أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
إدارةتكنولوجيارقمنةقيادة

القيادة عن بعد

الاستفادة القصوى من قوتكم العاملة الموزعة.

ويتني جونسون

بعد وقت قصير من نهاية القرن، تركت عملي في وول ستريت للعمل من المنزل.

كان زوجي حصل على شهادة الدكتوراه، وتوفرت له فرصة عمل أفضل في بوسطن، وليس في مدينة نيويورك. ولما كنتُ مؤسسة جيداً في مهنتي كمحللة استثمارية، حاصلة على تصنيف مستثمرة مؤسسية Institutional Investor ranking، فقد رغبتُ في الاستمرار بالعمل لدى ميريل لينش Merrill Lynch وتمكنتُ من إقناع مديري بالسماح لي بالعمل من منزلنا الجديد في بوسطن.

لا يبدو الأمر غريباً، خصوصاً اليوم، لكنه كان غريباً بالتأكيد وقتئذ. فقد عمل عدد قليل نسبيّاً من الأشخاص عن بعد. وعمل عدد أقل حتى بهذه الطريقة في شركات كبيرة وسريعة الخطى ومستندة إلى تعاون الفرق. كانت التكنولوجيا متاحة بالطبع، لكن مقارنة بأدوات اليوم، كانت بدائية. فقد اضطر اختصاصي تكنولوجي من ميريل لينش إلى الحضور إلى منزلي وتمضية يوم كامل في إعدادي للعمل.

أما اليوم؛ فالتحديات المؤسسية أصعب من التحديات التقنية. وحالياً إذ أدير شركتي الخاصة، مع موظفين في أكثر من خمس ولايات وبإمكانية التوسع دوليّاً، أفكر في هذه المسائل ليس فقط كمساهمة فردية بل كذلك كمديرة.

بالنسبة إلى شركتي، يقع المقر الرئيسي في لكسينغتون بفرجينيا، لكن %15 فقط منا يعملون في الموقع نفسه، لذلك يُجرَى معظم عملنا عن بعد. ولسنا وحدنا بالتأكيد. ففي عام 2018 وجدت دراسة أن %70 من الخبراء حول العالم يعملون عن بعد مرة في الأسبوع على الأقل؛ ويعمل %53 عن بعد لنصف الأسبوع أو أكثر.1R. Browne, “70% of People Globally Work Remotely at Least Once a Week, Study Says,” CNBC Make It, May 30, 2018, www.cnbc.com. وأوضحت آي دبليو جي IWG، الشركة السويسرية المزودة للخدمات المكتبية الراعية للدراسة، أن الرقمين يشيران إلى موظفين بدوام كامل — وليس مستقلين Freelancers أو عاملين لحسابهم Self-employed. وإذا أضفتم هذين النوعين الآخرين من العاملين، الموظفين على أساس مؤقت أو بدوام جزئي أو على أساس عقود، باعتبارهم مساهمين حاسمين في كثير من فرق الأعمال، سيقفز عدد العاملين عن بعد.

وعلينا ألّا نتوقع تباطؤ هذا الاتجاه، ناهيك عن تحول اتجاهه. وعلى القادة وضع استراتيجيات لإدارة كل من الموظفين والتكنولوجيا في قوة عاملة موزعة بشكل متزايد.

التحديات
تشمل القيادة عن بعد التعامل مع مشكلات في مجالات رئيسية كثيرة:

التواصل Communication. حين يكون للشركة موظفون في مختلف أرجاء البلاد أو العالم، يكون مفهوماً أن فوارق التوقيت قد تضيف طبقة من التعقيد إلى الجوانب اللوجستية للتواصل اليومي. ولكن هناك تعقيدات أدق، وأحياناً كثيرة أكثر أهمية، يجب النظر فيها لدى إدارة الموظفين البعيدين.

فمن جهة، حين لا تتطابق المناطق الزمنية، تقل المعلومات التي يمكن نقلها خلال فترة محدّدة، ما يعني أننا نحتاج كمديرين إلى التنبه للطريقة التي قد يؤثر بها ذلك في وتيرة تطوير المشاريع. ومن جهة أخرى، في التواصل المستند إلى النصوص مثل رسائل البريد الإلكتروني أو المراسلة الفورية، لا نتمكن من نقل ما يكفي من المعنى كما نستطيع أن نفعل من خلال النغمة والإيقاع الصوتيين، وتعابير الوجه، والإيماءات البدنية — وهي أدوات نعتبرها مفروغاً منها في المحادثات التي نجريها وجهاً لوجه. بل إن أساليبنا الأمتن للتواصل الافتراضي، مثل الدردشة بالصوت أو الفيديو، لا تعطينا رؤية شاملة للغة الجسم.

ونتيجة لهذه الفوارق الأساسية، من شبه المؤكد أن سوء التواصل سيشيع بين الزملاء البعيدين أكثر منه في المكتب التقليدي. فكلماتنا وحدها قلما تنقل معنى أو معلومات بالقدر الذي نظن أننا ننقله. ويجب أن نسعى بشكل متواصل إلى جعل التواصل كله واضحاً ومتسقاً بأكبر قدر ممكن.

لكننا نحتاج أيضاً إلى التحلي بالصبر مع موظفينا وأنفسنا حين يقع سوء تواصل. فقد وظفتُ أخيراً مساعِدة جديدة لمساعدتي في الأبحاث. وهي متمكنة ولديها إمكانات كثيرة للتطور في دورها، لكن في كل أسبوع، أتسببُ بسوء فهم لأنني أفترضُ أنها فهمت مشاعري ونياتي من وراء إرسال رسالة بريد إلكتروني محددة، مثلاً، أو لأنني أفشلُ في إعطائها ما يكفي من المعلومات حول كيفية إرسال إحدى الباقات. وعليّ أن أتذكر أن المسافة قد تجعل عملية الالتحاق Onboarding بالعمل أصعب حتى من المعتاد. وبينما نمر نحن الاثنتان بهذا التحول، أحاولُ أن أبقى متنبهة لهذه الديناميكيات، وتوفير توجيه واضح لكل مشروع، وإعطاء ملاحظات فورية حول المهام في حين تستكملها موظفتي الجديدة، وامتداحها على الأشياء التي تنجزها جيداً. وعلى الرغم من إحراج مرحلة التكيف هذه، فقد قالت لي إن الطبيعة «غير المباشرة» للإلحاق بالعمل ساعدتها على التطور بشكل كبير. فلأنها لا تستطيع ببساطة أن تنتقل إلى المقصورة التالية لطلب المساعدة، تضطر إلى حل المشكلات بنفسها.

وأخيراً، نمتلك جميعاً مستويات مختلفة من الارتياح في التعامل مع التكنولوجيا ووضعيات وأساليب مفضلة في مجال التواصل. ويستغرق فهم خصوصيات كل موظف، وليس فقط الموظفين الجدد، والتوفيق بين هذه الميزات وميزاتنا بعض الوقت. وقد يفضل بعض الموظفين رسائل البريد الإلكتروني، وبعضهم الرسائل النصية، وبعضهم الاتصالات الهاتفية، وبعضهم الاتصالات بالفيديو. وإذا لم نستثمر جهد ملاقاة الموظفين عند مستواهم هم ومخاطبتهم بلغتهم، فإننا نفوت فرص إقامة روابط معهم عند مستوى أعمق.

إدارة المشاريع Project management. توفر أنظمة جيدة وموظفين جيدين للتعامل مع إدارة المشاريع هو أمر أساسي لأي مؤسسة – لكنه ضروري في حالة المجموعات البعيدة، ولاسيما في ضوء تحديات التواصل التي وصفتُها للتو. ولشركتي، وجدتُ أن أدوات لا غنى عنها مثل سلاك Slack (الذي يقسم التواصل إلى مواضيع فيتمكن الموظف من البقاء على اطلاع على المشاريع التي تعنيه) وأسانا Asana (الذي يسمح لنا بمشاركة تحديثات سريعة وبكفاءة حول حالة كل من مشاريعنا) .

وبينما تسهل الأدوات الرقمية إدارة المشاريع البعيدة والتعاون، يمكنها أيضاً أن تصعب معرفة المساهمة الفعلية لكل شخص. فمع الموظفين الموجودين في الموقع، يستطيع المديرون ببساطة أن يزوروا الموظفين في مكاتبهم ويكوّنوا فكرة أفضل عما يفعلونه. لكن مع الموظفين الموجودين بعيداً من الموقع، علينا أن نكون استباقيين في التواصل وتعليم الموظفين كيف يظهرون عملهم لمديريهم بفاعلية ليتمكنوا من حشد الدعم لعملهم. ويمكن للاعتماد فقط على التحديثات من خلال الأدوات الرقمية أن يؤدي إلى تقدير ناقص أو فائض في أفضل السيناريوهات وسوء تقدير واستياء في أسوئها. ويمكن للبقاء على اتصال وثيق بالموظفين أن يساعد على تجنب بعض من هذه المشكلات وإعطاء القادة صورة أكثر كمالاً عن مساهمات الجميع.

تطوير المواهب وإدارتها Talent development and management. مع تفكيري في كيفية إدارة الموظفين بفاعلية وفق ما أسميه “المنحنى السيني للتعلم” «S-curve of learning الخاص بهم،2W. Johnson, “Build an A-Team: Play to Their Strengths and Lead Them Up the Learning Curve” (Boston: Harvard Business Review Press, 2018). صرت أقدّر أهمية وجود موظفين يكونون عند نقطة انطلاق منحناهم. فهم لا يولّدون أفكاراً جديدة فحسب، بل يساعدون الشركات أيضاً على زعزعة Disrupt نفسها باستمرار لتتمكن من الاستمرار بالابتكار في مجالاتها. وعلى الرغم من إيماني بذلك والمنافع التي تظهرها الأبحاث، تصعب مقاومة توظيف فريق من المحترفين المخضرمين الذين يكونون عند النهاية العليا لمنحناهم، ويمتلكون مجموعة كاملة من المهارات، ولديهم تاريخ من الأداء القوي. وفي إطار من العمل عن بعد، من المغري خصوصاً السعي إلى موظفين يتطلبون قليلاً من التدريب أو الإشراف أو لا يتطلبونهما. وأحاول دائماً الدفع عكس هذا التحيز الطبيعي والتأكد من توفيري للأنظمة المناسبة لتدريب Train الموظفين الجدد وإرشادهم Mentor لرعاية مهاراتهم والاستفادة من تبصراتهم Insights القيمة.

لكن لدي أيضاً موظفين كثراً عند النهاية العليا لمنحناهم السيني. وفي هذه الحالة، عليّ أن أتأكد من أنني أتابعهم باستمرار وأدير مستوى مشاركتهم في المهام غير المألوفة. فهذا يساعد على الحفاظ على الإنتاجية وإبعاد الملل، الذي قد يشكّل تحدياً أكبر للموظفين الموجودين بعيداً من الموقع، في ضوء غياب الزمالة في مكان العمل.

دعم تكنولوجيا المعلومات وخدمتها IT support and service. منذ الانتقال إلى منطقة ريفية في فرجينيا، تعلمت بالطريقة الصعبة كم نعتبر الوصول السهل إلى الإنترنت السريعة أمراً مفروغاً منه. وفي مناسبات عديدة، اضطررت إلى إعادة برمجة مقابلات البودكاست أو الانتقال بالسيارة لمدة 20 دقيقة إلى مكتب زوجي لإجراء ندوة عبر الإنترنت لأنه لا يمكن إجراؤها من بيتي. والتنبه المزعج لأن تغطية الإنترنت الجيدة غير متوفرة في كل مكان قادني إلى إعادة تقييم الافتراضات التي كنت أستخدمها لأثير صخباً (وربما لأستمر في إثارة الصخب) حول توفر التكنولوجيا وموثوقيتها في أعمالي.

كمديرين، لا نستطيع أن نفترض أن موظفينا البعيدين جميعاً سيمتلكون وصولاً متساوياً إلى ما يمكن التعويل عليه من التكنولوجيا والإنترنت و(إذا كانوا متعاقدين) الدعم التكنولوجي. وحتى لو حصل ذلك، فالأنظمة تتعطل أحياناً. ومن المهم توفر فهم جيد لوضع الجميع وبناء خطط دعم للاستخدام لتقديم الحلول إذا نشأت صعوبات تقنية، ويبدو أنها تحصل دائماً حين لا نريد حصولها.

لماذا نهتم؟
نظراً لقائمة التحديات، قد يكون من المغري التساؤل عما إذا كان العمل مع موظفين بعيدين تستحق العناء. تؤكد تجربتي أنها تستحق. والمخاوف صحيحة، لكن بمرور السنوات، حصدت منافع مهمة من العمل مع موظفين بعيدين.

كلنا لدينا وضعياتنا وأساليبنا المفضلة في مجال التواصل. ويستغرق فهم خصوصيات كل موظف والتوفيق بين هذه الميزات وميزاتنا بعض الوقت.

ويعني السماح للموظفين بالعمل عن بعد أنكم غير محدودين بالمواهب القريبة منكم جغرافياً. فإذا تعرفتم إلى مهندس ماهر للصوتيات في الجانب الآخر من البلاد، وإذا عرفتم شخصاً يستطيع مع قليل من التدريب أن يكون رئيساً تنفيذياً للعمليات COO لكنه يعيش في سنغافورة، فيمكن لهذين الشخصين أن يكونا موظفَين قابلَين للاستمرار أو شريكين في الأعمال بدلاً من اثنين يستحيل تعاونهما.

وتميل التفاعلات وجهاً لوجه إلى أن تكون أغنى، أيضاً، لأننا نخصص الكثير من التفكير للتخطيط لها حين لا يكون أعضاء الفريق يعملون في الموقع نفسه. ولا يمكن لهذه اللقاءات أن تحصل ببساطة عن طريق الصدفة – إذ علينا أن نرتب بعناية وقتاً لكل اجتماع شخصي وفهم الغرض من ورائه. وفي ضوء التخطيط والتفكير في العواقب، وجدتُ أن موظفيَّ يميلون أكثر بكثير إلى المشاركة في الاجتماع – فيعرضون مقترحات وتبصرات قيمة ويصغون حقاً إلى ما أقوله. وتمتلك الكلمات التي تُقَال في هذه الاجتماعات قوة حقيقية، بدلاً من إهمالها باعتبارها ثرثرة يومية.

وهناك أيضاً إيجابية غير متوقعة لقيادة الموظفين البعيدين: فحين لا يتشارك الزملاء المجال المادي نفسه يوماً بعد يوم، يكون هناك غياب مميز لاضطرابات مكان العمل. فقد وجدتُ أن هذا التراجع في النزاعات غير الضرورية يزيد الإنتاجية ويحد من الاستنزاف الذي يصيب الطاقة العاطفية للجميع. ولا يعني هذا أن أماكن العمل المادية لا تستطيع أن تكون مُحفِّزة — فكثير منها كذلك. ولكن في غياب مسرح مادي للنميمة والخصومة داخل المجموعة وما شابه، يقل احتمال ترسخ مشكلات كهذه.

إن الأدوات الرقمية تجعل العمل من المنزل ممكناً وتساهم مساهمة كبيرة في مرونة كل من المؤسسات والأفراد. لكن العمل عن بعد يشبه جنيّاً في قمقم الثورة الرقمية. ففور إطلاقه، لا يمكن أن يُعَاد احتجازه. ويجب أن نتعلّم قيادة فريق كبير بشكل متزايد من العاملين من المنزل. ولكننا إذا سخّرنا بفاعلية نقاط القوة الخاصة بهذه القوة العاملة مع اتخاذ خطوات لتقليل السلبيات، سنجد – نحن المديرين – أنفسنا مع فريق يتمتع بحافز شديد يكون مستعداً لتخصيص الوقت والجهد لإنجاح العلاقة.

ويتني جونسون Whitney Johnson

ويتني جونسون Whitney Johnson

(@johnsonwhitney) خبيرة في مساعدة المؤسسات ذات النمو المرتفع في تطوير الأفراد ذوي التطور المرتفع. وهي مؤلفة كتاب بناء فريق رفيع المستوى Build an A-Team وكتاب زعزعوا أنفسكم Disrupt Yourself وتستضيف البودكاست الأسبوعي زعزعوا أنفسكم. للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61208.

المراجع

المراجع
1 R. Browne, “70% of People Globally Work Remotely at Least Once a Week, Study Says,” CNBC Make It, May 30, 2018, www.cnbc.com.
2 W. Johnson, “Build an A-Team: Play to Their Strengths and Lead Them Up the Learning Curve” (Boston: Harvard Business Review Press, 2018).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى