أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكاربحثعلوم اجتماعية

كيف تمنح الثقافة الولايات المتحدة ميزة في الابتكار مقارنة بالصين

تتفوق المجتمعات الجمعية في الإنتاج، في حين تغذي الثقافاتُ الفرديةُ مزيداً من الاختراع.

لقرون من الزمن كانت القوى العظمى تتلفت، متأكدة من أن طرفاً ما يحث الخطى ليتفوق عليها. ففي أواخر القرن التاسع عشر، كان صعود ألمانيا الإمبراطورية سبباً في إثارة أعصاب بريطانيا العظمى، رائدة التكنولوجيا في ذلك الوقت. وحاليا تنطلق أجراس الإنذار في واشنطن العاصمة، حيث رسّخ تعافي الصين السريع من جائحة فيروس كورونا فكرة مفادها بأنها ستحل حتماً محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة الاقتصادية العظمى الرائدة على مستوى العالم. والآن يتحدث البعض عن إجماع Consensus بكين بدلاً من إجماع واشنطن.

لقد ظهرت الخصومتان الإنجليزية الألمانية والصينية الأمريكية أثناء فترات العولمة والتقدم التكنولوجي السريعين، كما أشار العديد.1M. Brunnermeier, R. Doshi, and H. James, “Beijing’s Bismarckian Ghosts: How Great Powers Compete Economically,” The Washington Quarterly 41, no. 3 (fall 2018: 161-176. ورفع كل من الخصومتين استبداداً صاعداً في وجه ديمقراطية راسخة — لذلك فمن غير المستغرب أن تركز أغلب المناقشات حول صعود الصين على المزايا التفاضلية Comparative advantages لاقتصاد تقوده الدولة وسوق حرة. ولكن الحجج التي تسوقها الصين بأن السياسات الاقتصادية التي تقودها الدولة متفوقة على رأسمالية حرية العمل في الولايات المتحدة، أو العكس، تميل إلى تجاهل السياق بالكامل. لم تنشأ النماذج الاقتصادية للبلدان في فراغ بل تطورت في مجتمعات تتسم بسمات ثقافية ونفسية متميزة.

الابتكار والفردية

لم يبدأ الباحثون إلا أخيراً بالانتباه للتباين النفسي المذهل بين المجتمعات. في كتابه الجديد الرائع أغرب الناس في العالم The WEIRDest People، يشير الأستاذ في جامعة هارفارد Harvard University جوزيف هنريك Joseph Henrich إلى أن الناس في الغرب تطوروا لكي يكونوا فرديين Individualistic وداعمين لمصلحة المجتمع Prosocial بشكل خاص في العصور الوسطى.2J. Henrich, “The WEIRDest People in the World: How the West Became Psychologically Peculiar and Particularly Prosperous” (New York: Farrar, Straus, and Giroux, 2020). ووفقا لهنريك، انطلقت مسيرتهم نحو الازدهار من السياسات العائلية للكنيسة الكاثوليكية الرومانية (مثل حظر زواج الأقارب)، الذي حل عن غير قصد مؤسسات القرابة وجعل الأوروبيين أكثر حرية سواء من حيث العلاقات أم محل الإقامة. وإذ تحرر الناس من الالتزامات العائلية، اختاروا أصدقاءهم وأزواجهم وشركاءهم في الأعمال. وهذا بدوره فتح الباب لظهور مؤسسات مثل الجمعيات التطوعية، والنقابات، والجامعات، والبلديات، التي وسعت الشبكات الاجتماعية وعملت كأدمغة جمعية.

ومع تزايد حجم المجتمعات الغربية، صار السكان أكثر تنوعاً وابتكاراً، بتحفيز من التطورات النفسية مثل زيادة الثقة بين الأشخاص، والحد من التوافق، والحد من الاعتماد على السلطة، مما ساعد على تيسير تدفق الأفكار. وحالياً ما زال الغربيون عموماً، والأمريكيون ذوو الأصول البريطانية بشكل خاص، فرديين نسبياً. ويؤكد ذلك مقياس غيرت هوفستيد Geert Hofstede للفردية المعترف به على نطاق واسع، والذي يستند إلى أسئلة حول أهمية الطموحات الشخصية والإنجازات؛ كما تدعم أعماله أيضاً فكرة أن مجتمعات شرق آسيا أكثر جمعية Collectivist. وبالمثل، وجد عالم النفس ريتشارد نيسبيت Richard Nisbett أن الأمريكيين الأوروبيين تحليلون Analytical أكثر، في حين أن أهل شرق آسيا شموليون Holistic أكثر في التفكير، فيركزون بشكل أقل على الأفراد وبشكل أكبر على الشبكة الأوسع من العلاقات التي تربط بينهم.

وترجع الاختلافات الثقافية إلى جذور تاريخية عميقة أبعد من سياسات الكنيسة الكاثوليكية بطبيعة الحال. وتشير العديد من المقارنات بين المجتمعات الرعوية والمجتمعات الزراعية إلى أن تربية الماشية المتنقلة تجعل الناس أكثر استقلالاً في حين أن الثقافات الزراعية أكثر جمعية. وما زال تراث زراعة الأرز الذي يتطلب درجة عالية من التعاون، يؤثر في الصينيين.3T. Talhelm and A.S. English, “Historically Rice-Farming Societies Have Tighter Social Norms in China and Worldwide,” Proceedings of the National Academy of Sciences 117, no. 33 (Aug. 18, 2020): 19816-19824. فحقول الأرز تحتاج إلى مياه دائمة، لذلك اضطر الناس في مناطق زراعة الأرز إلى بناء أنظمة ري متطورة.4F. Bray, “The Rice Economies: Technology and Development in Asian Societies” (Berkeley, California: University of California Press, 1994). وعلى نحو مفاجئ، أثر استخدام إحدى العائلات للمياه على جاراتها، الأمر الذي جعل المجتمعات أكثر جمعية.

ولا تزال المجتمعات التي نشأت حول زراعة الأرز أكثر اعتماداً على بعضها البعض وأكثر إخلاصاً لبعضها البعض، وهو أمر أثبتت الاختبارات النفسية أنه شائع في دول شرق آسيا الأخرى التي تزرع الأرز، مثل اليابان وكوريا. ولكن مع تغيير المحصول، يتغير المجتمع. فقد وجد الباحثون أن المزارعين في مناطق الصين التي كانت متخصصة تاريخياً بزراعة القمح صاروا أكثر فردية لأن القمح يتطلب قدراً أقل من التعاون ويتيح للأسر النووية استقلالاً أكبر. وتظل هذه المناطق أكثر ابتكاراً حتى يومنا هذا، إذا حكمنا بناء على عدد براءات الاختراع التي تسجلها، ولو أنها لا تزال غير فردية بالدرجة نفسها لنظيرتها في الغرب.5T. Talhelm, X. Zhang, S. Oishi, et al., “Large-Scale Psychological Differences Within China Explained by Rice Versus Wheat Agriculture,” Science 344, no. 6184 (May 9, 2014): 603-608; and J. Henrich, “Rice, Psychology, and Innovation,” Science 344, no. 6184 (May 9, 2014): 593-594.

إن الاحتفال بالتنوع البشري واستثماره يعني الاعتراف بأن المجتمعات المختلفة تتمتع بمزايا مختلفة. وإذا كانت حكومة ما توجه استجابة منسقة ضد جائحة بالاعتماد على إعطاء الأفراد الأولوية لصحة مجتمعاتهم المحلية، مثلاً، الالتزام بارتداء قناع الوجه المزعج، تصبح السمات الثقافية الجمعية مفيدة – كما هي الحال عندما يتعلق الأمر بالإنتاج الضخم Mass production، والذي يعتمد على القيادة والتحكم.6C.B. Frey, C. Chen, and G. Presidente, “Democracy, Culture, and Contagion: Political Regimes and Countries Responsiveness to Covid-19,” Covid Economics 18 (May 15, 2020): 222-240. ولكن الامتثال الاجتماعي Conformity قد يشكل عقبة أمام الابتكار، لسبب بسيط هو أن الابتكار يدعو إلى خرق القواعد وليس الالتزام بها.

وأظهرت دراسات عديدة أن الابتكار من المرجح أن ينشأ في المجتمعات التي تكافئ التفكير غير التقليدي.7Y. Gorodnichenko and G. Roland, “Which Dimensions of Culture Matter for Long-Run Growth?” American Economic Review 101, no. 3 (May 2011): 492-98. فالتسلسلات الهرمية المؤسسية القائمة على القيادة والتحكم مفيدة في توجيه التحسينات التدريجية، مثل جعل عمليات الإنتاج أكثر كفاءة. غير أنها أقل ميلاً إلى تعزيز الابتكارات المزعزعة Disruptive innovations التي تتحدى الوضع الراهن.8L. Wu, D. Wang, and J.A. Evans, “Large Teams Develop and Small Teams Disrupt Science and Technology,” Nature 566, no. 7744 (February 2019): 378-382.

وتتمتع المجتمعات الجمعية بميزة في الإنتاج والتسويق على نطاق واسع، وذلك بسبب استعداد العاملين للامتثال لتعليمات مديريهم والعمل كفريق: فلا يمكن تشغيل خط تجميع المصنع بشكل صحيح إذا كان العاملون يشككون في كل عملية. ولكن عدم تشجيع السلوك المنحرف Deviant behavior له تأثيرٌ جانبي مؤسف يتمثل بقمع الإبداع. فالمجتمعات التي تؤكد على الحرية الشخصية، عموما، تسجل عددا أكبر من براءات الاختراع.9Y. Gorodnichenko and G. Roland, “Culture, Institutions, and the Wealth of Nations,” Review of Economics and Statistics 99, no. 3 (July 2017): 402-416. وتكون في سدّة القيادة عندما يتعلق الأمر بتعزيز الابتكار.

كيف يمكن للمتأخرين أن يسدّوا الفجوة

يدور الابتكار في الأساس حول الاستكشاف، ولهذا السبب يستفيد المخترعون من البيئات الحضرية التي تشجع الاجتماعات والتفاعلات التلقائية. ولكن مع تطور التكنولوجيا ونضوجها ومن ثم تحولها إلى إنتاج، يغدو انتشار المعرفة Knowledge spillovers أقل أهمية. ونتيجة لذلك، تميل الصناعات المتطورة إلى الانتقال من المدن إلى أماكن تنخفض فيها تكاليف الإنتاج.10G. Duranton and D. Puga, “Nursery Cities: Urban Diversity, Process Innovation, and the Life Cycle of Products,” American Economic Review 91, no. 5 (December 2001): 1454-1477. ويتيح هذا فرصة للمتأخرين للحاق بها من دون الحاجة إلى الاستثمار في ذلك النوع من الاستكشاف الذي يدفع إلى تطوير التكنولوجيا. ووفق المبدأ نفسه، تستطيع البلدان المتأخرة أن تسلك مسارات مختلفة نحو تحقيق الثروات.

في مقال شهير نشر عام 1951 تحت عنوان ”التخلف الاقتصادي في المنظور التاريخي“ Economic Backwardness in Historical Perspective، أكَّد المؤرخ الاقتصادي ألكسندر غيرشنكرون Alexander Gerschenkron أن الاقتصادات الأقل تطوراً قادرة على الإسراع في سد الفجوة بينها وبين الدول الأكثر تقدماً باستغلال قدرة الدولة على الانتهاض باستثمارات ضخمة ونسخ التكنولوجيات الرائدة.11A. Gerschenkron, “Economic Backwardness in Historical Perspective: A Book of Essays” (Cambridge, Massachusetts: Belknap Press, 1962). ولهذا السبب على وجه التحديد تستمر القوى العظمى باستراق النظر في المرآة الخلفية Rearview mirror.

