطوير من العمل التطوعي المستند إلى المهارات بالطرق التالية.

1. وضِّحْ ”الأسباب“ ”Clarify the “whys. يتعين على القادة أن يصوغوا بوضوحٍ أسباب شركاتهم لدعم العمل التطوعي المستند إلى المهارات. فإذا كان الموظفون يعتقدون أن الدافع الوحيد للشركة هو رد الجميل للمجتمع المحلي، لكنهم يدركون في وقت لاحق أن العمل التطوعي يوثَّق في تقييمات أدائهم أو خطط التطوير المهني، فقد يشعرون بأنهم خُدِعوا. وكان عديد من المتطوعين في دراستنا ساخرين بشأن نوايا شركاتهم، ومن ثم حجبوا معرفياً أي صلة محتملة بين العمل التطوعي والتعلم. ومع ذلك يمكن للبرامج التطوعية، من حيث المبدأ، تحقيق أهداف متعددة في وقت واحد، بما في ذلك التعلم والتطوير ودعم قضية خيرية مهمة. والعامل الرئيس هو الشفافية بشأن النوايا والمكاسب المحتملة. وينطوي ذلك على أن يشرح المديرون التنفيذيون والموظفون كيف يمكن أن يؤدي العطاء المستند إلى المهارات إلى تغذية النمو الفردي– وكيف يمكن لهذا النمو أن يثري العطاء في المستقبل، فضلاً عن تعزيز أداء العمل.

2. يسِّرْ عملية التَّمَعُن Facilitate sensemaking. يحتاج القادة إلى تخصيص وقت للمتطوعين للتفكير في تجاربهم ومساعدتهم في هذا الاستكشاف. في دراستنا، لم يدرك المتطوعون إلا من خلال عملية المقابلة، التي صارت تمرينا موجها لعملية التمعن، أنهم طوروا أو اكتسبوا مهارات. وأشار كُثر إلى أنهم خرجوا من المقابلة بشعور أكبر بالفخر وبهدف تعزيز تطورهم من خلال العمل التطوعي. ويمكن للمتخصصين في التعلم والتطوير تنظيم جلسات للتَّمَعُن لتوفير المكان والمساحة للتفكير بنحو استباقي في تنمية المهارات والنظر في كيفية تطبيقها على سياقات أخرى.

3. مَوْضِعْ العمل التطوعي في قلب برامج تطوير القيادة Position volunteering at the heart of leadership development programs. من الصعب إتقان المهارات الشخصية المهمة مثل التواصل والتدريب والتعاطف في أشكال تطوير القيادة التقليدية. ومن الأفضل تعزيز هذه القدرات من خلال مهام موسعة و”مشروعات تعلم عملية“ لها عواقب حقيقية، مع وقت للتفكير على طول الطريق. والشراكة مع المنظمات غير الربحية لدعم رسائلها هي أحد الطرق للمساعدة على تطوير المسؤولين التنفيذيين والقادة الطموحين. وهذه الإمكانية واعدة بصورة خاصة بالنسبة إلى المؤسسات التي ترغب في ربط الاستراتيجية بالاستدامة ودمج القيم الأساسية في وظائف الموارد البشرية مثل التدريب والتطوير. لكن مرة أخرى، يجب أن تكون الشركات شفافة مع الموظفين بشأن الأغراض المتعددة لبرنامج القيادة (رد الجميل، وتطوير مهارات الموظفين، وتعزيز رسالة الشركة)، ويجب تزويد المشاركين بالفرص لفهم نموهم.

العمل التطوعي المستند إلى المهارات يوفر
طريقة للشركات لدعم التطوير الشخصي والمهني للموظفين مع تحقيق أهداف المسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate social responsibility. ومع ذلك، يجب توخي الحذر في كيفية الإبلاغ عن أهداف البرنامج. وينبغي للمديرين توضيح المكاسب المتعددة التي يمكن تحقيقها، ولتحسين التعلم، يتعين عليهم توفير فرص وافرة للموظفين للتفكير في تجاربهم ومناقشتها.

أماندا شانتز Amanda Shantz

أماندا شانتز Amanda Shantz

أستاذة مشاركة في إدارة الموارد البشرية والسلوك المؤسسي في مدرسة ترينيتي للأعمال بكلية ترينيتي دبلن Trinity College Dublin’s Trinity Business School.

كيرا ديمبسي-برينش Kiera Dempsey-Brench

كيرا ديمبسي-برينش Kiera Dempsey-Brench

طالبة دكتوراه في مدرسة ترينيتي للأعمال. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62402.

المراجع

المراجع
1 D.Z. Basil, M.S. Runte, M. Easwaramoorthy, et al., “Company Support for Employee Volunteering: A National Survey of Companies in Canada,” Journal of Business Ethics 85, supplement 2 (April 2009): 387-398; and J. Kosakowski, “How Corporate Responsibility Professionals Use Employee Volunteer Programs,” Forbes, April 27, 2017, www.forbes.com. “Giving in Numbers: 2020 Edition,” PDF file (New York: Chief Executives for Corporate Purpose, 2020), https://cecp.co.
2 “Giving in Numbers: 2020 Edition,” PDF file (New York: Chief Executive for Corporate Purpose, 2020), https://cecp.co.
3 B.D. Knox, “Employee Volunteer Programs Are Associated With Firm-Level Benefits and CEO Incentives: Data on the Ethical Dilemma of Corporate Social Responsibility Activities,” Journal of Business Ethics 162, no. 6 (March 2020): 449-472; and J.B. Rodell, “Finding Meaning Through Volunteering: Why Do Employees Volunteer and What Does It Mean for Their Jobs?” Academy of Management Journal 56, no. 5 (October 2013): 1274-1294.
4 For example, see A.S. Hirsch, “Doing Well by Doing Good,” SHRM, Jan. 5, 2019, www.shrm.org
5 P. Caligiuri, A. Mencin, and K. Jiang, “Win-Win-Win: The Influence of Company-Sponsored Volunteerism Programs on Employees, NGOs, and Business Units,” Personnel Psychology 66, no. 4 (December 2013): 825-860; and D.A. Jones, “Widely Assumed but Thinly Tested: Do Employee Volunteers’ Self-Reported Skill Improvements Reflect the Nature of Their Volunteering Experiences?” Frontiers in Psychology 7 (April 2016): 495.
6 J.E. Booth, K.W. Park, and T.M. Glomb, “Employer-Supported Volunteering Benefits: Gift Exchange Among Employers, Employees, and Volunteer Organizations,” Human Resource Management 48, no. 2 (March 2009): 227-249.
7 J. Hu, K. Jiang, S. Mo, et al., “The Motivational Antecedents and Performance Consequences of Corporate Volunteering: When Do Employees Volunteer and When Does Volunteering Help Versus Harm Work Performance?” Organizational Behavior and Human Decision Processes 137, no. 6 (November 2016): 99-111.
8 Booth, Park, and Glomb, “Employer-Supported Volunteering Benefits.”
9 W.H. Goodenough, “Moral Outrage: Territoriality in Human Guise,” Zygon 32, no. 1 (March 1997): 5-27
10 C. Argyris, “Strategy, Change, and Defensive Routines” Boston: Pitman, 1985
11 K.E. Weick, K.M. Sutcliffe, and D. Obstfeld, “Organizing and the Process of Sensemaking,” Organization Science 16, no. 4 (July-August 2005): 409-421.
12 M.R. Haas, “Knowledge Gathering, Team Capabilities, and Project Performance in Challenging Work Environments,” Management Science 52, no. 8 (August 2006): 1170-1184.
13 S.J. Ashford and D.S. DeRue, “Developing as a Leader: The Power of Mindful Engagement,” Organizational Dynamics 41, no. 2 (April-June 2012): 146-154.
14 Weick, Sutcliffe, and Obstfeld, “Organizing and the Process of Sensemaking”.
15 F. Heider, “The Psychology of Interpersonal Relations” (New York: Wiley, 1958).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى