أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
قيادةموارد بشرية

حين يفشل التعاون وكيف نصلحه

يمكن للقادة تشخيص الخلل الوظيفي للفريق من خلال البحث عن ستة أنماط مشتركة.

كانت بيث متحمسة عندما سألها رئيسها التنفيذي CEO عما إذا كانت مستعدة لتولي مشروع تسويقي عالي المستوى — من المتوقع أن يضاعف عوائد شركة التكنولوجيا السمعية البصرية في العقد المقبل من الزمن ويعمل على تنويع عروضها. وستحل محل قيادي مرموق كان على وشك مغادر المؤسسة. وكان المشروع متعثرا، لكنه كان لا يزال في أيامه المبكرة، وكانت الإيجابيات المحتملة مذهلة حقا. وقبلت بيث التكليف في الحال.

وفي أسبوعها الأول، أجرت بيث بعض الأبحاث. ووجدت أن المشروع ممول بالكامل ويعمل فيه 64 شخصاً اختيروا بعناية من إدارات في مختلف أنحاء الشركة، بما في ذلك الهندسة والتسويق والتمويل وضمان الجودة. ووُضِعت ثلاثة مسارات أعمال Work streams متزامنة، تركزت على الأبحاث وتطوير المنتجات والتسويق والمبيعات، وعُيِّن قيادي يحظى باحترام كبير لكل من هذه المسارات.

لكن بعد 10 أشهر، كان المشروع متأخراً إلى حد كبير عن الجدول الزمني Schedule وعالقا في مساره. وكان كل من تحدثت معه بيث محبطاً بسبب بطء وتيرة التقدم. وكانوا جميعاً يشيرون بأصابع الاتهام، لكن في اتجاهات مختلفة. وكان الرئيس التنفيذي يعتقد أن المشكلة كانت في فشل القيادة في مجالات العمل الثلاثة. وألقى رئيس المشروع المستقيل باللوم على أعضاء الفريق لعدم تخصيص وقت كافٍ للمشروع. وقال أحد أعضاء الفريق إن المشكلة تكمن في سوء إدارة الاجتماعات؛ وقال عضو آخر إن القرارات الرئيسية لم تُتَّخذ في الوقت المناسب.

ماذا ينبغي أن تفعل بيث؟ تعيين قادة جدد لمسارات العمل؟ إعادة إطلاق المشروع؟ إعادة هيكلة المجموعة أم العمل؟ إضافة مزيد من الأشخاص إلى فريق المشروع؟ جدولة مزيد من الاجتماعات أو توفير منصة عمل عبر الإنترنت؟

من السابق للأوان الجزم. في هذه المرحلة، جلّ ما تعرفه بيث هو أن هذا المشروع عبارة عن جهد تعاوني حاسم لنجاح المؤسسة وأن الجهود تكاد تفشل.

قد تنشأ الإخفاقات التعاونية من مجموعة متنوعة من الظروف. وفي بعض الأحيان تكون منسوجة في نسيج المجموعات منذ تشكيلها، ربما لأن الحوافز التي تدفع أعضاء الفريق لا تتواءم كما ينبغي مع المهمة، أو أن سلطة اتخاذ القرار لم تُحدّد كما ينبغي. وفي بعض الأحيان تتطور المجموعات ويتفاعل أعضاؤها، كما يحدث عندما تتوسع المجموعة إلى أبعد من حدود هيكلها، أو يُلقى على عاتقها عدد كبير من الأولويات.

وهذه المشكلات خبيثة ومتفشية. ففي نهاية المطاف، يتزايد تحول الأعمال إلى تكون أعمالا تعاونية. وتوصلت الأبحاث التي أجراها معهد إنتاجية الشركات Institute for Corporate Productivity إلى أن 40% من المؤسسات العالية الأداء (أي تلك التي تتفوق في نمو الإيرادات والربحية وحصة السوق مقارنة بمنافسيها على مدى خمس سنوات) تتحول بـ”درجة عالية أو عالية جدا“ من الوظائف التقليدية إلى مشروعات متعدد الوظائف Cross-functional project تعتمد على العمل الجماعي.1“The Three A’s of Organizational Agility: Reinvention Through Disruption,” Institute for Corporate Productivity, April 2018, https://www.i4cp.com. وإضافة إلى ذلك، تكتسب الاتجاهات التي تدعم مزيداً من التعاون وتوجهه زخماً، بما في ذلك الاستخدام المتزايد لمنهجيات رشيقة Agile methodologies، وتخفيف طبقات التسلسلات الهرمية De-layering of hierarchies، واعتماد الأدوات والتقنيات الرقمية، والتحولات العارمة نحو العمل عن بعد استجابة لكوفيد-19.

ومن ناحية أخرى، يواجه المزيد والمزيد من القادة تحديات مثل بيث من دون فهم شامل للأسباب الكامنة وراء ذلك أو معرفة بمجموعة الأدوات الضرورية للتعامل مع هذه الأسباب. وفي استطلاع الاتجاهات العالمية لرأس المال البشري الذي أجرته ديلويت Deloitte عام 2019، حدد 65% من المستجيبين الذين يقرب عددهم من 10 آلاف مستجيب التحول من التسلسلات الهرمية الوظيفية إلى النماذج المؤسسية المتمركزة حول الفرق Team-centric والمستندة إلى الشبكات Network-based باعتباره ”ذي أهمية“ أو ”بالغ الأهمية“. وعلى الرغم من ذلك اعتقد 7% فقط من المستجيبين بأن مؤسساتهم ”على مستعدة تماما“ لتنفيذ التحول إلى النماذج المستندة إلى الشبكات، وأن 6% فقط من المستجيبين رأوا أنفسهم ”فاعلين جدا“ في إدارة الفرق المتعددة الوظائف.2E. Volini, I. Roy, J. Schwartz, et al., “Organizational
Performance: It’s a Team Sport,” Deloitte, April 11, 2019, www2.deloitte.com.

تسلط أبحاثنا الضوء على الأسباب معاناة المجموعات. وعموما، يطلق القادة العنان لفرقهم من دون تحديد الشروط اللازمة لدعم التعاون. وإضافة إلى ذلك، عندما تنهار الجهود التعاونية، فإن القادة يعتمدون على التدخلات التقليدية التي ربما لا تتعامل مع الطبيعة الحقيقية لمشكلاتهم.

والعواقب واسعة النطاق. فالفشل التعاوني يؤدي إلى إعاقة أداء المؤسسة والموظفين وإنتاجيتهم.3R. Cross, R. Rebele, and A. Grant, “Collaborative
Overload,” Harvard Business Review 94, no. 1
(January-February 2016): 74-79.
 وهو ينشئ عقبات أمام الابتكار، ويعوق توليد الأفكار وتنفيذها على حد سواء.4R. Cross and R.J. Thomas, “Driving Results Through Social Networks: How Top Organizations Leverage Networks for Performance and Growth” (San Francisco: Jossey-Bass, 2008). ويؤدي إلى تآكل مشاركة الموظفين — ما يساهم في الضغط والحمل الزائد والإرهاق.5R. Cross, A. Edmondson, and W. Murphy, “A Noble Purpose Alone Won’t Transform Your Company,”  MIT Sloan Management Review 61, no. 2 (winter 2020): 37-43; R. Cross, S. Taylor, and D. Zehner, “Collaboration Without Burnout,” Harvard Business Review 96, no. 4 (July-August 2018): 134-137; and G. Ballinger, R. Cross, and B. Holtom, “The Right Friends in the Right Places: Understanding Network Structure as a Predictor of Voluntary Turnover,” Journal of Applied Psychology 101, no. 4  (April 2016): 535-548.

ولكن قبل أن يتمكن قادة مثل بيث من تخفيف Mitigate العواقب، يتعين عليهم أن يُحدّدوا الأسباب بدقة. وإلى أن يحدث ذلك سيصيب أي حل أو يخطئ – أو الأسوأ من ذلك، قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

وباستخدام تحليل الشبكات المؤسسية organizational network analysis (اختصارا: التحليل ONA) لدراسة المجموعات في الصناعات والمناطق الجغرافية المتباعدة، حددنا أنماط ترابط الشبكات Network connectivity والممارسات التعاونية المرتبطة بالفرق والوحدات العالية الأداء.6A. Crocker, R. Cross, and H. Gardner, “How to Make Sure Agile Teams Can Work Together,” Harvard Business Review, May 15, 2018, https://hbr.org; and R. Cross, T. Davenport, and P. Gray, “Collaborate Smarter, Not Harder,” MIT Sloan Management Review 61, no. 1 (fall 2019): 20-28. وكشف هذا البحث أيضاً عن ستة أنماط من الخلل الوظيفي التعاوني التي تؤثر سلبيا في الأداء.

وتسببت النماذج النمطية الستة المختلة في تقويض الأداء في 88% من المؤسسات الـ66 التي درسناها في كل من مرحلتي هذا البحث. ولكي نفهم هذه الأنماط فهما أفضل، قابلنا 100 من قادة الجهود التعاونية في 20 شركة كبرى.7The interviewees work in the consulting, consumer products, financial services, health care, hospitality, insurance, life sciences, manufacturing, and software industries. وفي هذا الموضوع، نستعرض ما تعلمناه عن أنواع الخلل الوظيفي، وعدد من الدوافع التي تولّد هذه الأنواع، ومجموعة مختارة من العلاجات للتعامل مع هذه الأنواع.

التعاونالخلل الوظيفي رقم 1: شبكات المحور والأطراف

تحتاج المجموعات إلى قادة رسميين وغير رسميين، لكنهم يكونون في بعض الأحيان السبب الرئيسي في تقويض التعاون. وتكشف خرائط تحليل الشبكات المؤسسية ONA maps التي تُظهِر غلبة الروابط التي تتدفق عبر قادة أي مجموعة أو خبرائها عن نمط مختل نسميه شبكات المحور والأطراف Hub-and-spoke networks. وفي هذا النمط تميل المحاور إلى خنق أداء المجموعة. وقد تعرقل الابتكار بفعل تقييد تدفق المعلومات والموارد بين الأطراف أو بسبب توليد غرف صدى Echo chambers، حيث تحصل الأفكار التي تتدفق عبر المحور على درجة لا مبرر لها من الوزن الإيجابي. كذلك قد تتحول محاور القيادة المحملة حملاّ زائداً إلى عنق زجاجة يتسبب في اختناقات، الأمر الذي يؤدي إلى إبطاء وتيرة العمل لأن المحاور لا تتمكن من اتخاذ القرارات في الوقت المناسب والتحول في نهاية المطاف من إدارة الفاعلة Proactive إلى إدارة ردة فعل Reactive.

وكثيراً ما تنشأ أنماط المحور والأطراف عند تشكيل مجموعات جديدة للتعامل مع المبادرات الاستراتيجية أو في أوقات التغيير، مثل عمليات الاندماج Mergers وإعادة التنظيم Reorganizations. فإحدى اللاتي أجرينا معهن مقابلات، وهي نائبة للرئيس في إحدى شركات التأمين، وجدت نفسها في هذا الموقف حين صارت قائدة لمجموعة جديدة تتألف من 80 عضواً في إدارة الشؤون المالية. وجرى تجميع المجموعة بسرعة من خلال الجمع بين عدة فرق موجودة مسبقاً ومتباعدة جغرافياً. وسرعان ما خضعت لضغط لتقديم الخدمات على نطاق واسع في مختلف أنحاء المؤسسة. ولكن لم يعد هناك متسع من الوقت لدمج الفرق، ولم تتغير هياكلها وعملياتها لاستيعاب حجمها المشترك الجديد. وهكذا صارت نائبة الرئيس المحورَ المركزيَّ لشبكة المجموعة الجديدة- كما يفترض في العادة.

وتذكرت قائلة: ”كان الجميع يعملون في فرق عمل معزولة، وكان كل فريق يعمل بطرق مختلفة – وبعضها نجح، وبعضها لم ينجح. ولم يكن هناك شيء اسمه ‘نحن’ أو مصلحة في تغيير الطرق المختلفة التي كانت الفرق تعمل بها، لأن كل فريق كان يعتقد أنه كان يعمل بالفعل بطريقة مثالية. وفي هذه الأثناء، كان كل فرد يعتمد عليّ في كل ما يتعلق بالتنسيق واتخاذ القرار. لذلك، فقد كانت أيامي مليئة باجتماعات فردية. كان الأمر صعباً “.

ومن الممكن أيضاً أن تنبع من النموذج النمطي للمحور والأطراف عادات وسلوكيات يصعب التخلص منها. فالأنا وذهنية الأمر والتحكم من الممكن أن تدفع القادة إلى إنشاء هذا النمط من خلال الإدارة الدقيقة Micromanaging، والتدخل في المواقع التي لا تتوفر لديهم خبرة حقيقية فيها، أو تكديس المعلومات واتخاذ العديد من القرارات بأنفسهم. ويمكن أن يعتمد أعضاء الفريق اعتمادا مفرطا على القادة أيضاً. وكثيراً ما نرى هذا عندما يكون الموظفون مكيفين لعدم المخاطرة، أو طلب الموافقة على أصغر القرارات. والمفارقة أن الأمر يمكن أن يحدث أيضاً حين ”ينقذ الموقف“ قادة ذوو ذهنية خدمية Servant-minded leaders بوتيرة أكبر مما ينبغي ويقع أعضاء الفريق في عادة عدم التقيد بإنجاز التعهدات Commitments. وتكون هذه السلوكيات بصورة خاصة إذا صارت جزءاً لا يتجزأ من الثقافة المؤسسية. فالعادات الثقافية التي تبالغ في فارق القوة Power differential بين القادة وأعضاء المجموعات قد تزيد من المخاوف من الفشل، وتدفع الموظفين إلى البحث عن موافقة القادة باستمرار، ونتيجة لذلك كله يُحبط التعاون.

أما “استجابة ردة الفعل” لإصلاح شبكات المحور والأطراف فكثيراً ما تعيد هيكلة المجموعة أو تتبنى تكنولوجيا جديدة لتيسير التواصل Communication. ولكن إذا كانت السلوكيات توجه الخلل الوظيفي، فإن التغيير السلوكي مطلوب في مثل هذه الحالات. فعندما تولت إحدى القياديات مؤخرا مجموعة جديدة لتطوير المنتجات في إحدى شركات الخدمات الطبية، اصطدمت بثقافة قائمة على الخوف أنشأها سلفها، وسرعان ما لاحظت ظهور نمط المحور والأطراف: وكانت الفرق الصغيرة داخل المجموعة تدير كل شيء بالرجوع إلى القيادة نفسها – فقد كانت تخشى الاضطلاع بأي حركة من دون مدخلات منها. وعلى هذا عقدت سلسلة من ورش العمل للمجموعة بالكامل، وعقدت مناقشات فردية One-on-one مع كل موظف من ذوي النفوذ داخل مختلف الفرق الفرعية. ودرست هذه الجلسات والمحادثات السلوكيات التي تؤدي إلى الخوف مثل انتقاد الأفكار بطرق أدت إلى إضعاف معنويات أعضاء الفريق (”هذه فكرة سيئة“) والأنماط غير المنتجة التي أنشأتها هذه السلوكيات (مثلاً، عدم التواصل مع أعضاء الفريق في شكل استباقي لحل المشكلات). وشجعت الاجتماعات الفردية الأفراد على خوض المخاطر وأكدت لهم أن القائدة الجديدة كانت تعمل في شكل مختلف و”هكذا حصلتُ على تأييدهم“. وناقشت المجموعة بكاملها سبل أن يكون كل فرد مسؤولا عن الأعراف البناءة لحل المشكلات وافتراض النوايا الحسنة، وشجعت القائدة حتى أصغر الموظفين على مساءلتها في كل خطوة من خطوات المسار. وإضافة إلى ذلك، ركزت المجموعة على مجموعة محددة من السلوكيات التي تبعث الحماس في الفرق ووافقت على المشاركة الجماعية في هذه التفاعلات الإيجابية.8R. Cross, W. Baker, and A. Parker, “What Creates Energy in Organizations?” MIT Sloan Management Review 44 no. 4 (summer 2003): 51-57.

وفي الأغلب تؤدي العناصر الهيكلية Structural elements للفرق والمؤسسات — الطرق التي نُعرِّف بها الأدوار وحقوق اتخاذ القرار والإجراءات — إلى توليد المشكلات السلوكية والثقافية الموضحة أعلاه أو تفاقمها، ما يؤدي إلى نشوء محور يعيق التعاون. ومن الممكن أن تعمل الأنظمة الداعمة -ولاسيما أنظمة التصنيف Rating systems وخطط التعويضات Compensation plans – على تشجيع الاعتماد المفرط على محور القيادة.

وفي كثير من الأحيان، يُمنح قادة المجموعات الجديدة حقوقا كبيرة تسمح لهم باتخاذ القرارات ويعتمدون على الولاية الاستراتيجية Strategic mandate وعمليات إدارة الأداء Performance management processes لتحفيز الموظفين على المواءمة مع أهدافهم. وتساعد هذه الآليات على ضمان إنشاء الفريق على النحو الصحيح. لكن بمجرد تمكن أعضاء المجموعة من الوقوف على أرض صلبة، ولاسيما عندما تبدأ المجموعات بالنمو إلى أحجام أكبر، من الممكن لإجراءات كهذه أن تعمل على إبطاء عمل الشبكات من دون ضرورة لذلك. ولتعزيز التعاون، يجب على القادة تقليص مشاركتهم بمجرد رؤيتهم الدليلَ على قدرة أعضاء الفريق على حل المشكلات باستقلالية متزايدة. بدأ أحد الشركاء في شركة استشارية مالية، أعادت تنظيم أكثر من 50 مكتباً في 11 مجالاً، بالعمل شخصياً بمراجعة الأعمال الجديدة كلها وقرارات التوظيف في مجاله والموافقة عليها. ولكن بمجرد أن بدأت المكاتب بثبات باتخاذ القرارات المتعلقة بتطوير الأعمال والتوظيف، والتي تعكس احتياجات المؤسسة بكاملها، وليس فقط مجالاتها، غير الشريك حقوق اتخاذ القرار – بمنحها إلى مديري المكاتب – وخرج من العملية حيثما كانت مساهمته المباشرة لا تضيف قيمة.

التعاون

الخلل الوظيفي رقم 2: العُقد المحرومة

في كثير من الأحيان، نرى خرائط تحليل شبكات مؤسسية ONA حيث تُوهَن بعض الروابط بين العُقَد Nodes أو لا تكون موجودة بالكامل. ويُعزَل الأشخاص الذين يشغلون العقد ذات الرابط الضعيف عن المجموعة: وربما لا يحصلون على الموارد التي يحتاجون إليها لأداء عملهم أو الفرص نفسها للمساهمة في المجموعة مثل التي يحصل عليها زملاؤهم الأفضل ربطاً. ونتيجة لهذا لا يكتمل العمل بالقدر الذي ينبغي له من الكفاءة، ولا تُستخدم الخبرة التي يتمتع بها أعضاء الفريق المنعزلون الاستخدام الأمثل. وأسمينا هذا النموذج النمطي من التعاون المختل العُقد المحرومة Disenfranchised nodes.

فقد يكون أعضاء المجموعة محرومين لأسباب مختلفة. وفي بعض الأحيان، يعتبرهم قادتهم أو زملاؤهم أطرافاً خارجية لأنهم جدد على المجموعة أو لأنهم مختلفون عن أعضاء المجموعة الآخرين. وفي بعض الأحيان، كما رأينا في كثير من الأحيان مع العاملين عن بعد والموظفين المتعاقدين، يُقطَع الرابط بهم بحكم وضعهم داخل المجموعة أو بسبب موقعهم الفعلي.

وعندما نظر مدير من الإدارة العليا في الإدارة المالية لشركة استشارية عالمية في مجال الكفاءة الاستراتيجية والتشغيلية شاهد هذا الخلل الوظيفي بوضوح عندما انضم إلى فريق توسع أخيراً من مجموعة واحدة تتألف من 40 عضواً في فريق يعملون في موقع مشترك إلى 140 عضواً موزعين على أربعة مواقع. وفي البداية، بذل قادة المجموعة جهداً متضافراً لإيجاد روابط بين أعضاء الفريق وإشراكهم في اتخاذ القرارات عن طريق الجمع بين الجميع من أجل اجتماعات تُعقَد كل شهرين واجتماعات اجتماعية. لكن في نهاية المطاف، تبين أن التكلفة والوقت اللازم للاجتماع شخصياً بشكل منتظم كانت مرهقة، واستُعِيض عن الاجتماعات بمكالمات جماعية. وبعد ذلك تضاءلت الدعوات إلى نصف ساعة قبل أن إلغائها تماماً. ويذكر المدير قائلاً: ”بدأ العديد من أعضاء الفريق، لأننا كنا نعمل مع عملاء فرديين وفي مواقع العملاء، بالشعور بأنهم مقاولون فرديون أكثر من شعورهم بأنهم جزء من هذه الممارسة. ووضعتُ نفسي في معسكر ’المحرومين‘“.

وفي هذه الحالة، كانت المسافة المادية والزمنية هي الدافع الرئيسي للخلل الوظيفي. وتصدى لها قادة الإدارة المالية من خلال التواصل أولاً مع أعضاء الفريق لفهم الأسباب التي دفعتهم إلى الشعور بأنهم محرومون من حقوقهم. وبعد ذلك بدؤوا بتكريس مزيد من الوقت للتفاعل مع أعضاء الفريق الأفراد، الاتصال هاتفيا في شكل أكثر انتظاما والتماس آرائهم، واستأنفوا جدولاً زمنياً منتظماً، حتى وإن كان أقل تكراراً، لاجتماعات الفريق الفعلية. ويشرح المدير قائلاً: ”لم يكن الأمر كما لو أن الموظفين كانوا في حاجة إلى تغيير جوهري في عملهم اليومي. وعند التفكير في الماضي، فمن المدهش أن نعرف كم هو الفارق الذي أحدثته هذه التغيرات، لأنها كانت تغيرات صغيرة نسبياً“.

يمكن لسلوكيات القيادي، فضلاً عن الظروف الأخرى، مثل المطالب المرهقة وتضارب القيم، أن تجبر أعضاء الفريق على اختيار عدم التعاون – وهذا نوع من الحرمان الطوعي Voluntary disenfranchisement. وفي حالات كهذه، ينبغي أن تستهدف التدخلات أعضاء الفريق. مثلاً، لضمان الاستماع إلى الجميع بانتظام، يستطيع القادة مناقشة ترتيب الفريق Scrums يوميا، بحيث يقول أعضاء الفريق جميعاً بإيجاز كيف يجري عملهم، وما إذا كانوا ممنوعين من الوصول إلى أي شيء، وما إذا كانوا بحاجة إلى مساعدة. وأخبرنا أحد قادة إحدى شركات التصنيع بأنه اتخذ هذا النهج لمنح المحرومين مزيداً من الصوت. ويقول: ”يربط الموظفون بين مواضيع العمل وخارج العمل بطرق تساعدهم على الثقة ببعضهم البعض، ويعثرون أيضاً على الطرق التي ينبغي لهم من خلالها العمل معاً. وساعد هذا الهيكل حقاً على انتشال الموظفين الذين كانوا ينجرفون إلى الخلف“.

التعاون

وإضافة إلى بناء المشاركة في الأجراءات Process والأدوار Roles، ينبغي على القادة إعطاء أعضاء الفريق فرصاً متعددة لتقديم ملاحظاتهم وتقييمهم للأمور. وتستخدم رئيسة مجموعة تطوير في شركة مستحضرات صيدلانية بيولوجية مجموعة متنوعة من المحافل لجمع الملاحظات، بما في ذلك الاجتماعات نصف السنوية، ووجبات الغداء الفردية مع قادة ناشئين، والاجتماعات نصف الأسبوعية مع مجموعات صغيرة من أعضاء الفرق. وتشرح قائلة: ”أتلقى معظم أشكال الملاحظات، وأنا أبحث دوماً عن فكرة أو إصلاح أستطيع تنفيذه في غضون 24 ساعة. وهذا من شأنه أن يحدث فارقاً كبيراً“.

التعاون

ونحن نطلق على هذا النوع من النماذج النمطية العقد غير المتوائمة Misaligned nodes. أخبرنا نائب مدير عام في إحدى شركات البرمجيات بأنه ”عانى معاناة شديدة“ مع فِرَق فنية سيئة المواءمة في القطاع الهندسي. ويشرح قائلاً: ”لدينا فرق مختلفة في بلدان مختلفة تعمل على المشكلات نفسها تقريباً وبالمهام نفسها، لكنها ترفع تقاريرها إلى جهات مختلفة في الشركة. وكنا تلقائياً ننظر إليهم، ومن دون قصد، كمنافسين“.

التعاون

الخلل الوظيفي رقم 3: العقد غير المتوائمة

عندما لا يترابط الأفراد والفصائل داخل شبكة ما، يكون ذلك في كثير من الأحيان بسبب ما يتعرض لخ أعضاء الفريق من معاناة في محاولتهم إنشاء قيمة Create value من نقاط تقاطع مهارات فنية أو اهتمامات وظيفية متباينة. والأسوأ من ذلك قد يبدو أنهم يتفقون على الغايات Goals والأهداف Targets عندما يكونون معاً (إما الجلوس معارضين بصمت أو نظرهم إلى الأغراض Objectives من وجهات نظر متضاربة من دون علمهم) ثم ينطلقون إلى العمل بطرق متباينة.

وقد تشبه خرائط تحليل الشبكات المؤسسية ONA للشبكات التي تواجه أنواعاً كهذه من المشكلات المدارس الثانوية، حيث ينقسم الطلبة إلى مجموعات لا ترتبط ببعضها البعض. وفي كثير من الأحيان، تظهر هذه العُقد داخل المجموعات المرتبطة ببعضها البعض ارتباطا جيدا لكنها غير مرتبطة جيداً أو غير مرتبطة، بالمرة، بالمجموعات الأخرى.

ومن غير المستغرب أن تنشأ توترات تنافسية، الأمر الذي أنشأ سوء مواءمة بنيوي أدى إلى تقويض التعاون. وحاول نائب المدير العام حل المشكلة بوضع مدير يدير الفرق، لكن ذلك أضاف إلى التوتر فحسب؛ فقد تسبب في إنشاء خلل وظيفي من نوع المحور والأطراف، كما انزعج أعضاء الفريق من ضرورة تقديم كل قرار إلى شخصية ذات سلطة أبوية. كذلك حاول نائب المدير العام إعادة تنظيم الفرق، لكن مشكلات الملكية Ownership عبر الأعمال والوحدات الجغرافية أحبطت هذا الحل — كان حلاً سابقاً لأوانه.

وفي هذه الحالة، كان عدم المواءمة راجعاً إلى دوافع هيكلية، مثل تصميم الأدوار Role design، وكيفية توزيع حقوق اتخاذ القرار Decision-rights allocation، والحوافزIncentives. ومن حسن الحظ أن نائب المدير العام لم يستسلم. فقاد مجموعته عبر عملية جماعية لمناقشة المهمة Mission، والولاية Mandate، وتحديد الغايات Goal definition، بمساعدة استشاري خارجي. ويقول: ”اتفقنا على كل ما يعنينا كفريق، وما الذي ينبغي لنا أن نهتم به – ولماذا – وما ينبغي لمجموعتنا أن تبدو عليه. وبعد أن أنجزنا الهندسة الأساسية، تحولنا إلى تعيين الأشخاص في أدوار وفرق. وكان هذا بسيطاً إلى حد كبير من الناحية المفاهيمية Conceptually، ولكن تأثيره كان تحويلياً؛ لأنه سمح لنا بتجاوز العقبات التي كانت تفرقنا“.

ومن الممكن أيضاً أن يكون عدم المواءمة مدفوعاً بنقص الوعي بالقدرات التي يقدمها أشخاص آخرون والقيمة التي يمكن إنتاجها من خلال العمل الجماعي. ويعمل رئيس قسم الموارد البشرية في شركة عالمية لمنتجات الطعام لتعزيز هذا الوعي في فرقه الوظيفية بطرق متعددة. مثلاً، في بداية كل أسبوع، يمر هو ومرؤوسيه المباشرين حول “مرطبان النجاح” الذي يحتوي على ورق لاصق تكتب عليها ملاحظات تسجل نجاحات الأسبوع الماضي من دون تخصيص فضل فردي. ويقرأ كل عضو من أعضاء الفريق بدوره إحدى الملاحظات. وتؤكد هذه الممارسة الأسبوعية على الكيفية التي تفيد بها الجهود التعاونية التي يبذلها الفريق المؤسسة، وتلقي الضوء على الخبرات الجماعية التي تقدمها المجموعة، وتوفر التعزيز الإيجابي للتعاون من خلال الاعتراف بالنجاحات المشتركة. ويعقد هذا المسؤول التنفيذي دوريا ”أيام ابتعاد عن العمل“ Away days للفريق بالكامل، تمزج بين الأنشطة التعليمية وأنشطة بناء الفريق وبين الأنشطة الترفيهية التي تهدف إلى بناء الروابط.

التعاون

الخلل الوظيفي رقم 4: العقد المُثْقَلة

وفق الاعتقاد الافتراضي السائد بين العديد من القادة ”كلما كان التعاون أكبر كان أفضل“، لكن الإفراط في التعاون من الممكن أن يؤدي إلى جمود المشروعات تماماً على غرار التعاون الأقل مما ينبغي. فالمطالب المفرطة الملقاة على عاتق أعضاء الفريق قد تؤدي إلى عدم القدرة على إكمال العمل، وعدم كفاءة اتخاذ القرار، وارتفاع مستويات الحلول الوسط Compromise. ومن الواضح أن هذا كله يقف عائقاً أمام الإنتاجية. ولكنه يتسبب أيضاً بتفكيك الروابط والإرهاق، وما يترتب على ذلك من أضرار لرفاه الموظفين وصحتهم. فقد كُشِف أن التعاون المفرط مؤشر مهم على الدوران الوظيفي الطوعي Voluntary turnover في عدد من المؤسسات التي درسناها في أبحاث أخرى.9Cross, Davenport, and Gray, “Collaborate
Smarter, Not Harder”; R. Cross, T. Opie, G. Pryor,
et al., “Connect and Adapt: How Network Development and Transformation Improve Retention and Engagement in Employees’ First Five Years,” Organization Dynamics 47, no. 2 (July-September 2018): 115-123; and Ballinger, Cross, and Holtom, “The Right Friends.”
 ويُسمَّى هذا النموذج النمطي من الخلل الوظيفي التعاوني العقد المُثْقَلة Overwhelmed nodes.

وواجهت إحدى المسؤولات التنفيذيات لإدارة قنوات التسويق Channel management executive في إحدى شركات الطيران العالمية هذه المسألة عندما بدأ الحمل الزائد للاجتماعات بخفض عدد أعضاء فريقها. وهي تتذكر قائلة: ”تشتت الجميع بين اجتماعات كثيرة، ووصلنا إلى نقطة كانت هناك أعداد مفرطة من الموظفين في اجتماعات متعددة“. وفي نهاية المطاف، كشفت ورشة عمل أُجرِيت لتحليل حِمل الاجتماع الذي أجراه الفريق أن 30 إلى 40% من الوقت الذي كان أعضاء الفريق يقضونه في الاجتماعات كان غير ضروري.

وفي هذه الحالة، كانت المشكلة مدفوعة بأدوار ومعايير المسؤولية Accountability parameters ضعيفة التعريف. وقللت المسؤولة التنفيذية للتصنيع من المطالب التعاونية على أعضاء فريقها من خلال تبسيط حضور الاجتماعات. وتقول: ”حددنا عدد اجتماعات أعضاء فريقنا بتلك الضرورية فقط لتحقيق أهدافنا. وقرّرنا من يجب أن يحضر كل اجتماع ولماذا كان من الضروري أن يكونوا حاضرين“.

ومن بين الأسباب الشائعة الأخرى للعقد المــُثـــْقَلَة هو النمو Growth. فعندما تنجح المجموعات، فإنها تتوسع في الأغلب. لكن في النهاية يتجاوز نموها هياكلهَا وعملياتها. وتشير المقابلات التي أجريناها إلى أن هذا يبدأ عندما تتجاوز عضوية المجموعة الأرقام الفردية ويكون الأمر إشكالياً حقاً عندما تصل المجموعات إلى 20 شخصاً أو أكثر.

ويشرح المدير العام لشؤون الهندسة في شركة لتصنيع المعدات قائلاً: ”في الماضي، كان لديّ بعضُ فرق المشروعات الخاصة التي بدأت مع أربعة أو خمسة أشخاص. وعندما يكون الفريق صغيراً، يميل إلى إلى اتخاذ القرار في شكل تعاوني جدا. ولكن عندما تحاول توسيع نطاق هذه المجموعة إلى 120 شخصاً في غضون 18 شهراً، تكتشف أنه من المستحيل التوصل إلى رأي بالإجماع من قِبَل هذه المجموعة في شأن أي موضوع تقريباً. وتجد أن عملية اتخاذ القرار التعاوني تصبح غير فاعلة نهائيا، وتبدأ برؤية موظفين يقطعون ارتباطهم بالفريق. ويمكنك أن تحاول التحول إلى نموذج مستند إلى الأولوية حيث يحدد القادة الأولويات، ويبلِّغون عن الإنجازات، ويقيسون مؤشرات الأداء الرئيسية Key performance indicators، لكن ذلك سيجرح مشاعر الكثير من الموظفين الذين لا يُدعَون إلى التعاون ويُستَثنون من اجتماعات الفريق“. ولجعل التحولات اللازمة لإدارة النمو أكثر قبولاً، يشمل المديرُ العام الآن أعضاءَ الفريق في مبادرات إعادة التنظيم. فهو يختار مجموعة تمثل أعضاء الفريق ويعمل معهم لتحديد الأخطاء التي تحدث مع الفريق وكيفية التعامل مع مشكلاته.

وقد يكون نمط العقد المـُـثــْقَلَة نابعا أيضاً من مبالغة القادة في تقدير قدرة أعضاء الفريق أو الاستهانة بالوقت اللازم للعمل التعاوني – حتى على الرغم من تمضية 85% أو أكثر من وقت أغلبية الموظفين في أنشطة تعاونية.10Cross, Rebele, and Grant, “Collaborative Overload.” وقد يساهم أعضاء الفريق أيضاً في نشوء مثل هذا الخلل الوظيفي من خلال محاولة تولي ما هو أكثر مما يمكنهم التعامل معه، وذلك بدافع من أسبابهم الخاصة— مثل الرغبة العميقة في المساعدة أو الحاجة إلى الإنجاز أو مكانتهم في موقع العمل أو التحكم. والخوف من قول لا للقادة وعادات الإجابة بنعم الشائعة في مكان العمل دوافع شائعة أيضاً.

وفي العديد من الحالات، فإن تحليلات حمل العمل Workload analytics ومقاييسه Metrics الفاعلة لعلاج الخلل الوظيفي قد تمنح القادة رؤية أوضح لمقدرة الجميع. وفي غياب هذه التحليلات والمقاييس قد يخفى على القادة حمل المطالبة بالمزيد من المهام. وقد تبدو المهمة (أ) والمهمة (ب) متشابهتين من حيث العبء على ورقة ملاحظات لاصقة أو خطة مشروع. ولكن المهمة (أ) قد تتطلب التنسيق بين أربع وظائف، وثلاث مناطق زمنية، وقياديين ذوي أولويات مختلفة، في حين لا تشتمل المهمة (ب) إلا على قِلة من الأشخاص يعملون في موقع مشترك وتكون علاقاتهم العملية قوية.

وطورت قيادية في شركة للتكنولوجيا بوادي السليكون تصنيفاً من أربع نقاط لوصف مستوى الجهد التعاوني الذي تتطلبه المهمة. وتشرح قائلة: ”لتحديد المستوى، نسأل، ’ما هو مستوى الجهد اللازم لبناء المحتوى؟ وما هو مستوى الجهد الضروري لمشاركته وتعميمه واتخاذ قرارات في شأنه؟‘“. وهي تستخدم التصنيف للتأكد من أن كل فرد في فريقها يمكنه فهم ما يقوم به أقرانه بسرعة، ولديه فهمٌ دقيقٌ لعبء العمل.

التعاون

الخلل الوظيفي رقم 5: الشبكات المعزولة

لا تستمر الشبكات في فراغ، لكننا كثيراً ما نجد فرقاً تعمل من دون وعي أو أدنى اعتبار لسياقها الأوسع. وقد تكون مرتبطة ارتباطا ضعيفا بالأطراف بأصحاب المصلحة أو العملاء الرئيسيين أو قد تكون غير مرتبطة تماماً، فتفتقر إلى الرؤية والموارد والخبرة الخارجية اللازمة لتحديد النتائج المطلوبة وتقديمها في شكل صحيح.11M. Arena, J. Sims, R. Cross, et al., “Groundswell: Tapping the Power of Employee Networks to Fuel Emergent Innovation,” Connected Commons, April 2017, https://connectedcommons.com. وبناء على ذلك، فقد أسمينا هذا النموذج النمطي الشبكات المعزولة Isolated networks. والواقع أن أثر الانعزال Silo effect المعروف جيدا هو نتيجة رئيسية لهذا الخلل الوظيفي التعاوني وتعاني معه العديد من الشركات الكبرى.12G. Tett, “The Silo Effect: The Peril of Expertise and the Promise of Breaking Down Barriers” (New York: Simon & Schuster, 2015). وقال لنا عدة مسؤولين تنفيذيين في شركة كبرى لصناعة السيارات إن مجموعات معزولة داخل الشركة تنشئ عقبات أمام قبول الابتكار وتبطئ عملية اتخاذ القرار في برامج تطوير المنتجات الجديدة.

وفي هذه الحالة، فإن الزج بالفرق وحدهم في القاعات المخصصة لتوليد الأفكار، وفرض مواعيد نهائية قصيرة، أدى إلى عدم تواصل الأعضاء مع المؤسسة ككل للحصول على المعلومات والخبرة الحاسمة لضمان نجاح جهود الابتكار نجاحا شاملا. وفضلاً عن ذلك كانت عمليات الموافقة المفرطة الرسمية والتي تتخذ على مراحل (والمكلفة في نهاية المطاف) سبباً في إبطاء اتخاذ القرارات في شأن الجهود الجديدة الرامية إلى تطوير المنتجات، الأمر الذي جعل الفرق تعمل من دون مدخلات من القيادات لفترات طويلة.

وللتعامل مع الخلل الوظيفي في التعاون، أعاد المسؤولون التنفيذيون في شركة لصناعة السيارات تصميم العمليات لضمان البحث عن الخبرات الخارجية ذات الصلة في الوقت المناسب. وبدلاً من تكثيف تزويد هذه الفرق بالخبراء – وهو حل كان من شأنه أن يؤدي إلى مشكلات أخرى- قدمت القيادة العليا القدرات المطلوبة إلى الفرق كلما دعت الحاجة. بل إن إحدى المجموعات استخدمت ”مكتبة بشرية“ Human library، استعير منها الخبراء حرفياً تقريباً. وفضلاً عن ذلك تدخل متخذو القرار من القيادات العليا في وقت مبكر، فشاركوا في النماذج الأولية Prototypes وليس في الدراسات الهندسية الضخمة والدراسات السوقية التقليدية التي تؤخر اتخاذ القرارات لأشهر. كذلك زُوّدت الفرق بمجموعة من المؤثرين في الشبكات – وليس فقط الخبراء أنفسهم الذين استُدعُوا مراراً وتكراراً – لتشمل الفرق موظفين متحمسين حقاً ”كانوا يعرفون بعمق ما يرمز إليه خط الإنتاج“.13R. Cross, H. Gardner, and A. Crocker, “Networks
for Agility: Collaborative Practices Critical to Agile Transformation,” Connected Commons, March 2019, https://connectedcommons.com.

وفي بعض الأحيان تكون العزلة متعمدة ولا تُمثِّل إشكالية في حد ذاتها. مثلاً، قد تُعزل مبادرات الأعمال ذات الاستقلالية والرشيقة عن المؤسسات الأم والعالم الخارجي بهدف حمايتها من التدخل الخارجي أو تعزيز تركيزها. لكن ما لم تُصمَّم هذه العزلة بعناية، قد تؤدي إلى نتائج عكسية من خلال إنتاج مخرجات Outputs وتبصرات Insights تقدم منفعة محلية فلا تحقق تأثيرات شاملة أكثر قيمة. وفي جوهر الأمر، يحول التفويض الاستراتيجي Strategic mandate المجموعة دون أن تحقق أهمية أوسع مدى، ويعزلها عن المساعدة الخارجية.

كما قد تؤدي تلبية نزوات القادة إلى الخلل الوظيفي المتمثل بالشبكات المعزولة. وتشرح مديرة توظيف المواهب في شركة كبرى للتأمين الصحي قائلة: ”في بعض الأحيان نرى هذا… وعندما تطفو الأفكار إلى السطح للمرة الأولى. وتكون لدى القادة فكرة يتحمسون لها ويعتقدون أنها ستنجح – شيء براق ولامع مثل تكنولوجيا جديدة. وينتهي بنا المطاف إلى السعي وراء تحقيق الأمر من دون التحدث حقاً إلى الأشخاص المناسبين لمعرفة ما إذا كان هذا الأمر يعمل لصالح مؤسستنا أو عملائنا“.

وعمل المسؤولون التنفيذيون في الشركة لعلاج هذه المشكلة بالاستعانة بنهج أكثر صرامة في تطوير الأفكار – نهج يتضمن بعض مبادئ التفكير التصميمي Principles of design thinking. وتقول: ”قبل أن نبذل جهداً لتحسين تجربة عملائنا، فإننا ننفق بعض الوقت في التحدث عنها مع عملائنا. ولا نعتمد الأفكار قبل أن نضمن أنها ستنجح في القطاعات المختلفة من أعمالنا“.

التعاون

الخلل الوظيفي رقم 6: الحمل الزائد للأولويات

في الشبكات المثلى Optimized networks، صارت الحدود بين المجموعة والعالم الخارجي قابلة للاختراق. وتُحدَّد الأولويات بالتشاور مع أصحاب المصلحة الخارجيين وتُعتمَد وفق قدرة الشبكة. وهذا لا يضمن مواءمة المجموعة مواءمة صحيحة مع بقية المؤسسة فحسب، بل يضمن أيضاً قدرتها على تحقيق أهدافها بكفاءة وفاعلية. 

لكن هناك مشكلة مرتبطة بالحدود القابلة للاختراق: كلما كانت المجموعة أكثر انفتاحاً على أصحاب المصلحة، تعاظم تعرضها للمطالب المفرطة من قبلهم. وعندما تحاول المجموعات الاستجابة للعديد من أصحاب المصلحة ذوي الاحتياجات والأطر الزمنية المتنافسة، تجازف بالوقوع في شكل من أشكال الخلل الوظيفي التعاوني الذي نطلق عليه اسم الحمل الزائد للأولويات Priority overload. وبمجرد أن تكون المجموعة محملة حملاً زائداً بهذه الطريقة، سيغفل أعضاء الفريق عن مهمتهم وأولوياتهم العليا – ونتيجة لذلك، قد ينسون أهم مخرجات Deliverables الفريق المهمة أو تجاهلها. وبينما يجدون صعوبة متزايدة في التوفيق بين المطالب المتنافسة، يتدهور مستوى تنفيذهم للمهام وأدائهم، وتعاني مشاركتهم ورفاههم من الحمل الزائد من الأعمال.

أما المسبب الآخر لخلل الشبكات المعزولة؛ فهو التركيز المفرط على الخبرات أو القيم الداخلية. إذ حدد رئيس مركز التميّز Center of excellence في شركة تأمين الصحي أخرى هذه المشكلة في مؤسسته: “لدينا فريق واحد لتحسين الإجراءات Process-improvement team وهو نموذج لثقافة الفريق الواحد، لكن القيمة القوية لا تمتد لتشمل التواصل أو التعاون مع مجالات أخرى في المؤسسة. فالأعضاء يتصورون أنهم يقومون بعمل عظيم، إلا أنهم مقتصرون على مجموعتهم الصغيرة”. ولعلاج هذه الحالة، أشرك الرجل الفريق، ولاسيما قياديه، في مبادرات أخرى لتحسين الإجراءات. ويشرح قائلاً: ”نقدم لهم مجالا لرؤية المزيد مما يجري خارج الفريق، لذلك فهناك فهم أفضل لنقاط الاتصال الخارجية مع ما يحدث داخل الفريق“.

كثيراً ما يتفاقم تحدي تجنب الحمل الزائد للأولويات بسبب التطلعات الشخصية والقيم الثقافية. ويمكن للذهنية الخدمية والرغبة في “مجرد قول نعم” أن تفاقم المشكلة. وعبور طلبات المطالب كلها من خلال عملية لتحديد الأولويات يخلق فاصلا سيكولوجيا ويسمح بالتقييم غير المتحيز.

وأخبرنا الرئيس التنفيذي للمعلومات CIO في شركة المنتجات الغذائية المذكورة أعلاه بأن الضغوط ذات الأولوية هي حقيقة ثابتة في مجال عمله. وقال: ”لدينا مجموعة شديدة المطالب من أصحاب المصلحة. فهم جميعاً يرون أنهم أكثر أهمية من الشخص التالي. وللأسف لا يمكننا أن نقول فقط، ‘حسناً، سنضع مطالبكم كلها في جدول زمني للمشروعات وسننجز وفقه’. والحقيقة هي أن معظم أموال العالم والوقت كله لا تستطيع التغلب على التعقيد الذي ينطوي عليه تنفيذ بعض هذه الطلبات“.

وينشأ الحمل الزائد للأولويات في الأغلب عن مجموعة من المسائل: الافتقار إلى التنسيق بين أصحاب المصلحة المتبايني المصالح؛ وعدم القدرة على فهم عبء العمل الخاص بالمطالب (المهام وأثر العمل التعاوني)؛ والأطراف المعنية التي تتقدم بطلبات غير مدروسة جيدا؛ ولكن، كان قادة المستوى الأول هم الذين يوافقون على الطلبات كلها، لأن الاستجابة كانت بالغة الأهمية لنجاحهم حتى الآن. وعندما تحدثنا معهم للمرة الأولى، قال الرئيس التنفيذي للمعلومات: ”في الوقت الحالي، لا تمثل أصحاب المصلحة مشكلتي في واقع الأمر؛ بل إن قادة الفريق هم الذين لا يفهمون كيف يستجيبون للطلب بطريقة منطقية“.

ولمساعدة قادة الفرق على تحديد الأولويات، بدأ الرئيس التنفيذي للمعلومات عقد جلسات تدريب خاصة. ويقول: ”نحن نحدد الأطراف المعنية الرئيسية، ونناقش كيفية تحليل المطالب، ونفكر في الميزانية والموارد اللازمة لتلبية هذه المطالب. ثم نناقش كيف نفسر الأمر لأصحاب المصلحة عندما لا يمكن للفريق تلبية مطلب من المطالب“.

ولتجنب الحمل الزائد للأولويات في المقام الأول، يتعين على القادة أن يطلبوا من أصحاب المصلحة ترتيب طلباتهم وفق أولويتها لهم قبل عرضها على الفريق؛ كما ينبغي لهم أن يشرحوا ما تنطوي عليه هذه الطلبات والنظر في قدرة الفريق على تلبية هذه الطلبات. ويحقق بعض القادة هذا من خلال حمل أصحاب المصلحة على الجلوس في غرفة واحدة وتمكينهم من توزيع المهام -في شكل جماعي- بكتابتها على أوراق ملاحظات لاصقة ووضعها فوق خط مرسوم يحدد قدرة الفريق أو تحته. وتميل هذه العملية إلى تصحيح حجم الطلبات المقدمة إلى الفريق. والأمر الأكثر أهمية هو أن هذا يساعد أصحاب المصلحة على التعرف على الكيفية التي يمكنها بها الجمع بين ”مطالب“ متنوعة لتحقيق أفضل النتائج. ومن الممكن المواءمة بين المطالبات سرعة من خلال المنتديات الافتراضية القصيرة باستخدام برمجيات التصويت.

‹تحدي تجنب الحمل الزائد للأولويات› كثيراً ما يتعقّد بسبب التطلعات الشخصية والقيم الثقافية. ويمكن للذهنية الخدمية والرغبة في ”مجرد قول نعم“ أن تفاقم المشكلة. وعبور طلبات المطالب كلها من خلال عملية واحدة لتحديد الأولويات يخلق فاصلا سيكولوجيا ويسمح بالتقييم غير المتحيز.

ويمكن أن يساعد الاستدلال البسيط Simple heuristics أعضاء الفريق على فهم معايير الطلب، ومن ثم تقييم الطلبات تقييما أفضل. ومن الأمثلة على ذلك مصفوفة اثنين في اثنين التي توزع الطلبات وفق التأثير Impact والجهد Effort. وهناك مثال آخر من شركة لتطوير البرمجيات أبرمت اتفاقية مشتركة لتحسين السرعة والتشغيل لكل إصدار جديد. وأخبرنا أحد المديرين قائلاً: ”تتلخص الفكرة في أنكم تستطيعون تدوير مفتاح ارتفاع الصوت Volume knob حتى المستوى 11 لإحدى الوظيفتين… ولكن ليس لكلتيهما… عند تقديم الطلبات. وباستخدام مثل هذه اللغة فقط غيرنا تماماً ما كان يشكل مسألة نزاع مع بعض أصحاب المصلحة في كثير من الأحيان“.

إن العمل آخذ على نحو متزايد للتحول إلى عملٍ جماعي. ولكن الهياكل والثقافات والممارسات في العديد من الشركات تجعل التعاون داخل الفرق وفيما بينها أمراً بالغ الصعوبة. وتكشف الدوافع المتعددة للاختلال الوظيفي التعاوني عن أوجه القصور التي تشوب الحلول القياسية مثل عمليات إعادة التصميم النظامية Formal redesigns (مثل ”الامتدادات“ Sans و”الطبقات“ Layers)، واستخدام الأدوات التعاونية Collaborative tool، والهوس الحالي بمنهجيات الرشاقة Agile methodologies التي كثيراً ما لا تؤدي الغرض المطلوب لأنها تفترض حلاً متكاملاً يناسب الجميع. وبفهم كيفية ظهور أشكال الخلل الوظيفي الستة الموضحة أعلاه والتعرف على الوظائف الموجودة في شركتكم، ستكونون على المسار الصحيح لإنشاء مكان عمل تعاوني حقيقي.

روب كروس Rob Cross

روب كروس Rob Cross

(@robcrossnetwork)
أستاذ كرسي إدوارد إيه مادن Edward A. Madden Professor للقيادة العالمية في كلية بابسون Babson College والباحث الرئيس للتحالف البحثي العالمي المشاعات المرتبطة Connected Commons.

إنغا كاربوني Inga Carboni

إنغا كاربوني Inga Carboni

أستاذة مشاركة في السلوك المؤسسي في مدرسة ريموند إيه ماسون للأعمال Raymond A. Mason School of Business في كلية وليام وماري College of William & Mary. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62207.

شكر وتقدير

تلقى المؤلفان الدعم والتمويل للأبحاث التي يستند إليها هذا الموضوع من مركز موارد الابتكار للموارد البشرية Innovation Resource Center for Human Resources.

المراجع

المراجع
1 “The Three A’s of Organizational Agility: Reinvention Through Disruption,” Institute for Corporate Productivity, April 2018, https://www.i4cp.com.
2 E. Volini, I. Roy, J. Schwartz, et al., “Organizational
Performance: It’s a Team Sport,” Deloitte, April 11, 2019, www2.deloitte.com.
3 R. Cross, R. Rebele, and A. Grant, “Collaborative
Overload,” Harvard Business Review 94, no. 1
(January-February 2016): 74-79.
4 R. Cross and R.J. Thomas, “Driving Results Through Social Networks: How Top Organizations Leverage Networks for Performance and Growth” (San Francisco: Jossey-Bass, 2008).
5 R. Cross, A. Edmondson, and W. Murphy, “A Noble Purpose Alone Won’t Transform Your Company,”  MIT Sloan Management Review 61, no. 2 (winter 2020): 37-43; R. Cross, S. Taylor, and D. Zehner, “Collaboration Without Burnout,” Harvard Business Review 96, no. 4 (July-August 2018): 134-137; and G. Ballinger, R. Cross, and B. Holtom, “The Right Friends in the Right Places: Understanding Network Structure as a Predictor of Voluntary Turnover,” Journal of Applied Psychology 101, no. 4  (April 2016): 535-548.
6 A. Crocker, R. Cross, and H. Gardner, “How to Make Sure Agile Teams Can Work Together,” Harvard Business Review, May 15, 2018, https://hbr.org; and R. Cross, T. Davenport, and P. Gray, “Collaborate Smarter, Not Harder,” MIT Sloan Management Review 61, no. 1 (fall 2019): 20-28.
7 The interviewees work in the consulting, consumer products, financial services, health care, hospitality, insurance, life sciences, manufacturing, and software industries.
8 R. Cross, W. Baker, and A. Parker, “What Creates Energy in Organizations?” MIT Sloan Management Review 44 no. 4 (summer 2003): 51-57.
9 Cross, Davenport, and Gray, “Collaborate
Smarter, Not Harder”; R. Cross, T. Opie, G. Pryor,
et al., “Connect and Adapt: How Network Development and Transformation Improve Retention and Engagement in Employees’ First Five Years,” Organization Dynamics 47, no. 2 (July-September 2018): 115-123; and Ballinger, Cross, and Holtom, “The Right Friends.”
10 Cross, Rebele, and Grant, “Collaborative Overload.”
11 M. Arena, J. Sims, R. Cross, et al., “Groundswell: Tapping the Power of Employee Networks to Fuel Emergent Innovation,” Connected Commons, April 2017, https://connectedcommons.com.
12 G. Tett, “The Silo Effect: The Peril of Expertise and the Promise of Breaking Down Barriers” (New York: Simon & Schuster, 2015).
13 R. Cross, H. Gardner, and A. Crocker, “Networks
for Agility: Collaborative Practices Critical to Agile Transformation,” Connected Commons, March 2019, https://connectedcommons.com.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى