ماذا تعني القيادة؟
لطالما كان ما يُشكِّل الإدارة والقيادة موضوع جدال. ويطمس بعضُ الخبراء الخطَّ الفاصلَ بين الاثنين — فيقولون، مثلاً، إن العمل في القرن الحادي والعشرين يستدعي قادة مشاركين فعليا في العمليات اليومية. ويُعبّر الأستاذ في كلية الأعمال بجامعة هارفارد Harvard Business School بوريس غرويسبرغ Boris Groysberg والمؤلّفة المشاركة له تريسيا غريغ Tricia Gregg عن هذا الرأي في مساهمتهما في سلسلتنا عن (إعادة) تعلّم القيادة في هذا العدد من إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو. ويبيّن تحليلهما أن الرؤساء التنفيذيين CEO ذوي الرؤية الأكثر تكنولوجية هم من يبتكر ون بالعمل مباشرة مع موظفيهم. ويرى غرويسبرغ وغريغ أن الفعل والمشاهدة والتوجيه كلّها جزء لا يتجزأ من العملية.
ويرى خبراء آخرون، مثل سيث غودين Seth Godin، القيادة والإدارة كنشاطَين يتميز أحدهما عن الآخر. وينظر غودين إلى القيادة Leadership على أنها جوهر الإنجازات المُبتكرة، وتُمارَس في أفضل صورها من خلال الروابط البشرية، في حين ينظر إلى الإدارة Management على أنها وسيلة للتحسين التدريجي، تدعمها مناهج قائمة على البيانات Data-driven methods والرصد في الوقت الفعلي Real-time monitoring. ويجادل في أننا، في عالم ما بعد التصنيع، نحتاج إلى مزيد من القيادة وربما إلى قدر أقل من الإدارة.
ومع ذلك، يمكن إدارة الموظفين من دون مراقبة كل تحرّك من تحرّكاتهم وتوجيهه. وفي مقالها عن قيادة الفرق البعيدة Remote teams، تشرح ويتني جونسون Whitney Johnson الكيفية التي توفّر بها إدارةُ المشاريع وأدوات التعاون Collaboration الشفافيةَ اللازمة لإبقاء الموظفين على المسار الصحيح. ولكنها تؤكّد أيضاً على منافع إعطاء الموظفين مجالاً لحل المشكلات بأنفسهم، مما يساعد على تحفيزهم تحفيزا أكثر عمقا وجوهرية.
وتذكّرنا الأستاذة في المعهد MIT، ديبورا أنكونا Deborah Ancona، بأننا إذا أردنا فعل ذلك، فعلينا أن نتنازل عن قدر لا بأس به من التحكّم وأن نمكّن الأفراد والفرق من المشاركة في تحقيق فهم للموضوع ليتمكّنوا من الاستجابة بسهولة لعالم يتغيّر باستمرار. ويعرف معظم القادة هذا الأمر نظريّاً، لكنهم عمليّاً يخشون التخلي عن السيطرة. أما الذين يرخون قبضتهم بالفعل، ويعبِّرون بوضوح عن هويتهم كقادة والأشياء التي يقدّرونها؛ فيستطيعون تعزيز التفكير الإبداعي مع الإبقاء على حركة الموظّفين حركة منسّقة ومنتجة، وفق أنكونا. فيتحقق لهم الأمران معا.
إن التخلي عن الأشياء المجربة والموثوق بها أمرٌ مربك، بل ومبعث قلق. لكن ما من طريقة أخرى للتقدم. وبتلك الروح، تقدّم الأستاذة في كلية لندن للأعمال London Business School هيرمينيا إيبارا Herminia Ibara حجّة قوية لصالح تخلي القادة عن الممارسات الأكثر رمزية لمؤسساتهم أو على الأقل تغييرها تغييرا كبير ا— تلك السلوكيات الراسخة التي تشير إلى المرء باعتباره «شخصاً واسع الاطلاع على دواخل الأمور، ويفهم ثقافة المؤسسة ويمكن الوثوق به كحافظ لها». فبتحدي هذه الأمور التي لا تقبل النقد يتمكّن القادة من إجراء تحوّل حقيقي.
أتمنى لكم قراءة ممتعة لباقة (إعادة) تعلّم القيادة وسائر العدد.