في عام 1957 توَّج الاتحاد السوفييتي عقدين من الزمن من النمو غير العادي بإطلاق الصاروخ سبوتنيك 1 Sputnik 1. واتخذ العديد من المراقبين هذا كدليل على أن النظام الشيوعي سيتفوق في وقت قريب، ومن بينهم اثنان من خبراء الاقتصاد الحائزين على جائزة نوبل. ففي عام 1960 وصف فاسيلي ليونتيف Wassily Leontief الاقتصاد السوفييتي بأنه ”مُوجَّه بمهارة حازمة لا هوادة فيها“. وفي هذه الأثناء، توقع بول سامويلسون Paul Samuelson مراراً وتكراراً الهيمنة الاقتصادية للاتحاد السوفييتي في كتاب الاقتصاد الجامعي الأكثر انتشاراً في ذلك العصر.

وتضاءلت المخاوف الأمريكية حول قوة الاتحاد السوفييتي الاقتصادية في ثمانينات القرن العشرين، لكن سرعان ما حلت محلها مخاوف في شأن صعود اليابان. فقد قرع مقال نشرته النيويورك تايمز The New York Times عام 1988 ناقوس الخطر من أن الحواسيب الفائقة الجديدة من فوجيتسو Fujitsu، وهيتاشي Hitachi، وإن إي سي NEC هددت مزاعم الولايات المتحدة بالزعامة التكنولوجية.12E. Sanger, “A High-Tech Lead in Danger,” The New York Times, Sunday, Dec. 18, 1988, sec. 3, p. 1. وبالمثل، توقع كتاب بول كنيدي Paul Kennedy الصادر عام 1987 -صعود القوى العظمى وسقوطها The Rise and Fall of the Great Powers، الأفضل مبيعا- صعود اليابان.13P. Kennedy, “The Rise and Fall of the Great Powers: Economic Change and Military Conflict From 1500 to 2000” (New York: Random House, 1987).

لا تحتاج البلدان المتأخرة في التكنولوجيا إلى الابتكار من أجل النمو – بل تستطيع ببساطة أن تتبنى التكنولوجيا الأجنبية. ومع سدِّها للفجوة التكنولوجية، تكون القدرة على الابتكار في المقام الأول.

وعلى الرغم من أن كنيدي أظهر أن معدلات النمو التفاضلية Differential growth تتسبب دوماً في إحداث قدر كبير من التوتر في الزعامة الاقتصادية والتوترات السياسية، تجاهل إلى حد كبير الأسباب الحقيقية وراء النمو، وحرف ذلك رؤيته للمستقبل. فالبلدان المتأخرة عن أحدث التطورات التكنولوجية العالمية لا تحتاج إلى أن تبتكر لتنمو. فبوسعها ببساطة أن تتبنى التكنولوجيا الأجنبية.14D. Acemoglu, P. Aghion, and F. Zilibotti, “Distance to Frontier, Selection, and Economic Growth,” Journal of the European Economic Association 4, no. 1 (March 2006): 37-74. مثلاً، استند التقدم الذي أحرزه الاتحاد السوفييتي إلى استعداده للادخار والتضحية من أجل الاستثمار في الآلات المستقبلية. ومع سدّ أي دولة للفجوة التكنولوجية، تصبح القدرة على الابتكار في المقام الأول. وببساطة لا تكون سرعة تسارع سيارة السباق من الصفر إلى 60 ميلاً (96.6 كيلومتر تقريباً) في الساعة مهمة إذا لم تكن قادرة على السير بسرعة 61، ناهيك عن 200.

الجمعية واللحاق بالركب

تتوقع نظرية النمو الكلاسيكية الجديدة Neoclassical growth theory أن تتقلص الاختلافات في نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي Gross domestic product بين البلدان بمرور الوقت. لكن في واقع الأمر، حدث العكس تماماً. فمنذ الثورة الصناعية، تفرَّد الغرب عن بقية العالم. صحيح أن هناك قصص نجاح بارزة – سدّت سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان الفجوة بسرعة ملحوظة – لكن من المدهش أن قِلة من البلدان تمكنت من الوصول إلى الحدود المتقدمة للتطورات التكنولوجية. ويشيع الاعتقاد أن التصنيع السريع في اليابان، إلى جانب النمو الاقتصادي في البلدان السبعة الأخرى التي شكلت جزءاً من ”معجزة شرق آسيا“ East Asian miracle خلال الفترة 1960-1995، استند إلى سياسات صناعية نضالية Aggressive كانت تتطلب قدرة حكومية. ولكن هناك من يزعم أن ثقافة شرق آسيا كانت بمثابة عامل تمكين لهذه السياسات. ففي المجتمعات الجمعية، حيث يُنظَر إلى الحقوق الفردية باعتبارها أقل أهمية، تكون الضوابط المفروضة على الدولة لإطلاق عملية التصنيع أقل كثيراً إذا كانت تخشى التخلف عن الركب. وهناك في واقع الأمر أدلة دامغة على أن الأفراد في البلدان التي تتسم بالفردية لا يحبون التدخلات الحكومية.15H. Pitlik and M. Rode, “Individualistic Values, Institutional Trust, and Interventionist Attitudes,” Journal of Institutional Economics 13, no. 3 (January 2017): 575-598.

والأكثر من ذلك منحت الجمعية شرق آسيا ميزة نسبية في تسويق التكنولوجيا الجديدة. وكما هو معروف جيداً، فإن العمل الجماعي وبناء توافق الآراء هما من السمات المميزة لإدارة الأعمال في اليابان. وكما رأينا، من المرجح أن تكون للثقافات التي تعطي الأولوية للوئام، والتوافق، وجهد الفريق ميزةً في التصنيع. وكما أشار كبير علماء آي بي إم IBM في ثمانينات القرن العشرين، فإن أعظم قوة تكنولوجية باليابان في مواجهة الولايات المتحدة هي ”السرعة التي تُتَرجم بها التطورات إلى منتجات وعمليات مُحسَّنة“.16E. Mansfield, “The Speed and Cost of Industrial Innovation in Japan and the United States: External vs. Internal Technology,” Management Science 34, no. 10 (October 1988): 1157-1168. فمنذ سبعينات القرن العشرين فصاعداً، انتهى الأمر إلى إنتاج العديد من المنتجات التي اخُترِعت في الغرب وتسويقها في الشرق. ربما كانت أفضل التلفزيونات الملونة تأتي من اليابان، لكن التكنولوجيا ذاتها طورتها آر سي إيه RCA التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً. وربما كان جهاز ووكمان Walkman من سوني Sony من بين أعظم قصص نجاح المستهلكين في ثمانينات القرن العشرين، لكن الشركة الهولندية فيليبس Philips هي التي اخترعت كاسيت تسجيل الصوت المدمج الذي صُنِع جهاز ووكمان لتشغيله. وبالمثل، قادت سوني الطريق في تطوير جهاز الفيديو، لكن هذه التكنولوجيا كانت من اختراع أمبيكس Ampex، وهي شركة أمريكية.17Gorodnichenko and Roland, “Culture,” 402-416. وكما أظهرت الدراسة الكلاسيكية التي أجراها إدوين مانسفيلد Edwin Mansfield عام 1988، تفوقت الشركات اليابانية في استيعاب التكنولوجيا الأجنبية وتحسينها، لكن ابتكاراتها المحلية كانت في الأساس تحسينات في عمليات الإنتاج. ووجد مانسفيلد أن ثلثي البحث والتطوير R&D اليابانيّ كانا موجّهين نحو العمليات Process-oriented، في حين كان ثلثا البحث والتطوير في الولايات المتحدة موجّهين نحو المنتجات Product-oriented.18E. Mansfield, “The Speed and Cost,” 1157-1168.

ومن الممكن أن يرتقي النسخ وتحسين الكفاءة ببلد ما إلى مستوى متقدم، ومن الواضح أن هذا ما يفعلانه في شرق آسيا. ومع ذلك تؤدي التحسينات الإضافية في أساليب الإنتاج والتكنولوجيا بنهاية المطاف إلى تضاؤل العوائد Returns. ويمكنك تحسين مشغل للكاسيتات من حيث التصميم والوظائف، لكن في نهاية المطاف تحتاج إلى ابتكار جذري لإنشاء مشغل الأقراص المضغوطة CD player أو تصل إلى طريق مسدودة.

دروس من اليابان

في عام 1979 صار كتاب إيزرا فوغل Ezra Vogel اليابان Japan فورا الكتاب الأول على قائمة الكتب الأكثر مبيعا. وجادل فيه أن الثقافة اليابانية القائمة على الإجماع، والسلطة المركزية، والتخطيط البعيد الأجل، والتكتلات الضخمة، أعطت البلاد تفوقاً في السياسات الصناعية واستغلال التكنولوجيات الجديدة.

فبعد الحرب العالمية الثانية واصلت اليابان السير في نموذج التنمية الذي تقوده الدولة والذي اعتمدت عليه منذ تجديد ميجي Meiji Restoration عام 1868. وعلى نحو خاص، وكما أظهر تشالمرز جونسون Chalmers Johnson ببعض التفصيل، كانت وزارة التجارة الدولية والصناعة Ministry of International Trade and Industry (اختصاراً: الوزارة MITI) تشارك بشكل كبير في تحديث الصناعة اليابانية.19C. Johnson, “MITI and the Japanese Miracle: The Growth of Industrial Policy, 1925-1975” (Stanford, California: Stanford University Press, 1982). كذلك مسحت الآفاق بحثاً عن تكنولوجيات جديدة، واستوردت تكنولوجيا أجنبية، وسهلت تبادل المعرفة والموارد عبر الصناعات في البلاد. وضغطت على الشركات اليابانية للدخول في صناعات متزايدة الاتساع – والخروج من الصناعات المتدهورة. وحرصت على امتثال الشركات لسياساتها. وكان بوسع البنوك أن ترفض منح القروض إلى الشركات التي تجاهلت مبادرة وزارة التجارة الدولية والصناعة. وفي مجتمع أكثر فردية، مثل الولايات المتحدة، فمن شبه المؤكد أنه ما كان لهذا النوع من الحكومات الناشطة يستحيل أن تستمر بالإدارة في وقت السلم.

لكن مع اقتراب اليابان من الحدود العالمية للتكنولوجيا المتطورة، يجادل البعض أن مواقفها الامتثالية كانت سبباً في عرقلة الابتكار الجذري والتغيير الهيكلي. وفي حين قفزت شركات مثل فوجيتسو، وهيتاشي، وإن إي سي إلى الأمام في مجال أجهزة الحواسيب الفائقة Supercomputing hardware، قصرت اليابان في مجال البرمجيات Software. وتشير الأبحاث إلى أن الشركات اليابانية أنتجت عدداً أقل كثيراً من اختراعات البرمجيات مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة، بدءاً من ثمانينات القرن العشرين.20A. Arora, L.G. Branstetter, and M. Drev, “Going Soft: How the Rise of Software-Based Innovation Led to the Decline of Japan’s IT Industry and the Resurgence of Silicon Valley,” The Review of Economics and Statistics 95, no. 3 (July 2013): 757-775. ويقول المؤلف جو ستادويل، ”تعجز الوزارة MITI عن ”التخطيط“ للطالب الجامعي غريب الأطوار الذي يتسرب من التعليم ويطلق شركة برمجيات أو شركة تعمل عبر الإنترنت في مرآب أبويه“.21J. Studwell, “How Asia Works: Success and Failure in the World’s Most Dynamic Region” (New York: Grove Press, 2013).

وفشلت اليابان في تحقيق التحول جزئياً بسبب افتقارها إلى الانفتاح على الغرباء، وهي سمة مشتركة بين المجتمعات الجمعية. مثلاً، كانت سياسات الهجرة التقييدية التي تنتهجها اليابان وتاريخها الطويل كمجتمع متجانس عرقياً سبباً في صعوبة استيراد المواهب للتعويض عن النقص في مهندسي البرمجيات المهرة. وفي الوقت نفسه استفادت الولايات المتحدة من الانفتاح على الهجرة. إذ تشير دراسة حديثة نشرها المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية إلى أن الهجرة لها تأثير إيجابي في الابتكار بالولايات المتحدة، قياساً بعدد براءات الاختراع الممنوحة.22K.B. Burchardi, T. Chaney, T.A. Hassan, et al., “Immigration, Innovation, and Growth,” working paper 27075, National Bureau of Economic Research, Cambridge, Massachusetts, May 2020.

كذلك عانت اليابان أيضاً لأن العديد من الشركات الأصغر حجماً صارت مدمجة في شركات أكثر امتداداً – وأقل ابتكاراً– في حين حاولت الوزارة MITI إشعال شرارة التحديث في سنوات ما بعد الحرب. وكانت إحدى الجمعيات Association، وهي كيدانرن Keidanren، تمثل عدة مئات من أكبر الشركات في اليابان، وكانت بلا نظير في العالم. ولأن الشركات الصغيرة لم يكن بوسعها المنافسة – ولأن مصالحها كانت متنوعة إلى الحد الذي لم يكن من الممكن معه تجميعها بسهولة – فضلت الدولة الشركات الكبيرة الموجودة على حساب رواد الأعمال الذين من المرجح أن يبتكروا ابتكارات جذرية.

والأكثر من ذلك انعكست السمات الثقافية الجمعية التي تميز اليابان بقوة في ثقافة الشركات في البلاد، التي كانت مبنية على موظفين أوفياء يبقون مع الشركة طيلة حياتهم المهنية. وكان لهذا أيضاً تأثير ضار. فذلك النوع من القفز بين الوظائف الذي يوجه الابتكار ويتيح التدفق الحر للأفكار نادراً ما يحدث، ولاسيما مقارنة بوادي السليكون Silicon Valley، حيث تتكتل أغلب صناعة البرمجيات في الولايات المتحدة حالياً. فقد حقق وادي السليكون نجاحاً كبيراً، وتجديداً كهذا يرجع جزئياً إلى أن قدرة العامل على التنقل Worker mobility أكبر مقارنة بصناعة الحاسوب في أماكن أخرى من الولايات المتحدة.23B. Fallick, C.A. Fleischman, and J.B. Rebitzer, “Job Hopping in Silicon Valley: Some Evidence Concerning the Microfoundations of a High-Technology Cluster,” The Review of Economics and Statistics 88, no. 3 (February 2006): 472-481; and T. Berger and C.B. Frey, “Regional Technological Dynamism and Noncompete Clauses: Evidence From a Natural Experiment,” Journal of Regional Science 57, no. 4 (October 2016): 655-668. فعندما انتقل غوردون مور Gordon Moore وروبرت نويس Robert Noyce من فيرتشايلد لأشباه الموصلات Fairchild Semiconductor إلى إنتل Intel عام 1968، لم يكن ذلك مجرد خطوة وظيفية: كانت لحظة محورية في تاريخ المنطقة.

وكانت الشركات في وادي السليكون أيضاً أقل هرمية Hierarchical من نظيراتها اليابانية. فهيوليت-باكارد Hewlett-Packard، وهي واحدة من قصص النجاح المبكرة في المنطقة، اتخذت نهجاً إدارياً غير مركزي منذ البداية. وتألفت طريقة إتش بي HP Way، كما باتت تُعرَف، من ”الإدارة بالتجوال“ Management by wandering فقد تنقل الموظفون بحرية في مكان العمل، ما أدى إلى تفاعلات تلقائية في الشركة. وصارت البيئة المفتوحة، المترابطة بعقلية تغيير العالم، بمثابة المخطط الأساسي Blueprint للعديد من شركات وادي السليكون المقبلة.24M. O’Mara, “The Code: Silicon Valley and the Remaking of America” (New York: Penguin Press, 2019).

مصيدة الطاعة

استمدت الصين كثيراً من الإلهام من اليابان. وبعدما زار دنغ شياو بينغ Deng Xiaoping اليابان في أكتوبر 1978، شكل مجموعة استشارية يابانية استمرت بالاجتماع بالمسؤولين الاقتصاديين الصينيين حتى عام 1992. وأُنشئت مؤسستان صينيتان – رابطة مراقبة الجودة Quality Control Association واتحاد إدارة المشروعات Enterprise Management Association – على غرار تجربة اليابان في التحديث. ودربت كلتا الهيئتين مسؤولين إقليميين ومديري مصانع، وعرفتهم على الأفكار التي جاءت من اليابان.25E.F. Vogel, “Deng Xiaoping and the Transformation of China” (Cambridge, Massachusetts: Belknap Press, 2011).

وإضافة إلى ذلك، في ثمانينات القرن العشرين، قدم اليابانيون مزيداً من المساعدات إلى الصين وبنوا مزيداً من المصانع في الصين مقارنة بأي مكان آخر. ولا شك في أن الصينيين ذهبوا إلى الولايات المتحدة للحصول على أحدث العلوم، لكن اليابان قدمت آلات وتقنيات إنتاج جديدة. وكان المسؤولون الصينيون معجبين بشكل خاص بكيفية عمل الوزارة MITI لتحديث الصناعة.

في ثمانينات القرن العشرين، أعرب العديد من المراقبين عن خشيتهم من أن تتفوق اليابان على الولايات المتحدة، ويعتقد العديد منهم الآن بأن الصين ستتفوق قريباً على الولايات المتحدة، ولكن لكي تتفوق على الولايات المتحدة، يتعين على بكين أن تقفز فوق عقبات أعلى حتى من تلك التي حاولت اليابان تجاوزها. فالصين لم تتمكن من إضفاء الطابع الديمقراطي على نفسها، ولم تتمكن بعد من الإفلات من فخ الدخل المتوسط Middle-income trap، إذ كثيراً ما تتعثر الشركات الناشئة سريعة النمو وتفشل. وبعد فترة من اللحاق السريع بالركب، كثيراً ما تفشل البلدان المتوسطة الدخل في الانتقال من التقليد إلى الابتكار ولا تنضم أبداً إلى أكثر الاقتصادات تقدماً على مستوى العالم من حيث نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي GDP. والواقع أن التراجع الأخير في قوة العمل في قطاع التصنيع، مع دخول الروبوتات المتقدمة إلى المصانع، يجعل انتقال الصين إلى الابتكار أمراً بالغ الأهمية.26China has shed more than 12.5 million manufacturing jobs in the past four years as jobs have moved abroad and robots have taken over much factory work. See R.Z. Lawrence, “China, Like the U.S., Faces Challenges in Achieving Inclusive Growth Through Manufacturing,” China & World Economy 28, no. 2 (March-April 2020): 3-17.

لأن الإنتاج والابتكار يتطلبان قدرات مختلفة ويزدهران في بيئات مختلفة، فإن التحول من واحد إلى آخر أمرٌ صعب، كما يتجلى حتى في الجوانب المختلفة من الاقتصادات المتقدمة.

ولأن الإنتاج والابتكار يتطلبان قدرات مختلفة ويزدهران في بيئات مختلفة، فإن التحول من واحد إلى آخر أمرٌ صعب، كما قد يتجلى حتى في بعض الجوانب المختلفة من الاقتصادات المتقدمة. فالآن غدت المراكز الصناعية التي كانت مزدهرة ذات يوم، مثل حزام الصدأ Rust Belt في الولايات المتحدة، وميدلاندز Midlands في المملكة المتحدة، ووادي الرور Ruhr valley في ألمانيا، في حالة من اليأس. وعززت الصناعات الموجهة نحو الإنتاج الضخم الطاعة، مما أعاق الابتكار. وكما وجد المؤرخ الاقتصادي أوديد غالور Oded Galor، فحتى الجيل الثاني من المهاجرين الذين جاءت أمهاتهم وآباؤهم من مناطق صناعية هم أقل ميلاً إلى العمل كرواد أعمال Entrepreneurs.27R. Franck and O. Galor, “Flowers of Evil? Industrialization and Long Run Development,” Journal of Monetary Economics, forthcoming.

هذا هو سيف النقل الثقافي transmission: Cultural ذو الحدين: يُعلم الوالدان أطفالهما المواقف والسلوكيات التي يعتقدون بأنها ستساعدهم على الازدهار كعاملين Workers، لكن غالباً ما تؤدي الطرق القديمة إلى الركود. وليست الصين استثناء: يصف العاملون الذين ينتجون أجهزة الآي فون iPhones على خط التجميع في فوكسكون Foxconn الانضباط الذي تفرضه الشركة على العمل بأنه إدارة ”من خلال مبدأ الطاعة، والطاعة، والطاعة المطلقة“.28P. Ngai and J. Chan, “Global Capital, the State, and Chinese Workers: The Foxconn Experience,” Modern China 38, no. 4 (July 2012): 383-410. والسمات الثقافية القائمة على الامتثال والتي تيسر الإنتاج الضخم قد تجعل التقدم من خلال الابتكار أمراً بالغ الصعوبة، وهو ما أطلق عليه البعض فخ الطاعة Obedience trap.29F.R. Campante and D. Chor, “‘Just Do Your Job’: Obedience, Routine Tasks, and the Pattern of Specialization,” discussion paper ERIA-DP-2016-35, Economic Research Institute for ASEAN and East Asia, Central Jakarta, Indonesia, March 2017.

التحديات التي تواجه الصين

مع تآكل الميزة النسبية التي تتمتع بها الصين في الإنتاج بسبب الأتمتة Automation، يتعين على البلاد أن تتحرك بسرعة من الاستغلال Exploitation إلى الابتكار Innovation. فهي، مثلها في ذلك كمثل اليابان تقريباً، تسعى إلى سياسات صناعية طموحة من خلال مبادرتها ”صُنِع في الصين 2025“. وفي العديد من مجالاتها الاستراتيجية، مثل الروبوتات المتقدمة والذكاء الاصطناعي، تُضيّق الفجوة بينها وبين والولايات المتحدة. ولكن في حين صارت شركات التكنولوجيا الأمريكية مثل ألفابت Alphabet وأمازون Amazon وفيسبوك Facebook ومايكروسوفت Microsoft عالمية حقاً، فإن منافساتها الصينية – علي بابا Alibaba وبايدو Baidu وسينا ويبو Sina Weibo وتنسنت Tencent –تعاني من أجل النمو إلى ما هو أبعد من حدود الصين. صحيح أن أداء هواوي Huawei كان أفضل. ولكن إذا كانت الصين راغبة في تولي زمام المبادرة في الابتكار، فالسؤال الحقيقي ليس لماذا نشأت هواوي بل لماذا لا تمتلك الصين 12 شركة مثل هواوي. وبعد مرور 30 سنة منذ بدأت كوريا في ”إقلاعها“ الصناعي، صار لدى البلاد بالفعل عملاقان تكنولوجيان – سامسونغ Samsung وهيونداي Hyundai – وقد وصلت بهما إلى الحدود التكنولوجية المتقدمة في مجالات الذاكرة Memory وأشباه الموصلات Semiconductors فقط بجزء من سكان الصين ومواردها.30D.B. Fuller, “Paper Tigers, Hidden Dragons: Firms and the Political Economy of China’s Technological Development” (Oxford, United Kingdom: Oxford University Press, 2016).

إجمالا، تتفوق الشركات الصينية في التسويق وليس الابتكار. ووفق مؤسسة ماكرو بولو MacroPolo البحثية، تقع 18 مؤسسة من مؤسسات أبحاث الذكاء الاصطناعي الرائدة على مستوى العالم (بما في ذلك الشركات) في الولايات المتحدة. وفي حين شهدت الصين انفجاراً في براءات الاختراع في السنوات الأخيرة، إلا أن أغلبها يعدُّ منخفض القيمة. ووفق بيانات صندوق النقد الدولي International Monetary Fund، لا تزال الصين مستورداً عالمياً رئيسياً للملكية الفكرية Intellectual property، مع عجز قدره 30.2 بليون دولار عام 2018، يتأتى جزء كبير منه من معاملاتها مع الولايات المتحدة.

لا شك في أن الصين دولة ضخمة، وبعض المناطق أكثر ابتكاراً من مناطق أخرى. ولكن في عهد شي جين بينغ، أشارت القيادة الصينية إلى التزام قوي بتعزيز القيم الجمعية في حين تضيِّق الخناق على تدفق الأفكار. والواقع أن دولة المُراقبة Surveillance state في الصين، ومع الرقابة على الإنترنت، وإلى جانب نظام الرصيد الاجتماعي Social credit system الذي يعمل على تعزيز الامتثال الاجتماعي، فمن غير المرجح أن تتولى البلاد زمام المبادرة في الابتكار. وسيؤدي قرار شي بالسماح للمؤسسات المملوكة للدولة بفرض مزيد من السيطرة على الاقتصاد إلى إبطاء هذه المؤسسات أيضاً: فالشركات الصينية، ولاسيما الشركات المملوكة للدولة، متأخرة عن الشركات المملوكة لأجانب من حيث عوائد الإنفاق على البحث والتطوير Returns on R&D.31S.J. Wei, Z. Xie, and X. Zhang, “From ‘Made in China’ to ‘Innovated in China’: Necessity, Prospect, and Challenges,” The Journal of Economic Perspectives 31, no. 1 (winter 2017): 49-70. ويرغب شي أيضاً بقدر أعظم من السيطرة على القطاع الخاص. وكما كتب مراقب الصين لينغلينغ وي: Lingling Wei ”تعين الحكومة الآن مزيداً من مسؤولي الحزب الشيوعي داخل شركات خاصة، وتحرم بعضها من الائتمان وتطالب المسؤولين التنفيذيين بتكييف أعمالهم وفق أهداف الدولة“.32L. Wei, “China’s Xi Ramps Up Control of Private Sector. ‘We Have No Choice but to Follow the Party.’” The Wall Street Journal, Dec. 10, 2020, www.wsj.com. وكما توضح الحالة اليابانية، هناك حدود لما يمكن أن تحققه قدرة الدولة وسياستها الصناعية.

ولعل الكيفية التي يتحكم بها الحزب الشيوعي الصيني في عملية الابتكار تظهر بشكل أكثر وضوحاً في تطوير المركبات الذاتية القيادة Autonomous vehicles. والواقع أن قانون الأمن السيبراني Cybersecurity law في الصين، والذي يصنف بيانات المركبات باعتبارها ”بنية تحتية للمعلومات الضرورية“، يجعل البلاد مقصداً أقل جاذبية للاختبار ويحد من التجريب. وإضافة إلى ذلك، تنشئ مركزية جمع البيانات نموذجاً تكون فيه الشركات معتمدة على التعليمات الصادرة عن المراكز البلدية التي تتحكم في اختيارات التوجيه وتدفقات المرور.33“China’s Uneven High-Tech Drive: Implications for the United States,” ed. S. Kennedy, PDF file (Washington, D.C.: Center for Strategic & International Studies, February 2020), www.csis.org. وإذا كان التاريخ مرشداً، فإن النظام الأقل مركزية الذي يحبذ التجريب من المرجح أن يدفع الحدود التكنولوجية إلى الأمام.

في القرن التاسع عشر، كانت المنافسة الإنجليزية الألمانية سبباً في دفع ما وصفه المؤرخون بـ”ثورة من أعلى“ Revolution from above في القارة. فقد أدى تكثيف المنافسة بين الدول الأمم الأوروبية إلى إرغام الحكومات على تفكيك الحواجز التي تحول دون الابتكار. ولكن على الرغم من أن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة قد تفعل الشيء نفسه، إلا أن منافسة القوى العظمى شيء لن نرغب فيه: انتهت المنافسة الديناميكية في أوروبا إلى حربين عالميتين ودمار واسع النطاق. ولأن الميزة النسبية التي تتمتع بها الصين تختلف عن الميزة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، سيكون العالم في حال أفضل من دون عقلية التنافس Zero-sum mentality التي اتسم لها نزاع الأمم لمئات السنين. وإذا تمكنت الولايات المتحدة والصين من الاستمرار بالتجارة السلمية، فإن هذا سيعود علينا جميعاً بالفائدة.

كارل بينيديكت فراي Carl Benedikt Frey (@carlbfrey)

كارل بينيديكت فراي Carl Benedikt Frey (@carlbfrey)

مؤلف كتاب فخ التكنولوجيا The Technology Trap (مطبعة جامعة برينستون Princeton University Press، 2019)، وهو زميل في مدرسة أوكسفورد مارتن Oxford Martin School بجامعة أكسفورد Oxford University، حيث يدير برنامجها لمستقبل العمل Future of Work. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62314.

المراجع

المراجع
1 M. Brunnermeier, R. Doshi, and H. James, “Beijing’s Bismarckian Ghosts: How Great Powers Compete Economically,” The Washington Quarterly 41, no. 3 (fall 2018: 161-176.
2 J. Henrich, “The WEIRDest People in the World: How the West Became Psychologically Peculiar and Particularly Prosperous” (New York: Farrar, Straus, and Giroux, 2020).
3 T. Talhelm and A.S. English, “Historically Rice-Farming Societies Have Tighter Social Norms in China and Worldwide,” Proceedings of the National Academy of Sciences 117, no. 33 (Aug. 18, 2020): 19816-19824.
4 F. Bray, “The Rice Economies: Technology and Development in Asian Societies” (Berkeley, California: University of California Press, 1994).
5 T. Talhelm, X. Zhang, S. Oishi, et al., “Large-Scale Psychological Differences Within China Explained by Rice Versus Wheat Agriculture,” Science 344, no. 6184 (May 9, 2014): 603-608; and J. Henrich, “Rice, Psychology, and Innovation,” Science 344, no. 6184 (May 9, 2014): 593-594.
6 C.B. Frey, C. Chen, and G. Presidente, “Democracy, Culture, and Contagion: Political Regimes and Countries Responsiveness to Covid-19,” Covid Economics 18 (May 15, 2020): 222-240.
7 Y. Gorodnichenko and G. Roland, “Which Dimensions of Culture Matter for Long-Run Growth?” American Economic Review 101, no. 3 (May 2011): 492-98.
8 L. Wu, D. Wang, and J.A. Evans, “Large Teams Develop and Small Teams Disrupt Science and Technology,” Nature 566, no. 7744 (February 2019): 378-382.
9 Y. Gorodnichenko and G. Roland, “Culture, Institutions, and the Wealth of Nations,” Review of Economics and Statistics 99, no. 3 (July 2017): 402-416.
10 G. Duranton and D. Puga, “Nursery Cities: Urban Diversity, Process Innovation, and the Life Cycle of Products,” American Economic Review 91, no. 5 (December 2001): 1454-1477.
11 A. Gerschenkron, “Economic Backwardness in Historical Perspective: A Book of Essays” (Cambridge, Massachusetts: Belknap Press, 1962).
12 E. Sanger, “A High-Tech Lead in Danger,” The New York Times, Sunday, Dec. 18, 1988, sec. 3, p. 1.
13 P. Kennedy, “The Rise and Fall of the Great Powers: Economic Change and Military Conflict From 1500 to 2000” (New York: Random House, 1987).
14 D. Acemoglu, P. Aghion, and F. Zilibotti, “Distance to Frontier, Selection, and Economic Growth,” Journal of the European Economic Association 4, no. 1 (March 2006): 37-74.
15 H. Pitlik and M. Rode, “Individualistic Values, Institutional Trust, and Interventionist Attitudes,” Journal of Institutional Economics 13, no. 3 (January 2017): 575-598.
16 E. Mansfield, “The Speed and Cost of Industrial Innovation in Japan and the United States: External vs. Internal Technology,” Management Science 34, no. 10 (October 1988): 1157-1168.
17 Gorodnichenko and Roland, “Culture,” 402-416.
18 E. Mansfield, “The Speed and Cost,” 1157-1168.
19 C. Johnson, “MITI and the Japanese Miracle: The Growth of Industrial Policy, 1925-1975” (Stanford, California: Stanford University Press, 1982).
20 A. Arora, L.G. Branstetter, and M. Drev, “Going Soft: How the Rise of Software-Based Innovation Led to the Decline of Japan’s IT Industry and the Resurgence of Silicon Valley,” The Review of Economics and Statistics 95, no. 3 (July 2013): 757-775.
21 J. Studwell, “How Asia Works: Success and Failure in the World’s Most Dynamic Region” (New York: Grove Press, 2013).
22 K.B. Burchardi, T. Chaney, T.A. Hassan, et al., “Immigration, Innovation, and Growth,” working paper 27075, National Bureau of Economic Research, Cambridge, Massachusetts, May 2020.
23 B. Fallick, C.A. Fleischman, and J.B. Rebitzer, “Job Hopping in Silicon Valley: Some Evidence Concerning the Microfoundations of a High-Technology Cluster,” The Review of Economics and Statistics 88, no. 3 (February 2006): 472-481; and T. Berger and C.B. Frey, “Regional Technological Dynamism and Noncompete Clauses: Evidence From a Natural Experiment,” Journal of Regional Science 57, no. 4 (October 2016): 655-668.
24 M. O’Mara, “The Code: Silicon Valley and the Remaking of America” (New York: Penguin Press, 2019).
25 E.F. Vogel, “Deng Xiaoping and the Transformation of China” (Cambridge, Massachusetts: Belknap Press, 2011).
26 China has shed more than 12.5 million manufacturing jobs in the past four years as jobs have moved abroad and robots have taken over much factory work. See R.Z. Lawrence, “China, Like the U.S., Faces Challenges in Achieving Inclusive Growth Through Manufacturing,” China & World Economy 28, no. 2 (March-April 2020): 3-17.
27 R. Franck and O. Galor, “Flowers of Evil? Industrialization and Long Run Development,” Journal of Monetary Economics, forthcoming.
28 P. Ngai and J. Chan, “Global Capital, the State, and Chinese Workers: The Foxconn Experience,” Modern China 38, no. 4 (July 2012): 383-410.
29 F.R. Campante and D. Chor, “‘Just Do Your Job’: Obedience, Routine Tasks, and the Pattern of Specialization,” discussion paper ERIA-DP-2016-35, Economic Research Institute for ASEAN and East Asia, Central Jakarta, Indonesia, March 2017.
30 D.B. Fuller, “Paper Tigers, Hidden Dragons: Firms and the Political Economy of China’s Technological Development” (Oxford, United Kingdom: Oxford University Press, 2016).
31 S.J. Wei, Z. Xie, and X. Zhang, “From ‘Made in China’ to ‘Innovated in China’: Necessity, Prospect, and Challenges,” The Journal of Economic Perspectives 31, no. 1 (winter 2017): 49-70.
32 L. Wei, “China’s Xi Ramps Up Control of Private Sector. ‘We Have No Choice but to Follow the Party.’” The Wall Street Journal, Dec. 10, 2020, www.wsj.com.
33 “China’s Uneven High-Tech Drive: Implications for the United States,” ed. S. Kennedy, PDF file (Washington, D.C.: Center for Strategic & International Studies, February 2020), www.csis.org.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى