أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
زعزعةمنوع

المصادر الأحد عشر للزعزعة التي يجب على كل شركة رصدها

هل تعتقد أنكم على عِلم بالقوى التي قد تزعزع شركتكم؟ قد يكون منظوركم أضيق مما ينبغي.

آيمي ويب

نصحتُ أخيراً شركة اتصالات كبيرة باستراتيجية بعيدة الأجل للتواصل اللاسلكي. وكان من المفهوم أن تشعر الشركة بقلق إزاء مستقبلها. فست خدمات جديدة للبث التلفزيوني كانت في طور التشغيل، وكانت منصات الألعاب عبر الإنترنت المتعطشة لعرض النطاق الترددي Bandwidth تجتذب بسرعة أعداداً كبيرة من اللاعبين الجدد. وبدا أن إجراءات تنظيمية محتملة كانت تتربص بالشركة أيضاً.

وكانت تغيرات كهذه تعني زعزعة نماذج أعمال Business models في الشركة، والتي لم تتطور منذ فجر عصر الإنترنت. ونتيجة لهذا خشيت الشركة أن تواجه أزمة وجودية. ولمواجهة مع المخاطر، رغبت القيادة العليا في تكليف فريق متعدد الوظائف لإنتاج توقعات لثلاث سنوات تحلل أي القوى المزعزعة قد تؤثر في الشركة وإلى أي درجة. ولم يكن ذلك جهداً بسيطاً. فأولا، كان لزاماً على القادة أن يعززوا الدعم الداخلي. ففي هذه الشركة يتطلّب أي تغيير في العمليات القياسية كثيراً من الاجتماعات، ومجموعات من العروض التقديمية، وشروحاً لمخرجات Deliverables. ملموسة. وبمجرد حصول الفريق المتعدد الوظائف Cross-functional teamعلى التأييد، وبعد تشكيله، أمضى عدة أشهر في البحث عن مجموعة منافسي الشركة، وإعداد النماذج المالية Financial models، والتعمق أكثر في تحليل اتجاهات المستهلكين الإلكترونية.

وأخيراً، نفذ الفريق ما أُنيط به Mandate. وتوقعت خطة تفصيلية وشاملة مدتها ثلاث سنوات أن منصات البث الجديدة والألعاب عبر الإنترنت ستؤدي إلى زيادة كبيرة في استهلاك عرض النطاق الترددي، في حين أن الأدوات الجديدة المتصلة بالإنترنت، الهواتف الذكية والساعات ومعدات التمارين المنزلية والكاميرات الأمنية، ستشهد انتشاراً أكبر في السوق. وأي رؤية ضيقة كانت ستأخذ الشركة على مسار منفرد يركز فقط على البث والأدوات الاستهلاكية من دون التفكير في قوى أخرى مزعزعة كانت تلوح في الأفق.

ولم تكن الاستنتاجات اكتشافا جديدا. فمنصات البث والألعاب والأدوات الذكية كانت من المسلّمات. ولكن، ماذا عن كل مجالات الابتكار الأخرى المجاورة؟ في تجربتي، تركز الشركات أحياناً كثيرة على التهديدات المألوفة لأنها تمتلك أنظمة لمتابعة المخاطر المعروفة وقياسها. وهذا يضيف قيمة ضئيلة للغاية إلى التخطيط البعيد الأجل، والأسوأ من ذلك أن هذا من شأنه أن يضطر المؤسسات إلى اتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط. ومن النادر بالنسبة إلى الشركات أن تبحث مقدماً في القوى المزعزعة غير المألوفة وأن تدمج هذا الأبحاث في الاستراتيجية.

تركز الشركات أحياناً كثيرة على التهديدات المألوفة لأنها تمتلك أنظمة لمتابعة المخاطر المعروفة وقياسها. وهذا من شأنه أن يضطر المؤسسات إلى اتخاذ قرارات سريعة تحت الضغط.

 

وانتابني فضول لمعرفة كيف أطّرت الشركة مشروعها في البداية. وكان الهدف هو النظر في القوى المزعزعة كلها التي قد تؤثر في الاتصالات في المستقبل، لكن المشروع ركز في الواقع على التهديدات المعروفة المعتادة فقط.

فكثير من التطورات الخارجية التي تستحق الاهتمام كانت موجودة بالفعل. مثلاً، نشر بعض رواد الأعمال البارعين بالفعل أنظمة جديدة لمشاركة قوة المعالجة الحاسوبية Computer processing power الخامدة في أجهزتنا المتصلة بالإنترنت. وباستخدام تطبيق Application بسيط، كان المستهلكون يبيعون الوصول Access عن بُعد إلى هواتفهم المحمولة في مقابل أرصدة أو أموال يمكن إنفاقها على عمليات التبادل. (وهذا يسمح للمستهلكين حرفياً بكسب المال أثناء نومهم). وبما أن الأنظمة موزعة Distributed computing platforms ولامركزية Decentralized، تكون البيانات الشخصية Private data محمية. وعلى هذه المنصات الجديدة، يستطيع أي شخص تأجير موارده الحوسبية الاحتياطية لقاء رسوم.

والأمر الأكثر إثارة للاهتمام في منصات الحوسبة الموزعة هو أنها قادرة أيضاً على تسخير قوة الأجهزة الأخرى، مثل أجهزة الميكروويف والغسالات المتصلة بالإنترنت، والأجهزة الذكية للإنذار بالحرائق، وأدوات التحدث التي يُتحكَّم فيها بالصوت. ومع انتقال منصات الحوسبة الموزعة من الحافة إلى التيار السائد، فمن شأن ذلك أن يخلف أثراً زلزالياً في التوقعات المالية لشركة الاتصالات. وعلى الرغم من أن الفريق كان معتاداً على حساب تكلفة البث لكل ميغابت Megabit وتكاليف صيانة شبكاته، لم تتوفر له صيغ لحساب الأثر المالي للبلايين من الأجهزة المتصلة بالإنترنت التي قد تصبح قريباً جزءاً من منصات الحوسبة العملاقة الموزعة.

وبالنظر إلى مستقبل الاتصالات من خلال عدسة الحوسبة الموزعة، كان لدي كثير من الأسئلة: كيف ينبغي مراجعة النماذج والتوقعات الحالية للنطاق الترددي لاحتساب هذه الأجهزة كلها؟ هل ستظل باقات العملاء تكسب هوامش الربح نفسها مع كل حالات الاستخدام الجديدة هذه لعرض النطاق الترددي الموجود؟ هل ستنقب الشركة في بيانات الأجهزة كلها من أجل تعزيز المعلومات الخاصة بالأعمال؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو الشكل المطلوب لحوكمة البيانات Data governance؟

كذلك طلبت إلى الفريق أن يفكر في مستقبل الاتصالات من خلال عدسة أخرى: تغير المناخ. وطُوِّرت مراكز البيانات الموجودة، مثل المباني كلها، باستخدام مبادئ توجيهية وخطط معمارية وقوانين البناء Building codes قد تحتاج إلى التغيير استجابة لحوادث الطقس القاسية. فمراكز البيانات يجب أن تكون موجودة داخل بيئات يُتحكَّم بدرجة الحرارة فيها ولا تنحرف عنها أبداً. فقد صارت موجات الحرارة والفيضانات المفاجئة والبَرَد والرياح الشديدة والحرائق أكثر شيوعاً، ومن الصعب توقعها. ويشكل هذا تهديداً للبنية التحتية الحاسمة.

وعلى الرغم من أن الفريق تمكن من تطوير نماذج تنبئية predictive models لاستباق ارتفاعات في استخدام عرض النطاق الترددي، سيكون توقع حوادث الطقس المتطرفة أصعب. كيف تابع الفريق الطقس والمناخ؟ هل بنى حالة من عدم اليقين Uncertainty في توقعاته المالية Financial projections لمراعاة حوادث الطقس المتطرفة؟ هل كانت هناك خطة أزمة Crisis plan جاهزة للتنفيذ في حالة انقطاع التيار الكهربائي؟ ماذا لو أن فترة طويلة من الأيام الحارة في شكل استثنائي أجهدت مكيفات الهواء؟ هل كان من المنطقي أن تواصل الشركة بناء مراكز البيانات وصيانتها؟ هل كانت هناك حجة لصالح إضافة فريق صغير من علماء المناخ إلى وحدة علم البيانات الحالية التابعة للشركة؟

استطعت أن أرى من ردود الجميع أن هذا الخط من التساؤل الأسي كان خارج النطاق النموذجي لأبحاثهم. والسبب في أن الشركة لم تفكر في هذه المجالات وغيرها من مجالات الزعزعة المحتملة يتعلق بعادات الشركة ومعتقداتها الراسخة. فقد اعتاد الفريق على اتباع نهج متين، لكن ضيق، في التخطيط. فقد عمل لوضع توقعات مالية، ومتابعة منافسيه المباشرين، وتبع نتائج الأبحاث والتطوير R&D في قطاعه الصناعي. وكان هذا كل ما في الأمر.

وليس ما لاحظته فريداً بأي حال من الأحوال. فعندما تواجه الفرق حالة من عدم اليقين العميق، تطور أحياناً كثيرة عادة التحكم في المتغيرات Variables الداخلية والمعروفة وتفشل في متابعة العوامل الخارجية كعوامل زعزعة محتملة. وتتلاءم متابعة المتغيرات المعروفة مع ثقافة الأعمال الحالية؛ لأنها نشاط يمكن قياسه كمياً Measured quantitatively. وتخدع هذه الممارسة متخذي القرار بشعور زائف بالأمن، ومن المؤسف أنها تسفر عن تأطير ضيق للمستقبل، مما يجعل حتى أكثر المؤسسات نجاحاً عُرضة للتأثر بالقوى المزعزعة التي يبدو أنها تخرج من العدم. ويمثل الفشل في مراعاة التغيير خارج نطاق هذه المتغيرات المعروفة الطريقةَ التي تُزعزَع بها أكبر الشركات وأعلاها مكانة وتُخرَج من السوق.

عندما تواجه الفرق حالة من عدم اليقين العميق، تطور أحياناً كثيرة عادة التحكم في المتغيرات الداخلية والمعروفة وتفشل في متابعة العوامل الخارجية كعوامل زعزعة محتملة.

 

ويطلق منظرو المستقبل Futurists على هذه العوامل الخارجية اسم الإشارات الضعيفة Weak signals، وهي مؤشرات مهمة للتغيير. ويميل بعض فرق القيادة إلى عدم اليقين من خلال البحث عن إشارات ضعيفة. فهي تستخدم إطاراً مثبتاً، وتكون منفتحة على رؤى بديلة للمستقبل، وتتحدى نفسها لترى شركاتها وصناعاتها من خلال وجهات نظر خارجية. فالشركات التي لا تضفي الطابع الرسمي على البحث المتواصل عن إشارات ضعيفة تجد نفسها في العادة وقد اهتزت بفعل قوى مزعزعة.

وبصفتي خبيرة بالمستقبليات الكمية Quantitative futurist، تتمثل وظيفتي بالتحقيق في المستقبل، وترتكز هذه العملية على التصدي عمداً حالة عدم اليقين الداخلية والخارجية لمؤسسة ما. وأنا أقوم بهذا باستخدام ما أسميه نظرية القوى المستقبلية future forces theory، التي تشرح كيف أن الزعزعة تنبع عادة من مصادر مؤثرة للتغيير الكلي Macro change. وتمثل هذه المصادر حالة عدم اليقين خارجية — وهي عوامل تؤثر تأثيرا كبيرا في الأعمال Business والحكم Governing والمجتمع Society. فقد تنحرف إيجابيا أو بشكل محايد أو سلبي.

وأستخدمُ أداة بسيطة لتطبيق نظرية القوى المستقبلية على المؤسسات أثناء تطويرها لتفكير استراتيجي. وتسرد النظرية 11 مصدراً للتغيير الكلي تكون عادة خارج سيطرة القائد. (انظر: المصادر الكلية الـ11 للزعزعة»، الصفحة 68). وفي 15 سنة من أبحاث التبصر الكمي Quantitative foresight، اكتشفت أن كل تغيير ينتج من زعزعة في مصدر واحد أو أكثر من هذه المصادر الـ11. ويجب أن تولي المؤسسات الاهتمام للمصادر الـ11 كلها — ويجب عليها البحث عن مناطق التقارب Convergence والانعطافات Inflections والتناقضات Contradictions. وتشكل الأنماط الناشئة أهمية خاصة لأنها تشير إلى تحوّل transformation من نوع ما. ويتعين على القادة أن يربطوا بين النقاط في ضوء صناعاتهم وشركاتهم وأن يُمكِّنوا الفرق من اتخاذ إجراءات تدريجية.

وقد تبدو مصادر التغيير الـ11 مرهقة في البداية، لكن فكروا في المنفعة المتأتية من وجهة نظر أوسع: قد تكون شركة زراعية كبيرة تتابع التغيرات في البنية التحتية بمثابة المحرك الأول للأسواق الجديدة أو الناشئة، في حين يصبح بوسع بائع تجزئة كبير يتابع تكنولوجيا الجيل الخامس 5G technology والذكاء الاصطناعي Artificial intelligence أن يكون في وضع أفضل يسمح له بمنافسة منصات التكنولوجيا الكبرى.

وتشمل مصادر التغيير الكلي ما يلي:

1. توزيع الثروة Wealth distribution: توزيع المدخول Income بين الأسر في مجموعة سكانية، وتركيز الأصول Concentration of asset في مجتمعات صغيرة مختلفة، وقدرة الأفراد على الانتقال إلى ظروف مالية أفضل من ظروفهم الحالية، والفجوة بين الشريحتين الأعلى والأدنى داخل أي اقتصاد.

2. التعليمEducation: إمكانية الحصول على تعليم ابتدائي وثانوي وما بعد الثانوي وجودته؛ وتدريب القوى العاملة؛ والتعليم الصناعي trade apprenticeships؛ وبرامج الاعتماد Certification programs؛ والطرق التي يتعلم بها الأشخاص والأدوات التي يستخدمونها؛ وما يثير اهتمام الأشخاص في الدراسة.

3. البنية التحتية Infrastructure: الهياكل المادية والتنظيمية والرقمية اللازمة ليعمل المجتمع (الجسور، وشبكات الطاقة، والطرق، وأبراج الواي فاي، والكاميرات الأمنية ذات الدوائر المغلقة)؛ والسبل التي قد تؤثر بها البنية التحتية لمدينة أو ولاية أو بلد ما في مدينة أخرى أو ولاية أو بلد.

4. الحكومة Government: هيئات الإدارة المحلية، وعلى مستوى الولاية، والوطنية، والدولية، ودورات التخطيط الخاصة بها، وانتخاباتها، والقرارات التنظيمية التي تتخذها.

5. الجغرافيا السياسية Geopolitics: العلاقات بين قادة وعسكريين وحكومات من بلدان مختلفة؛ والمخاطر التي يواجهها المستثمرون والشركات والقادة المنتخبون استجابة للإجراءات التنظيمية أو الاقتصادية أو العسكرية.

6. الاقتصاد Economy: التحولات في العوامل القياسية للاقتصاد الكلي Macroeconomic والاقتصاد الجزئي Microeconomic.

7. الصحة العامة Public health: التغيرات التي تحدث في صحة سكان المجتمع الصغير وسلوكهم استجابة لأنماط الحياة، والثقافة الشعبية، والمرض، والتنظيم الحكومي، والحروب أو الصراعات، والمعتقدات الدينية.

8. الخصائص الديمغرافية Demographics: ملاحظة كيف تؤدي معدلات المواليد والوفيات والمدخول وكثافة السكان والهجرة البشرية والمرض وغيرها من الديناميكيات إلى حدوث تحولات في المجتمعات
الصغيرة.

9. البيئة Environment: التغيرات التي تطرأ على العالم الطبيعي أو على مناطق جغرافية محددة، بما في ذلك حوادث الطقس المتطرفة، والتقلبات المناخية، وارتفاع مستويات سطح البحر، والجفاف، وارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها، وغير ذلك كثير. وتشمل هذه الفئة الإنتاج الزراعي.

10. الوسائط والاتصالات Media and telecommunications: كل الطرق التي نرسل بواسطتها المعلومات ونتلقاها ونتعرف على العالم، بما في ذلك الشبكات الاجتماعية، والمؤسسات الإخبارية، والمنصات الرقمية، وخدمات بث الفيديو، وأنظمة الألعاب والرياضة الإلكترونية، وأنظمة الجيل الخامس 5G، والطرق الأخرى التي لا حدود لها التي نتواصل بها مع بعضنا بعضاً.

11. التكنولوجياTechnology: ليست كمصدر معزول للتغيير الكلي، بل باعتبارها النسيج الضام Connective tissue الذي يربط بين الأعمال والحكومة والمجتمع. ونحن نبحث دائماً عن التطورات التكنولوجية الناشئة إضافة إلى الإشارات التكنولوجية من ضمن مصادر التغيير الأخرى.

وقد يبدو هذا قائمةً عريضة -لدرجة غير معقولة- من الإشارات التي تنبغي متابعتها للاستعداد للمستقبل، لكن في تجربتي، يعرض تجاهل هذه المصادر المحتملة للتغيير المؤسسات للزعزعة. والواقع أن المثال المفضل لدي لما قد يحصل عندما تتجاهل الشركات هذه الإشارات حدث في عام 2004، عندما برز عدد من الإشارات الضعيفة الناشئة التي أشارت إلى تحول جذري في كيفية التواصل بين الناس. وقد تمكن فريقان من القيادات العليا من الحصول على المعلومات نفسها. فأحدهما بحث عن عوامل خارجية بنشاط، في حين أن الآخر استخدم ببساطة الاتجاهات داخل صناعته لإجراء تحسينات إضافية على مجموعة منتجاتها الموجودة. وكان من شأن هذه القرارات أن تسفر عن نهاية واحدة من أكثر الشركات حظوة بالحب والاحترام عالمياً، إضافة إلى صعود منافس غير مرجح لم يتوقع وصوله أحد. وشملت الإشارات التطورات التالية:

● سهلت برمجيات جديدة على أي شخص نسخ المحتوى من الأقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمية.

● شاعت مواقع تشارك الملفات من نظير إلى نظير، مثل بت تورنت BitTorrent وأيزو هانت isoHunt وبايرت باي Pirate Bay ولايم واير LimeWire، التي استخدمها المخترقون في البداية، بين الأشخاص العاديين الذين كانوا يشاركون الموسيقى والأفلام على نطاق واسع.

● كان الطلب على المحتوى الرقمي Digital content ينمو بسرعة؛ وبدأت مبيعات الوسائط المادية بالانحدار.

● كان مطورو الألعاب يجربون تكنولوجيا اللمس Haptic technology التي تستجيب للضغط واللمس. ففي لعبة قتالية، مثلاً، عندما يُصَاب لاعب بنيران العدو، يشعرو بأزيز جهاز التحكم. وكان المطورون يبنون أيضاً تكنولوجيات لمسية في شاشات اللمس الأولى: يستطيع المشغلون ببساطة لمس رمز للتقدم أو الانتقال إلى الخلف أو الانعطاف أو التوقف.

● في كوريا واليابان كانت الأجهزة الاستهلاكية تُبنى بوظائف مزدوجة: كانت هناك كاميرات رقمية مع مشغلات إم بي ثري MP3، وهواتف محمولة ذات هوائيات معدنية قابلة للسحب لاستقبال إشارات التليفزيون المبثوثة.

وربط أحد فريقي القيادات العليا هذه الإشارات بعمله الحالي وتوقع عالماً تتقارب فيه أجهزتنا الحالية كلها في هاتف محمول واحد يتمتع بالقدرة الكافية لتسجيل مقاطع الفيديو وتشغيل الألعاب والتحقق من البريد الإلكتروني وإدارة التقييمات وعرض الخرائط التفاعلية مع اتجاهات وأكثر من ذلك بكثير. ولم يكن لدى ذلك الفريق أي معتقدات عزيزة في شأن العامل الشكلي الحالي لهواتفنا المحمولة وكان على استعداد لقبول أفكار بديلة عن كيفية عمل الهاتف المحمول. وعمل ذلك الفريق في أبل، وفي عام 2007 نزل إلى الأسواق منتج نجح في جمع هذه الإشارات الضعيفة كلها في استراتيجيته: كان أول آيفون iPhone. وبحلول نهاية العقد، كانت الشركة التي كانت ذات يوم مشهورة بالحواسيب المكتبية الأنيقة أرغمت سوق الأجهزة المحمولة بالكامل على تعديل رؤيتها للمستقبل.

وعلى النقيض من ذلك، لم تسترعِ هذه الإشارات الضعيفة انتباه ريسرش إن موشن Research In Motion (اختصارا: الشركة RIM) التي كانت في ذلك الوقت تصنع الهاتف الأكثر شعبية في العالم، وهو البلاكبيري BlackBerry. (الواقع أننا أحببنا هواتفهم كثيراً فأسميناها كراكبيريز Crackberries وكنا فخورين بإدماناتنا الرقمية). فقد كان الجهاز الأول الذي سمح لنا بالبقاء على اتصال حقيقي بالمكتب. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أنه كان مزوّداً بلوحة مفاتيح كاملة وفعلية. فالهواتف الأخرى كلها في تلك المرحلة كانت لها أزرار مرقمة؛ فقد تطلبت كتابة الأحرف ضرب بعض الأزرار للوصول إلى أحد الأحرف الثلاثة المخصصة لكل رقم. وقبل البلاكبيري، كانت كتابة رسالة نصية بسيطة مؤلفة من ثلاثة أسطر تستغرق ربما بضع دقائق.

وبسبب الشعبية الضخمة التي تمتع بها البلاكبيري، صارت الشركة RIM واحدة من أكبر الشركات في العالم وأكثرها قيمة، إذ بلغت قيمتها 26 بليون دولار. وسيطرت على ما يقدر بـ70% من سوق الهواتف المحمولة، وعدت سبعة ملايين مستخدم للبلاكبيري. ومع نجاح المؤسسة عند هذا المستوى العظيم، لم تسمح ثقافتها بنسخ بديلة من المستقبل، وعند المستوى الداخلي، كان هناك نفور من معارضة المعتقدات التي تعتز بها. أما المديرون الذين ربطوا هذه الإشارات الضعيفة بالبلاكبيري، فلم تكن لديهم مصداقية خارج إداراتهم. ونتيجة لذلك، فإن كل القوى الخارجية المزعزعة التي كانت أبل تتابعها متابعة نشطة لم ينتبه لها قط فريق القيادة العليا في الشركة RIM. وواصلت الشركة RIM الابتكار في شكل ضيق، وباعت بلاكبيري بيرل BlackBerry Pearl الأصغر حجماً والمتضمن فأرة صغيرة على شكل لؤلؤة في لوحة المفاتيح، كما أطلقت أجهزة بلاكبيري بألوان جديدة. وحين ننظر إلى الأمر الآن، فسيتبين لنا أن الاستراتيجية الدفاعية هي التي شرحها كلايتون كريستنسن في نظرية الابتكار المزعزع التي وضعها. ومع تعرض الشركات الموجودة لتهديد بسبب زعزعة، هي تتراجع إلى استراتيجية ما أسماه كريستنسن الابتكارات المستديمة Sustaining innovations — إضافات تزينية جديدة تسمح للشركة الموجودة بالحفاظ على قاعدة عملائها، والأهم من ذلك، هامش ربحها. ولكن ابتكارات كهذه تتجاهل تقريباً الزعزعات التي تنشأ في السوق الخاص بالشركة القائمة.

وبمجرد إطلاق الآيفون، واصلت أبل الاستماع إلى الإشارات في حين لم تُعد الشركة RIM معايرة استراتيجيتها قط. وبدلاً من تكييف منتجها المحبوب بسرعة مع جيل جديد من مستخدمي الهواتف المحمولة، واصلت الشركة RIM إدخال تعديلات على منتجاتها وتحسين أجهزة بلاكبيري الموجودة وقتها ونظامها التشغيلي تحسينات طفيفة تدريجيا. وكان جهاز الآيفون الأول هذا على أكثر من نحو بمثابة إشارة مضللة. فكما هي الحال كثيرا بالنسبة إلى عوامل الزعزعة الناجحة، فإن المنتج الخارق الأول يكون أحياناً كثيرة منخفض الجودة وبالكاد «جيداً بما يكفي» للمستهلكين. وهذا ما يُمكِّن الشركات ذات المنتجات الراسخة من تبرير تجاهل منتجات كهذه. ولكن الصعود إلى الجودة سريع. وقد أجرت أبل تحسينات سريعة على الهاتف والنظام التشغيلي. وسرعان ما صار واضحاً أن الآيفون لم يكن يُقصَد به قط أن ينافس البلاكبيري. وقد كانت أبل تتمتع برؤية مختلفة تماماً لمستقبل الهواتف الذكية — فقد أبصرت الاتجاه الراغب بأجهزة فردية لكل مسالك الحياة، وليس للشركات فحسب — ومن ثم فإنها ستتجاوز الشركة RIM.

وكانت الطرق التي خططت بها الشركة RIM وأبل لمستقبلهما هي ما ختم مصيريهما، وما حدث للشركة RIM هو تحذير ينطبق على كل مؤسسة. وبوسع القيادة العليا أن تختار الاعتماد على حالة عدم اليقين ومتابعة القوى المزعزعة في متابعة منهجية في وقت مبكر، أو يمكنها أن تختار الابتكار في شكل ضيق وتعزيز الممارسات والمعتقدات المكرسة.

ويستخدم العديد من الشركات في مختلف أنحاء العالم نظرية القوى المستقبلية لمساعدتها على فهم حالة عدم اليقين العميقة والتحرر من طغيان الابتكار الضيق. ويستخدمها البعض في بداية مشروع استراتيجي، بينما يستخدمها آخرون كمبدأ توجيهي في مراحل عملهم وعملياتهم وتخطيطهم كلها. ويتمثل العامل الأساسي بتحقيق الارتباط بين كل مصدر من مصادر التغيير والشركة وأيضاً في طرح أسئلة مثل من يمول التطورات الجديدة والتجريب في مصدر التغيير هذا؟ ما المجموعات السكانية التي ستتأثر في شكل مباشر أو غير مباشر بالتحولات في هذا المجال؟ هل يمكن أن تؤدي أي تغييرات في هذا المصدر إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية في المستقبل؟ كيف يمكن أن يؤدي التحول في هذا المجال إلى تحولات في قطاعات أخرى؟ من الذي قد يستفيد إذا أحدث تقدم في مصدر التغيير هذا ضرراً؟

لقد شاهدت أكبر نجاح في الفرق التي تستخدم أداة التغيير الكلي ليس فقط لمُخرَج معين لكن أيضاً لتشجيع مسح مستمر للإشارات. ونقلت إحدى الشركات المتعددة الجنسيات الفكرة إلى أقصى حد: لقد بنت مجموعات متعددة الوظائف تتكون من القادة والمديرين في الإدارة العليا من كل جزء من المؤسسة في أنحاء العالم كلها. وتتألف كل مجموعة من عشرة أشخاص، ويُخصَّص أحد مصادر التغيير الكلي لكل شخص، إلى جانب عدد قليل من المواضيع التكنولوجية المحددة المتعلقة بوظائفهم الفردية. ويتحمل أعضاء المجموعة مسؤولية متابعة مناطق التغطية المخصصة لهم. وبضع مرات في الشهر تجري كل مجموعة محادثة استراتيجية تستغرق 60 دقيقة لمشاركة المعرفة والتحدث عن العواقب المترتبة على الإشارات الضعيفة التي تكتشفها. وهذه الطريقة ليست طريقة عظيمة لتطوير القدرات الداخلية لمتابعة الإشارات وبنائها فحسب، بل هي ترعى كذلك تواصلاً أفضل في أنحاء المؤسسة كلها.

وقد يتعارض ذلك مع الثقافة المكرسة لمؤسستكم، لكن احتضان حالة عدم اليقين هو أفضل طريقة لمواجهة القوى الخارجية الخارجة عن نطاق سيطرتكم. ويُعَد البحث عن إشارات ضعيفة من خلال النظر عن بعد عبر عدسات التغيير الكلي أفضل طريقة ممكنة للتأكد من بقاء مؤسستكم قبل وصول الموجة التالية من الزعزعة. والأفضل من ذلك، هو كيف يمكن لفريقكم أن يضع نفسه في مقدم هذه الموجة، ما يقود صناعتكم بالكامل إلى المستقبل.

آمي ويب Amy Webb

آمي ويب Amy Webb

(@amywebb) مؤسسة معهد المستقبل اليوم Future Today Institute وأستاذة التبصر الاستراتيجي في كلية شتيرن للأعمال Stern School of Business بجامعة نيويورك New York University. للتعليق على هذا الموضوع: http://sloanreview.mit.edu/x/61309.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى