أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
مؤشر الأداءموارد بشرية

عواطف الموظفين ليست ضجيجا – هي بيانات

توفّر العواطف تبصّرات فيما يحفز الموظفين وكيفية تحسين الأداء.

سيغال بارساد، قابلتها فريدا كلوتز

على الرغم من أن شركات كثيرة تبدي اهتماماً شديداً برفاهية موظفيها، فإن جميعها غير مقتنعة بأن الجهود اللازمة لإنشاء مكان إيجابي للعمل والحفاظ عليه ستؤتي ثمارها حقّاً. أما بالنسبة إلى سيغال بارساد Sigal Barsade فالدليل واضح: تحتاج الشركات التي ترغب بموظفين أكثر رضا وأداء أقوى إلى أن تستثمر في فهم ما الذي يُحفِّز الموظفين في حياتهم العملية والانتباه إلى الجانب العاطفي من الثقافة المؤسسية.

حين كانت بارساد في المرحلة الجامعية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس University of California, Los Angeles (UCLA)، وهي الآن أستاذة كرسي جوزيف فرانك بيرنشتاين Joseph Frank Bernstein للإدارة في كلية وارتون Wharton School بجامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، فكرت في مهنة بمجال علم النفس السريري قبل أن تقرر أنها كانت مهتمة أكثر من أي شيء آخر بترك أثر في رفاهية الموظفين من خلال السلوك المؤسسي. وعلى مدار العقدين الماضيين درستْ مجموعة متنوعة من المواضيع، بما في ذلك تأثير المجموعة Group affect، والعدوى العاطفية Emotional contagion، والشعور بالوحدة Loneliness في مكان العمل. ووجدت بارساد من خلال أبحاثها أن العواطف لا تؤثر فقط في عافية الموظف ومشاركته بل كذلك في نتائج الأعمال مثل الإنتاجية والربحية. وتقول إن للاستنتاجات دلالات للشركات الناشئة والمؤسسات الأكبر على حد سواء وهي ذات صلة للجميع، من فريق الإدارة العليا إلى العاملين الذين هم على تماس مع العملاء.

مراسلة إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو فريدا كلوتز Frieda Klotz تحدثت إلى بارساد حول أبحاثها في شأن دور الثقافة العاطفية في المؤسسات. وفيما يلي نسخة مختصرة من محادثتهما:

إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو: يتحدث المُنظِّرون الإداريون عن أهمية الثقافة المؤسسية منذ عقود. وأنت تركزين على ما تسمينه الثقافة العاطفية. فأين الاختلاف؟
بارساد: حين نتحدث عموماً عن الثقافة المؤسسية، نتحدث عن مجموعة معروفة ومعترف بها من المعارف Cognitions التي يُعتبَر إنفاذها مهمّاً للمجموعة من أجل تلبية أهدافها. لكن الثقافة العاطفية هي مجموعة من العواطف Emotions التي يُعتبَر إنفاذها ضروريّاً للمجموعة من أجل تلبية أهدافها.

غير أن أهمية الثقافة العاطفية ليست تعريفية فقط. ونوع الثقافة العاطفية التي تمتلكها مؤسسة أو إدارة — مثلاً، إذا كانت تعتمد على الاهتمام، أو التفاؤل، أو القلق — يتنبأ بنتائج مهمة كثيرة على صعيد العمل، بما في ذلك غياب الموظفين والعمل الجماعي والإجهاد والرضا والأمان النفسي، ونتائج على صعيد الأداء الموضوعي، مثل تكاليف التشغيل.

كيف بدأت بالاهتمام بتفحص الجانب العاطفي من الثقافة؟
بارساد: لطالما اعتُبِرت العواطف ضجيجاً Noise، وإزعاجاً Nuisance، شيئاً يجب إهماله. ولكن ما نعرفه بعد أكثر من ربع قرن من الأبحاث هو أن العواطف ليست ضجيجاً — هي بدلاً من ذلك بيانات. هي لا تكشف ما يشعر به الموظفون فحسب بل كذلك ما يفكرون فيه وكيف سيتصرفون. والعواطف أحياناً غير مشروعة في سياق العمل. وليس هذا غير واقعي فحسب بل هو أيضاً خسارة لكل من المديرين والموظفين إذ يُفوِّتون عاملاً مهمّاً لتحسين رضا الموظفين وإنتاجيتهم.

ما دور المديرين في تشكيل الثقافة العاطفية، وما الذى يمكنهم فعله لتغييرها؟
بارساد: فعليا يُبلَّغ عن الثقافة العاطفية بصورة غير شفهية Nonverbally، وذلك من خلال تعابير وجه الموظفين، ونبرتهم الصوتية، ولغة الجسد Body language. ويعبِّر عنها الموظفون المحيطون بكم، بمن في ذلك — بل وفي الأغلب — المديرون. لذلك يتعين على المديرين أن يمثلوا القدوات من خلال سلوكهم.

الثقافة العاطفية معدية. فأبحاثي تبين أننا نُصابُ بالعواطف من الموظفين المحيطين بنا.1
S.G. Barsade, “The Ripple Effect: Emotional Contagion and Its Influence on Group Behavior,” Administrative Science Quarterly 47, no. 4 (Dec. 1, 2002): 644-675.
فالموظفون ينظرون إلى قادتهم لتفسير الإشارات: هل تسير الأشياء على ما يُرَام؟ ما هي أحوال المؤسسة؟ ما هو موقعي؟ إضافة إلى ذلك، فإن جزءا من العملية ليس واعياً، إذ يعكس العاملون عواطف رؤسائهم ومديريهم. وفي الواقع، تختلف الثقافة العاطفية داخل الصناعات أكثر منها بينها. لماذا؟ لأن الثقافة العاطفية تعكس وجهة نظر قيادة المؤسسة وقيمها، وقد يختلف ذلك عند المستوى المحلي، من فريق إلى فريق. لذلك عندما أسمع عن مجموعة معنوياتها منخفضة، يكون أحد الأسئلة الأولى التي أطرحها، كيف يبدو القادة صباحاً عندما يقدمون إلى المكان؟ هل هم فضوليون وفرحون ومسترخون؟ أو هل يبدو عليهم الغضب والإرهاق؟

عندما تكون الشركة تحت ضغط كبير، ألا يكون من المبالغة أن نتوقع من المدير أن يكون متفائلاً وسعيداً؟
بارساد: كان الخبراء يعتقدون أن عدم السماح لكم بالتعبير الدقيق عن شعوركم قد يؤدي إلى الإجهاد والإرهاق العاطفي. لكن أبحاثاً أحدث بينت أن الأمر يعتمد على العاطفة التي تعبرون عنها أو تكبتونها. مثلاً، حين تعززون العواطف الإيجابية، تعانون في الواقع إرهاقاً عاطفيّاً أقل- فأنتم في الواقع تتصنعون الأمر إلى أن تشعروا به.

وحتى حين يتعلق الأمر بمشاعر التفاؤل، يجب أن يفكر المديرون في نوع الثقافة العاطفية الذي سينجح أكثر من غيره في تحقيق أهداف الأعمال Business goals. وتؤدي العواطف الإيجابية المختلفة إلى نتائج مختلفة. مثلاً، أنا وآيمي أدلر Amy Adler وبول بليز Paul Bliese ووالتر سودن Walter Sowden، وهم من معهد والتر ريد آرمي للأبحاث Walter Reed Army Institute of Research، درسنا فرقاً عسكرية ووجدنا أن ثقافة عاطفية من التفاؤل والفخر كانت أكثر فاعلية في الانتعاش مجددا عن الأداء الضعيف مقارنة بثقافة عاطفية من الفرح والمحبة. وهذا يبين في بعض السياقات أنكم بحاجة إلى نوع محدد من الثقافة العاطفية المختلفة- أي لا يقتصر على “الإيجابي” أو “السلبي”.

ما هي أنواع الأضرار التي قد تتسبب بها الثقافات العاطفية السلبية؟
بارساد: عملتُ مع شركةذات ثقافة عاطفية قوية من الخوف إلى جانب ثقافة عاطفية متوسطة القوة من الغضب والإحباط، وضخمت كل ثقافة منها الأخرى. وكان المكان من ذلك النوع حيث لا يكون أي خبر خبراً جيداً حقّاً. ففي حال أدائكم عملاً جيداً، كان سبيلكم إلى معرفة ذلك أن أحداً لن يصيح عليكم أو يقول إنكم سيئون. فالعرف كان يقضي بتوبيخ الموظفين حين لا يؤدون عملاً جيداً. وكان الموظفون متوترين بشكل مفرط و معنوياتهم منخفضة جدا.

كتبت كثيراً عن بيئات الزمالة والعمل الجماعي. لماذا يكون من المهم للمؤسسات أن يهتم الموظفون ببعضهم بعضاً؟
بارساد: من الأشكال الأكثر شيوعاً للمحبة في الحياة البشرية شيء يسميه الباحثون محبة الرفقة (العِشرة)Companionate love. وإذا أردتم بناء فريق، فإن عواطف على غرار الحنان والاهتمام والتعاطف هي ما يربط الموظفين حقّاً.

نشرت مع ماندي أونيل Mandy O’Neill من جامعة جورج ماسون George Mason University ورقة في فصلية العلوم الإدارية Administrative Science Quarterly في عام 2014 حول كيفية تحقيق ذلك في صناعة الرعاية البعيدة الأجل.2
S.G. Barsade and O.A. O’Neill, “What’s Love Got to Do With It? A Longitudinal Study of the Culture of Companionate Love and Employee and Client Outcomes in a Long-Term Care Setting,” Administrative Science Quarterly 59, no. 4 (Dec. 1, 2014): 551-598.
ووجدنا علاقة إيجابية بين الثقافات العاطفية الأقوى لمحبة الرفقة ونتائج العملاء — لقد أدت العلاقة إلى زيادة سعادة المرضى وجودة حياتهم، وخفض عدد زياراتهم إلى غرفة الطوارئ، وزيادة في رضا أفراد عائلة المريض. وفي الوحدات ذات الثقافات العاطفية الأقوى لمحبة الرفقة، وجدنا أن الموظفين كانوا أكثر رضا وكان عملهم الجماعي أفضل وكان إرهاقهم العاطفي محدوداً وطلبوا إجازات مرضية أقل.

والثقافة العاطفية لمحبة الرفقة ذات صلة واضحة في الرعاية الصحية – لكن هل هي مهمة حقّاً في أماكن أخرى؟ للإجابة عن هذا السؤال، فقد استطلعنا 3,200 موظفاً في سبعة قطاعات صناعية، بما في ذلك التكنولوجيا والمرافق والتمويل. وكان لدى الموظفين الذين أفادوا بأنهم من ثقافة أقوى لمحبة الرفقة رضا وظيفي أكبر، ومزيد من الالتزام، ومحاسبة شخصية أكبر، وكان الأثر بالقوة نفسها للرجال والنساء.

في وقت سابق من 2019 شاركتِ في تأليف ورقة حول الشركات الناشئة، مع توري هوانغ Tori Huang وفانغيليس سويتاريس Vangelis Souitaris من كلية كاس للأعمال Cass Business School في لندن، ووصفت فيها محاكاة تنافس فيها موظفون في فرق على جائزة نقدية. وطُلِب إلى الفرق استثمار مالها في مواجهة نتائج سلبية.
بارساد: نعم، كان على الفرق أن تقرر مواصلة استثمار مالها أو ترك المشروع وخسارة المال الفعلي الذي وضعته فيه. وتبين لنا أن الخوف من فقدان مزيد من المال دفع الموظفين إلى المغادرة، ودفعهم الأمل بالنجاح إلى الاستمرار، لكن عند مقارنة قوة الأثرين، تَفوَّق أمل الفرق على خوفها. وبعبارة أخرى، مقارنة بالخوف من الفشل كان الشعور بالأمل أهم في قرارهم بشأن تكريس الالتزام بالمشروع الخاسر بوضوح.

هل تعتقدين أن المبادئ نفسها قد تنطبق على المؤسسات الأكبر أو الشركات القائمة التي تطلق منتجاً جديداً؟
بارساد: تألفت عينتنا من طلبة من حملة درجة الماجستير في إدارة الأعمال MBAs وطلبة في المرحلة الجامعية كانوا يتخصصون في ريادة الأعمال Entrepreneurship majors أو ذوي توجه إلى ريادة الأعمال على الأقل، لذا لا نستطيع أن نقول إن الشيء نفسه قد يحصل بالضرورة في دراسة لا تتناول ريادة الأعمال، ولكنني أميل إلى الاعتقاد أنه قد يحصل.

وفي رأيي، لهذا الاستنتاج آثار أوسع في دور العواطف والثقافة العاطفية في كيفية تقدم المجتمع. فنحن لا نتقدم إلا إذا كان الناس مستعدين لمواصلة المحاولة. ونعلم أن، في العالم الحقيقي لريادة الأعمال، يفشل الكثيرون، ولكن البعض سينجح. ومن وجهة نظر جماعية، يكون هذا الشعور بالأمل — الذي يبديه بعض الطلبة في تجربتي — هو ما يدفعنا قدماً.

تركزين كثيراً على النتائج الإيجابية الناتجة من عواطف مثل المحبة والفرح والأمل. فماذا عن العواطف السلبية؟ هل تقدم أي قيمة؟
بارساد: بالتأكيد. لا أريدُ أن أوحي بألاّ مكان للعواطف السلبية. فهي تمتلك وظيفة حماية مهمة حقّاً — فهي تساعد على إبراز المشكلات أو الحاجة إلى مكافحة غياب الإنصاف، مثلاً، وهي عامل في تحفيز الموظفين لإصلاح الأوضاع المثيرة للقلق. ولكن الشيء الأساسي هو طريقة التعبير عن هذه العواطف والتعامل معها. فالتعبير عن العواطف السلبية والشعور بها إزاء أوضاع محددة ثم الانتقال إلى حلها يُعَدّان حيويين لنجاح الشركة. ولكن لم أرَ بعد نتائج إيجابية من شركة ذات ثقافة عاطفية قوية نظامية من الخوف أو الحزن أو الغضب.

هل ترين إشارات إلى أن قادة الأعمال يبدون اهتماماً أكبر بعواطف الموظفين؟
بارساد: لا يزال الكثير من المديرين لا يعتبرون العواطف ذات منفعة محتملة لهم عند المستوى الاستراتيجي، ويكون البعض منهم مدرباً على دراسة العواطف أو إدارتها. ونعتقد أنا وزملائي أن قادة كهؤلاء يفوتون فرصاً لتحسين أداء شركتهم وتعزيز رضا الموظفين. فالتفكير بشكل أكثر منهجية في أثر العواطف في العمل قد يكون خطوة كبيرة إلى الأمام.

فريدا كلوتز Frieda Klotz

فريدا كلوتز Frieda Klotz

(@friedaklotz)صحافية مستقلة ومراسلة إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو. للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61213.

المراجع

المراجع
1
S.G. Barsade, “The Ripple Effect: Emotional Contagion and Its Influence on Group Behavior,” Administrative Science Quarterly 47, no. 4 (Dec. 1, 2002): 644-675.
2
S.G. Barsade and O.A. O’Neill, “What’s Love Got to Do With It? A Longitudinal Study of the Culture of Companionate Love and Employee and Client Outcomes in a Long-Term Care Setting,” Administrative Science Quarterly 59, no. 4 (Dec. 1, 2014): 551-598.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى