أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
إبداعاخترنا لكقيادة

العامل الرئيسي المهمل للقيادة عبر الفوضى

المديرون الذين يركزون على تطوير قدرات الفهم يمكنهم اتخاذ قرارات أفضل في عالم معقد وغير متوقع.

ديبورا أنكونا –  ميشيل ويليامز –  جيسيلا جيرلاتش

اطلب إلى مسؤولين تنفيذيين سرد بعض سمات القادة العظماء، ومن المحتمل أن يوردوا الرؤية أو الصدق أو القدرة على تنفيذ التغيير من بين هذه السمات. ونادراً ما تُذكر إحدى القدرات الحاسمة التي يحتاج إليها القادة أكثر من غيرها في الأوقات المضطربة: صنع الفهم [استخلاص المعنى من التجربة الجمعية] Sensemaking، أي القدرة على إنشاء خرائط لبيئة معقدة وتحديثها من أجل العمل بشكل أكثر فاعلية ضمن نطاقها.

وتنطوي عملية صنع الفهم على تجميع وجهات نظر متباينة لإنشاء فهم معقول للتعقيدات المحيطة بنا ومن ثم اختبار هذا الفهم لصقله أو، إذا لزم الأمر، التخلي عنه والبدء من جديد.1D.G. Ancona, “Sensemaking: Framing and Acting in the Unknown,” in “The Handbook for Teaching Leadership: Knowing, Doing, and Being,” ed. S. Snook, N. Nohria, and R. Khurana (Thousand Oaks, California: Sage Publications, 2011), 3-20. وجرى الاعتراف بأن صنع الفهم أمر حيوي لنجاح المؤسسات وبقائها منذ أن قدم كارل ويك Karl Weick هذا المصطلح عام 1979.2K.E. Weick, “The Social Psychology of Organizing,” 2nd ed. (Reading, Massachusetts: Addison-Wesley, 1979). وهو ضروري للابتكار وحاسمٌ في تطوير فرق ومؤسسات ذكية.3D.G. Ancona, E. Backman, and K. Isaacs, “Nimble Leadership,” Harvard Business Review 97, no. 4 (July-August 2019): 74-83.

يجب على القادة أن يعرفوا ما يحدث حولهم من أجل دفع المؤسسات إلى الأمام. وحاليا صارت هذه المهمة أصعب من أي وقت مضى، نظراً لمعدل التغير المتزايد في التكنولوجيا ونماذج الأعمال وأذواق المستهلكين؛ وهي الآن أكثر تعقيداً بسبب الجائحة العالمية وما يتصل بها من تبعات اقتصادية وسياسية. مثلاً، تمكن بائعو الأغذية والسيارات وغيرها من السلع الاستهلاكية الذين تمكنوا من فهم أن التحول في طلب المستهلكين لم يكن مجرد استجابة لسلاسل التوريد المعطلة، بل أيضاً الرغبة المتضائلة في التنوع، من تقليص عروضهم وتجربة مزيد من الكفاءة في الإنتاج.4A. Gasparro, J. Bunge, and H. Haddon, “Why the American Consumer Has Fewer Choices — Maybe for Good,” The Wall Street Journal, June 27, 2020, www.wsj.com.

وتبين أبحاثنا أن صنع الفهم هو، في الواقع، مؤشر إلى نجاح القيادة. ومع ذلك، فإن عدداً قليلاً من القادة ينمذجون صنع الفهم أو يطبقونه في مؤسساتهم. ووجدنا أيضا أن معظم المسؤولين التنفيذيين لا يعتبرون حتى صنع الفهم سمة رئيسية لقائد عظيم. (انظر: البحث). ومن بين 1,395 صفة أو سلوكاً ربطها المسؤولون التنفيذيون بالقيادة العظيمة، كان أقل من 4% منها تتصل بصنع الفهم، على الرغم من أن السمات الأخرى المذكورة، مثل أن يكون القائد ذا رؤية أو بانياً للمصداقية، تتطلب صنع الفهم من أجل تفعيلها تفعيلا جيدا.

وعموماً، تظهر البيانات أن صنع الفهم هو العامل الرئيسي للقيادة الفاعلة إلا أنه لا يتجلى في النماذج العقلية التي يضعها المسؤولون التنفيذيون عن القادة العظماء. وهذه مشكلة. فوتيرة التغيير في عالمنا تتزايد تزايدا كبيرا، لكن صنع الفهم – وهو أداة ضرورية للإبحار في هذه المياه المضطربة – غير مرئية، ومقيمة بأقل من قيمتها، وغير مطورة. ولا يفشل القادة في استخدام صنع الفهم استخداما صحيحا فحسب، بل تتجاهل في كثير من الأحيان عند توظيف القادة وتقييمهم وتطويرهم وترقيتهم. ونتيجة لذلك، لا يكون القادة والمؤسسات على قدر الفاعلية التي يمكن أن يكونوا عليها.

ونعتبر النتائج التي توصلنا إليها دعوة إلى العمل. ويجب علينا أن نتحول من افتراض أننا نفهم العالم إلى أن نكون فضوليين ونمارس التجريب، وأن ننتقل من الاعتقاد أن صنع الفهم مطلوب من كبار القادة فقط إلى رعايته عند مستويات المؤسسة كلها. وبدلاً من القفز فوراً إلى الحلول، يجب أن نبدأ بجمع البيانات والتدقيق فيها بحثاً عن الاتجاهات والأنماط التي تشير إلى حلول أفضل؛ وبدلاً من تجاهل علامات التحذير من الفشل، يجب أن نتعلم من الآخرين ما قد تكون تلك العلامات التحذيرية. وهذا ليس الوقت المناسب للعمل بأقل من ذلك في صنع الفهم – فقد حان الوقت لشحن قدرة مؤسستكم على أداء الكثير.

وفيما يلي بعض الطرق لتعزيز صنع الفهم وإضفاء الطابع المؤسسي عليه في مؤسستكم.

غرس عقلية صنع الفهم

تظهر أبحاثنا أن حتى القادة الذين ينخرطون في صنع الفهم لا يعتبرون الأمر نشاطاً قيادياً رئيسياً. ولكن لكي تكون المؤسسات أكثر فاعلية، تحتاج إلى زرع هذه الممارسة في أذهان القادة والموظفين. فالتركيز على التدريس، والنمذجة، وتشكيل الثقافة لتشمل صنع الفهم، سيشجع على استخدام هذه المهارة.

علِّم صنع الفهم Teach sensemaking. رأى قادة عمليات البحث والتطوير في ”تاكيدا“ للمستحضرات الصيدلانية Takeda Pharmaceutical الحاجة إلى تحول استراتيجي كبير للتركيز على عدد أقل من المجالات الإكلينيكية، وأن يكونوا أكثر إبداعاً في تلبية احتياجات المرضى، والتحرك نحو الابتكار الخارجي – أي تحويل المؤسسة إلى التركيز على التعاونات التي تجلب الابتكار من الخارج. وتطلب هذا التحول تغيير طريقة عمل الشركة، وحتى كيف تنظر إلى علم تطوير العقاقير. وهذا التحول لم يمكن أن يحدث فقط داخل حدود تاكيدا. بل تطلب الأمر من تاكيدا أن تتعلم من شركات أخرى وأن تشارك في إدخال تكنولوجيات جديدة إلى صفوفها، والنظر في أفكار جديدة وتركيبات عقارية للمنتجات، وتصور طرق جديدة لتطوير العقاقير واختبارها.

وكجزء من عملية الانتقال، تعاقدت ”تاكيدا“ مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT لإنشاء برنامج قيادي يكون فيه صنع الفهم جزءاً أساسياً من المنهج الدراسي. وبعد تمرين في الفصل الدراسي لتعريف الجميع بالتقنيات، غامرت الفرق في هذا المجال لممارسة مهاراتها الجديدة في صنع الفهم. وكان جزء من الهدف يتمثل بحملها على تبني صنع الفهم كطريقة طبيعية للتفكير والتصرف. ولكي لا تُضيع الفِرَق وقت الموظفين، عملت على مسائل استراتيجية حقيقية. مثلاً، وجد أحد الفرق طرقاً لتحسين التواصل مع المرضى من خلال تطوير بوابة للمرضى. واجتمع أفراد الفريق مع المرضى والتكنولوجيين، من بين آخرين، لتعلم أفضل الطرق للتواصل مع المرضى. وبحث فريق آخر في سبل رقمنة العمليات من خلال التحدُّث إلى المسؤولين التنفيذيين الذين قادوا التحولات الرقمية الناجحة في صناعات أخرى.

وكان هذا النهج للتعلم بالممارسة عابرا للحدود الهرمية والوظيفية والعالمية، ومنح المشاركين الثقة في تقديم الأفكار بجرأة إلى القيادة العليا للبحث والتطوير R&D في تاكيدا. فتمكن أعضاء الفرق بسهولة من دعم ابتكاراتهم المقترحة باستخدام البيانات والأمثلة المستفيضة ونتائج التجارب التي أجروها. وفي النهاية، تقدمت أفكارهم كلها تقريباً إلى الأمام بفضل دعم المشاركين وفريق القيادة العليا.

وعاد المشاركون في البرنامج إلى تاكيدا مفعمين بالإلهام لجعل صنع الفهم جزءاً من روتين حياتهم اليومية ومشاركة هذه المهارة مع الآخرين. ونشر الكثيرون الأخبار من خلال مشاطرة هذه الممارسات مع مجموعاتهم. وبدأ مدير شركة ناشئة داخلية جديدة تخرج من البرنامج المبادرةَ بممارسة صنع الفهم لدى الفريق. وشمل ذلك دراسة أولويات الأطراف المعنية الرئيسية، والتحدث إلى الشركات الناشئة الأخرى، والاقتراب من العمل السريع إزاء التحديات المقبلة. وفي نهاية المطاف، قرر رئيس البحث والتطوير، أندي بلامب Andy Plump، أن فرق المشروعات العالمية الجديدة كلها تحتاج إلى تدريب مماثل.

الأبحاث

أجرى المؤلفون دراستين عام 2015 و2017.

شملت الدراسة الأولى 182 من المسؤولين التنفيذيين لمعرفة ما هي الصفات التي ربطوها بالقيادة العظيمة.

وشملت الدراسة الثانية 649 من المسؤولين التنفيذيين ومديريهم ومرؤوسيهم. واختبرت التحليلات أثر القدرات القيادية في فاعلية القيادة على النحو الذي جرى تقييمه من قبل المرؤوسين والرؤساء.

وباختصار، يحتاج الموظفون إلى معرفة ما هو صنع الفهم، وتجربته من خلال تطبيقه على مبادرات استراتيجية محددة، ومن ثم نشر الممارسة في الشركة.

كن قدوة صنع الفهم Role-model sensemaking. لا يكفي تعليم صنع الفهم؛ بل يجب إبرازه. فالقادة يحتاجون إلى وضع أنشطة صنع الفهم في جدول أعمالهم وممارسة صنع الفهم باستمرار بطريقة علنية جدا. وتتمثل الفكرة بصنع الفهم بالقدوة ليُلْهِم الآخرين لجعله ممارسة يومية. وإحدى القائدات اللاتي عملن معهن، نمذجت فضولها وحماستها للتعلم من خلال الإشارة باستمرار إلى المحادثات التي أجرتها في هذا المجال، مثل دردشة على متن طائرة مع شاعر أو تبصرات جرى جمعها في المؤتمرات التخصصيصة. ويعقد رئيس تنفيذي آخر، يدير شركة عالمية للتكنولوجيا والتصنيع، اجتماعات لكبار القادة العالميين مع عشاء. وخلال ساعة الكوكتيل، يطلب إلى كبار قادة الفرق مشاركة الأخبار عن أعمالهم أو مناطقهم ووصف التحديات والمفاجآت والاتجاهات الأخيرة التي رصدوها. وبحلول وقت بدء العشاء يتمتع الفريق بفهم مشترك للمسائل التي تواجهها الشركة بكاملها، ويمكنه بعد ذلك المشاركة في جلسة صياغة استراتيجية تكون مستنيرة ومدروسة أكثر. وانتشرت ممارسة تقديم مثل الإحاطات بين الأقران Peer-briefing practice هذه في أنحاء المؤسسة كلها.

وينبغي للقادة أن ينمذجوا الضعف Vulnerability أيضاً. فصنع الفهم لا يؤدي أبداً إلى صورة لا تشوبها شائبة لما يحدث أو سيحدث. فالعالم غير مؤكد ويتغير باستمرار، وسيكون لفهمنا دائماً حدود. وفي نهاية المطاف، عليكم أن تتصرفوا وتتعلموا من التجربة (أو التجارب الصغيرة). فصنع الفهم لا يتعلق بتحصيل علوم كلية؛ بل هو يتعلق بالتعلم. وبدورها، تحتاج نمذجة صنع الفهم إلى أن تنطوي على نمذجة عدم الكمال Imperfection والضعف.

صنع الفهم لا يؤدي أبداً إلى صورة لا تشوبها شائبة لما يحدث. فالعالم غير مؤكد ويتغير باستمرار، وسيكون لفهمنا دائماً حدود. فصنع الفهم لا يتعلق بتحصيل علوم كلية؛ بل هو يتعلق بالتعلم.

وفي الواقع، في حين ينخرط القادة في عالم سريع التغير، يعمل الكثيرون بنوع من التفكير القائل: نحن لسنا متأكدين ما الذي ينجح، لكن يجب أن نتغير. لذلك سنجرب أشياء نعتقد بأنها ستنجح من أجل التعلم ومحاولة مواجهة تحديات اللحظة.

تبّنى ثقافة صنع الفهم Foster a sensemaking culture. في بعض الأحيان يقبل القادة صنع الفهم بل يبدؤون بتدريسه ونمذجته، لكن هناك مشكلة: إنهم يعملون في ثقافة غير جاهزة له أو ترفضه رفضاً باتاً. فقد تكافئ الثقافةُ التركيزَ على العمل وحل المشكلات بسرعة بدلاً من الاستماع والتنقيب عن مزيد من البيانات، وتحديد المشكلات، وطرح كثير من الأسئلة، والتفكير فيما جرى تعلمه في الماضي.

وينبغي تشجيع الموظفين على أن يأخذوا وقتاً لفهم الحالات قبل أن يتصرفوا. وينبغي أن يكون القادة في الشركات التي تنتقل إلى صنع الفهم على يقين من عدم إلقاء اللوم على الموظفين (على جميع المستويات) لإضاعة الوقت من خلال طرح الأسئلة أو للحفر أعمق في البيانات. بل إن القادة بحاجة إلى بناء ثقافة لا يشعر فيها الموظفون بالسذاجة عندما يسألون، ”هل قمتم بصنعكم للفهم؟“ و”ماذا تعلمتم؟“

ولترسيخ بيئة منفتحة على الأفكار الجديدة ووجهات النظر العالمية، شجعوا الموظفين والقادة على التعامل مع الأشخاص ذوي النظرة العالمية المختلفة؛ فهذا يتحدانا للتفكير بسلاسة. وتجمع مؤسسات الموظفين معاً في شكل عشوائي ليتحادثوا، أو تعد رحلات تعليمية إلى بلدان أجنبية أو إلى أنواع مختلفة جذرياً من المؤسسات لمساعدة لموظفين على الحفاظ على عقل منفتح.

وحمل الموظفين على تغيير سلوكهم هو أمر صعب، ولهذا السبب يجب تعزيز التغيرات الثقافية عند أعلى المستويات. فعندما صار ساتيا ناديلا Satya Nadella الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت Microsoft، أشار على الفور إلى أن صنع الفهم سيكون جزءاً من الثقافة وأنه يتوقع أن يتصرف الموظفون في شكل مختلف. وفي أول خلوة تنفيذية Executive retreat، كانت سيارات كبيرة طلبها ناديلا تنتظر اصطحاب أعضاء الفريق إلى مواقع العملاء.5H. Ibarra, A. Rattan, and A. Johnson, “Satya Nadella at Microsoft: Instilling a Growth Mindset,” London Business School case no. LBS CS-18-008 (London: London Business School, 2018). وكانت الرسالة التي نقلها هي أن من المهم اقتطاع بعض الوقت لفهم احتياجات العملاء حقاً. وإضافة إلى ذلك، فقد دعى ناديلا الرؤساء التنفيذيين من الشركات التي جرى الاستحواذ عليها أخيراً -والذين لم يكونوا عادة يحضرون اجتماع فريق القيادة العليا- إلى حضور الاجتماعات. وكان لدى هؤلاء الكثير ليعلموه للآخرين؛ فقد استحوذت مايكروسوفت على شركاتها لأنها كانت في طليعة التكنولوجيات والأساليب الجديدة. وخرج المسؤولون التنفيذيون في مايكروسوفت من هذه الخلوة بفهم، أو بخريطة، أعمق وأكثر تحديثاً للعملاء والتكنولوجيات. وأشار ناديلا إلى أنهم يجب أن يُـحدِّثوا خرائطهم باستمرار.

يتطلب توليدُ ثقافةِ صنعِ الفهم لغةً جديدة، إضافة إلى قصص ومحادثات جديدة تحتفل بالموظفين الذين يخرجون ويجمعون البيانات ويضعوا خرائط للواقع الجديد القائم. وينبغي مشاركة الأمثلة الناجحة على صنع الفهم. فبعد التدريب في مجال البحث والتطوير في ”تاكيدا“ تكرر سرد قصص عن أفكار جديدة للتواصل بين المرضى وجلب الأدوية إلى إفريقيا، مع الثناء على الفرق التي جرّبت أدوات برمجية جديدة وبنت روابط جديدة من أجل تحريك المؤسسة في اتجاهات جديدة.

يتطلب توليدُ ثقافةِ صنعِ الفهم لغةً جديدةً، إضافة إلى قصص ومحادثات جديدة تُثني على الموظفين الذين يخرجون ويجمعون البيانات ويضعوا خرائط للواقع الجديد. وشاركوا أمثلة ناجحة على صنع الفهم.

وليس صنع الفهم علماً مثالياً. إنه يتعلق بفهم الواقع المتطور. وهذا هو السبب في أن المؤسسات تتطلب ثقافة داعمة، أو ما تسميه أستاذة مدرسة الأعمال في جامعة هارفارد Harvard Business School إيمي إدمونسون Amy Edmonson السلامة النفسية.6A.C. Edmondson, “The Fearless Organization: Creating Psychological Safety in the Workplace for Learning, Innovation, and Growth” (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2019). فالموظفون يجب أن يشعروا بالراحة في مشاركة الآراء والأفكار من دون خوف من السخرية أو التوبيخ على إضاعة الوقت. وإذا شعروا بأنهم متمكنون وآمنون، فسيقولون ما يقصدونه، ويفكرون في شكل أكثر إبداعاً وديناميكية حول المستقبل الذي يرونه ناشئاً، ويتعلمون العمل مع مجموعة جديدة من الشركاء.

إدماج صنع الفهم في الهياكل التنظيمية

بمجرد أن يبدأ الموظفون باستخدام صنع الفهم، يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الهياكل التنظيمية والإجراءات حتى يكون فاعلاً. وهذا لا يشمل فقط جعله جزءاً من تطوير المنتجات الجديدة بل أيضاً مشروعات التغيير المؤسساتي، والتخطيط الاستراتيجي، وإدارة الأزمات. وإضافة إلى ذلك، فهو ينطوي على تطبيق صنع الفهم في نماذج تطوير القيادة وممارسات الموارد البشرية في الشركة.

اجعل صنع الفهم جزءا لا يتجزأ من إجراءات العمل Make sensemaking an integral part of the work process. طبق التوقع من أن المبادرات كلها يجب أن تتبع هذه الخطوات: تعلم كل شيء عن المشكلة أو التحدي المطروح، ورسم خريطة لتلك المعرفة الجديدة لتشكيل فهم، ثم اختبار هذا الفهم مع التجريب. وإليك كيف يتكشف الأمر.

خمسة أسباب تجعل صنع الفهم غير مرئي

وعادة ما يتقن القادة الفاعلون، في تمكين التغيير خلال الأوقات المضطربة، صنعَ الفهم. ومع ذلك تبين أبحاثنا أن هذه القدرة على القيادة التي تتلخص في فهم المواقف المعقدة والسريعة التغير يجري تهميشها إلى حد كبير من قبل المسؤولين التنفيذيين والمؤسسات. لماذا يحصل ذلك؟ لقد حددنا عدداً من التفسيرات المحتملة.

1 لا يحتل ”صنعُ الفهم“ مرتبةً في النموذج الذهني للقيادة لدى معظم الناس. قد ينخرط القادة في صنع الفهم، والقادة الأكثر فاعلية يفعلون ذلك، لكنهم لا يشيرون إلى ذلك عندما يُسأَلون عما فعلوه لقيادة التغيير. ويبدو أن صنعَهم للفهم غيرُ مرئي حتى لأنفسهم. ونتيجة لذلك، لا يفكرون في مهارات صنع الفهم عند توظيف الآخرين وتطويرهم وترقيتهم. وينسون أنه ضروري من أجل نجاح الفرق والمؤسسات.

2 الصلة بين صنع الفهم وفاعلية القيادة غير مباشرة. تساعد عملية صنع الفهم القادة على فهم ما يحدث حولهم؛ مما يساعدهم بدوره على تصور المستقبل، وإقامة الروابط، وبناء المصداقية، وتنفيذ التغيير – أي أن يكونوا قائدين فاعلين. ولأن تأثير صنع الفهم ليس مباشراً وخطياً، غالباً ما يجري تجاهله عندما يفكر الناس في صفات القائد العظيم.

3 يميل القادة إلى إعطاء الأولوية إلى اتخاذ إجراءات لحل المشكلات. هم أقل ميلاً إلى الذهاب أولاً إلى العملية الأكثر فوضى ومشقة في تحديد الخطوات التالية من خلال تطوير الفرضيات، وجمع المعلومات، والبحث عن الأنماط، وتحقيق قفزات بديهية. واللازمة الأكثر شيوعاً التي نسمعها من المسؤولين التنفيذيين هي، ”لكن علينا أن نتصرف بسرعة. ليس لدينا وقت“. وباختصار، يقدر القادة العمل أكثر من صنع الفهم؛ ما يؤدي إلى اعتبار هذا الأخير غير جدير بالوقت الثمين.

4 بعض القادة لا يفهمون تماماً ما ينطوي عليه صنع الفهم. لدى العديد من الآخرين فكرة مبالغ فيها عن مقدار صنع الفهم الذي يؤدونه في الواقع. وعندما يُسأل القادة في الطبقات التنفيذية عما إذا كانوا يشاركون في صنع الفهم، تكون الإجابة دائماً ”نعم“. ويذهبون إلى القول إنهم يؤدون تحليلاً تنافسياً أو يستمعون إلى العملاء، أو يقولون إن قسم التسويق يخبرهم بما يحتاجون إلى معرفته. ولكن هذا لا يشير إلا إلى فهم سطحي لصنع الفهم ينطوي أيضاً على دراسة الافتراضات، وفهم احتياجات الأطراف المعنية كلها ووجهات نظرها، وتوطيد هذا التعلم، واختباره.

5 قد يرى القادة أن صنع الفهم أمر ضروري للمسؤولين التنفيذيين لكنه أقل أهمية في مجالات أخرى من المؤسسة. ونتيجة لذلك، يفشل كُثُرٌ في دمج صنع الفهم في المؤسسة الأكبر. ومع تزايد إشراك المؤسسات عدداً أكبر الموظفين المبتدئين في قيادة الابتكار والمساهمة في عملية التخطيط الاستراتيجي، سيحتاج هذا التفكير إلى تغيير.

1. التعلم Learn. يجب على فريقك تحديد الأطراف المعنية والخبراء والمحللين والأشخاص جميعاً الذين عملوا من قبل وأي شخص لديه منظور فريد حول هذه المسألة، من داخل الشركة وخارجها. وبعد ذلك يجب على الفريق الحصول على المعلومات ذات الصلة في شكل منهجي وبطريقة أكثر ملاءمة، مثل إجراء المقابلات، ومراقبة كيفية إنجاز الآخرين بأشياء مماثلة في مؤسساتهم، وإجراء دراسات استقصائية ميدانية، وما إلى ذلك. والعامل الرئيسي هو الذهاب إلى ما هو أبعد من فريقكم للبحث عن الجديد من الأفكار، ووجهات النظر، والممارسات للمساعدة على فهم أفضل للمعضلة الراهنة.

وتتبع هذه العملية العديد من الشركات الإبداعية. فعندما صممت آيديو IDEO في بالو ألتو بكاليفورنيا آلة جديدة لبيع مشروبات الصودا، فحص فريقُ التصميم مجموعةً واسعة من الأطراف المعنية – الأشخاص الذين يشترون المشروبات الغازية، ويحمّلون الآلات، ويجمعون النقود، ويستأجرون مساحة للآلات – لمعرفة ما نجح مع التصاميم الحالية، وما لم ينجح، وكيفية تحسينها. أو انظروا في بيكسار Pixar: طلبت الشركة التي صنعت فيلم البحث عن نيمو Finding Nemo حرفياً إلى الموظفين الغوص العميق في الواقع الذي كانوا يحاولون إعادة إنشائه عن طريق إرسالهم إلى دروس للغوص لرؤية الأسماك الاستوائية في موائلها الطبيعية.

2. ارسم خريطة لما تتعلمه Map what you learn. بعد جمع البيانات، ارسم خريطة للنظام أو المشكلة أو التحدي الراهن، ترصد الأنماط الرئيسية، والمواضيع، والدروس المستفادة. وقد تكون الخريطة عبارة عن تقرير أو صورة أو قصة تجمع النتائج الرئيسية من جمع البيانات، بما في ذلك الافتراضات الصحيحة وغير الصحيحة.

وبعد مسح مستخدمي آلة البيع والموردين، صمم فريق آيديو نماذج لآلة جديدة للتأكد من أنهم رصدوا احتياجات الأطراف المعنية كلها.

3. أجرِ تجارب لاختبار ما تعتقدون أنك تعرفه
Run experiments to test what you think you know.
جرب الحلول المحتملة لاختبار الافتراضات وتعلم ما يصلح وما لا يصلح. واجمع البيانات حول ما تظهره التجارب. واستخدم النتائج لتحديث الخريطة، والانتقال من صنع الفهم إلى إنشاء رؤية جديدة أو منتج جديد، أو نشر الابتكار في المؤسسة، أو تكرار هذه السلسلة مرة أخرى إذا لزم الأمر. والعامل الرئيسي هنا هو أن صنع الفهم يمثل نقطة انطلاق للعمل، وليس غاية في حد ذاته.

لقد اتبع فريق في بوهرنجر إنغلهايم للمستحضرات الصيدلانية Boehringer Ingelheim Pharmaceuticals، وهي شركة فرعية في الولايات المتحدة تابعة لبوهرنجر إنغلهايم الدولية Boehringer Ingelheim International، هذه الخطوات كلها في مجال صنع الفهم أثناء محاولة إنشاء ”التكنولوجيا الحيوية داخلياً“. ولانفتاح عقولهم على ما هو ممكن في تطوير العقاقير، تـَحدّث أعضاء الفريق إلى أشخاص في شركات رائدة أخرى في مجال العقاقير والتكنولوجيا الحيوية، ومستشارين في مجال العقاقير، وقادة جهود مماثلة في شركات أخرى ومجموعات أخرى داخل شركتهم. وقال أحد أعضاء الفريق إنه تعلم من خلال عملية صنع الفهم ”عن تطوير العقاقير البديلة في ثلاثة أشهر أكثر مما تعلمه في السنوات العشر السابقة“. بعد ذلك رسم الأعضاء خريطة لما تعلموه. ولم يكن ذلك سوى البداية: وهم الآن يجربون أساليب جديدة تستند إلى فهم محدث للعالم. وتشمل التجارب الأخذ بجداول زمنية وإهداف للميزانية Budget targets أكثر صرامة وأساليب جديدة لتطوير العقاقير.

اغرس صنع الفهم في نماذج القدرة القيادية Embed sensemaking into leadership capability models. يجب أن يظهر صنع الفهم في نماذج القدرة القيادية الخاصة بأنواع القادة كلها عند المستويات كلها، سواء كان المقصود قائداً في ريادة الأعمال، أم قائداً مدرباً، أم مهندساً لمبادرة استراتيجية جديدة. وبمجرد أن يكون صنع الفهم جزءاً من نموذج المؤسسة لفاعلية القيادة، يمكن لبرامج تطوير المواهب عند كل مستوى في المؤسسة أن تتبعها. وينبغي على المؤسسات بعد ذلك أن تنشئ تقييمات جديدة لتنمية القدرات القيادية، والتدريب، والمشروعات التي تؤكد على قدرات صنع الفهم.

ومن خلال إدخال صنع الفهم صراحة في نماذج القدرة القيادية، سيكون المصطلح نفسه جزءاً من اللغة التنظيمية. وسيُعترَف به كعامل مهم في التواصل التنظيمي والمحادثات التدريبية. والواقع أن هذا العمل يضع صنع الفهم في معادلة فاعلية القيادة، مُزيلاً مكانته كعنصر خفي لنجاح القيادة.

ادمج صنع الفهم في ممارسات الموارد البشرية Incorporate sensemaking into human resources practices. بمجرد أن تكون عملية صنع الفهم جزءاً من نموذج القدرة القيادية للمؤسسة، يجب أن تكون معياراً في توظيف الموظفين ومكافأتهم. فالتوظيف من أجل القدرة على صنع الفهم يعني البحث عن الأفراد الذين يتمتعون بشبكة واسعة وقدرة على التواصل مع العديد من الأطراف المعنية والاستماع ورؤية أنماط في التعقيد والتفكير بين الاستقطابات مثل الكفاءة في مقابل الفاعلية، أو السلامة في مقابل الاقتصاد. وتوظيف الأشخاص المنفتحين على الأفكار الجديدة والقادرين على اختبار افتراضاتهم بسرعة يعدُّ أمراً بالغ الأهمية.

التوظيف من أجل القدرة على صنع الفهم يعني البحث عن الأفراد الذين يتمتعون بشبكة واسعة وقدرة على التواصل مع العديد من الأطراف المعنية والاستماع ورؤية أنماط في التعقيد والتفكير بين الاستقطابات مثل السلامة في مقابل الاقتصاد.

وينبغي مكافأة الموظفين للحفاظ على مهاراتهم في صنع الفهم وتنميتها. وقد تأخذ المكافآت شكل الثناء أو التقدير. فقد أنشأ قائد في ”تاكيدا“ جوائز ”التنين“ لأفضل الابتكارات في علم الأورام. وصار الموظفون تنافسيين جدا في حملة للفوز بأحد التنانين المرغوب فيها. ويتمثل جزء أساسي من الحصول على التنين بالإظهار بوضوح أن صنع الفهم مَكّن الفكرة المبتكرة أو المنتج من الظهور. والشركات الأكثر جدية في هذه الممارسة تشمل القدرةَ على صنع الفهم كسمة مطلوبة للترقية.

وفي حين نشهد نمواً هائلاً في المعلومات المتاحة، وتسارعاً في وتيرة التغير التكنولوجي، وزيادة في الترابط، وزيادة في التعقيد، يكون صنع الفهم أكثر أهمية من أي وقت مضى. وهناك حاجة إلى رسم خريطة المشهد المتغير، وفهم واقعنا الحالي، وإعادة رسم هذه الخرائط باستمرار وتحديث هذا الفهم مع تغير الظروف. ولاتخاذ أفضل القرارات وتنفيذها على نحو أكثر فاعلية، تحتاج المؤسسات إلى الاعتراف بصنع الفهم باعتباره قدرة حاسمة وتكثيف الجهود لممارسته من خلال التدريس، والنمذجة، وترسيخه عند المستويات كلها. ونحن نعلم أن صنع الفهم ينجح، حتى ولو كُنَّا في كثير من الأحيان نبدو غير قادرين على رؤية قيمته.

ديبورا أنكونا Deborah Ancona

ديبورا أنكونا Deborah Ancona

الأستاذة المتميزة لكرسي سيلي Seley للإدارة ومؤسسة مركز القيادة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Leadership Center في مدرسة سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Sloan School of Management.

ميشيل ويليامز Michele Williams (@michelewilliamz)

ميشيل ويليامز Michele Williams (@michelewilliamz)

أستاذة مساعدة في الإدارة وريادة الأعمال وزميلة كرسي جون إل ميكلوت John L. Miclot في ريادة الأعمال من جامعة أيوا University of Iowa.

جيزيلا جيرلاش Gisela Gerlach

جيزيلا جيرلاش Gisela Gerlach

أستاذة في إدارة الأعمال وإدارة الموارد البشرية، والتنظيم من جامعة كوبلنز لانداو Universität Koblenz-Landau. للتعليق على هذا الموضوع: https://sloanreview.mit.edu/x/62125.

المراجع

المراجع
1 D.G. Ancona, “Sensemaking: Framing and Acting in the Unknown,” in “The Handbook for Teaching Leadership: Knowing, Doing, and Being,” ed. S. Snook, N. Nohria, and R. Khurana (Thousand Oaks, California: Sage Publications, 2011), 3-20.
2 K.E. Weick, “The Social Psychology of Organizing,” 2nd ed. (Reading, Massachusetts: Addison-Wesley, 1979).
3 D.G. Ancona, E. Backman, and K. Isaacs, “Nimble Leadership,” Harvard Business Review 97, no. 4 (July-August 2019): 74-83.
4 A. Gasparro, J. Bunge, and H. Haddon, “Why the American Consumer Has Fewer Choices — Maybe for Good,” The Wall Street Journal, June 27, 2020, www.wsj.com.
5 H. Ibarra, A. Rattan, and A. Johnson, “Satya Nadella at Microsoft: Instilling a Growth Mindset,” London Business School case no. LBS CS-18-008 (London: London Business School, 2018).
6 A.C. Edmondson, “The Fearless Organization: Creating Psychological Safety in the Workplace for Learning, Innovation, and Growth” (Hoboken, New Jersey: John Wiley & Sons, 2019).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى