أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكاررقمنة

لماذا لا يكون مستقبل الابتكار مفتوحاً (فحسب)

لا يعطي الابتكار مع شركاء خارجيين الشركات أفضلية تنافسية دائماً. بل يجب أن يُوازَن مع جهود داخلية.

نيل سي. تومبسون، ديدييه بونيه، يون يي

قلبت التكنولوجيات الرقمية الجديدة نماذج الأعمال التقليدية Business models والهياكل المؤسسية Organizational structures والعمليات التشغيلية Operating processes في معظم الصناعات. و قد تغير جذرياً كل جانب تقريباً من جوانب الأعمال — العلاقات مع العملاء، وإدارة سلاسل التوريد، وخدمة ما بعد البيع.

ولا يتجلى ذلك في أي مكان أكثر من عمليات الابتكار التي تؤديها الشركات التقليدية التي تقدم الخدمات أو المنتجات إلى المستهلكين مباشرة. وإذ تواجه هذه الشركات منافسة قوية من الشركات الناشئة الرقمية التي تولّد القيمة وتحتفظ بها بطرق جديدة، تحاول معرفة كيفية المواكبة.

وفي حين أن الحاجة إلى الابتكار في العصر الرقمي قد تكون أمرا يسهل اتخاذ القرار بشأنه، فإن الرؤساء التنفيذيين لهذه الشركات ليسوا متأكدين مما إذا كان ينبغي أن تكون عمليات الابتكار مفتوحة Open innovation أو مغلقة Closed innovation أو كلتيهما معا. وبدأ العديد من الشركات التي كانت تعتمد فقط على الابتكار الداخلي بالاستفادة من الابتكار الخارجي للحصول بسرعة على القدرات الرقمية التي تحتاج إليها لعبور التيار المستمر للتكنولوجيات الجديدة. ومع ذلك، لا تمنح دائماً إقامة الشراكات والاستثمار في الشركات الناشئة ميزة تنافسية Competitive advantage؛ ففي كثير من الأحيان، نجد أنه يساعد فقط الشركات على اللحاق بالشركات المنافسة. إن الحاجة إلى اكتساب القدرات بسرعة هي أمر مهم، ولكنه يتعين على الشركات أيضاً أن تواصل الاستثمار في تطوير القدرات الرئيسية داخلياً، حتى ولو استغرق ذلك وقتاً أكثر.

وتشير أبحاثنا إلى أن معظم الشركات يجب أن تعيد التفكير في أنظمة الابتكار لديها وأن تطور محافظ Portfolios توازن بين مصادر الابتكار. ويتعين عليها أن تتعامل مع الابتكار الخارجي باعتباره وسيلة لتوسيع نطاق محافظها، وليس كبديل للابتكار الداخلي. وعندئذ فقط ستتمكن من تنفيذ التحولات Transformations التي ستسمح لها بالفوز بالمستقبل الرقمي.

الأبحاث

شملت الأبحاث التي يعوّل عليها هذا الموضوع والتي أُجرِيت في عامي 2018 و2019، شركات من سبع صناعات في كل من أستراليا والصين وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

وأجرى المؤلفون مقابلات متعمقة مع مسؤولين تنفيذيين في 30 شركة كبيرة في مختلف الصناعات والبلدان للتوصل إلى فهم تفصيلي لممارسات الابتكار وأنظمته.

ثم هيكلوا استطلاعاً، ومن خلال شركة الأبحاث فرونيسيس بارتنرز Phronesis Partners، طبقوا الاستطلاع لتحديد ممارسات الابتكار وأنظمته، واستطلعوا قادة الابتكار في 320 شركة كبرى بإيرادات تزيد على 500 مليون دولار سنوياً وجمعوا البيانات حول 640 مشروعاً ابتكارياً.

التواصل مع شركاء جدد

بدأ يلوح في أفق العديد من الشركات، سواء كانت شركات تتعامل مع المستهلكين أم صناعية، أن التحول الرقمي لا يتعلق فقط بالاستثمار أكثر في تكنولوجيا المعلومات، ورقمنة العمليات، وإنشاء مواقع الويب وتطبيقات الهاتف المحمول والقنوات عبر الإنترنت للتواصل مع العملاء والموردين. ويحسن كل ذلك الكفاءة، لكنه لا يغير نموذج الأعمال. فالتحول الرقمي تغيير أعمق. وهو ينطوي على استخدام تكنولوجيات الموجة الثانية مثل الإنترنت الصناعي للأشياء Industrial internet of things والذكاء الاصطناعي AI وتعلم الآلة Machine learning لإنشاء مصادر جديدة للقيمة Sources of value من خلال ابتكار المنتجات والعمليات. مثلاً، يكتشف المصنعون كيفية استخدام الروبوتات وتعلم الآلة في إدارة الإنتاج وسلسلة التوريد، وتتعلم شركات الخدمات استخدام الواقع المعزز والافتراضي لتحسين التدريب.

أما تحويل الأعمال Transforming a business؛ فهو أمر صعب ومكلف ويستغرق وقتاً طويلاً، لذلك تخصص الشركات مزيداً ومزيداً من الموارد له. وفي عام 2012 أوصى خبراء بإنشاء محفظة ابتكار تخصص %10 من الميزانية لمشروعات تحويلية، و%20 لمشروعات تحويلية معتدلة (تُسمَّى أحياناً مشروعات مؤقتة Adjacent أو كبيرة Substantial)، و%70 المتبقية للابتكار التدريجي. وبحلول عام 2018 أظهرت دراساتنا أن معظم الشركات كانت تركز في شكل مباشر على التحول، إذ استثمرت ما يصل إلى %30 من نفقاتها في المشروعات الكبرى و%35 في مشروعات تحويلية معتدلة. ولم يُنفَق على الابتكار التدريجي سوى %35 من الميزانيات، أي نصف النسبة المئوية الموصى بها في عام 2012.

والأكثر من ذلك، أن %95 من الشركات التي استطلعناها أفادت بأن أنجح مشروعاتها المبتكرة في الماضي القريب كانت أساسا رقمية. وكان هذا العدد لافتاً ليس فقط لأنه كان مرتفعاً جداً لكن أيضاً لأنه كان متشابها جداً في الصناعات كلها.

ومع ذلك، اعترف العديد من المشاركين في الاستطلاع أيضاً بأنهم لا يمتلكون القدرة على تطوير تطبيقات رقمية. وفي أنواع مشروعات الابتكار كلها، أفادت الشركات بأن قدراتها الداخلية لم تكن جيدة مثل قدرات الشركات الرائدة في السوق وذلك خلال %51 من الوقت.أما عندما يتعلق الأمر بالابتكار الرقمي، فإنها لم ترقَ إلى مستوى الشركات الرائدة خلال %81 من الوقت. ولهذا السبب يتطلع العديد من الشركات إلى الحصول على الابتكار من خارج المؤسسة؛ فهي تتوق إلى الوصول إلى القدرات الرقمية والتطبيقات، بسرعة.

وعلى الرغم من أن الشركات تجرب الابتكار المفتوح Open innovation لأكثر من 15 سنة، تكشف بياناتنا عن تحول ملحوظ في السنوات الأخيرة. فقد بدأت الشركات بالبحث عن الابتكار لدى مجموعة واسعة من الشركاء المحتملين، وليس فقط أولئك الذين بنت بالفعل علاقات معهم. وقبل سبع سنوات فقط عمل %70 من الشركات فقط مع شركاء حاليين في سلاسل القيمة Value chain الخاصة بها، سواء أكان الشركاء عملاء أم بائعين. ولكن في السنوات الخمس الماضية، بدأ أكثر من %75 من الشركات التي استطلعناها بالاعتماد على مصادر متعددة للابتكار. وفي الوقت الحاضر يقصر %17 فقط من الشركات نفسه على شركاء سلسلة التوريد Supply chain؛ ويعمل معظمها مع عدة أنواع من الشركاء، مثل الجامعات وبيوت الخبرة (مجمعات التفكير) Think tanks والمستشارين ومنصات الإسناد الجماعي Crowdsourcing platforms والشركات الناشئة Startups ومختبرات الابتكار Innovation labs (وهي هياكل داخلية تعمل كجسور للابتكار الخارجي).

وتستغل الشركات في مجموعة واسعة من الصناعات التقليدية، مثل التصنيع والبيع بالتجزئة وحتى الوجبات السريعة، مصادر متنوعة للابتكار الرقمي. وتُعَد ماكدونالدز McDonald’s، وهي ثاني أكبر سلسلة للوجبات السريعة في العالم، مثالاً على هذا التحول. ففي العامين الماضيين استثمرت في تطوير تطبيق للهاتف المحمول ونظام للطلبات مستند إلى الهاتف المحمول إضافة إلى أكشاك الطلب الذاتي داخل مطاعمها باستخدام ابتكارات يجري الحصول عليها من خارج الشركة.

وبعد الاستثمار في تطبيق للبيع للهاتف المحمول، اسمه بلكشر Plexure، في أوائل عام 2019، بدأت الشركة بتجربة التخصيص الرقمي في المواقع التي تتيح للعملاء الشراء وهم في مركباتهم. وفي أبريل 2019 استحوذت ماكدونالدز على الشركة الناشئة ديناميك ييلد Dynamic Yield، التي تسمح منتجاتها -من أنظمة التخصيص Personalization systems وتكنولوجيات القرارات المنطقية Decision-logic technologies- لماكدونالدز بتغيير عروض قائمة الوجبات لخدمة الشراء من السيارة وفقا لوقت من اليوم والطقس والحركة الحالية للمطاعم والبنود الرائجة في القائمة. وقد تعرض التكنولوجيا أيضاً اقتراحات من القائمة وفقا لاختيارات العميل. ودُمِجَت تكنولوجيات ديناميك ييلد في نوافذ خدمة السيارات في مطاعم ماكدونالدز كلها بالولايات المتحدة وأستراليا بحلول نهاية عام 2019.

كذلك ركزت ماكدونالدز على التعرف الرقمي على الصوت. وفي سبتمبر 2019 استحوذت على أبرينتي Apprente، وهي شركة ناشئة تطور تكنولوجيا صوتية يمكنها التعامل مع طلب متعدد اللغات ومتعدد اللهجات ومتعددة البنود. وهذا سيسمح بتلقٍ أسرع وأبسط وأكثر دقة لطلبات العملاء وهم في مركباتهم، وبمرور الوقت، ستُدمَج التكنولوجيا في الطلب عبر الهاتف المحمول وفي الأكشاك داخل مطاعم ماكدونالدز. وفي الواقع، سيكون فريق أبرينتي أول الأعضاء في مجموعة جديدة تعرف بالمختبرات التكنولوجية لماكدي McD Tech Labs، في فريق ماكدونالدز للتكنولوجيا العالمية، الذي يهدف إلى تنمية انتشار الشركة في سيليكون فالي.

منافع الابتكار الخارجي

إن الانفتاح على الابتكار الخارجي هو ابتعاد ملحوظ عن متلازمة “لم يخترع هنا” “Not invented here “syndrome التي عانت منها الشركات لعقود من الزمن. ولهذا النهج القديم والمركزي في الابتكار حدوده؛ ووفق القول الشهير لبيل جوي، المؤسس المشارك لشركة سن مايكروسيستمز Sun Microsystems، “بغض النظر عن هويتكم، يعمل معظم أذكى الأشخاص لصالح أشخاص آخرين”. وتدرك الشركات الآن أنها عندما تفتقر إلى القدرات الداخلية التي تسمح لها بالاستمرار بالمنافسة في العصر الرقمي، فمن الضروري النظر خارج المؤسسة للحصول على تكنولوجيات وتطبيقات جديدة.

الانفتاح على الابتكار الخارجي هو ابتعاد ملحوظ عن متلازمة “لم يخترع هنا” التي عانت منها الشركات لعقود من الزمن. ولهذا النهج القديم والمركزي في الابتكار حدوده.

كذلك يبحث العديد من الشركات في الخارج عن “المجهولين المجهولين” Unknown unknowns الذين قد يزعزعون Disrupt أعمالها بطرق لم تتوقعها. ويحاول معظمها تعويض الوقت الضائع، ويُعَد الاستثمار في الشراكات وسيلة أسرع للاستفادة من التكنولوجيات الجديدة بدلاً من البدء من الصفر.

ويساعد اكتساب القدرات وتطويرها خارجيا الشركات على المزج والمطابقة بين عدة مصادر لتلبية احتياجاتها. مثلاً، أنشأت آي فلايتك iFlytek، وهي شركة رائدة عالمياً في تكنولوجيا الكلام الحاسوبي، مختبرات مشتركة مع العديد من الجامعات الصينية. ويكون مدير كل مختبر أستاذاً جامعياً، في حين يُرسَل خبراء آي فلايتك إلى العمل معهم لتطوير تكنولوجيات وتطبيقات جديدة. وتسمح هذه المنظومة الإيوكولوجية للابتكار Innovation ecosystem للشركة بالاستفادة من أحدث المعارف من مصادر متنوعة حتى في وقت تعمل فيه على الابتكارات التي تحتاج إليها.

والواقع أن استخدام شركاء خارجيين كثيراً ما يسهل على الشركات اعتماد نهج حذر إزاء الابتكار. ويمكن للشركات أن تجرب استخدام تكنولوجيات ذات إمكانات عالية خارج المؤسسة حتى تُخفَّف مخاطرها بما يكفي لإدراجها في منتجات الشركة وخدماتها.

وأخيراً، والأهم من ذلك، يساعد الابتكار المفتوح على الوقاية من أحد أكبر مخاطر الابتكار الداخلي: الابتكار التدريجي. فالمبتكرون داخل المؤسسة، ولاسيما في وحدات الأعمال، يميلون إلى تطوير منتجات وعمليات يكون من الأسهل على المؤسسة اعتمادها. وقد يكون هذا الأثر قوياً لدرجة أنه يعرقل تطوير ابتكارات جذرية تعيد ابتكار الأعمال الموجودة تدريجيا. ويسود الابتكار التدريجي، مما يدفع التغيير إلى الأمام في خطوات صغيرة قد تجعل الشركة عرضة للتهديدات المزعزعة من الخارج.

قوة الابتكار بأنفسكم

نظراً لهذه العوامل، فقد يبدو مستقبل الابتكار، لا مفر، مفتوحاً. ولكن أبحاثنا تشير إلى أن الابتكار المفتوح لا يحتاج إلى أن يكون السبيل الوحيد للمضي قدماً، ولا ينبغي له أن يكون كذلك.

بل إن الابتكار الداخلي قد يكون حاسماً أكثر لأنه يتيح إمكانية التمايز. فالشركات الرقمية الرائدة، سواء كانت شركات تبيع التكنولوجيا أم شركات تطور تطبيقات أو شركات عملاقة للبيانات، ترغب في العمل مع العديد من الشركات التقليدية على تطبيقات رئيسية من أجل توزيع تكلفة التطوير وجذب رأس المال الاستثماري Venture capital والتحول إلى منصات تخدم مستوى الصناعة ككل. مثلاً، حققت وايمو Waymo من غوغل Google، والتي تطور تكنولوجيا للقيادة الذاتية، شراكات مع فيات كرايسلر أوتوموبايلز Fiat Chrysler Automobiles وجاغوار لاند روفر Jaguar Land Rover إضافة إلى رينو-نيسان Renault-Nissan. وستسفيد الشركات العالمية لصناعة السيارات الثلاث من عرض سيارات ذاتية القيادة على المستهلكين، لكن أياً منها لن يتمتع بتفوق كبير على الأُخريين.

هذا هو التحدي الرئيسي المتمثل بالاعتماد في شكل كبير على الابتكار الخارجي: ولأن شراكات تكنولوجية كهذه لا تحقق تمايزاً، بل تميل ببساطة إلى رفع مستوى الوضع الراهن وإرساء التكافؤ بين المتنافسين، هي تمنح ميزة تنافسية أقل من الابتكار الداخلي. وتؤكد دراساتنا ذلك. فمن بين مشروعات الابتكار التي أدتها داخلياً عينتنا من الشركات، أثمر %87 ميزة تنافسية مستمرة أو مستدامة، في حين أن %60 فقط من مشروعات الابتكار التي جرى الحصول عليها خارجياً حققت مثل ذلك. وبعبارة أخرى، لم يسفر %13 فقط من الابتكار الداخلي عن أي ميزة أو أسفر عن ميزة سرعان ما طابقها المنافسون، لكن هذا حدث في %40 من الحالات التي كانت الشركات تعتمد فيه على مصادر ابتكار خارجية.

ويُعَد الابتكار الداخلي أمراً حاسماً للتحول الرقمي لأسباب عديدة. وبصرف النظر عن تقديم ميزة تنافسية، هو يساعد على الحفاظ على الأسرار التجارية وحماية الملكية الفكرية. ويكون العمل بذلك أكثر صعوبة بكثير عند العمل مع الشركاء؛ وهذا صحيح حتى ولو كان شركاؤكم لا يعملون مع منافسيكم المباشرين، لأنهم على الرغم من ذلك قد ينشرون ما تعلموه عبر الصناعة. وحتى في حال عدم مشاركة التكنولوجيا أو المعرفة مع المنافسين، قد تحدث مشكلات. فعندما تحصل شركة ما على قدرة رئيسية خارجياً، يكون ذلك المورد أمراً محورياً في عمليتها الخاصة بإنشاء القيمةValue-creation process. مثلاً، إذا استخلصت شركة ناشئة للتعلم الآلة أي البيانات تتنبأ كأفضل ما يمكن بتجديد الاشتراك بمنتج أو فرص إغراء المشترى بشراء ملحقات إضافية أو منتجات أغلى، فإن بإمكان مثل هذه الشركة أن تنتزع قوة المساومة — وحصة كبيرة من مجموعة الأرباح — من شركائها.

وإضافة إلى ذلك، يسمح الابتكار الداخلي بإجراء التجارب في حالات الحياة الواقعية. فالشركات المولودة رقمية، مثل فيسبوك Facebook وبوكينغ دوت كوم Booking.com، تختبر باستمرار خوارزميات وتصاميم مختلفة. وبذلك، يمكنها جمع بيانات حقيقية عن المستهلكين، بدلاً من استجابات قائمة على فرضيات، بطرق لا يمكن لأي مزود خارجي للخدمات تقديمها.

ولأن المبتكرين الداخليين على دراية بعمليات شركاتهم، يكون تطوير ابتكاراتهم وإنتاجها وبيعها في الأغلب أسهل مقارنة بالابتكارات الخارجية. واستناداً إلى كل مشروع على حدة، تميل الابتكارات الداخلية أيضاً إلى أن تحقق نجاحاً أكبر وأهمية أكبر للأعمال.

وربما، وقبل كل شيء، فإن تطوير قدرات الابتكار داخلياً يحسنها تحسينا دائما Durably، مما يضع الشركات في موقف جيد في المستقبل. وعلى النقيض من ذلك، لن يغير الابتكار المفتوح أبداً من قدرات الشركة أو ثقافتها بما يكفي لإحداث تحول.

ولكل هذه الأسباب، يجب تحقيق توازن. وتطوير القدرات بسرعة بالاستعانة بمصادر خارجية هو أمر حيوي، لكن الأمر نفسه يصح على الاستفادة من معرفة عملائكم وعملياتكم وثقافتكم بطريقة لا يستطيع العمل بها سوى فريق ابتكار داخلي. ونجد أن الشركات الذكية تتعامل مع المصادر الخارجية للابتكار ليس كبديل للمصادر الداخلية بل كوسيلة لتوسيع المحفظة. وهي ليست متعارضة، بل هي مكملة لبعضها البعض. وفي استطلاعنا، وجدنا أن الشركات التي استخدمت المصادر الأكثر “خارجية” استخدمت أيضاً المصادر الأكثر “داخلية”. وحتى الشركات التي لديها عدة شركاء في الابتكار أفادت بأن مصادرها الداخلية هي الأكثر حسماً.

تحقيق التوازن بين الابتكار الداخلي والخارجي

بما أن الابتكار المفتوح يساعد الشركات على اكتساب القدرات على المدى القريب، فإن بناء القدرات داخلياً هو أفضل طريقة للحصول على ميزة تنافسية على المدى البعيد، كيف تحققون التوازن الصحيح؟ نقترح اتباع نهج من ثلاث خطوات:

الخطوة 1: تحديد الكفاءات الحاسمة Identify critical competencies. بداية، يجب أن تحدد هذه الشركات القدرات التكنولوجية المرجح أن تكون حاسمة في المستقبل. ويحدث بعض ذلك خلال العملية المنتظمة للتخطيط للاستراتيجيات. وتجري معظم الشركات تحليلاً سنوياً للفجوات في القدرات التي تفتقر إليها، ومن ثم مناقشة ما إذا كان يجب ردم هذه الفجوات على مستوى مجلس الإدارة والأعمال. ونادراً ما تسفر هذه العملية عن خريطة طريق تبين القدرات التي ينبغي تطويرها داخلياً في المديين المتوسط أو البعيد وتلك التي يجب اكتسابها فوراً من خلال مصادر خارجية. وهذه هي الحلقة المفقودة.

ولكن، فإن عنصراً رئيسياً في هذه الحسابات هو ما إذا كانت قدرة معينة ستساعد على التمييز بين الشركة والمنافسين. وسيختلف مدى الدور الحاسم الذي تؤديه التكنولوجيات الرقمية؛ قد يكون الوصول إلى الخبرة في مجال علوم البيانات أمراً ضرورياً لشركة لتصنيع المواد الكيميائية، مثلاً، لكنه ربما لا يكون كذلك في شركة لإدارة العقارات تحتاج إلى فهم اتجاهات المبيعات والإيجارات فقط.

ويجب على الشركات أيضاً معرفة المصادر الخارجية التي ستسمح لها بالوصول إلى الكفاءات والتطبيقات الحاسمة التي حددتها. وينبغي أن تتواصل مع الجامعات والشركات الناشئة وغيرها لمعرفة من يجري أكثر الابتكارات إثارة من بين الابتكارات ذات الصلة بها، ومن ثم بناء محفظة لملء الفجوات في الكفاءات المتوفرة لديها. وقد يكون من الصعب مواكبة العديد من المصادر المحتملة للابتكار الخارجي، مما يتطلب اهتماماً مركزاً ووقتاً مخصصاً من قبل المسؤولين التنفيذيين المخضرمين.

الخطوة 2: إنشاء بُنية Create an architecture. كذلك يجب على الشركات إعادة بناء بنيتها الابتكارية حتى تتمكن من إدارة المصادر الداخلية والخارجية على حد سواء. ومن المهم أن تحصل على لبنات البناء الصحيحة الثلاث.

أولاً، سيتعين على معظم الشركات تحسين تصميمها المؤسسي. مثلاً، إذا قُيِّض للشركات الناشئة أن تكون مصدراً خارجياً للابتكار (عادةً ما تكون كذلك)، يجب على الشركة إيجاد طريقة لإدارة تلك العلاقات، مثل حاضنة Incubator أو مختبر للابتكار Innovation sandbox أو صندوق استثماري Venture fund، وإدارة استثماراتها فيها.

ثانياً، يجب أن تتغير عملية الابتكار إذا ما كان للوحدات التجارية القوية للشركة أن تشتري الابتكارات الخارجية وتتبناها. وأحد الهياكل المحفزة Catalytic structure هو إنشاء مختبر للابتكار تجمع فيه الشركة الباحثين بغية الوصول إلى قدرات المنظومات الإيكولوجية للابتكار في أماكن مثل سيليكون فالي أو شِنجِن Shenzhen.. وقد يكون الموظفون في هذه المختبرات موظفين منتدبين من فروع الشركة، مما يساعد على الحصول على تأييد للابتكارات الخارجية. ومن المثير للاهتمام أن الفترة بين عامي 2014 و2017 شهدت ارتفاع عدد مختبرات الابتكار المؤسسية التي يجري بناؤها إلى الضعف تقريباً، مما يعكس الاهتمام بهذا النموذج.

وأخيراً، يجب على الشركات أن تضع نماذج لحوكمة الابتكار Innovation governance models مع مقاييس Metrics مناسبة لضمان الاتساق مع استراتيجيتها. فالعديد من الشركات التي درسناها عانت بالبداية في وضع الحوكمة والمقاييس الملائمة. فقد خصصت أشخاصاً لمشروعات الابتكار، لكن وحدات الأعمال كانت تتحكم في الميزانيات والموافقات. وأدى ذلك إلى إبطاء وحدة الابتكار الرقمي، والتي كانت عاجزة بسبب البيروقراطية.

الخطوة 3: تطوير عمليات النقل Develop transfer processes. لعل واحدا من أكثر الأخطاء شيوعاً هو أن الشركات لا تضع من البداية استراتيجية لنقل الكفاءة. ويجب عليها تبيان كيف ستُجلَب في نهاية المطاف القدرات والمهارات المتقدمة المتوفرة خارجياً إلى الشركة. ولا حل سحريا على الرغم من ذلك؛ فالظروف ستحدد نهج كل شركة.

ومن الضروري النظر في نماذج مختلفة وتطوير العديد من المسارات لجلب المهارات المطلوبة إلى الشركة. وفي بعض الحالات تتمكن الشركة من الحصول على القدرات التكنولوجية خارجياً؛ وفي حالات أخرى، قد يكون من المنطقي شراء شركات ناشئة (أي شرائها بموظفيها Acquihire). وقد يكون الخيار الثالث هو إقامة شراكة في مجال البناء والإدارة والنقل. وسيسمح هذا الترتيب لشركة تكنولوجيا لديها القدرات التي تحتاج إليها الشركة ببناء فريق مخصص وإدارته في البداية. وبمرور الوقت، فإن الشركة الشريكة ستنقل الفريق وأعماله كلها إلى الشركة الأم.

مثال: المحفظة الرقمية لمونسانتو

تتعلم بعض الشركات الحكيمة كيفية اتباع نهج المحافظ في الابتكار. انظروا، على سبيل التوضيح، في مونسانتو Monsanto، وهي الشركة الأمريكية للمواد الكيميائية الزراعية والزراعة التي صارت جزءاً من مجموعة باير Bayer Group الألمانية في عام 2018. فقبل عدة سنوات قررت مونسانتو أن علم البيانات سيكون حاسماً للحصول على ميزة تنافسية مستدامة في أعمالها. ومن خلال جمع البيانات الزراعية ودراستها لم تستطع أن تدير المخزونات الخاصة بها في شكل أكثر فاعلية فحسب، بل ساعدت المزارعين أيضاً على تحديد المحاصيل التي ستُزرَع، والبذور الواجب استخدامها، والمقدار المطلوب من الأسمدة والمياه، وما إلى ذلك.

ولذلك، فقد بدأت مونسانتو عملية تحويل نفسها من شركة للتكنولوجيا الحيوية الزراعية إلى مؤسسة تعتمد على علم البيانات. واستراتيجية الزراعة الرقمية Digital agriculture، كما تُسمَّى، تستتبع جمع البيانات الزراعية على نطاق واسع من خلال أجهزة استشعار متصلة بكل شيء من الجرارات إلى مصادر المياه. وتجري تغذية البيانات كلها من خلال منصة رقمية يعدها مزوّد خدمات، وتعرض خوارزمياتها الظروف في المزرعة وتقدم توصيات محددة.

ورأى الرئيس التنفيذي CEO آنذاك هيو غرانت Hugh Grant وكبار قادة الشركة الآخرين أنه نظراً لحجم مونسانتو وطموحاتها، يجب عليها الاستثمار في التكنولوجيات لجمع كل البيانات الكامنة وراء عملية اتخاذ القرار في المزارع ودراستها. وبسبب تعقيد العمل وندرة المهارات الرقمية داخل الشركة، التفتت مونسانتو أولاً إلى مصادر خارجية للحصول على القدرات الرئيسية. وربطت نفسها بالخدمات الشبكية من أمازون Amazon Web Services وسحابة غوغل Google Cloud على صعيد البنية التحتية للبيانات الضخمة والتحليلات، وبأتوموايز Atomwise في مجال تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، وبإيه تي أند تي AT&T لغرض جمع كميات كبيرة من البيانات، وبحكومات وخبراء مختلفين من أجل دعم الأمن السيبراني.

كذلك بنت مونسانتو القدرات من خلال العمل مع شركات ناشئة وشرائها. وفي كل عام، تلتقي هذه الشركة مع نحو 250 شركة ناشئة، وتجري 30 برهنة لمفاهيم Proofs of concept، وتستوعب ربما خمس تكنولوجيات رئيسية. ففي عام 2012، مثلاً، اشترت مونسانتو شركة بريسجن بلانتينغ Precision Planting، التي تنتج أجهزة وبرمجيات حاسوبية تمكن المزارعين من زيادة الغلال من خلال زراعة أكثر دقة، بمبلغ 210 ملايين دولار. وفي العام التالي نفذت مونسانتو عملية استحواذ أكبر، إذ اشترت كلايمت كورب Climate Corp.، والتي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً، وتوفر توقعات جوية للمزارعين استناداً إلى بيانات تاريخية نموذجية، في مقابل 930 مليون دولار.

وللاستفادة بنجاح من مزيد من مصادر الابتكار الخارجية، غيرت مونسانتو بنية الابتكار. وبنت مركز تميّز لعلوم البيانات مع منصة بيانات مركزية توجهها واجهة لبرمجة التطبيقات API وخدمات مصغرة. وكيفت مونسانتو منصة للبرمجيات من شركة لبرمجيات الذكاء الاصطناعي تتخذ من بوسطن مقراً اسمها داتا روبوت Data Robot، ما سمح للخبراء الزراعيين بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي من دون كتابة أي كود Code. وتعمل مئات من النمذجات Models (ثلثها يعتمد على تعلم الآلة Machine learning) على المنصة لتطوير الابتكارات لصالح سلسلة التوريد الخاصة بالشركة، وعملياتها التجارية، ولكن، المزارعين.

وتيسر المنشآت المؤسسية Organizational constructs الجديدة لمونسانتو توثيق الروابط مع الشركاء وزيادة استيعاب القدرات الرئيسية Key capabilities. وتفوض الشركة الموظفين الرئيسيين في كل مشروعات الابتكار التي تنفذها مع شركاء خارجيين من أجل ضمان التعلم النشط ونقل المعرفة. ومنذ البداية، طوّرت مونسانتو أيضاً قدرات حاسمة من خلال التدريب. إذ أُعِيد تدريب العديد من الموظفين على مهارات جديدة من خلال حضور مقررات من كورسيرا Coursera وداتا كامب Data Camp. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية نما المجتمع الصغير لعلوم البيانات في مونسانتو من أقل من 200 شخص إلى أكثر من 500، مع تحول العديد من علماء الأحياء وعلماء الكيمياء إلى علماء بيانات.

ويلخص جيم سوانسون Jim Swanson، المسؤول الرئيسي للمعلومات CIO في مونسانتو، الأمر كما يلي: ”عليكم أن تنظروا إلى أصولكم وأين تحتاجون إلى شريك…. وبالنسبة إلينا، تُعَد البيانات وفهمنا العلمي للبيانات أصولاً هائلة. وأدركنا أن القدرات الداخلية أمر حاسم لمستقبلنا، ونحن نستثمر فيها. ونحن نستثمر في أسس الشبكات وتحديث بنيتنا التحتية. واتخذنا قرارات صعبة حول المواهب التي نحتاج إليها في التكنولوجيا الرقمية، وتختلف عما كانت عليه قبل أربع سنوات. وأعلنا ما هو مهم لمستقبلنا، واستثمرنا في المواهب، والتدريب، ومارسنا القياس والمراقبة، وتقدمنا بصرامة. وكلما قمنا بهذه الإجراءات، سرّعت ابتكارنا. وفي الوقت نفسه، نحن منفتحون أيضاً في شأن التخلص من عقلية ‹لم يُخترع هنا›“.

نيل سي. تومسون (@profneilt)

نيل سي. تومسون (@profneilt)

عالم أبحاث في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Computer Science and Artificial Intelligence Lab (CSAIL) ومبادرة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للاقتصاد الرقمي MIT Initiative on the Digital Economy، ومقرها كيمبريدج في ماساتشوستس.

ديدييه بونيه (@didiebon)

ديدييه بونيه (@didiebon)

 نائب الرئيس التنفيذي لشركة كابجيميني إنفنت Capgemini Invent وأستاذ الاستراتيجية في كلية آي إم دي للأعمال IMD Business School بلوزان في سويسرا.

يون يي

يون يي

مدير أول في الاستراتيجية الرقمية في أديداس Adidas. للتعليق على هذا الموضوع:  http://sloanreview.mit.edu/x/61401.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى