أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالابتكاربحثعملاء

إنشاء عروض رقمية سيشتريها العملاء

ابحثوا عن التوازن العذب بين الخدمات التي قد تقدمها التكنولوجيات وما يحتاج إليه عملاؤكم.

جين دبليو. روس، سينثيا إم. بيث، مارتن موكر

تجبر التكنولوجيات الرقمية الشركات على إعادة تصور قيمة ما تقدمه للعملاء؛ لأن التطبيقات الاجتماعية وتطبيقات الهواتف المحمولة، والتحليلات Analytics، وإنترنت الأشياء Internet of things، والذكاء الاصطناعي Artificial intelligence، والمقاييس الحيوية Biometrics، والبلوك تشين (سلسلة الكتل) Blockchain، والحوسبة السحابية Cloud computing وحوسبة الحافة (الحواف) Edge computing، والعديد من التطورات الجديدة الأخرى تسمح لهم بتقديم قيمة بطرق لم تكن ممكنة في الماضي. ولكن بالنظر إلى كل هذه الإمكانات، كيف يمكن لأي شركة تحديد العروض القابلة للاستمرار؟ تؤدي التكنولوجيات الرقمية دوراً محوريّاً – فهي توفر بيانات شاملة، وربطا غير محدود، وقدرة معالجة ضخمة. وتحول الشركات الذكية كل هذه القدرة إلى عروض رقمية Digital offerings: أي حلول غنية بالمعلومات مغلفة بتجارب سَلِسَة وشخصية للعملاء. انظروا في ليفت Lyft: باستخدام الحوسبة المتنقلة والحوسبة السحابية لربط الأشخاص الذين يسعون إلى الركوب مع سائقين سيصلون بهم إلى وجهتهم، تعالج الشركة ليفت التحديات التي يواجهها العملاء عندما يستقلون سيارات أجرة، مثل عدم معرفة مكان وجود السيارة وموعد وصولها، وكم ستكون تكلفة الرحلة أو خيارات الدفع المتاحة لهم.

تُنشَأ العروض الرقمية الناجحة في النقاط التي تقاطع عندها ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيات وما يريده العملاء وسيدفعون ثمنه. ومع ذلك، أثبتت نقطة التقاطع هذه أنها بعيدة المنال. وللعثور عليها، يجب على الشركات إجراء تجارب متكررة، وتعزيز علاقاتها مع العملاء، وتشكيل فرق التطوير المتعددة الوظائف – ويجب تبادل التبصرات المجمعة على طول الطريق داخليّاً.

وفي هذا الموضوع نناقش الكيفية التي تمكنت بها العديد من الشركات التي درسناها -ويبلغ عددها 200 شركة – من بناء هذه القدرات وتطبيقها.1The authors’ case studies and survey reports on this topic are available as working papers from the MIT Sloan School of Management’s Center for Information Systems Research (CISR), http://cisr.mit.edu. كذلك نلقي نظرة فاحصة على كيفية استخدام إحدى الشركات، شنايدر إلكتريك، لهذه القدرات لاكتساب تبصرات حول العملاء وتقاسم هذه التبصرات مع الآخرين.

تدفق مستمر من التجارب

في أبحاثنا، وجدنا أن معظم الشركات الكبيرة الراسخة ليست مُصممَّة لتقديم مجموعة متطورة ومبتكرة من المنتجات والخدمات الرقمية. فعملياتها الداخلية تحدُّ من قدرتها على التجريب المستمر للأفكار الجديدة والتعلم منها وإهمالها وتعزيزها وإعادة تكوينها وتوسيع نطاقها لتقديم قيم مقترحة جديدة. وبالنظر إلى أن تطوير تلك الكفاءة أمر صعب، فإن الشركات التي تتمكن من تطوير تلك الكفاءة تمتاز عن غيرها.

والعروض الرقمية مناسبة تماماً للاختبار والتعلم السريعين؛ لأنها تستند إلى البرمجيات: فمبرمجو البرمجيات يستطيعون تطوير منتج قابل للاستمرار بالحد الأدنى، وتقديمه إلى العملاء أو مجموعة اختبار، والحصول على ملاحظات فورية. واستناداً إلى الملاحظات، يمكن للشركة تحسين المنتج أو إهماله بسرعة.

و الشركات التي تتبع هذا النهج من أجل تطوير عروض رقمية قابلة للاستمرار تميل إلى تشجيع التجارب على نطاق واسع من خلال الهاكاثونات Hackathons، وفرص التمويل الخاصة Special funding opportunities، والوحدات التنظيمية الجديدة Organizational units مثل مراكز الابتكار المخصصة للتجارب الرقمية. أو تعمد إلى تشكيل فرق عمل من القيادة العليا و الموظفين التقنيين الشباب، في ترتيب أشبه ما يكون بعكس الترتيب المعتاد في الإرشاد Mentoring arrangement وذلك من أجل تقاسم المعرفة والتعريف بالقدرات التكنولوجية الجديدة. وليس لدى أي شركة قدرة غير محدودة على إجراء التجارب، لكن إجراء مزيد من التجارب يؤدي عموماً إلى مزيد من التعلم.

لقد عززت تويوتا موتور أمريكا الشمالية Toyota Motor North America (TMNA) مثل هذا التجريب بعدة طرق.2P. Betancourt, J. Mooney, and J.W. Ross, “Digital Innovation at Toyota Motor North America: Revamping the Role of IT,” working paper 403, MIT CISR, Cambridge, Massachusetts, September 2015. فزاك هيكس Zack Hicks، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا الرقمية في الشركة الآن، عندما كان الرئيس التنفيذي للمعلومات CIO، أطلق معرضاً للابتكار عرض فيه الموظفون أفكارهم على آخرين في الشركة وتنافسوا للحصول على تمويل وفرصة لتطبيق أفكارهم. ولا يزال بإمكان الفرق الخاسرة التقدم للحصول على تمويل من مصادر أخرى. وكُرِّر هذا المفهوم في معارض الابتكار العالمية في شركة تويوتا موتور Toyota Motor Corp.

ولكن هذا كان مجرد البداية. فقد طورت إدارة تكنولوجيا المعلومات في تويوتا موتور أمريكا الشمالية تطبيقاً من نوع كيكستارتر Kickstarter-type application، يمكن للأفراد نشر أفكار للابتكارات عليها وتلقي الملاحظات. وهذا التطبيق مفيد بشكل خاص للأفكار الإبداعية لكنه خام أكثر مما ينبغي للاختبار: ويمكن للمشاركين الرد باستخدام رمز الإبهام المتجه إلى أعلى أو المتجه إلى أسفل وتقديم اقتراحات قد تساعد على تطوير المفهوم. أما أعضاء المجلس المعلوماتي في تويوتا Toyota iCouncil الذين يتولون مناصب قيادية (ويديرون ميزانيات)؛ فيساعدون أولئك الذين لديهم أفكار لتطوير حالة أعمال Business case، ويجيزون التمويل، ويشكلون فرقاً من مبتكرين وموظفين في تكنولوجيا المعلومات. وتوفر تويوتا موتور أمريكا الشمالية ما يصل إلى 30 ساعة من وقت مطوري تكنولوجيا المعلومات ومعداتهم (مثل مساحة الخوادم Server space)، مُتجاوِزة العمليات النموذجية لتأمين تلك الموارد حتى يتمكن المبتكرون من أن ينشئوا بسهولة أكبر نماذج أولية Prototypes ليعرضوا إمكانية تطبيق مفاهيمهم Concepts. ومن ثم يمكن نقل الأفكار الواعدة إلى وحدات أعمال معينة Business units أو عرضها في معرض الابتكار.

تستهدف معظم التجارب التي تنبثق من مبادرات تويوتا موتور أمريكا الشمالية تجربة العملاء Customer experience. وبعضها بسيط نسبيّاً وسريع التطور، مثل تطبيق App يتيح للعملاء التفاعل بفاعلية مع وكلاء بيع السيارات بعدما بدأ العملاء باختيار مواصفات سيارتهم المفضلة عبر الإنترنت. وأدى بعضها الآخر إلى تغيرات في المنتجات، مثل تحسينات في تطبيق أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية من أجل السلامة في السيارة، والنظام العالمي لتحديد المواقع GPS، والخدمات الترفيهية. وأطلق بعضها منتجات رقمية جديدة تماماً.

وعلى غرار تويوتا موتور أمريكا الشمالية، نشر البنك دي بي إس DBS ومقره سنغافورة الابتكار الرقمي واختبار الأفكار في كل أنحاء الشركة.3S.K. Sia, C. Soh, and P. Weill, “How DBS Bank Pursued a Digital Business Strategy,” MIS Quarterly Executive 15, no. 2 (June 2016): 105-121. والبنك DBS هو أكبر بنك في جنوب شرق آسيا من حيث الأصول التي يُديرها ويوفر مجموعة كاملة من الخدمات المالية لتسعة ملايين عميل في 18 سوقاً. ففي عام 2015، كان 22 ألف موظف في البنك DBS يجرون في الوقت نفسه ألف تجربة صغيرة. وتم التخلي عن بعض هذه التجارب بسرعة، في حين تطورت تجارب أخرى إلى عروض أو ميزات رقمية جديدة للعملاء.

وتخطيط مسيرة العملاء Customer journey mapping هو أحد المصادر الرئيسية للأفكار التي تستحق الاختبار في البنك DBS، وهو عبارة عن تفحص التجربة الكاملة للعملاء أثناء تفاعلهم مع الشركة. ويحاول المصممون أن يشعروا بشعور العميل عند مروره باللحظات الرئيسية في المسيرة – مثلاً، اتخاذ قرار بشأن الاشتراك في بطاقة ائتمان أو طلب رهن عقاري. وفي بعض الأحيان، ينشئون عميلاً خياليا، ويعطون الشخص اسماً وعمراً ووظيفة، ويقودون هذا العميل عبر عملية تقديم الطلب مثلاً. ويفكرون فيما يفكر فيه العميل، والعواطف التي يختبرها، وما هي اهتماماته. وتلهم هذه التبصرات التجارب التي يمكنهم اختبارها مع عملاء حقيقيين.

ويبدو أن سعي البنك DBS إلى تفهم احتياجات العملاء من خلال التدفق المستمر للتجارب يؤتي ثماره: ففي عام 2016 ومرة أخرى في عام 2018، اختير البنك DBS كأفضل بنك رقمي في العالم من قبل يوروموني Euromoney. وفي عام 2018، وصفت مجلة غلوبال فاينانس Global Finance أيضاً البنك DBS كأفضل بنك في العالم.4G. Platt, “World’s Best Bank Awards 2018: DBS Named Best Bank in the World,” Global Finance 32, no. 9 (October 2018).

الأبحاث

استعرض المؤلفون الجهود الرقمية لنحو 200 شركة راسخة في الفترة ما بين عام 2014 إلى عام 2019.

وأجروا مقابلات مع 40 شركة كبيرة، وبالعمل مع مجموعة بوسطن الاستشارية Boston Consulting Group (BCG)، أجروا دراسات حالة مصغرة لـ27 شركة، مستمدة من ثلاث مقابلات في كل شركة (عادة مع أعلى المسؤولين التنفيذيين عن الأعمال أو تكنولوجيا المعلومات أو الموظفين المشاركين في تنفيذ الاستراتيجية الرقمية).

كذلك استطلعوا آراء 171 من قادة الأعمال في عام 2016 و150 من كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبيرة الراسخة في عام 2018.

الإنشاء المشترك مع العملاء

الشركات التي لا تولِّد إمكانات أعمال جديدة ستجد نفسها وهي تحاول اللحاق بمجموعة ستعيد تعريف صناعاتها، وتشمل هذه المجموعة شركات ناشئة، وشركات عملاقة رقمية، وشركات منافسة ذكية، وشركات عدوانية دخيلة. ولكن كل شركة، إذ تشعر بهذا الضغط لتولي القيادة، افترضت افتراضات خاطئة حول ما قد يريده العملاء. وأشار عدد من قادة الأعمال في أبحاثنا (ولاسيما في سياقات البيع من شركة إلى شركة B2B contexts) إلى أن العملاء كانوا بطيئين في إبداء الحماسة للقيم المقترحة التي افترضت الشركات أنها ستكون مقنعة. أما الشركات التي تتشارك الابتكار مع عملاء رئيسيين لبناء تبصرات للعملاء فتتمكن من تحديد هذه الافتراضات الخاطئة وتصحيحها بسرعة.

وفي حالات البيع من شركة إلى عميل B2C، يتضمن الإبداع المشترك مع العميل في الأغلب إطلاق منتج أولي -بأدنى حد من الطلب- وعرضه عبر الإنترنت ومن ثم تحليل كيفية تفاعل آلاف العملاء مع المنتج تحليلا تفصيليا. وفي أطر البيع من شركة إلى شركة B2B يمكن إشراك بعض العملاء لتحديد التحديات وتقييم القيمة المحتملة للحل.

وكانت هذه التجربة تجربة رويال فيليبس Royal Philips، وهي شركة تكنولوجية هولندية متنوعة كانت معروفة سابقاً بمنتجاتها في مجال الإضاءة والصوت. وقبل خمس سنوات باعت الشركة العديد من هذه الشركات للتركيز على منتجات الرعاية الصحية، مثل أجهزة الأشعة السينية X-ray machines وأجهزة التخطيط الكهربائي للقلب Electrocardiographs وأجهزة التصوير المقطعي CT scanners، وعلى إعادة موضعة نفسها كمزود لحلول الرعاية الصحية.5L. Lorenzetti, “Royal Philips Is Headed for a Breakup,” Sept. 23, 2014, www.fortune.com. ولكن هذه الجهود تعتمد اعتماداً كبيراً على ما يرغب فيه عملاء رويال فيليبس -والكثير منهم من مزودي الرعاية الصحية – في شرائه واستخدامه. فمقدِّمو خدمات الرعاية الصحية يمتلكون عادات لا يرغبون دائماً في تغييرها، حتى عندما تبدو منافع القيام بذلك واضحة للآخرين. مثلاً، بينما قد يساعد السماح لبعض المرضى بالعودة إلى المنزل باستخدام المراقبة عن بعد هؤلاء المرضى على التعافي بشكل أسرع وأكثر كفاءة، إلا أنه يقلل أيضاً من الإيرادات الفورية للمستشفيات عن طريق إفراغ الأَسرِّة في وقت مبكر. وتتعثر جهود فيليبس بشكل أكبر بسبب التعقيد الذي تتسم به الصناعة التي يكون فيها لمقدِّمي الخدمات (المستشفيات وممارسو الرعاية الصحية)، والدافعين (شركات التأمين والوكالات الحكومية)، والمرضى، وصناع السياسات، أجندات متباينة.

ودفعت هذه التحديات فيليبس إلى استثمار موارد كبيرة في ورش للإبداع المشترك بالعمل مع العملاء. وتهدف ورش العمل المتعددة الجلسات، التي تعمل تحت اسم هيلث سويت لابز HealthSuite Labs، إلى التعرف على أكثر مشكلات العملاء إلحاحاً وتحديد كيفية حلها – أي، بمعنى آخر، معرفة ما يُحتمَل أن يكون العملاء مستعدين للدفع نظيره. وأخبرنا مانو فارما Manu Varma، قائد الأعمال في مبادرة ويلسنتيف Wellcentive وبرنامج المستشفى إلى المنزل Hospital to Home في فيليبس: «نحن لا نعرف دائماً تحديات العملاء. فهم أنفسهم لا يعرفون ماذا يريدون». وهيلث سويت لابز هي عملية تشاورية تهدف إلى تنوير كلا الجانبين.

وتجمع ورش العمل عادة بين مقدمي الخدمات والدافعين والمرضى التابعين للمنشأة أو المجموعة الطبية نفسها – من 12 إلى 40 شخصاً ممن لا يكونون عادة في وضع يمكنهم من التحدث معاً حول احتياجاتهم الخاصة. وقال مارك فان ميغيلين Mark van Meggelen، قائد أعمال Business leader المعلومات الصحية والرعاية Healthcare Information and Connected Care التابعة لفيليبس في دول البنلوكس Benelux: «في الماضي، تحدثنا كثيراً عن المرضى، لكنني لم أقابل أي مريض قطُّ حتى بدأنا بريادة هيلث سويت لابز. فالطريقة التي كنا نوفر بها الدعم للمرضى ليست بالطريقة المثالية». ويساعد النَّهج المتعدد التخصصات Multidisciplinary والتعاوني لورش العمل المجموعاتِ على ابتكار أفكار لتحسين نظام الرعاية الصحية الشامل بدلاً من مجرد نتائج تُفيد أطرافا معنية منفردة.

فرق التطوير المتعددة الوظائف

يفشل العديد من الأفكار؛ لأن فرق تطوير المنتجات تتبع الإجراءات التقليدية، وتعتمد على وجهات نظرها وبياناتها وتبصراتها الخاصة لإنشاء أفضل منتج ثم تتوقع من مندوبي المبيعات السعي وراء اجتذاب العملاء، والاعتماد على فرق الدعم للحفاظ عليهم. لكن دائماً، لا يمكن لحل جديد أن يحل أي أمر إلا إذا كان العميل مستعداً للتصرف بشكل مختلف – تغيير أنماط اتخاذ القرارات في الشراء، وزعزعة هياكل القوة Disrupt power structures، والعمل وفق بيانات جديدة.

ونظرا إلى عدم اليقين حول كيفية رغبة العملاء في المشاركة والكيفية التي ينظرون بها إلى احتياجاتهم، يتضمن تطوير العروض الرقمية الاستحداث المستمر لأفكار جديدة والاختبار السريع لنجاحها مع العملاء. أما الشركات التي تقوم بذلك بفاعلية؛ فتشكِّل فرق تطوير متعددة الوظائف. ويمكن لفرق التصميم، وإدارة المنتجات، والتكنولوجيا، والمبيعات، وخبراء الخدمات تجميع معارف العملاء المتراكمة لديهم، وتوقع القضايا المهمة للعملاء، وتقديم حلول أكثر استهدافاً من الفرق أحادية الوظيفة.

وتعتمد آي إن جي دايركت إسبانيا ING Direct Spain، وهي شركة خدمات مالية تابعة لمجموعة آي إن جي ING Group ومقرها في هولندا، على فرق متعددة الوظائف لضمان كون العروض الجديدة تستجيب استجابة كاملة لاحتياجات العملاء.6M. Mocker and J.W. Ross, “ING Direct Spain: Managing Increasing Complexity While Offering Simplicity,” working paper 390, MIT CISR, Cambridge, Massachusetts, June 2013. وتعمل أدوار مثل إدارة المنتج Product management، والتسويق Marketin، والعمليات Operations، وتكنولوجيا المعلومات IT، ومخاطر الائتمان Credit risk، والمخاطر التشغيلية Operational risk، معاً في مرحلة مبكرة جدّاً من تعريف المنتج. وتجمع الفرق وجهات نظر مختلفة، وتشجع الأعضاء على تحدي افتراضات بعضهم بعضاً. ويخفف هذا التحدي المتبادل من مخاطر تصميم العروض التي لا تستطيع الشركة تحمل تكلفتها أو التي تولِّد متاعب غير متوقعة للعملاء بدلاً من تقديم تجربة جيدة لهم.

كذلك تساعد الشركة ING Direct Spain على الحد من التعقيدات غير الضرورية للأعمال: «فأي فكرة تجاوزت هذا النوع من التحدي تمتلك ضمانة معينة بأنها حظيت بتفكير جيد فيما يتعلق بكيفية التعامل مع التعقيد التشغيلي في وقت لاحق؛ لأن لديكم موظفين من العمليات وتكنولوجيا المعلومات يساهمون في تعريف المُنتج»، وفق ما قال لنا ويرنر زيبولد Werner Zippold، الرئيس التنفيذي للعمليات COO السابق في الشركة ING Direct Spain. وعرض المنتجات المحتملة على كل من خبراء المكاتب الأمامية والمكاتب الخلفية يساعد الشركة على إبقاء حلولها بسيطة لكن قوية ومركزة على ما يريده العملاء.

تبصرات مشتركة في شنايدر إلكتريك

أنتجت شنايدر إلكتريك Schneider Electric، وهي شركة فرنسية بقيمة 26 بليون دولار تأسست في عام 1836، معدات الحديد والصلب والكهرباء خلال معظم حياتها، لكنها تقدم الآن حلولاً ذكية لإدارة الطاقة. وجاء جزء كبير من مسيرة التحول الرقمي الشاملة من إنشاء آليات لاكتساب تبصرات حول رغبات العملاء ثم مشاركة التبصرات المستمدة من التجريب، والإبداع المشترك مع العملاء، وفرق التطوير المتعددة الوظائف.

ولم يكن الحصول على هذه المهارة سهلاً. ففي وقت مبكر أدرك قادة شنايدر أن وضع أجهزة استشعار على المعدات الكهربائية الرئيسية وربط تلك المعدات بالإنترنت من شأنه أن يتيح لهم تزويد العملاء بمعلومات حول احتياجاتهم من الطاقة وأنماط الاستهلاك.7J.W. Ross, C.M. Beath, and K. Moloney, “Schneider Electric: Connectivity Inspires a Digital Transformation,” working paper 417, MIT CISR, Cambridge, Massachusetts, May 2017. وعمل موظفو تطوير المنتجات في وحدات الشركة البالغ عددها 48 وحدة مع العملاء لفهم توقعاتهم واحتياجاتهم والتحديات التي تواجههم. ومولت خطوط العمل الفردية هذه الجهود المبكرة وانتشرت الأفكار، لكن المبادرات كانت تفتقر إلى التنسيق والوعي بالإطار العام. وقال مايكل ماكنزي Michael MacKenzie، نائب رئيس منصة تكنولوجيا إنترنت الأشياء IoT Technology Platform لدى شنايدر: «في البداية، امتلكت الشركات خارطة طريق خاصة بمنتجاتها، ومن ثَمَّ حددت احتياجاتها: المبادرات المحلية، والنجاح المحلي، والإخفاقات في بعض الأحيان. لقد كانت تتخذ القرارات وتتعلم في كون مصغر».

وولّدت هذه التجارب المبكرة بعض النجاحات، لكن بشكل عام، لم يحقق نهج شنايدر المدفوع بوحدات الأعمال النتائج المتوقعة. فكثرة العروض المحلية لم تكن تسمح بتدفقات جديدة كبيرة للإيرادات أو قدرات استراتيجية قابلة لإعادة الاستخدام. وقال سيريل بيردوكات Cyril Perducat، نائب الرئيس التنفيذي للشركة لإنترنت الأشياء والعروض الرقمية: «[كان] الجميع في الشركة يحاولون إعادة ابتكار منتجاتنا بشكل رقمي، لذلك [كان] الجميع يكرسون شراكات مع شركات ناشئة مختلفة تقدم كل أنواع الابتكارات التكنولوجية. لكن هذا [أنتج] مضاعفة للشراكات، وتعدداً لمزودي الخدمات السحابية، وتضاعفاً لبروتوكولات الربط – مع أي شيء يمكن أن تتخيلوه في المجال الرقمي».

كشف العروض المحتملة للخبراء في كل المكاتب التي تكون على تماس مع العملاء والمكاتب الإدارية للشركة يساعد على إبقاء حلولها بسيطة لكن قوية ومركزة على ما يريده العملاء.

وللمضي قدماً، احتاجت شنايدر إلى دمج تطوير المنتجات ومشاركة التعلم عبر الشركة ككل. وأنشأ بيردوكات المصنع الداخليّ للخدمات الرقمية Digital Services Factory (اختصارا: المصنع DSF) للاضطلاع بمسؤولية البحث عن فرص أعمال لإنشاء عروض تعزز القدرات الخاصة بمنصة رقمية مشتركة جديدة.

ويواكب فريق شنايدر في المصنع DSF مفاهيم العروض الرقمية في أربع مراحل: التفكير Ideation، والحضانة Incubation، والتصنيع Industrialization، والتشغيل والتوسع Run and scale. وفي مرحلة التفكير يستعرض الفريق أفكاراً جديدة لتحديد المفاهيم المتكررة والمتشابهة؛ لأن تلك الأفكار، إذا طبقتها وحدات أعمال متعددة، يُحتَمل أن تحقق قيمة أكبر. وتشركُ فرقُ المنتجات العملاءَ الرئيسيين في وقت مبكر من مرحلة التفكير للتعرف على استمرارية المفهوم. ويُنهي فريق المصنع DSF بسرعة الأفكارَ التي لا يبدو أن لها حالة عمل Business case ناجحة، وتخصص الشركة مسؤولين عن منتجات الأعمال للأفكار الواعدة. وإذا انتقل مفهوم ما إلى مرحلة التصنيع، تطلب شنايدر عادة أن يمول أحد العملاء مشروعاً تجريبيّاً، مما يزيد من احتمال تحول الحماسة الأولية للعملاء إلى إيرادات. وفي هذه المرحلة، تعمل الفرق المتعددة الوظائف بشكل مشترك مع العميل لضمان أن يشكِّل العرض مقترح قيمة مقترحة Value proposition للعميل وأن يرى العميل ذلك. وقال كارلوس جافاروني Carlos Javaroni، نائب رئيس شنايدر لاستراتيجية إنترنت الأشياء وتصميم الأعمال IoT Strategy & Business Design: «في العديد من الحالات، تلقينا ملاحظات إيجابية جداً من العملاء، لكن هذا لا يكفي بالضرورة لإنفاق الأموال عليها».

وفي بعض الأحيان وجدت شنايدر أن جهة الاتصال القديمة بالعملاء لم يكن يتولاها الشخص المناسب لاتخاذ القرار بشراء مزيد من حلول الإدارة الاستراتيجية للطاقة. وبالنسبة إلى ما يُسمَّى العروض على مستوى الرؤساء التنفيذيين C-level offerings، طورت شنايدر فريقاً صغيراً من مندوبي المبيعات الأكثر تجربة وتخصصاً. وصار هؤلاء البائعون المتخصصون أعضاء مهمين في فرق تطوير المنتجات، وساعدوا على التطوير التدريجي للعروض التي يريدها العملاء بالسرعة التي يريدونها.

وأدى كل هذا إلى تسريع تطوير المنتجات. وتضمنت عملية تطوير المنتجات التقليدية لدى شنايدر البحث والتطوير المطوَّلة والمتينة، متبوعة بعمليات تطبيق مطولة للابتكارات المهمة. وعلى النقيض من ذلك، تبدأ الآن دورة حياة منتج العرض الرقمي بحاجة محددة لدى العملاء، وتنتقل إلى تطوير منتج قابل للاستمرار بالحد الأدنى من الطلب يختبره العملاء ويستخدمونه، ثم تدخل مرحلة التحسين المستمر والتوسع وتطوير العروض ذات الصلة. وباستخدام نُهُج التطوير التكراري Iterative development والابتكار المشتركCoinnovation– والتخلي عن المنهجيات القديمة لتكنولوجيا المعلومات وممارسات البحث والتطوير الخاصة بالمنتجات ما قبل الرقمية – قلصت شنايدر الوقت بين التفكير والتصنيع من سنتين أو ثلاث سنوات إلى سنة واحدة فقط.

وبحلول نهاية عام 2018، كان لدى شنايدر نحو 40 عرضاً رقمياً، بما في ذلك خدمات لإدارة الأصول (أي، الصيانة التوقعية Predictive maintenance)، وإدارة موارد الطاقة للتوقعات ووضع الميزانية للأعمال على مستوى الرؤساء التنفيذيين، ومراقبة موحدة عن بُعد لأساطيل الآلات المتخصصة. وكان هناك 20 عرضاً آخر على وشك التطبيق.

وكما هي الحال في الشركات الكبيرة والقديمة الأخرى التي تجد نفسها في خضم التحولات الرقمية، تحصد عروض شنايدر الرقمية نسبة مئوية صغيرة فقط من إجمالي إيرادات الشركة وأرباحها. ولكن العروض الرقمية تنمو بشكل أسرع مقارنة بالمنتجات والخدمات التقليدية، وهي تعد بربحية أكبر مع مرور الوقت. ولعل الأهم من ذلك هو أن شنايدر لم تنتظر استيلاء المنافسين على الفرص الرقمية للشركة. وهي تحتضن الزعزعة Disruption بشكل مربح من خلال تحديد ما هو ممكن وما يميل العملاء إلى تمويله.

في المؤسسات الكبيرة، لا يتدفق التعلم بشكل طبيعي في المؤسسة. فالأشخاص الذين لديهم فكرة يرغبون في أن تنجح، وفي الأغلب يُغرَون بتعديل فكرة غير ناجحة بدلاً من التخلي عنها. ولكن التعلم من التجارب يعتمد على إدراك ما لا ينجح وتحويل الموارد إلى شيء قد يكون أكثر نجاحاً. وبما أن الشركات تكتشف ما يريده العملاء ولا يريدونه، فهي بحاجة إلى تصميم العمليات والفرق لضمان تبصرات مشتركة فيما يخص العملاء.

وتطوير تبصرات حول كل من إمكانات التكنولوجيات الرقمية واهتمامات العملاء يتضمن تعزيز الممارسات الإدارية والعادات الفردية المكرسة وإحداث تغيير في ثقافة الشركات. وسيكون اتباع نهج تكراري للاختبار والتعلم لتطوير العروض مفهوماً غريباً تقريباً لأي شخص صعد إلى قمة شركة مكرسة. فشركات المستحضرات الصيدلانية تمتلك دورات تطوير تبلغ مدتها عشر سنوات؛ وفي الأغلب يستغرق مصنعو السيارات خمس سنوات لتطوير منتجات جديدة واختبارها وطرحها. وتتضمن هذه الدورات الطويلة تخصيص موارد ضخمة. وهي عبارة عن مبادرات استراتيجية “مرتفعة الرهانات”.

وتكون معظم الابتكارات الرقمية أصغر بكثير. فبعض هذه الرهانات الأصغر قد يصبح أموراً مهمة، لكن معظمها سيُهمَل. ويشبه إجراء التجارب الرقمية المراهنة بمبلغ ضئيل على كل الخيول في سباق ومن ثم الحصول على خيار بزيادة أي رهان في مراحل مختلفة خلال السباق. وليست هناك حاجة إلى وضع رهان كبير حتى يكون الفائز شبه مؤكد. وتعلم كيفية تجميع تبصرات العملاء ومشاركتها يتيح للشركات وضع رهاناتها بهذه الطريقة – على العروض الرقمية التي يرغب العملاء بالفعل في دفع ثمنها.

جين دبليو. روس Jeanne W. Ross

جين دبليو. روس Jeanne W. Ross

باحثة رئيسية في مركز أبحاث أنظمة المعلومات Center for Information Systems Research بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology

سينثيا إم. بيث Cynthia M. Beath

سينثيا إم. بيث Cynthia M. Beath

أستاذة فخرية لأنظمة المعلومات في كلية ماكومبز للأعمال McCombs School of Business بجامعة تكساس University of Texas في أوستن.

مارتن موكر Martin Mocker

مارتن موكر Martin Mocker

(martinmocker@) ملحق بحثي في مركز أبحاث أنظمة المعلومات Center for Information Systems Research في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technologyا وأستاذ أنظمة المعلومات في مدرسة إي إس بي للأعمال ESB Business School بجامعة رويتلينغن University in Reutlingen في رويتلينغن بألمانيا.

وهذا الموضوع مقتبس من كتاب المؤلـفـين المقبل، التصميم من أجل الرقمية: كيف تصممون عملكم لتحقيق النجاح المستمر Designed for Digital: How to Architect Your Business for Sustained Success (منشورات: The MIT Press، 2019).

للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61103.

المراجع

المراجع
1 The authors’ case studies and survey reports on this topic are available as working papers from the MIT Sloan School of Management’s Center for Information Systems Research (CISR), http://cisr.mit.edu.
2 P. Betancourt, J. Mooney, and J.W. Ross, “Digital Innovation at Toyota Motor North America: Revamping the Role of IT,” working paper 403, MIT CISR, Cambridge, Massachusetts, September 2015.
3 S.K. Sia, C. Soh, and P. Weill, “How DBS Bank Pursued a Digital Business Strategy,” MIS Quarterly Executive 15, no. 2 (June 2016): 105-121.
4 G. Platt, “World’s Best Bank Awards 2018: DBS Named Best Bank in the World,” Global Finance 32, no. 9 (October 2018).
5 L. Lorenzetti, “Royal Philips Is Headed for a Breakup,” Sept. 23, 2014, www.fortune.com.
6 M. Mocker and J.W. Ross, “ING Direct Spain: Managing Increasing Complexity While Offering Simplicity,” working paper 390, MIT CISR, Cambridge, Massachusetts, June 2013.
7 J.W. Ross, C.M. Beath, and K. Moloney, “Schneider Electric: Connectivity Inspires a Digital Transformation,” working paper 417, MIT CISR, Cambridge, Massachusetts, May 2017.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى