أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تعليمزعزعةشركاتموارد بشرية

التعليم مُزعزع

في مواجهة الفجوات الكبيرة في المهارات، توقفت الشركات عن انتظار تلبية التعليم العالي احتياجاتِها التنافسية السريعة التحول.

مايكل بي. هورن

يواجه أصحاب العمل فجوات كبيرة في المهارات عبر مراحل عملياتهم كلها، وعند المستويات كلها، ولا يمكنهم في ما يبدو أن يسدُّوا هذه الفجوات ببساطة من خلال توظيف أشخاص جدد. ففي سوق العمل الضيق اليوم، هناك نحو سبعة ملايين وظيفة شاغرة تعاني الشركات لإيجاد مرشحين مؤهلين لها لأن المتقدمين يفتقرون -في العادة- إلى المهارات الرقمية والشخصية المطلوبة للنجاح. وفي مواجهة التغيرات التكنولوجية السريعة مثل التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي AI، تشكل مساعدة الموظفين على مواكبة التغيرات تحدياً. وتتصارع الشركات مع كيفية الاحتفاظ بالمواهب الأبرز — وهذه ميزة حاسمة في بيئة تتسم بالمنافسة المفرطة. ولا عجب في أن يُفيد 77% من المسؤولين التنفيذيين الرئيسيين عن أن ندرة الأفراد الذين يتمتعون بمهارات أساسية تشكل التهديد الأكبر لأعمالهم، وفق استطلاع للرؤساء التنفيذيين أجرته بي دبليو سي PwC في عام 2017.

ونتيجة لهذا لم تعد الشركات قادرة على الانتظار حتى يتمكن «النظام» التقليدي من إمداد العاملين الذين تأمل في أن يساعدوها على تشكيل مستقبلها — فالحاجة حادة للغاية وملحة للغاية، ولاسيما في ضوء حالة الإنكار التي يشهدها العديد من مؤسسات التعليم العالي. ويتعين علينا أن نغير الطريقة التي نعلم بها كلاً من الطلبة التقليديين البالغين سن الدراسة الجامعية والمتعلمين الراشدين.

وفي العام الماضي، عندما اجتمع 4,500 شخص في قمة إيه إس يو جي إس في ASU GSV Summit بسان دييغو لمناقشة الإبداع في كل من التعليم وتطوير المواهب المساوى للتعليم وإن كان الأهم، كان من الواضح أن الشركات المشاركة أبدت حرصاً على إيجاد مسارات بديلة. وفي هذا المؤتمر، ينضم الزعماء السياسيون وصناع السياسات إلى الرؤساء التنفيذيين CEOs وأصحاب رأس المال الاستثماري VCs لمناقشة حتمية الاستثمار في رأس المال البشري. ويعمل رواد الأعمال الحاضرون بكل حماسة لبيع بضائعهم أو عقد صفقات، تشبه تلك التي تغذي زيادة حادة في القيمة الإجمالية للاندماجات Mergers والاستحواذات Acquisitions العالمية بين شركات التعليم وتطوير المواهب، من 4 بلايين دولار في عام 2008 إلى 40 بليون دولار في عام 2018.1“Fast Facts,” ASU GSV Summit, accessed Nov. 18, 2019, www.asugsvsummit.com. ويشارك مسؤولون تنفيذيون من شركات رائدة مثل أبل Apple وغوغل Google وفيسبوك Facebook وووركداي Workday وسيلزفورس دوت كوم Salesforce.com لتبادل الأفكار -والتعلم- حول طرق جديدة للمضي قدماً.

وتوفر المناسبة السنوية مراجعة منتظمة لوضع التعليم المؤسسي Corporate learning. والمقصود بالمناسبة، جزئياً، إقناع الشركات بتركيز جهودها، وذلك لأن عدم توافق جوهرياً لا يزال قائماً بين مدى تعبير هذه الشركات عن رغبتها في الاستثمار استراتيجياً في موظفيها الحاليين والمستقبليين وما تقوم به بالفعل.

وفي إحدى حلقتي المناقشة الرئيسيتين في العام الماضي، تحسرت ليغان ليفينسالر Leighanne Levensaler، نائبة الرئيس التنفيذي لاستراتيجية الشركات في ووركداي، على نقص كبير في الاستثمار في رأس المال البشري على الرغم من كل الضجة المحيطة بهذا الموضوع. وكتبت ميشيل ويز Michelle Weise، النائب الأول لرئيس استراتيجيات القوى العاملة في شبكة سترادا التعليمية Strada Education Network وكبيرة مسؤولي الابتكار في معهد سترادا لمستقبل العمل Strada Institute for the Future of Work، تقول إن 93% من الرؤساء التنفيذيين الذين شملهم استطلاع بي دبليو سي اعترفوا بـ«الحاجة إلى تغيير استراتيجيتهم لجذب المواهب والاحتفاظ بها»، لكن 61% منهم، وهي نسبة مذهلة، لم يقوموا بعد باتخاذ أي خطوات من أجل القيام بذلك2M. Weise, “Re-skilling Me Softly: Why Are American Companies So Bad at Re-skilling?” Quartz, Oct. 1, 2019, https://qz.com/. See also “17th Annual Global CEO Survey,” PwC, 2019.. ووفق استطلاع حديث أجرته هارفارد بزنس بابليشينغ كوربورات ليرنينغ أند ديغريد Harvard Business Publishing Corporate Learning and Degreed، يشعر ما يقرب من نصف الموظفين بخيبة الأمل من برامج التعلم والتطوير التي ينفذها صاحب العمل.3C. Westfall, “New Survey: Nearly Half of Workers Unsatisfied With Learning and Development Programs,” Forbes, Oct. 8, 2019, www.forbes.com.

لكن هناك بعض الاستثناءات الملحوظة لهذا الاتجاه السائد. مثلاً، في يوليو 2019، أعلنت أمازون Amazon أنها «ستنفق 700 مليون دولار على مدى ست سنوات على التدريب ما بعد الثانوي على الوظائف لـ100 ألف من العاملين لديها والمتوقع أن يبلغ عددهم 300 ألف عامل قريباً». وفي الوقت الحالي، تقول أمازون إنها تعتزم إسناد هذا التدريب خارجياً إلى كليات وجامعات تقليدية. (لمزيد من التفاصيل انظر في هذا العدد: الرهان الكبير على تطوير الموظفين). لكن بمجرد أن تبدأ أمازون بالعمل كمنصة لهذا التدريب، لن يكون من الصعب أن نتخيل أنها ستكون في وضع جيد يسمح لها بتقديم هذا التدريب بنفسها — من دون «وساطة» الكليات والجامعات — في المستقبل.4P. Fain, “Amazon to Spend $700 Million on Training, Mostly Outside College,” Inside Higher Ed, July 12, 2019, www.insidehighered.com. وعلى الرغم من أن منافسي أمازون سيراقبون بلا أدنى شك تحركاتها التدريبية عن كثب، ربما كان لزاماً على صناعة التعليم أن تراقب عن كثب أكثر، لأن هذه التحركات قد تبشر بتحول كامل في مشهد التعليم، من المرحلة الجامعية إلى التقاعد.

ولنضع هذا التطور في منظوره الصحيح، من الجدير بنا أن نتذكر كيف تطور التعلم بالفعل في السنوات الأخيرة قبل أن نضع إعلان أمازون في الإطار الأوسع للفرص والتحديات التي تواجه أصحاب العمل.

ما هي المرحلة التالية لتعلم الراشدين؟

إن التعليم اليوم هو في خضم تحول رقمي.

ولم تعد صحة الأمر موضوعاً لمناقشة محتدمة. فقد نشأ التعلم عبر الإنترنت قبل أكثر من عقدين بوصفه فئة من التكنولوجيا تمكن مجموعة من نماذج الأعمال Business models ذات القدرة على زعزعة Disrupting النظام القائم. فالطلبة لم يعودوا في حاجة إلى الاجتماع في موقع مركزي للاستمتاع بتجربة تفاعلية في الوقت الفعلي Real time مع المدرس والأقران. وبات يمكنهم بدلاً من ذلك المشاركة من أي مكان في العالم، بطريقة معقولة أكثر من حيث التكلفة المادية والراحة.

ويتزايد هذا الاتجاه بسرعة في التعليم ما بعد الثانوي. واليوم، يشارك ما يقرب من ثلث الطلبة في الولايات المتحدة في مقرر واحد على الأقل عبر الإنترنت كجزء من تجربتهم في التعليم العالي المُعتمد، ويدرس أكثر من 15% عبر الإنترنت فقط.5D. Lederman, “Online Education Ascends,” Inside Higher Ed, Nov. 7, 2018, www.insidehighered.com.  ويكون العديد من هؤلاء الطلبة راشدين يعملون أثناء تعلمهم. وهناك عدد لا يحصى من العاملين الذين يأخذون مقررات تكميلية على منصات مثل كورسيرا Coursera، وأودمي Udemy، وإد إكس edX.

والواقع أن التعلم عبر الإنترنت أدى إلى إنشاء العديد من المؤسسات والعروض التي تدعم جهود تطوير المواهب في الشركات. مثلاً، تساعد بلورال سايت Pluralsight، ولينكد إن ليرننغ LinkedIn Learning (التي أُنشِأت بعد الاستحواذ على ليندا دوت كوم Lynda.com، وليرن آت فوربس Learn@Forbes وأوداسيتي Udacity) أصحاب العمل على تجديد مهارات القوة العاملة في مجالات لا حصر لها، تكون أحياناً كثيرة مجالات متخصصة أو متطورة. وتسمح شركات ناشئة مثل غيلد إديوكايشن Guild Education وإن سترايد InStride للشركات بالعمل مع كليات وجامعات لتقديم التعلم كأحد المزايا الممنوحة للموظفين. وظهرت ديغريد Degreed لقياس التعلم والمهارات داخل المؤسسة والمساعدة في تقييمها. أما معسكرات التدريب على الترميز Coding والهندسة، مثل جنرال أسمبلي General Assembly وغالفانايز Galvanize، وغيرهما من الجهات المزوّدة لخدمات ما يُسمَّى بالمرحلة الأخيرة من التعليم (يقدم العديد منها برامج مختلطة Blended أو متوفرة عبر الإنترنت بالكامل Fully online)، فتعمل في شكل مباشر أكثر مع الشركات. وتتشارك جامعات مثل جامعة ولاية أريزونا Arizona State University، وبلفو Bellevue، وسثرن نيو هامبشاير Southern New Hampshire، وآشفورد Ashford، فضلاً عن مدارس مثل ألتيمات ميديكال أكاديمي Ultimate Medical Academy، مباشرة مع شركات مثل ستاربكس Starbucks وولمارت Walmart لتقديم التعليم للموظفين.

وتيرة الإبداع في التعليم المؤسسي محمومة — وتتسم بالتفاوت الشديد. فمع تنافس مزوّدي الخدمات على خدمة الشركات، لا توجد إجابة موحدة واحدة حول الشكل الذي قد يبدو عليه التعليم المؤسسي في المستقبل. وتماماً مثلما عملت الشركات دائماً لجمع مجموعة متنوعة من حلول التعلم لدعم احتياجاتها، فمن المرجح أن تستمر في القيام بهذا.

لكن هذه الوفرة من الأساليب الجديدة والأطراف الفاعلة أدت إلى الشيء نفسه الذي حققه الإبداع المزعزع في عدد لا يُحصَى من المجالات الأخرى: خيارات معقولة أكثر لجهة الأسعار وأكثر ملاءمة. وفي حالة التعلم وتطوير المواهب، من الممكن أن تسمح عروض كهذه للشركات باستثمارات أكبر في أهم أصولها: موظفيها. لكن ما هي الشركات التي ستستفيد من هذه الفرصة لتحسين صافي دخلها ورفاه موظفيها على حد سواء؟ ليست الإجابة على هذا التساؤل واضحة بعد، ولو أن من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت كتلة حاسمة من المؤسسات ستحذو حذو أمازون.

حل مترابط للتدريب

لم يكن إعلان أمازون مفاجئاً على أكثر من نحو. فالحاجة إلى مواهب أفضل تدريباً هي حاجة واضحة في الشركات في مختلف أنحاء العالم، أما أمازون فتتخذ مساراً يمكن توقعه بعض الشيء.

والواقع أن جهود أمازون تشبه ما شهدناه من أحداث في مجالات تكنولوجية أخرى لعقود، دعمت فرضيات نظرية الاعتماد المتبادل والنمطية Theory of Interdependence and Modularity التي وضعها كلايتون كريستنسن. وتخبرنا النظرية أن في السنوات الأولى من نموذج فكري جديد، يجب على مزوّدي المنتجات والخدمات، من أجل النجاح، إدماج العناصر كلها الخاصة بسلسلة القيمة Value chain. والتي لا يمكن توقعها والتي تحدد الأداء. ولنتأمل هنا كيف دمجت آي بي إم IBM، في الأيام الأولى من تصنيع الكمبيوترات المركزيةMainframe computers، بين صناعة الأجزاء الصلبة Hardware تصميم أنظمة التشغيل المترابطة Interdependent operating systems، وأنظمة ذاكرة أساسيةCore memory systems، وبرمجيات تطبيقاتApplication software، وما إلى ذلك. وأدركت آي بي إم أن ازدهارها يتطلّب منها أن تفعل ما هو أكثر من مجرد صنع الآلات التي ستعمل بسلاسة مع مكونات معيارية يطورها آخرون. كان عليها أن تمتلك سلسلة القيمة بأكملها.

ونحن الآن ندخل في لحظة مماثلة في مجال تعليم القوى العاملة. فالوضع الراهن الذي كان موجوداً في الاقتصاد الصناعي Industrial economy والسنوات الأولى من اقتصاد المعرفة Knowledge economy— حين كانت الروابط بين الشركات والمؤسسات التعليمية التي غذتها متوقعة وجيدة بما يكفي — لم يعد كافياً.

وفي حالة أمازون تُعَد الخطوة غير الجيدة بما فيه الكفاية من خطوات سلسلة القيمة هي التعليم الذي توفره الكليات والجامعات. ولأن الموضوع الذي يحتاج موظفو أمازون إلى معرفته يتغير بسرعة ولأن إعداد المناهج من قبل هيئة التدريس والعمليات التقليدية في التعليم العالي سيكون مرهقاً جدا، خلصت أمازون إلى أنها ستتولى في الأساس دوراً أكثر نشاطاً في تعليم 100 ألف من موظفيها وتدريبهم. وما قد تكون متابعته مثيرة للاهتمام بالقدر نفسه هو وجهة أمازون مع هذا التطور. فقد كانت الشركة أول عميل لنفسها للخدمات الشبكية من أمازون Amazon Web Services، وذلك حتى قبل أن تتيح هذه الخدمات للآخرين. وليس من الصعب أن نتخيل أن أمازون تفعل شيئاً مماثلاً في مجال التعليم المؤسسي. لكن هل ستسعى أمازون لتشكيل مستقبل القوة العاملة العالمية من خلال برامجها التعليمية الخاصة؟ يبدو أن الشركة اختارت التوقيت المناسب لذلك.

التركيز على العائد على الاستثمار

لتستثمر الشركات في حلول التعلم بطريقة مستدامة، من المرجح أن تدعو الحاجة إلى عائد واضح وقوي على الاستثمار Return on investment (اختصارا: ROI) وكما لاحظت أليسون ساليزبوري Allison Salisbury، وهي شريكة ورئيسة الابتكار في أستوديو مشاريع التعليم إنتانغلد غروب Entangled Group، تستطيع الشركات النظر من خمس زوايا مختلفة على الأقل عند الاستثمار في رأس المال البشري: توفير برامج تمهيدية Providing on-ramp programs، وتعزيز مهارات الموظفين لصالح المؤسسة نفسهاUpskilling، وتعليم مهارات جديدة Re-skilling، وتنويع مهارات الموظفين بما يؤهلهم لأعمال أخرى حتى خارج المؤسسة Outskilling، والتعليم كميزة من المزايا الممنوحة للموظف Education as a benefit6A. Dulin Salisbury, “As Pressure to Upskill Grows, Five Models Emerge,” Forbes, Oct. 28, 2019, www.forbes.com. . وقد تكون بعض هذه النُهُج أكثر استدامة من غيرها، لكن لكل نهج عائد متميز على الاستثمار. مثلاً، تعمل البرامج التمهيدية لتعزيز الجودة والتنوع لدى المرشحين للمناصب التي يصعب شغلها من خلال تقديم تدريب قريب الأجل ينشئ إمداداً مباشراً من المواهب لأصحاب العمل. وتساعد برامج تنويع المهارات، التي تنمو الآن، الموظفين الذين لا مستقبل لهم في شركة ما، في بناء مجموعة من المهارات اللازمة لتغيير حياتهم المهنية. وتصبح الشركات التي تعرض خدمات كهذه أماكن أكثر جاذبية للعمل وتعزز سمعتها في سوق العمل.

الطلبة لم يعودوا في حاجة إلى الاجتماع في موقع مركزي للاستمتاع بتجربة تفاعلية في الوقت الفعلي مع المدرس والأقران. وبات يمكنهم المشاركة من أي مكان في العالم.

 

وفي اقتصاد اليوم، حيث تفوق فرص العمل المتاحة عدداً العاطلين الأمريكيين عن العمل، تصبح حتمية الاستثمار في العديد من هذه الفئات، إن لم يكن كلها، واضحة لأصحاب العمل. وتتنافس الشركات على مورد نادر: الأفراد المؤهلون لتنفيذ المهام الحاسمة لرسالتها. ومن هنا، تعلن الشركات الشبيهة بأمازون وإيه تي أند تي AT&T في العالم عن رهانات كبيرة على التدريب بنصف بليون دولار.7S. Caminiti, “AT&T’s $1 Billion Gambit: Retraining Nearly Half Its Workforce for Jobs of the Future,” CNBC, March 13, 2018, www.cnbc.com.

لكن هل هذه الاستثمارات في أوقات الرخاء Fair-weather investments فحسب؟ وعندما يمر الاقتصاد بمرحلة غير مواتية حتمية، أي من هذه الفئات قد تتخلى عنها الشركات؟ إذا كان الماضي دليلا لنا فيما سيأتي، فستكون الفئات الأكثر عرضة للمخاطر تلك التي تكون فيها العوائد أقل مباشرة من غيرها — أي مجالات مثل تنويع المهارات، ربما، حيث تتعلق المنافع المباشرة التي تعود على الشركة بالسمعة أكثر منها بالمال. بل إن تعزيز المهارات سيكون عُرضة للخطر — على الرغم من جانبه الاقتصادي الإيجابي الواضح، نظراً إلى الفجوات الواسعة النطاق في المهارات التي تحتاج الشركات إلى سدها على وجه السرعة — ما لم يتمكن أصحاب العمل من إظهار عائد واضح على الاستثمار أفضل من الاستثمارات المحتملة الأخرى في الأتمتة وما إلى ذلك، كما كتب مايك إيكولز Mike Echols، المدير السابق لمختبر رأس المال البشري Human Capital Lab التابع لجامعة بلفو Bellevue University.8M.E. Echols, “ROI on Human Capital Investment,” 2nd ed. (Littleton, Massachusetts: Tapestry Press, 2005).

تحدي القياس

يكمن التحدي الأكبر الذي يواجه الشركات الراغبة في الاستثمار في شكل مستدام وبقوة في رأس المال البشري في التعرف على أنواع الموظفين الذين تحتاج إليهم. وعلى الرغم من التطور الواضح الذي اكتسبه أصحاب العمل في مجال تحليل البيانات، يمتلك عدد قليل منهم فهماً واضحاً للمهارات والكفاءات والعادات الكامنة التي يتمتع بها موظفوهم الأكثر نجاحاً — ناهيك عن قواهم العاملة المستقبلية. ونتيجة لهذا لا يعرفون عن ماذا يبحثون عندما يعلنون عن وظائف شاغرة، ويقابلون المرشحين، ويوظفون أشخاصاً جدداً.

ومن العلامات الرئيسية التي تدل على عدم دقة عملية التوظيف أن ما يقرب من 50% من الموظفين المعينين حديثاً يفشلون في غضون 18 شهراً.9M. Murphy, “Why New Hires Fail (Emotional Intelligence vs. Skills),” Leadership IQ, June 22, 2015, www.leadershipiq.com.  ولهذا الفشل تكاليف كبيرة — 15 ألف دولار في المتوسط، وفق استطلاع لكارير بيلدر CareerBuilder Survey10“Nearly Three in Four Employers Affected by a Bad Hire, According to a Recent CareerBuilder Survey,” CareerBuilder, Dec. 7, 2017, http://press careerbuilder.com..

لماذا يعاني أصحاب العمل في فهم ما هو مهم للنجاح في مناصب معينة؟ يرجع هذا جزئياً إلى حقيقة مفادها أن الخبراء معروفون بسوء معرفة ما يعرفونه. ووفق كتاب كيف يعمل التعلم How Learning Works11S.A. Ambrose, M.W. Bridges, M. DiPietro, et al., “How Learning Works: Seven Research-Based Principles for Smart Teaching,” 1st ed. (San Francisco: John Wiley & Sons, 2010).، عندما يكتسب الأفراد خبرة في منصب أو مجال معين، يمرون بمراحل، من المبتدئين الذين لا يعرفون ما لا يعرفونه إلى المبتدئين الذين يعرفون فعلاً ما لا يعرفونه إلى الخبراء الذين يعرفون ما يعرفونه إلى الخبراء الذين لا يعرفون ما يعرفونه. والسبب وراء هذا هو أن أتمتة المعرفة Automating knowledge— أي في الأساس نقلها إلى لاوعي الفرد كمعلومات خلفية — تكون حاسمة في إفساح مساحة للمهام المعقدة والإبداعية التي يقوم بها خبير ما. لكن نتيجة لهذا لا تكون مطالبة أصحاب الأداء الأعلى في شركة ما بكتابة توصيف وظيفي Job description، مثلاً، أو تحديد المهارات التي تحتل موقعاً مركزياً في ما يتعلق بالقيام بعمل في شكل صحيح، بالبساطة التي تبدو عليها، وذلك لأن الخبراء لا يتذكرون بكل ما للكلمة من معنى. وهم بارعون في وظائفهم لأن قدراً كبيراً من معارفهم مؤتمت، لذلك فهم غير قادرين على أن يصيغوا بسهولة المهارات الضرورية. فما هو الحل لهذه المشكلة؟

على مدى سنوات، كانت إحدى الطرق الأكثر موثوقية لتحديد الكفاءات الأساسية Key competencies تتمثل في تحليل المهام المعرفية Cognitive task analysis، وهي عملية مراقبة للأنشطة الكامنة التي تنطوي على أداء وظيفة وتوثيقها. لكن تحليل المهام المعرفية مكلف نسبياً ويستغرق وقتاً طويلاً، لذلك لا يقوم به أغلب أصحاب العمل.

تتنافس الشركات على مورد نادر: الأفراد المؤهلون لتنفيذ المهام الحاسمة لرسالتها.

وهنا تكمن فرصة Opportunity— وهكذا تسارع موجة من مزوّدي الخدمات إلى تقديم طرق جديدة لقياس مهارات الموظفين. مثلاً، طوِّرت ديغريد Degreed منصة تسجل ما يفعله الموظفون المتعلمون كله، في محاولة لفهم مسارات التعلم المختلفة لديهم. كذلك تقدم مجموعة من تقييمات المهارات لاعتماد الخبراء في مجالات مختلفة. وتقدم لينكد إن ليرننغ LinkedIn Learning تقييمات مماثلة، إلى جانب برمجية تعلم لمساعدة الموظفين في تعزيز المهارات، وتعقب مهارات الموظفين التي يبلغون عنها بأنفسهم وروابطهم بوظائف مختلفة.

وإذا نجحت أطراف فاعلة من هذا القبيل في رصد المهارات الحقيقية في قلب العمل وقياس مدى تحصيلها، من الممكن أن يُترجَم هذا إلى قياس Measurement أكثر دقة للعائد على الاستثمار في رأس المال البشري. وهذا بدوره من شأنه أن يدفع أصحاب العمل إلى الاستفادة في شكل أفضل كثيراً من القائمة الناشئة من الأدوات المزعزعة Disruptive tools المكرسة لمساعدة الموظفين في التعلم بطريقة استراتيجية مستدامة وليس بطريقة عرضية ومخصصة.

مايكل بي. هورن Michael B. Horn

مايكل بي. هورن Michael B. Horn

(@michaelbhorn)، مؤلف مشارك لكتاب اختيار الكلية Choosing College (مع بوب موستا Bob Moesta)، وكبير مسؤولي الاستراتيجية في إنتانغلد غروب Entangled Group، وهو أستوديو لمشاريع التعليم، والمؤسس المشارك لمعهد كلايتون كريستنسن Clayton Christensen Institute، وهو مركز بحثي غير ربحي. وعمل عن كثب مع بعض الشركات المذكورة في هذا الموضوع، بما في ذلك العديد من الشركات التي كانت عملاء لإنتانغلد. للتعليق على هذا الموضوع: http://sloanreview.mit.edu/x/61306.

المراجع

المراجع
1 “Fast Facts,” ASU GSV Summit, accessed Nov. 18, 2019, www.asugsvsummit.com.
2 M. Weise, “Re-skilling Me Softly: Why Are American Companies So Bad at Re-skilling?” Quartz, Oct. 1, 2019, https://qz.com/. See also “17th Annual Global CEO Survey,” PwC, 2019.
3 C. Westfall, “New Survey: Nearly Half of Workers Unsatisfied With Learning and Development Programs,” Forbes, Oct. 8, 2019, www.forbes.com.
4 P. Fain, “Amazon to Spend $700 Million on Training, Mostly Outside College,” Inside Higher Ed, July 12, 2019, www.insidehighered.com.
5 D. Lederman, “Online Education Ascends,” Inside Higher Ed, Nov. 7, 2018, www.insidehighered.com.
6 A. Dulin Salisbury, “As Pressure to Upskill Grows, Five Models Emerge,” Forbes, Oct. 28, 2019, www.forbes.com.
7 S. Caminiti, “AT&T’s $1 Billion Gambit: Retraining Nearly Half Its Workforce for Jobs of the Future,” CNBC, March 13, 2018, www.cnbc.com.
8 M.E. Echols, “ROI on Human Capital Investment,” 2nd ed. (Littleton, Massachusetts: Tapestry Press, 2005).
9 M. Murphy, “Why New Hires Fail (Emotional Intelligence vs. Skills),” Leadership IQ, June 22, 2015, www.leadershipiq.com.
10 “Nearly Three in Four Employers Affected by a Bad Hire, According to a Recent CareerBuilder Survey,” CareerBuilder, Dec. 7, 2017, http://press careerbuilder.com.
11 S.A. Ambrose, M.W. Bridges, M. DiPietro, et al., “How Learning Works: Seven Research-Based Principles for Smart Teaching,” 1st ed. (San Francisco: John Wiley & Sons, 2010).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى