أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علوم بيئية

هل يجب أن تتوقف الشركات عن السفر جوّاً لمحاربة تغيّر المناخ؟

أندريه ونستون

غريتا ثونبيرغ Greta Thunberg، السويدية البالغة من العمر 16 سنة التي تقود المعركة الهادفة المناخية الشبابية العالمية، جاءت إلى نيويورك للتحدث في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019. ووصلت من أوروبا على متن سفينة. وتعهدت ثونبيرغ بعدم التحليق مطلقاً على متن طائرة بسبب انبعاثات الكربون؛ مما يساعد على إنشاء حركة إخزاء السفر جوّاً في السويد وغيرها. ومن الأمير هاري Prince Harry إلى نجم كرة القدم ديفيد بيكهام David Beckham إلى الرؤساء التنفيذيين الذين يخططون لحضور منتدى دافوس Davos Forum، يُطرَح عليهم سؤال صعب: هل يجب علينا جميعاً التوقف عن السفر جوّاً؟

إنه سؤال معقول. فإذا كان التغير المناخي أزمة وجودية — وأعتقدُ أنه كذلك — ألا ينبغي لنا أن نفعل كل ما في وسعنا للحد من بصماتنا الكربونية Carbon footprints؟ وهل يجب على الشركات التي التزمت بالفعل بالعمل المناخي أن تقود الطريق، جزئيّاً عن طريق خفض عدد رحلات السفر بالطائرات؟

والإجابة هنا هي «ربما» نهائية تعتمد على كثير من العوامل. فهناك أسباب وجيهة للاستمرار بالسفر جوّاً — لربط الجنس البشري وحشد التعاون العالمي، مثلاً، بخدمة مكافحة تغير المناخ. وبغض النظر عن الطريقة التي نرتكز عليها بشكل حدسي، يجب علينا كأفراد وفي الأعمال اتخاذ قرارات كهذا بوعي وبناء على بيانات جيدة.

السفر جوّاً مهم، لكن…
لنبدأ ببضع نقاط من السياق. أولاً، ليست الحركة المضادة للسفر جوّاً خاطئة: فللسفر جوّاً بصمةٌ كبيرة، سواء لكل ميل يُقطَع أم إجمالاً. وتنتج رحلة واحدة ذهاباً وإياباً عبر الولايات المتحدة نحو طنين من ثاني أكسيد الكربون لكل شخص، أو نحو %10 من البصمة السنوية الكبيرة بالفعل للمواطن الأمريكي. ويمثل السفر جوّاً نحو %2 إلى %3 من الانبعاثات العالمية، وهذه نسبة ليست صغيرة، وهي تنمو بسرعة: فالاتحاد الدولي للنقل الجوي يتوقع أن يتضاعف عدد ركاب شركات الطيران خلال السنوات الـ20 إلى أكثر من ثمانية بلايين سنويّاً.

ثانياً، بالنسبة إلى الشركات، قد يكون السفر جزءاً مهمّاً من البصمة التشغيلية للشركة، ولاسيما في قطاع الخدمات (البنوك الفكرية Think banks، وأصحاب رؤوس المال الاستثمارية Venture capitalists، ومكاتب المحاماة Law firms، والشركات الاستشارية Consulting companies، وما شابه).

فماذا نفعل، إذاً؟ نتوقف فحسب؟ ربما لا يكون ذلك قابلاً للتطبيق. وينطبق الأمر نفسه على مجرد استخدام وسائل النقل الأخرى، فالسيارات والقطارات ليست بدائل للرحلات الجوية الطويلة والعابرة للقارات.

ومسألة السفر جوّاً أو عدمه موضوع نقاش محتدم. ففي تبادل على تويترسفير Twittersphere المناخي (نعم، هذا شيء موجود)، غَرَّدت جنفياف غونتر Genevieve Guenther، المؤسسة والمديرة لموقع إند كلايمت سايلنس دوت أورغ EndClimateSilence.org، قائلة: «على قادة حركة المناخ أن يتوقفوا عن السفر جوّاً».

من الصعب كسب القلوب والعقول على الشاشة. فعندما نطلب إلى الأفراد تغيير وجهات نظرهم حول العالم وإجراء تغيير كبير في كيفية عيشهم وممارسة أعمالهم، نحتاج أحياناً إلى النظر إليهم وجهاً لوجه.

وكانت الردود على هذه التغريدة رائعة. فقد أشار الكاتب والمفكر في مجال التكنولوجيا النظيفة رامز نعام Ramez Naam إلى أن تأطير العمل المناخي كتضحية بشكل رئيسي كان عبارة عن هزيمة للذات: «إذا كانت الرسالة التي نوجهها إلى الناس هي ‘لمعالجة المناخ، يجب على الجميع التوقف عن السفر جوّاً ’، فسيكون من الأصعب وليس الأسهل تحفيز الحراك المناخي».

لماذا سأستمر بالسفر جوّاً
توصلتُ إلى استنتاج لصالح الاستمرار بالسفر جوّاً، مع بعض التحذيرات المهمة. ثقوا بي، فأنا قلق جداً من بصمتي، وفي العام الماضي، أخذني عملي في الاستشارات والتحدث أمام الجمهور إلى آسيا وأمريكا الجنوبية عدة مرات. ولم يفتني أنني أحض الشركات على التعامل مع التغير المناخي كحالة طارئة في حين أسافر في رحلات جوية طولها 12 ألف ميل (19 ألف و300 كيلومتر) لنشر هذه الرسالة.

وفيما يلي الحجج الرئيسية الأربع التي رأيتها في المجتمع المناخي وغيره وتدعم قرار الاستمرار بالسفر جوّاً من أجل العمل. (أعتقدُ أن الخيار المتعلق بالسفر الشخصي والإجازات الشخصية هو محادثة أخرى). وضمّنت أيضاً بعض الأفكار حول كيفية إجراء الشركات عملاً أفضل للقصر الواعي للسفر جوّاً على الرحلات الأساسية فقط.

السفر الجوي أكثر كفاءة. قد تكون هناك أسباب رمزية للامتناع، وقد يكون قرار ثونبيرغ الإبحار لمدة 15 يوماً للوصول إلى الولايات المتحدة مفهوماً في سياق خطابها. لكن فيما يتعلق بتغير المناخ على وجه الخصوص، أمامنا كثير من العمل الذي يتعين علينا فعله. فالكثيرون يحتاجون إلى التنقل بسرعة، سواء من أجل العلوم (من الصعب أخذ عينات من جليد القطب الشمالي بالقرب من المنزل) أوالوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس للدفاع عن التغيير. ففي تبادل على تويتر Twitter بعد إعلان غونتر، قالت عالمة المناخ المعروفة كاثرين هايهو Katharine Hayhoe بإيجاز: «أنا مقتنعة بنسبة %100 بأنني أستطيع أن أحدث فرقاً [بالسفر جوّاً] أكثر من عدمه».

كيف نحسن أداءنا: يجب علينا جميعاً أن نأخذ الكفاءة بالاعتبار ونبذل مزيداً من الجهد مع كل رحلة. مثلاً، عندما طلبت إليَّ شركة تعدين في البرازيل التحدث إلى مجلس إدارتها الذي يضم نحو 12 شخصاً، طلبت أن تساعدني الشركة على جعل الرحلة مهمة. وعقدت الشركة اجتماعاً آخر في مركز للابتكار بالصناعة، حيث تحدثتُ (مجاناً) أمام عشرات الأشخاص من عدد من شركات التعدين المتعددة الجنسيات العاملة في المنطقة. يجب على الشركات كلها إيجاد طرق للجمع بين الرحلات واختيار مواقع الاجتماعات بحيث تقلل من إجمالي المسافة المقطوعة.

وهناك مزيد من التأثير. نحن البشر نوع يفضل التواصل وجهاً لوجه. ويجب على الأشخاص الذين يعملون في مجال تغير المناخ، وجميعنا في مجال الأعمال نحاول إحداث تغيير، أن يكسبوا القلوب والعقول. ومن الصعب فعل ذلك على الشاشة، ولاسيما عندما تحاولون الارتباط عند المستوى البشري مع المئات أو الآلاف في غرفة في وقت واحد. قدمتُ عروضاً تقديمية على شاشات كبيرة عالية الجودة للحد من السفر والتكلفة، وعلى الرغم من أنها ليست عديمة المنفعة: ليس الأمران سيان. فعندما نطلب إلى الأفراد تغيير وجهات نظرهم حول العالم وإجراء تغيير كبير في كيفية عيشهم وممارسة أعمالهم، نحتاج أحياناً إلى النظر إليهم وجهاً لوجه.

كيف نحسن أداءنا: على الرغم من أهمية وجودكم شخصيّاً، فهو ليس ضروريّاً دائماً. وهناك بعدان أساسيان يجب مراعاتهما: مدى معرفة الأشخاص المجتمعين لبعضهم بعضاً، وما إذا كان الاجتماع اجتماعاً داخليّاً أو خارجيّاً. فعندما انضممتُ إلى مجلس إدارة جديد لمؤسسة مقرها المملكة المتحدة، سافرتُ جوّاً للقاء الجميع. وخلال الاجتماع الفصلي الثاني، شاركتُ عبر تطبيق زوم Zoom. وفي الشركات الكبيرة، فإن الاجتماعات الداخلية هي أفضل الفرص للحد من السفر. لذلك انتقلوا لمقابلة العملاء والشركاء شخصياً إذا كان الأمر يُحدِث فرقاً أو ربما عند مقابلة فريق داخلي للمرة الأولى. ولكن ماذا بالنسبة إلى العديد من الاجتماعات الأخرى؟ إن زوم وسكايب Skype والمنصات الأخرى للاجتماعات عن بُعد جيدة بدرجة كافية.

هناك دوافع أخرى لبصمة الكربون. غرد العالم جوناثان فولي Jonathan Foley، المدير التنفيذي لمنظمة الأبحاث المناخية بروجكت دروداون Project Drawdown، قائلاً: «لماذا السفر جوّاً فقط؟ يمكن قول الشيء نفسه عن الوجبات الغذائية. أو استخدام تكييف الهواء. أو وجود إضاءة منخفضة الكفاءة. أو قيادة مركبة بمحرك احتراق داخلي؟»

وهذه نقطة منصفة. ولا أجد الأمر قوياً بالقدر نفسه عندما يتعلق الأمر بالخيارات التي نتخذها. على المستوى الفردي: أتجنبُ اللحوم الحمراء والبيضاء منذ أكثر من 25 سنة، وبيتنا ذو كفاءة كهربائية عالية جدّاً ومزود بألواح شمسية، ونقودُ مركبة كهربائية الآن (بعد 13 سنة من قيادة المركبات الهجينة فقط)، لكنني لا أتوهم أبداً أن ذلك يُعادل تأثير كم أسافر جوّاً. ولكن بالنسبة إلى المؤسسات، وربما تلك التي لا تعمل في قطاعات الخدمات، يمكن لإحراز التقدم في المجالات الأخرى أن يساعد على معادلة تأثيرات السفر جوّاً.

كيف نحسن أداءنا: حتى بالنسبة إلى شركات الخدمات، من المحتمل أن تتضاءل بصماتها التشغيلية — أي الأجزاء التي لها علاقة بسفر الموظفين بواسطة شركات للطيران — بسبب تأثير ما تفعله شركاتهم بالفعل. وبمعنى آخر، قد يكون للمصارف بعض الأثر في انبعاثات الكربون إذا حَدَّت من سفر الموظفين جوّاً، لكن قد يكون لها أثر كبير إذا حولت قروضها وتمويلها واستثماراتها بعيداً من الوقود الأحفوري ونحو الاقتصاد النظيف. فهذا سيحد من الكربون أكثر بكثير من إبقاء مصرفييها على الأرض. أو انظروا فيما إذا كانت الشركات الاستشارية والقانونية والتسويقية ساعدت الشركات حصريّاً على الانتقال إلى نماذج مستدامة حقّاً. فقادة الشركات عليهم تبيان آثار أعمالهم في سلسلة القيمة Value Chain ومن ثم إجراء بعض المحادثات الصعبة حول الغرض من الأعمال. فهل يساعد ذلك على بناء عالم مزدهر؟

نعم، تكون الخيارات الصغيرة مهمة من حيث التأثير الجماعي. لكن تغير المناخ هو أكبر مشكلة واجهناها على الإطلاق. فنحن نحتاج إلى تغييرات كبيرة مثل السياسات التي تضع سعراً للكربون وحوافز للتكنولوجيات النظيفة.

يُعَد إلغاء السفر جوّاً إلهاءً. القلق هنا ذو شقين: أولاً، هل تشبه هذه الحركة التخلي عن قصبة الشرب البلاستيكية — حركة صغيرة لطيفة، لكن مع أثر ضئيل في الاستخدام الكلي للبلاستيك؟ لا شك في أن السفر جوّاً أكبر من ذلك بكثير. ولكن الجزء الآخر من الحجة يتمثل بأن التركيز على العمل والتضحية الفرديَّين هو بمثابة جهد استراتيجي وممتد لعدة عقود من جانب الحشد البطيء الحركة في مجال المناخ (يتألف معظمه من صناعة الوقود الأحفوري وبيوت الخبرة المناهضة للبيئة) Anti environmental think tanks. فقد طلبوا إلينا مزيداً من إعادة التدوير وتناول الطعام بشكل مختلف وما إلى ذلك، بدلاً من التشكيك في تصرفاتهم الأكبر أو كيفية عمل النظام بكامله. نعم، تكون الخيارات الصغيرة مهمة لجهة الأثر الجماعي. فهي ترسل إشارات إلى السوق. ولكن تغير المناخ هو أكبر مشكلة في الأنظمة واجهناها حتى الآن. فنحن نحتاج إلى تغييرات كبيرة مثل السياسات التي تضع سعراً للكربون وحوافز للتكنولوجيات النظيفة حتى تُفعَّل بشكل أسرع.

كيف نحسن أداءنا: لتفعيل العمل من أجل التغيير، يجب أن نستخدم القوة الشرائية للشركات لتغيير كيفية انتقال الموردين جميعاً، بما في ذلك شركات الطيران، إلى أساليب أقل إنتاجاً للكربون في ممارسة الأعمال. وكما قال نعام في تغريدته ردّاً على غونتر: «الطريق المستدام سياسيّاً هو الاستبدال التكنولوجي…. اجعلوا صناعة الطيران تخفض الانبعاثات عبر مسار يوصل إلى الصفر… لتوجيه الابتكار». باختصار، يجب أن نعمل لمساعدة صناعة الطيران على تحقيق أهدافها الخاصة بالكربون المنخفض. وهذا يعني الضغط من أجل سياسات من شأنها الحد من الكربون (مثل دعم الوقود الحيوي أو الطائرات الكهربائية قصيرة المدى)، وكذلك تلك التي من شأنها أن تجعل القطارات أكثر جاذبية (الاستثمار في السكك الحديد العالية السرعة والتخطيط المدني الأكثر ذكاءً) أو تعزيز أدوات الحضور عن بُعد (الجيل الخامس 5G والنطاق العريض للجميع). ويجب أن تدرك الشركات أننا لن نتصدى بشكل فاعل لتغير المناخ بالإجراءات الفردية أو حتى المؤسسية وحدها.

وهذه الحجج هي حجج قوية ويمكن اختصارها بما قاله لي أحد قادة المنظمات غير الحكومية ذات الصلة بالمناخ: «نظراً لأن السفر جوّاً يمثل %3 من الانبعاثات، فأنا موافق على المساهمة في ذلك إذا كنت أعملُ للحد من الـ%97 الباقية».

التحدث وجهاً لوجه يربطنا
لدي نقطة أخيرة فلسفية. نواجه تحديات هائلة ومعقدة مثل تغير المناخ، ونقص المياه والموارد، وعدم المساواة. ولسوء الحظ، بينما نحن بحاجة إلى تعاون عالمي في المسائل التي تهدد النوع Speacies ككل، تجدنا نمر بتحول تاريخي نحو الأنانية والقومية. ولمحاربة ذلك، يجب علينا أن نفهم بعضنا بعضاً — وجهاً لوجه. فنحن بحاجة إلى رؤية من لا نواجههم عادة، جزئيّاً حتى نشعر بإنسانية بعضنا بعضاً.

نعلم جميعاً مدى قوة الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت، لكنها لا تشبه الوقوف أمام جماهير متفائلة (أو معادية). لذلك وعلى غرار الحركات الداعية إلى الحد من تناول اللحوم أو الامتناع عنه، يجب علينا جميعاً الحد من سفرنا جوّاً مع رعاية تغييرات أكبر في النظام الذي نشارك فيه جميعاً.

يتعين علينا فعل الأمرين على حد سواء.

أندرو ونستون Andrew Winston

أندرو ونستون Andrew Winston

مؤسس ونستون للاستراتيجيات البيئية Winston Eco-Strategies ومستشار لشركات متعددة الجنسيات حول كيفية حل أكبر التحديات أمام الإنسانية والاستفادة من حلها. وهو مؤلف مشارك لكتاب من الأخضر إلى الذهبيGreen to Gold ومؤلف المحور الكبير: استراتيجيات عملية جذريّاً لعالم أكثر سخونة وندرة وانفتاحاً Big Pivot: Radically Practical Strategies for a Hotter, Scarcer, and More Open World. وهو يغرد على @andrewwinston. للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61217.
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى