أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكاربحث

ما نتعلمه عن الابتكار من الأزمات

يمكن لفهم السبب في سهولة تطوير أفكار جديدة ودفع التغيير أثناء حالة الطوارئ أن يساعد القادة على الابتكار حتى في غياب الأزمات.

كما يقول المثل، الضرورةُ أمُّ الاختراع. مع انتشار أزمة كوفيد-19 أثناء النصف الأول من عام 2020، دارت عجلة الابتكار في المؤسسات بوتيرة أسرع كثيراً من المعتاد. مثلا: عدلت فرقُ غرف الطوارئ -في مستشفيات ميشيغان- أجهزةَ التنفس بأن أضافت أنبوباً ثانياً لمضاعفة القدرة ومساعدة مريضين على التنفس. وسَلْسَل العلماء الصينيون فيروس كوفيد-19 الجديد خلال ثلاثة أسابيع. وطوّرت فرق متعدّدة من جامعة أكسفورد University of Oxford في لندن وبوسطن لقاحاً محتملاً وبدأت تختبره في أقلّ من شهرين. وبنت هيئة الصحة الوطنية NHS في المملكة المتحدة مستشفى يضم أربعة آلاف سرير في غضون أربعة أيام فقط.

لماذا يبدو الإبداع ممكنا أكثر أثناء الأزمات؟ والأمر الأكثر أهمية هو كيف قد تتمكن المؤسسات من الحفاظ على مستويات مماثلة من الإبداع بمجرد مرور الأزمة؟ في عملنا مع كل من مؤسسات القطاعين العام والخاص، حددنا خمسة شروط مستقلة عن بعضها تميز الأزمة وتعزز الإبداع.

● تشكل الأزمة شعوراً مفاجئاً وحقيقياً بالإلحاح.

● يمكّن هذا الإلحاح المؤسسات من التخلي عن كل الأولويات الأخرى والتركيز على تحد واحد، وإعادة تخصيص الموارد كلما دعت الحاجة.

● في ظل هذا التركيز الفريد وإعادة تخصيص الموارد، صار من مهام الجميع الآن أن تتضافر جهودهم من أجل حل المشكلة، وتقديم مجموعة جديدة من وجهات النظر والمنظورات.

● هذا الإلحاح والتركيز الفريد يضفي الشرعية على ما كان ليشكل ”هداراً“ بخلاف ذلك، فيسمحان بمزيد من التجريب والتعلم.

● لأن الأزمة مؤقتة فقط، فالمؤسسة قادرة على الالتزام ببذل جهود مكثفة خلال فترة زمنية قصيرة.

● وبوسع القادة أن يكرروا ظروف الأزمة بالوكالة كوسيلة لتوليد مزيد من الإبداع الفاعل في غير أوقات الأزمات. لكن هذا يتطلب فهماً أعمق للمسائل المطروحة في كل من الظروف الخمسة.

1 تشكل الأزمة شعوراً مفاجئاً وحقيقياً بالإلحاح. ينشئ القرب من مشكلة خطيرة شعوراً بالغ الأهمية بالإلحاح، فيركِّز الانتباه ويعزِّز العمل. وفي غياب أزمة حقيقية، تستطيع المؤسسات تهيئة وضع مشابه تقريبا لبعض هذه الظروف للتكتسب بعض الفوائد – شرط أن تدرك أسباب تحفيز الأزمة للموظفين إلى هذا الحد، ولماذا هم أقل فاعلية في غياب الأزمات.

في غياب الأزمات يسعى الموظفون إلى الوصول إلى حالة من الوضع الراهن Status quo. ويصدق القول نفسه على قادة الشركات، الذين يميلون إلى الانتظار إلى أن تكون المشكلة مشكلةً حادة – الحالة الملحة الكلاسيكية – قبل التعامل مع الأمر. وهذا هو التحيز إلى الحالة الطبيعية Normalcy bias – أي نزوعنا إلى الاعتقاد أن الأحداث في المستقبل ستكون مماثلة لما شهدناه في الماضي.1H. Omer and N. Alon, “The Continuity Principle:
A Unified Approach to Disaster and Trauma,” American Journal of Community Psychology 22, no. 2 (April 1994): 273-287.
 ويفسر التحيز إلى الحالة الطبيعية لماذا كانت العديد من الحكومات في البداية غير قادرة على التعامل مع التهديد الذي فرضه كوفيد-19 واحتمالات تعطيله لحيواتنا.

ولا نفكر في التغيير إلى أن نواجه معلومات أو تجارب تجبرنا على قبول حقيقة مفادها أن الأمور ليست طبيعية. كذلك يؤثر نوع المدخلات التي نتلقاها تأثيرا كبيرا في كيفية استجابتنا. فأثناء انتشار الجائحة، كانت الصور التلفزيونية عن وحدات العناية المركزة المكتظة والمشارح المؤقتة سبباً في توليد ردود فعل غريزية ضرورية لإرغامنا على التحرك. وهذا مثال على تحيز التوفر Availability bias – أي نزعتنا إلى الاستجابة، بشكل غير متناسب، للإشارات الحديثة والغريزية والشخصية والحادة.2A. Tversky and D. Kahneman, “Availability:  A Heuristic for Judging Frequency and Probability,” Cognitive Psychology 5, no. 2 (September 1973): 207-232.

وهناك تحيزٌ آخر: يميل الموظفون إلى تغيير سلوكهم سعياً إلى تجنب النتيجة السلبية أكثر منهم إلى تغيير سلوكهم سعياً إلى تحقيق نتائج إيجابية. وتُعرَف هذه الظاهرة بنظرية الاحتمالات Prospect theory.3D. Kahneman and A. Tversky, “Prospect Theory: An Analysis of Decision Under Risk,” Econometrica 47, no. 2 (March 1979): 263-291; and A. Tversky and D. Kahneman, “The Framing of Decisions and the Psychology of Choice,” Science 211, no. 4481 (January 1981): 453-458. فعندما تكون النتيجة التي نواجهها سلبية وحادة ووشيكة فجأة، يكون الموظفون مدفوعين إلى العمل ومستعدين لتغيير سلوكهم (العمل من المنزل أو تجنب الأصدقاء والأقارب، مثلاً) على نحو ما كانوا ليتصرفوا وفقه بخلاف ذلك. وبالنسبة إلى المؤسسات التي تحاول محاكاة الضرورة الملحة، تعني ردة الفعل غير المتماثلة هذا أن تعزيز العمل في استجابةٍ للفرص الإيجابية سيكون دائماً أصعب منه في استجابةٍ للتهديدات السلبية.

ولا يستطيع القادة أن ينكروا هذه التحيزات الإنسانية الثلاثة، لكنهم يستطيعون التخفيف من حدتها بتغيير الكيفية التي يؤطِّرون بها المخاطر واختيار ما يستحق وقتهم واهتمامهم. ويتعين على القادة أن يتصدوا للتحيز إلى الحالة الطبيعية من خلال العمل بقدر أعظم من الاستباقية فيما يتصل باكتساب فهم واقعي للتهديدات والفرص في المستقبل، بدلاً من انتظار دفعة فورية للتغيير. وعندما تنتظر الشركات وقتاً أطول مما ينبغي، تقلل من خياراتها من أجل تغيير تدريجي سهل منخفض المخاطر وتقْصُر بدلاً من ذلك نفسَها على التغيير الأسرع والأخطر والأكثر دراماتيكية مما لو كانت أدخلت تغييرات في وقت أقرب.4Elsbeth Johnson has termed this the Drama Delusion, and it particularly affects leaders in larger and older companies. See E. Johnson, “The Four Delusions of Leadership,” Dialogue Review, May 15, 2020, https://dialoguereview.com.

ويمكن للبحث عن المعلومات أن يساعد على مواجهة تحيز التوفر. ولمساعدة القادة على فهم ما سيأتي، تحتاج المؤسسات إلى صرف مزيد من الوقت والموارد في مسح الأفق وصياغة السيناريوهات الممكنة المختلفة التي تواجهها. وفي الأغلب، فإن السيناريوهات الأكثر إلقاء للضوء هي تلك الأبعد عن الوضع الحالي. ومن النُهُج Approach التي استخدمناها إنشاء سيناريوهات يوم القيامة Doomsday scenarios– مثلاً، تخيُّل أن شركتك تتعرض للاستحواذ من أكبر شركة منافسة لكم. وللتوصل إلى سيناريوهات مقنعة، يجب أن يصممها ويكتبها ويؤديها ممثلون محترفون في بداية جلسة للتخطيط الاستراتيجي. وبالاستخدام المقصود لنظرية الاحتمالات للتصدي للجمود الطبيعي، يكون القادة أكثر انفتاحا وتقبلا للاستراتيجيات الجديدة وللحاجة إلى التغيير.

ويحتاج القادة أيضاً إلى تطبيق المستوى نفسه من الإلحاح والنوع نفسه من التحليل لفهم الفرص الإيجابية، تماما مثل ما يفعلوا من إجراءات للتخفيف من المخاطر. وعلى الموظفين أنفسهم، بمن فيهم، بالضرورة الرئيس التنفيذي المالي CFO أو الرئيس التنفيذي للمخاطر CRO– مشاركة بالمسؤولين الرؤساء التنفيذيين الآخرين في تقييم الفرص، تماما مثلما يحللون المخاطر الأخرى.

2 تتخلى المؤسسات عن كل الأولويات الأخرى والتركِّز على تحد واحد، وتعيد تخصيص الموارد كلما دعت الحاجة. في بيئة غير بيئة الأزمات، أمام المؤسسات العديد من قرارات الدرجة الأولى التي ينبغي اتخاذها – أي المشكلات التي يجب حلها، وأي الأسواق يجب دخولها، وأي من مئات المنتجات المحتملة يمكن تطويرها. والواقع أن اتخاذ هذه القرارات أمر بالغ الصعوبة لأنها تنطوي حتماً على مفاضلات، نظراً لتكلفة الفرصة المتمثلة بــعدم سلوك المسار البديل. وفي تجربتنا، كثيراً ما يؤخر القادة هذه القرارات أو يفشلون أحياناً تماما في اتخاذها. وتكون النتيجة تكاثر المشروعات والأنشطة، بمعنى ألا شيء يحصل على التركيز والموارد التي يحتاج إليها.

لكن في الأزمات، يُتَّخَذ ما يعرف بقرار الدرجة الأولى First-order decisions في الواقع من أجلكم: تنبؤنا الأزمة بالمجالات التي تحتاج إلى التركيز عليها بدرجة عالية من الدقة. ولا شيء آخر يفوق أهمية حل هذه المشكلة المباشرة. والشيء الوحيد الذي يجب التوصل إليه هو أفضل طريقة للعمل بذلك – أي الأنشطة التي ستحقق هذه النتيجة على أفضل وجه. وبوسعنا أن ننظر إلى هذه القرارات باعتبارها قرارات الدرجة الثانية Second-order decisions.

مثلاً، كان التحول المحتمل نحو التطبيب عن بعد قراراً من الدرجة الأولى، لكنه مثير للجدال بعض الشيء، طيلة ما يقرب من عقد من الزمن. فقد نفذت بعض مؤسسات الرعاية الصحية التطبيب عن بعد من دون حماسة في حين لم تنفذه مؤسسات أخرى، وجادلت فرق القيادة حول إيلاء الأمر الأولوية. وعندما حلّت أزمة كوفيد-19، أصبح التطبيب عن بعد ضرورة حتمية لم تعد موضع نقاش. ففي أقل من شهرين أعادت هارتفورد للرعاية الصحية Hartford HealthCare في كونيتيكت تنظيم 12 من إداراتها لتقديم الخدمات إلى أكثر من 200 ألف زيارة افتراضيية للمرضى.5“Virtual Health: Now You Can Get Medical Care From Your Home,” Hartford HealthCare, April 16, 2020. وفي القاهرة، طرحت فيزيتا الناشئة Vezeeta للتطبيب عن بُعد تطبيقاً للرعاية الصحية عن بُعد في مارس، أي قبل ثلاثة أشهر من الموعد المحدد، وشهدت أعداداً متزايدة من المرضى الذين يستخدمونه للحصول على مشورة الأطباء.6N. El Hennawy, “COVID-19: Telehealth Businesses Set to Grow During Pandemic,” Zawya, June 9, 2020, www.zawya.com. وقال لنا مسؤولون تنفيذيون في الشركة إنهم قبل كوفيد-19 كانوا يعتقدون أن الانتقال إلى الزيارات عبر الإنترنت سيستغرق ثلاث سنوات على الأقل.

ونعلم من سنوات من الأبحاث أن العديد من القادة هم أفضل في اتخاذ قرارات من الدرجة الثانية – وأكثر ارتياحاً في الأساس لها. لماذا؟ يرجع هذا جزئياً إلى الكيفية التي ترقى بها هؤلاء ليكونوا قادة في المقام الأول: في الأغلب يكون ذلك بفضل اتخاذ القرارات الجيدة في شأن الأنشطة التي من شأنها أن تسفر عن نتيجة معينة.7E. Johnson, “Step Up, Step Back: How to Really Deliver Strategic Change in Your Organization” (London: Bloomsbury Business, 2020).

ولكن في الغالب يكون القادة أقل قدرة على تحديد النتائج التي ينبغي أن تكون أولوية. ففي الأزمات، وهي بيئة يُتّخَذ فيها قرار من الدرجة الأولى، قد يعودون إلى اتخاذ قرارات في شأن الأنشطة. وهذا من يعرض جوانب قوتهم، وهو يشكل جانباً رئيسياً من الأسباب التي تجعل العديد من القادة يحبون الأزمات.

وبمجرد تحديد أولوية واضحة ومنفردة، تستطيع المؤسسة التخلي عن كل الأولويات الأخرى الأقل أهمية وإعادة تخصيص الموارد، الميزانيات والموظفون، على نحو ما كان لأحد أن يتصوره في بيئة غير بيئة الأزمات. ومقارنة بفوائد حل هذه المشكلة المباشرة، تهبط القيمة النسبية Relative value لكل الأعمال الأخرى تقريباً إلى الصفر، ولا تُطبّق تحليلات تكلفة الفرصة Opportunity cost analyses المعتادة.

مثلاً، في قطاع علوم الحياة، عملت الفرق التي تتمتع بالخبرة في إنتاج اللقاحات لتحويل تركيزها في شكل شبه كامل إلى إنتاج لقاح ضد كوفيد-19 إنتاجا واسع النطاق. وعلى نحو مماثل، فإن مختبرات سلسلة الجينات التي كانت تستخدم معداتها المتطورة في مشروعات البحث أعادت تخصيص المهارات والمعدات والموارد المعملية لديها كلها لفحوص كوفيد-19. فمعهد برود Broad Institute في كيمبريدج بماساتشوستس، ومعهد سانغر Sanger Institute في كيمبريدج بإنجلترا – وكل منهما يستخدم عادة أساليب متطورة لسلسلة الحمض النووي DNA في الأبحاث والتجارب السريرية (الإكلينيكية) لمجموعة واسعة من الأمراض – أخذا أقلّ من أسبوعين لتحويل موارد الفحص المخبري كلها لديهما لسلسلة الحمض النووي لعينات كوفيد-19 لصالح فحوص المرضى.8L. Eisenstadt, “How Broad Institute Converted a Clinical Processing Lab Into a Large-Scale COVID-19 Testing Facility in a Matter of Days,” Broad Institute, March 27, 2020, www.broadinstitute.org.

بوسع القادة أن يعملوا لإنشاء الظروف المناسبة للتركيز الأحادي الفِكر من خلال العمل في شكل أكثر انضباطاً على تحديد الأولويات المؤسسية واختصارها. ولا بد من أن يكونوا واضحين في شأن أي نتائج تشكل أهمية بالغة وأي نتائج لا بد من إلغائها.

وحتى في غياب الأزمة، يستطيع القادة أن يعملوا على إنشاء الظروف الملائمة للتركيز الأحادي. أولاً، يتعين على القادة أن يتحلوا بقدر أعظم من الانضباط فيما يتصل بتحديد أولويات مؤسساتهم. ولا بد من أن يكونوا واضحين في شأن أي نتائج تشكل أهمية بالغة وأي نتائج لا بد من إلغائها. وفي معظم المؤسسات، سيعني هذا اختيار عدد أقل بكثير من الأهداف ذات الأولوية العالية التي تعمل مؤسساتهم حالياً من أجل تحقيقها.9R.L. Martin, “The Big Lie of Strategic Planning,” Harvard Business Review 92, no. 1-2 (January-February 2014): 78-84; and D. Sull, S. Turconi, C. Sull, et al., “Turning Strategy Into Results,” MIT Sloan Management Review 59, no. 3 (spring 2018): 9-20. ومن المرجح أن تثير هذه الخيارات نقاشاً وعدم ارتياح داخل المؤسسة – لكن في تجربتنا، يكون هذا في كثير من الأحيان ثمن الوضوح.

ثم يتعين على القادة أن ينضبطوا وأن يتركوا قرارات الدرجة الثانية – تحديد الأنشطة التي يتعين العمل عليها من أجل تحقيق الأهداف – لهؤلاء الأقرب إلى العمل، سواء ما يخص العاملين في العمليات، أم البحث والتطوير، أم غير ذلك من الوحدات والوظائف. وسيكون شغل للقادة الشغل أن يبلغوا المؤسسة بهذه الأولويات من الدرجة الأولى في شكل مستمر ومتكرر.

3 لحل المشكلة تتكتّل الفرق في فريق واحد يتمتع بمزيد من التنوع في المنظورات. مع إعادة ترتيب الأولويات التي يمكن أن تؤدي إليها الأزمة، وما يترتب على ذلك من إعادة تخصيص للموارد، تعالج المشكلة المطروحة الآن بمزيج من تبصرات وخبرات وتجارب موظفين أكثر بكثير من أولئك الذين كانوا سيجتمعون معاً من أجل مشروع. وهذا يطلق العنان لمزيد من الإبداع مقارنة بما تراه المؤسسات عادة. وهذا لا يرجع إلى أن الأفراد يبتعدون فجأة عن الإبداع – إن كان هناك أي سبب لذلك، فهو أن الإجهاد يجعل الموظفين أقل إبداعاً من المعتاد – بل لأنهم تجمعوا معاً لتطوير إبداعهم الجماعي لحل مشكلة واحدة مشتركة.

وبمجرد أن يوضح القادة مشكلة الدرجة الأولى التي يتعين عليهم حلها، يجب عليهم أن يزيدوا من تنوع الموظفين والفرق التي يجمعونها معاً لحل هذه المشكلة. أما اللجوء إلى الفرق المعتادة، أو الفرق الراسخة المتجانسة Homogeneous المؤلفة من اختصاصيين، فقد يؤدي إلى تثبيط بعض الأفكار الأكثر إثارة للاهتمام – وتقليص احتمالات النجاح.

ونحن نعلم من الأبحاث التجريبية أن مجموعات الموظفين من خلفيات مختلفة، ممن لديهم مهارات وخبرات مختلفة، تميل إلى أن تكون أفضل في حل المشكلات من المجموعات المتجانسة.10D. Rock, H. Grant, and J. Grey, “Diverse Teams Feel Less Comfortable — and That’s Why They Perform Better,” Harvard Business Review, Sept. 22, 2016, https://hbr.org. لكن الفرق غير المتجانسة Heterogeneous تعاني أيضاً بعضَ الاحتكاك، نظراً لأن الموظفين يجب أن يعملوا مع أعضاء مختلفين في الفريق، ويفكرون في شكل مختلف، مقارنة بهم ومن ثم لديهم أفكار ”مجنونة“. إن الفرق غير المتجانسة أكثر فاعلية Effective من الفرق المتجانسة لكنها أقل كفاءة Efficient بكثير.

فإضافة إلى تنوع وجهات النظر، تكون القيود حاسمة. والواقع أن الأبحاث حول الإبداع والابتكار والنتائج تنبؤنا بأن الإبداع غير المقيد بالكامل يكون في الأغلب هدراً للموارد، وقد يكون تقييد الإبداع أداة قوية.11P. Stokes, “Crossing Disciplines: A Constraint-Based Model of the Creative/Innovative Process,” The Journal of Product Innovation Management 31, no. 2 (October 2013): 247-258. وكما قال تشارلز إيمز Charles Eames، مصمم الأثاث الشهير: ”يعتمد التصميم إلى حد كبير على القيود“.

وبعبارة أخرى، تحتاج الفرق إلى بعض المقاييس المحددة — الحدود Boundaries والقيود Constraints — بدلاً من لوح فارغ. وهذا هو المنطق المستخدم في الهاكاثونات Hackathons الشديدة التركيز على موضوع معين ومسابقات التصميم المماثلة. والفهم الدقيق للقيود المفروضة على الجهد الإبداعي مهمٌ، بصورة خاصة عند توزيع الموارد الإبداعية. ووجود مجموعة من الأنظمة والمعايير التي يمكن من خلالها الحكم على الأفكار هو أمرٌ مفيدٌ، بصورة خاصة عندما تعمل مجموعات مختلفة لتحقيق هدف مشترك من مواقع مختلفة، أو ربما يأتي بعض الأعضاء من ثقافات مختلفة أو يتحدثون لغات مختلفة.

مثلاً، عندما أدركت حكومة المملكة المتحدة أنها لا تمتلك عدداً كافياً من أجهزة التنفس لمعالجة التدفق المحتمل لمرضى وحدات العناية المركزة ICU، استقطبت مجموعة متنوعة من المصنعين الذين لديهم قدرات وثقافات وخطوط إنتاج مختلفة. ومن بين الشركات التي استجابت لهذا التحدي دايسون Dyson، التي اشتهت بصنع المكانس الكهربائية ومجففات الشعر اليدوية. ولا شك في أن مهندسي دايسون مجموعة خلاقة. لكن الحكومة لم تكن واضحة بالقدر الكافي حول ما إذا كان ينبغي للشركات المصنعة اختراع جهاز تنفس جديد أو إعادة توجيه مصانعها لتصنيع تصاميم موجودة. وفي غياب مواصفات تشغيل واضحة، ولدت الشركات مجموعة من الأفكار، فشل أغلبها في تلبية المواصفات القياسية لوحدات العناية المركزة. ولم يحصل تصميم دايسون على الموافقات الطبية، وأُنهِي العقد.

يتعين على القادة أن يخصصوا الوقت ويبذلوا العناية اللازمين لتحديد المواصفات التي يبحثون عنها، حتى يتضح للجميع ما يتعين عليهم أن ينجزوه. ومن الواضح أن وضع هذه المواصفات يساعد في الأغلب على التوفيق بين المجموعات المتباينة حول الهدف المشترك نفسه.

وما دامت المعايير Parameters واضحة، فإن وجود عدد وافر من المساهمين الذين يولدون مجموعة من الحلول الممكنة المختلفة أمرٌ مفيد في الأحوال كلها، لأنه يزيد من فرص نجاح أحد الحلول المُولَّدة. وهذا هو النهج الكلاسيكي المستند إلى ”محاولات متعددة لتحقيق الهدف“ Multiple shots on goal، حيث يكون الهدف واضحاً لكن أفضل السبل لتحقيقه غير مُدرَكَة بعد.

وأخيراً، يتعين على القادة أيضاً أن يتكلموا مع هذه المجموعات المتباينة حول الكيفية التي تساعد بها إسهاماتهم في تحقيق الهدف الأوسع نطاقاً. وتنبئنا الأبحاث التجريبية بأن الموظفين عندما يشعرون بأنهم يشكلون جزءاً من شيء مهم، وعندما يفهمون كيف يساهم عملهم الفردي في تحقيق هذا الهدف، فمن المرجح أن يعززوا أداءهم. وهكذا يؤدي القادة دوراً حيوياً في إنشاء معنى Meaning للعمل وشرحه للآخرىن، كما يحتاجون إلى تكريس الوقت والطاقة للعمل بذلك.

4 أهمية العثور على حل تضفي الشرعيةَ على ما كان ليشكل هداراً بخلاف ذلك، فتسمح بمزيد من التجريب والتعلم. بسبب خطورة الأزمات والشعور بالإلحاح الناشئ منها، ولأن المؤسسات تدرك أن الأزمة صارت الآن مشكلتها الأولى، يغدو القادة أقل قلقاً من احتمالات فشل بعض المحاولات، أو حتى العديد منها، لحل الأزمة. والمجموعات الجديدة غير المتجانسة بمزيجها المتباين من القدرات والموارد صارت لديها حرية الأداء والإبداع واقتراح الأفكار كانت تُرفَض عادة. وفي وقت الأزمات، يكون خطر عدم التوصل إلى حل أعلى من خطر إهدار الموارد على حلول غير ناجحة. وهذا يولِّدُ تسامحاً جديداً مع المخاطر وإعادة تعريف لما قد يُعتبَر هدراً أو فشلاً في بيئة عادية.

من المهم أن نفهم ما نعنيه عادة بالهدر Waste وكيف أدى ذلك إلى التركيز المفرط على الكفاءة في معظم المؤسسات. وفي كثير من الأحيان، تعتبر الموارد الفائضة (ما يطلق عليه الأكاديميون ”الإرخاء“ Slack) مُهدَرَة – وهو ما ينبغي التخلص منه عند تصميم النظام. ونتيجة لذلك، كان التراخي في الأغلب هو هدف أساليب الإدارة مثل منهجية الحيود السداسي Six Sigma ومنهجية الرشاقة Lean. وعند تطبيقها تطبيقا ركيكا، فإن هذه الأدوات تكون مجرد أدوات لتوفير التكاليف بدلاً من توليد القيمة.

إن الحد من الهدر كله أمرٌ جيدٌ إذا كان الهدف الوحيد هو الكفاءة. ولكن إذا كانت هناك أهداف أخرى، مثل الفاعلية أو المرونة أو الابتكار، فإن وجود بعض الإرخاء أمر ضروري جدا إذا كان لفريق ما -أو لمؤسسة ما- أن يتعلم، أو يجرب، ويحقيق النتائج المستهدفة Target outcomes.12Johnson, “Step Up, Step Back.” والحصول على هذه الموارد الاحتياطية يمنحُ الموظفين عند مستويات المؤسسة كلها الوقت والقدرة على التوقف والتأمل والتفكير والتعلم، ومن ثم القدرة على تجربة أساليب متعددة، مع إدراك أن البعض منها سيفشل.

أحد العوامل التي تساعد القادة على تحمل مزيدٍ مما يسمى بالهدر هو أننا في أوقات الأزمات نادراً ما نستخدم أدوات نموذجية لصنع القرار مثل مقارنات القيمة في مقابل المال Value-for money comparisons أو تحليل التكاليف والفوائد Cost-benefit analyses. فهذه ليست ذات مغزى خلال الأزمات. لكن بدلاً من ذلك، وفي ظل وجود هدف واحد، تتحرر المؤسسات من التنافس على الوقت والموارد، ومن الممكن أن تجرب مجموعة من الأساليب من دون الاضطرار إلى تبريرها من الناحية الاقتصادية البحتة.

وفي الأوقات التي لا تمر بأزمات، يتعين على القادة أن ينظروا بجدية إلى الأدوات الإدارية التي يستخدمونها لتبرير تخصيص الموارد للأفكار الجديدة. هل هذه قيود مفرطة تحدّ من عالم الأفكار المحتملة؟ مثلاً، هل يُستخدَم تحليل التكاليف والفوائد لنقول لا للمشروعات الخطرة؟ إن النهج القائم على الإرخاء والخيارات Slack and options من شأنه أن يمكِّن الفِرَق من الانخراط في التجربة، لأنه يؤكد على التعلم والاختيارات حول هدف شديد التركيز.

ويتعين على القادة أيضاً أن يقدروا قيمة هذه المشروعات في مقابل التعلم وتنوع الاختيارات Learning and optionality التي يقدمونها إلى مؤسساتهم – وليس فقط قدرتهم على تحقيق الدخل في الأجل المتوسط. وإسباغ قيمة على تنوع الاختيارات البعيدة الأجل التي توفرها لهم المنتجات أو القدرات الجديدة -بدلاً من الاستثمار في الوظائف القريبة الأجل فقط- يجب أن يُطبَّق أيضا على الاستثمارات في البشر والمنتجات.

ولا شك في أن الإرخاء يكلف المال، ولهذا السبب لا تميز المؤسسات في الأغلب بين الهدر غير المفيد والإرخاء الضروري. فظروف عدم اليقين العميق (كما حدث أثناء انتشار جائحة عالمية) هي وحدها التي تسمح لنا بأن نكون متسامحين مع ما قد نعتبره هدرا للموارد لولا ذلك. لكن إذا نجحتم في التخلص من أي تراخ في النظام في أوقات الرخاء، من المرجح أن تضطروا إلى إنفاق المزيد (بمعنى هدر الموارد) على بناء القدرة للّحاق بالركب في الأوقات العصيبة.

وبدلاً من ذلك، يستطيع القادة عن قصد أن يبنوا التراخي في المؤسسات. فتصمم دولة ما إرخاء في نظام الرعاية الصحية لديها حتى يكون مستعداً للأسوأ. مثلاً، تنفق الحكومة مزيداً من الوقت والمال في تدريب الأطباء، ليس فقط لأداء الوظيفة التي سيؤدونها في أغلب الوقت، بل أيضاً لكي يتمكنوا من العمل في غرفة الطوارئ أو وحدة العناية المركزة إذا لزم الأمر. وهذا الاستثمار في رأس المال البشري الإضافي – إضافة إلى الحاجة الملحة – يجعل نظام الرعاية الصحية في البلاد أكثر مرونة Flexible وأقل هشاشة Fragile حين يواجه الصدمات.

وهناك طريقة أخرى لتوليد الإرخاء – وخفض القلق من الهدر – وهي تتلخص في الاستثمار في العديد من الحلول المحتملة، حتى ولو نجح بعضها فقط. وهذا أشبه بالمستثمرين الذين يدعمون مجموعة متنوعة من الشركات الناشئة العالية المخاطر عندما يكون هناك قدر كبير من عدم اليقين في شأن أي الشركات من المرجح أن تلبي مطالب سوق جديدة لا تزال نامية.

مثلاً، تعمل مؤسسة بيل وميليندا غيتس Bill & Melinda Gates Foundation الآن على تمويل تطوير سبعة لقاحات محتملة لكوفيد-19 بالتوازي، على الرغم من أن إجراء تجارب موازية للقاحات المختلفة بدلاً من اختبارها بالتتابع سيكون على حد تعبير بيل غيتس Bill Gates، ”هدر لبليونين من الدولارات“ من خلال دعم مشروعات اللقاحات الناجحة وغير الناجحة.13I.A. Hamilton, “Bill Gates Is Funding New Factories for Seven Potential Coronavirus Vaccines,” Business Insider, April 3, 2020, www.businessinsider.com.

ويتعين على القادة أن يتقبلوا حقيقة مفادها بأن الفوائد المترتبة على المحافظ الاستثمارية الحقيقية True portfolio – مزيج من الاستثمارات العالية والمنخفضة المخاطر – لن تتحقق إلا إذا كانت أعمال المؤسسة تشمل مبادرات حقيقية عالية المخاطر. ولا بد من أن يكون عدد هذه المبادرات كافياً – وليس فقط مجرد مشروع واحدٍ مفضل أو مشروعين مفضلين – لكي تحظى بفرصة النجاح. وفي عملنا مع القادة، وجدنا أنهم يميلون في كثير من الأحيان تلقائيا إلى الاستثمارات الأقل خطراً التي تنتج تدفقاً نقدياً Cash flow في الأمد القريب، على الرغم من أن هذا يقلل من الخيارات المتاحة أمامهم لتوليد نمو ممتاز في الأجل الأبعد.

وأخيرا، لابد أن يكون القادة من أنصار الإرخاء في مؤسساتهم. ويتعين عليهم أن يسوقوا الحجة لصالح ذلك، وأن يذكروا الموظفين بأن الإرخاء لا ينشئ حاجزاً ضد الأزمات فحسب، بل ينشئ أيضاً الظروف التي يستطيع الموظفون أن يتعلموا فيها، وأن المؤسسة تكون في الإجمال مكاناً أقل عرضة للمخاطر وللهشاشة. وبالنسبة إلى المبادرات التي لا تحقق النجاح، يتعين على القادة أن يشرحوا للموظفين كيف أن الفشل جزء متأصل – بل حاسم في واقع الأمر – من العملية.

5 لأن الأزمة مؤقتة فقط، فالمؤسسة قادرة على الالتزام ببذل جهود مكثفة خلال فترة زمنية قصيرة. ليست الأزمات طبيعية، ولا ينبغي للقادة أن يتصوروا أنها كذلك. لكن من المغري على الرغم من ذلك أن نرى الجهد الهائل الذي قد يكون من الممكن بذله أثناء الأزمات، وأن نتساءل كيف قد تتمكن أي مؤسسة من دعم هذا الجهد. فالإجابة السريعة هي أنها غير قادرة على العمل بذلك، ولا ينبغي لها أن تحاول. لكن كما كانت الحال مع الظروف الأربعة السابقة، هناك بعض السبل التي يستطيع بها القادة توليد ظروف مشابه Proxy conditions قد تؤدي إلى أزمة، استناداً إلى فهم الكيفية التي قد يتمكن بها الموظفون من التكيف أثناء هذه الفترات.

والسبب الأول لكون بذل هذا الجهد الضخم ممكنا هو أن الأزمات تكون عادة مقيدة بزمن. وتحديد موعد نهائي Deadline لنهاية الوضع الاستثنائي يُمكِّن الجهود الجبارة المطلوبة خلال هذه الفترة على نحو لن يكون ممكناً ببساطة إذا كنا نعتقد أن الوضع لا بد من أن يستمر إلى ما لا نهاية.

وكما أن التكلفة البشرية العاملة على مواجهة الأزمة واضحة، فإن الفوائد المترتبة على الجهود المكثفة التي تُبذَل في الوقت المناسب معروفة تماماً. ويساعد وجود موعد نهائي (سواء كان موعد ماراثون، أم اختبار نهائي، أم مسابقة على جائزة الإبداع) في تضخيم الجهود. وتؤكد تجربتنا في هاكثونات الابتكار التي تمتد إلى 48 ساعة ومعسكرات التدريب Boot camps لأسبوع واحد في برامج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology على هذه النتيجة: عندما يكون هناك موعد نهائي، وعندما يعلم الموظفون أن لديهم وقت محدود فقط لبذل كل الجهد، يكون الجهد الذي يمكنهم حشده هائلاً.

كذلك تساعد المواعيد النهائية على تنفيذ مشروعات أطول وأكثر صعوبة. ومن بين الأمثلة على ذلك عملنا مع وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة Defense Advanced Research Projects Agency (اختصارا: الإدارة (DARPA التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية. فقد دأبت الإدارة DARPA في السابق على استخدام المنح التقليدية Grants لتوليد أفكار جديدة، بدأ برنامج الإدارة DARPA في أوائل العقد الأول من القرن الحالي باستخدام مجموعة من الأهداف المحددة بوضوح وموعد نهائي للسباق لدفع الابتكار بسرعة أكبر. وكانت واحدة من أكثر مبادرات المؤسسة نجاحاً هي تحدي الفرق لتصميم مركبات ذاتية القيادة قادرة على إكمال مسار عبر صحراء نيفادا وبنائها بحلول تاريخ محدد مسبقاً عام 2004 – وهذا مزيج أنيق بين هدف محدد بوضوح وموعد نهائي.14“The Grand Challenge,” Defense Advanced Research Projects Agency, accessed Aug. 27, 2020, www.darpa.mil. وعجلت النتائج التي توصل إليها هذا المشروع إلى حد كبير في تطوير مركبات ذاتية القيادة لمجموعة واسعة من التطبيقات.

كذلك، فإن شعبية فكرة فترات السباق القصير Sprints واستمراريتها- والتي صارت شائعة الآن في منهج الرشاقة Agile والتفكير التصميمي Design thinking – لا تُظهِر فقط أهمية تقييد نطاق الابتكار بل أيضاً الوقت الذي يتطلبه كل تكرار. وحتى إن كان البعض يتجاهل أهميتها في بعض الأحيان، إلا أن فترات السباق القصير هي جزء بالغ الأهمية من فاعلية منهج الرشاقة Agile إلى هذا الحد. ومن خلال تنظيم العمل (كل تكرار وحلقة تعلم) كفترة سباق قصير وليس كماراثون، تحقق الفرق تقدما أسرع في التوصل إلى النتيجة المستهدفة. ولكن، ستشكل فترات السباق القصير الفردية ماراثوناً، لكن المراحل الرئيسية Milestones القريبة الأجل تُمكِّن من العمل في شكل مكثف لأنها تمكن من الحفاظ على التحفيز والطاقة على مدى الفترة الأطول.15T. Amabile and S.J. Kramer, “The Power of Small Wins,” Harvard Business Review 89, no. 5 (May 2011): 70-80.

ويتعين على القادة أن يعملوا على تصميم وتيرة مناسبة للإبداع في غير أوقات الأزمات، ومن المرجح أن يحدث ذلك على مدى إطار زمني أطول كثيراً. وهذا يتطلب من القادة ترجمة أولوية الدرجة الأولى إلى مقاييس للنتائج البعيدة الأجل Long-term outcome metrics (في الأغلب من ثلاث إلى خمس سنوات) ثم تقسيم الجدول الزمني إلى سلسلة من المراحل الرئيسية القريبة الأجل (ربع السنوية أو نصف السنوية). وتساعد هذه المراحل الرئيسية القريبة الأجل الموظفين على تقييم التقدم على طول الطريق، فتولد تبصرات حول ما يفعلونه نسبة إلى ما كان متوقعاً حتى يتمكن الفريق من تصحيح المسار حسب الحاجة. وتساعد هذه المراحل الرئيسية القريبة الأجل الموظفين أيضاً على الحفاظ على حماستهم للهدف البعيد الأجل، لأن التقدم يبدو أكثر مباشرة وحقيقية، وهذا جزء مهم من الحد من التعب.

ويتعين على القادة أيضاً أن يشرحوا بوضوح -وباستمرار- كلّاً من الطبيعة البعيدة الأجل للهدف ومدى ما أُحرِز من تقدم نحو تحقيق المراحل الرئيسية. ومن خلال التأكيد على أن الغرض من المراحل الرئيسية هو قياس التقدم والتعلم (على نحو أشبه برصد قطع المراحل في السباق القصير)، تستمر الفرق بالتجريب والتعلم على مدى فترة زمنية أطول.

والسبب الثاني وراء قدرة الموظفين على العمل بكثافة أثناء الأزمات هو أن القادة يظلون مكبّين على مشكلة الدرجة الأولى إلى أن تُحَل. وبهذا، يحفز القادة حماس الموظفين للمشروع وتفاعلهم معه. وعلى النقيض من هذا، في حين تبدأ دورة الإبداع العادي في غير أوقات الأزمات بشعورٍ بالإثارة وبعصف ذهني، إلا أن ذلك يتبدد بسرعة بالغة متى ما وصل الفريق إلى مرحلة أصعب من التصنيع والاختبار والقياس. ببساطة، إنشاء ظروف مشابهة لظروف الأزمة قد يتطلب من القادة أن يظلوا مشاركين في تحدي الأعمال وأن يظلوا مهتمين بها من أجل الحفاظ على الزخم والإثارة والحماسة للإبداع من البداية إلى النهاية إلى أن تنجح المؤسسة. وسيكون لزاماً عليهم أن يكونوا على استعداد لمواصلة الحديث عن الاستراتيجية نفسها والنتائج المستهدفة نفسها على مدى أشهر أو سنوات عديدة.

في عملنا مع كل من قادة القطاعين العام والخاص على مدى أشهر من عام 2020، رأينا كيف مكنت أزمة كوفيد-19 أشكالاً جديدة من الإبداع على نطاق وسرعة لم يكن العديد من هؤلاء القادة يعتقدون بأنهما ممكنين. ويتلخص التحدي الآن في استيعاب هذه الدروس في بيئة ما بعد الأزمة من دون أن فقدان جوهر هذه الدروس. ونحن نعتقد أن القادة، من خلال فهم الظروف التي تولدها الأزمات، يستطيعون أن يخلقوا ظروفا مشابهة لظروف الأزمة تجعل الإبداع أكثر سهولة وأكثر ترجيحاً – حتى في غياب حالة طارئة.

إلزبيث جونسون Elsbeth Johnson

إلزبيث جونسون Elsbeth Johnson

(@elsbeth_johnson)
محاضرة كبيرة في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Sloan School of Management وزميلة زائر في مدرسة لندن للاقتصاد London School of Economics.

فيونا موراي Fiona Murray

فيونا موراي Fiona Murray

(@fiona_mit)
أستاذة ريادة الأعمال والعميدة المساعدة للإبداع والاندماج في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث تدير مبادرة الإبداع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Innovation Initiative. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62205.

المراجع

المراجع
1 H. Omer and N. Alon, “The Continuity Principle:
A Unified Approach to Disaster and Trauma,” American Journal of Community Psychology 22, no. 2 (April 1994): 273-287.
2 A. Tversky and D. Kahneman, “Availability:  A Heuristic for Judging Frequency and Probability,” Cognitive Psychology 5, no. 2 (September 1973): 207-232.
3 D. Kahneman and A. Tversky, “Prospect Theory: An Analysis of Decision Under Risk,” Econometrica 47, no. 2 (March 1979): 263-291; and A. Tversky and D. Kahneman, “The Framing of Decisions and the Psychology of Choice,” Science 211, no. 4481 (January 1981): 453-458.
4 Elsbeth Johnson has termed this the Drama Delusion, and it particularly affects leaders in larger and older companies. See E. Johnson, “The Four Delusions of Leadership,” Dialogue Review, May 15, 2020, https://dialoguereview.com.
5 “Virtual Health: Now You Can Get Medical Care From Your Home,” Hartford HealthCare, April 16, 2020.
6 N. El Hennawy, “COVID-19: Telehealth Businesses Set to Grow During Pandemic,” Zawya, June 9, 2020, www.zawya.com.
7 E. Johnson, “Step Up, Step Back: How to Really Deliver Strategic Change in Your Organization” (London: Bloomsbury Business, 2020).
8 L. Eisenstadt, “How Broad Institute Converted a Clinical Processing Lab Into a Large-Scale COVID-19 Testing Facility in a Matter of Days,” Broad Institute, March 27, 2020, www.broadinstitute.org.
9 R.L. Martin, “The Big Lie of Strategic Planning,” Harvard Business Review 92, no. 1-2 (January-February 2014): 78-84; and D. Sull, S. Turconi, C. Sull, et al., “Turning Strategy Into Results,” MIT Sloan Management Review 59, no. 3 (spring 2018): 9-20.
10 D. Rock, H. Grant, and J. Grey, “Diverse Teams Feel Less Comfortable — and That’s Why They Perform Better,” Harvard Business Review, Sept. 22, 2016, https://hbr.org.
11 P. Stokes, “Crossing Disciplines: A Constraint-Based Model of the Creative/Innovative Process,” The Journal of Product Innovation Management 31, no. 2 (October 2013): 247-258.
12 Johnson, “Step Up, Step Back.”
13 I.A. Hamilton, “Bill Gates Is Funding New Factories for Seven Potential Coronavirus Vaccines,” Business Insider, April 3, 2020, www.businessinsider.com.
14 “The Grand Challenge,” Defense Advanced Research Projects Agency, accessed Aug. 27, 2020, www.darpa.mil.
15 T. Amabile and S.J. Kramer, “The Power of Small Wins,” Harvard Business Review 89, no. 5 (May 2011): 70-80.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى