أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أعمالابتكارشركات

التعاون الأذكى وليس الأوثق

من خلال التحليلات يمكن للشركات تقليل الحمل الزائد ونزف الموظفين والتكاليف الأخرى للتعاون – وزيادة فوائده.

روب كروس، توماس إتش. دافنبورت، بيتر غراي1(Order of authorship is alphabetical, as this was a fully collaborative effort (although without analytics).

لا شك في أن التعاون، في مشهد عالمي تنافسي، يسمح للشركات بخدمة العملاء المُتطلِّبين بشكل أكثر سلاسة، والاستجابة بسرعة أكبر للبيئات المتغيرة، والابتكار بسرعة أكبر. ولكن عندما تحاول إحدى المؤسسات تعزيز التعاون من خلال اعتماد هيكل أو تكنولوجيا أو طريقة عمل رسمية جديدة، فإنها تضيف في الأغلب تدفقاً ثابتاً من التفاعلات المستهلكة للوقت والطاقة إلى عبء العمل الذي لا هوادة فيه بالفعل؛ مما يقلل من الأداء بدلاً من تحسينه.

فكروا في العواقب عند المستوى الفردي: ليس من غير المعتاد أن نشعر كما لو أننا نبدأ عملنا للتو عند الساعة الخامسة مساء، بعدما هدأت أخيراً مجموعة الطلبات اليومية. وبفضل العدد الكبير من التكنولوجيات التي تبقينا على ارتباط، والعمليات العالمية المتكاملة المتزايدة، والحاجة إلى تطبيق نهج متعدد التخصصات Multidisciplinary على المنتجات والخدمات المعقدة، تضخمت المشكلة على مدار العقد الماضي، مع زيادة المتطلبات الخاصة بوقت التعاون بأكثر من %50. فمعظم العاملين والقادة في مجال المعرفة يقضون %85 أو أكثر من وقتهم في الرد على رسائل البريد الإلكترونيوفي الاجتماعات وعلى الهاتف.2R. Cross, S. Taylor, and D. Zehner, “Collaboration Without Burnout,” Harvard Business Review 96, no. 4 (July-August 2018): 134-137; and R. Cross, R. Rebele, and A. Grant, “Collaborative Overload,” Harvard Business Review 94, ويتصارع الموظفون مع زيادة حجم رسائل البريد الإلكتروني وانتشار الأدوات التعاونية الجديدة وتوقعات الردود السريعة على الرسائل – الأمر الذي يؤثر تأثيرا ضارا في جودة العمل والكفاءة. وتخبرنا الأبحاث بأن التشتيت البسيط، مثل التحقق من رسالة نصية، يشتت انتباهنا أكثر مما ندرك، وأن التشتيت الأكثر استهلاكاً – مثل الرد على رسالة بريد إلكتروني – قد يكلفنا أكثر من 20 دقيقة لاستعادة تركيزنا بالكامل.3R. Friedman, “The Cost of Continuously Checking Email,” July 4, 2014, https://hbr.org.

وعلى الرغم من أن الموظفين مدركين تماما أنهم يعانون، فإن معظم المؤسسات لا تُقرُّ بما يحدث في المجمل. ويقول المدير التنفيذي للمعلومات CIO في إحدى الشركات التي درسناها: «يمكننا تعقب إيصال خاص بشركة طيران حتى رقمين عشريين وإنشاء بنية تحتية كاملة حول الامتثال، لكن ليست لدينا أي فكرة عن مدى فاعلية الشبكات أو أين يجري قضاء الوقت التعاوني». ومع زيادة الضغط على المؤسسات لتصبح أكثر رشاقة، يبرز أيضاً ميل أكبر إلى إغراق الموظفين بمتطلبات التعاون سعياً إلى تحقيق مؤسسة شبكية Networked organization. ووجدنا أن الموظفين يستخدمون، في المتوسط، تسع تكنولوجيات مختلفة على الأقل لإدارة تفاعلاتهم مع مجموعات العمل. وقد تكون النتيجة عبارة عن موظفين مُغرقين بالعمل وغير منتجين، وإبداعاً أقل، ونزفاً للموظفين Employee attrition.

ولحسن الحظ، يمكن تحسين جهود التعاون بمساعدة التحليلات Analytics. وربما كانت الصناعة الأولى التي قامت بذلك هي صناعة كرة السلة الاحترافية، إذ أدرك المحللون الكميون Quantitative analysts أن بعض اللاعبين سجلوا نتائج قليلة نسبيّاً لكنهم بطريقة ما جعلوا زملاءهم في الفريق يحققون نجاحاً أكبر.4M. Lewis, “The No-Stats All-Star,” The New York Times, Feb. 13, 2009. ونُشِر تحليل مشابه من فرق كرة القدم الاحترافية لتحديد الأنماط الأكثر فاعلية لتمرير الكرة من أجل تسجيل الأهداف في ظروف معينة.5B. Schoenfeld, “How Data (and Some Breathtaking Soccer) Brought Liverpool to the Cusp of Glory,” The New York Times, May 22, 2019. ولكن فوائد فهم أنماط التعاون يمكن جنيها في جميع أنواع المؤسسات. واستخدام التحليلات لجعل الأنشطة التعاونية أكثر شفافية يساعدُ الشركاتِ على تحديد الدوافع Drivers غير المرئية في السابق، واستغلالها في كل من توليد الإيرادات والابتكار وفاعلية الموظفين. وتمكّن التحليلات إدارةً أفضل لما صار تكلفة ضخمة لكن مخفية بالنسبة إلى المؤسسات، وهي تكلفة ليس الموظفون مهيئين لإدارتها من تلقاء أنفسهم.

خمس طرق قد تستفيد منها الشركات

وفي أبحاثنا حول التعاون على مدار العقد الماضي رأينا بعض الاستخدامات الفاعلة للتحليلات تظهر في اتحادين صناعيين، حيث حددنا ما إذا كانت التعاونات تدفع إلى إنتاج القيمة Value أو تستهلك الموارد بشكل غير مقصود.6Others have approached this field more technically, by focusing on the metrics themselves. For instance, see P. Leonardi and N. Contractor, “Better People Analytics,” Harvard Business Review 96, no. 6 (November-December 2018): 70-81. Our focus is on the problems that collaboration analytics can solve, in hopes of inspiring action among leaders who need to understand more viscerally what impacts are possible before diving into the methods and metrics. وذهبت هذه المؤسسات إلى أبعد من توثيق الأنشطة التعاونية البسيطة – من يتحدث إلى من وبأي وتيرة – لربط الأنشطة التعاونية بشكل منهجي بالنتائج الرئيسية Key outcomes.

وعلى وجه الخصوص، وجدنا خمس طرق رئيسية تدفع فيها الشركات إلى توليد قيمةٍ بناءً على تحليلات التعاون. أولاً، تتمكن من توسعة نطاق التعاون بفاعلية عن طريق نشر تحليلات مُستهدَفة لربط الأدوار الحاسمة (مثلاً، قادة المشاريع وقادة الخط الأول) ولربط الموظفين المشاركين في أعمال مماثلة والموزعين بين الوظائف أو الوحدات أو المواقع الجغرافية. ثانياً، تُحسِّن المؤسسات التصميم Design والتنفيذ Execution التعاونيين عن طريق فهم كيفية امتداد الشبكات عبر التسلسلات الهرمية وهياكل الفرق، ومن خلال تكرار دوافع النجاح Drivers of success. ثالثاً، تستخدم المؤسسات تحليلات التعاون لدفع الابتكار المخطط له والناشئ من خلال الشبكات العابرة للقدرات أو الأسواق أو الوظائف. رابعاً، تتيح لها التبصرات Insights التي تستخلصها من التحليلات تبسيط العمل التعاوني من خلال تشخيص الحمل التعاوني الزائد Collaborative overload وتقليله والتخلص من التفاعلات الروتينية غير الضرورية الخاصة باتخاذ القرار. خامساً، تُشرك الشركات المواهبَ من خلال استخدام تحليلات التعاون لتحديد عوامل التمكين الخاصة برأس المال الاجتماعي ذات الصلة بأداء الموظفين وتحفيز مشاركتهم Engagement, والاحتفاظ بهم Retention.

وسنستكشف كل مصدر للقيمة بدوره.

الأبحاث
تحدث المؤلفون إلى أكثر من 100 مدير ومسؤول تنفيذي يشاركون بفاعلية في مشاريع تحليلات التعاون.
واختِيرَت عينتهم من اتحادين من اتحادات الصناعة.
وركزوا على تحديد أمكنة استخدام تحليلات التعاون Collaboration analytics لاتخاذ قرارات مستندة إلى أدلة أثرت في أداء الأعمال.

1 توسيع نطاق التعاون بشكل فاعل Scaling collaboration effectively. طورت أغلبية المؤسسات موهبة عميقة من حيث القدرات الأساسية Core capabilities القائمة على المعرفة المكثفة، لكن من الأقل شيوعاً ربط الأفراد ذوي الخبرة بشكل منهجي ببعضهم بعضاً. فقد يتوزعون في مختلف أنحاء المؤسسة بعيدا عن بعضهم بعضا، وفي الأغلب يكونون موزعين بين الوظائف، والمواقع الجغرافية، وحسابات الأرباح والخسائر P&Ls، مما يعني عدم وجود قائد واحد أو وحدة واحدة يتحمل/تتحمل المسؤولية عن الحصول على فوائد من تعاوناتهم. ونتيجة لذلك، تكون فوائد التوسع في الأغلب محدودة جداً.

وعلى الرغم من ذلك، قد تزيد تحليلات التعاون من فوائد التوسع زيادة قصوى في ثلاثة مجالات رئيسية:

حول أدوار قيادية محددة – تكون عادةً من المستوى الأول ومدير المدير – حيث يكون لمعدلات الفشل أثر كبير في المؤسسة.

في الأدوار الوظيفية الاستراتيجية المهمة – أو الأدوار المحورية7J.W. Boudreau and P.M. Ramstad, “Where’s Your
Pivotal Talent?” Harvard Business Review 83, no. 4 (April 2005): 23-24.
– التي يكون لها أثر غير متناسب Disproportionate في عمليات التنفيذ أو الابتكار.

فيما بين مجتمعات الخبراء التقنيين الأساسيين – سواء أكانت متعلقة بالعلوم أم الهندسة أم البرمجيات – التي تعتمد عليها الشركة لتحقيق القدرة الاستراتيجية.

خذوا، مثلاً، جنرال إلكتريك General Electric، التي تمتلك قاعدة معرفية Knowledge base ضخمة تتمثل في أكثر من 300 ألف موظف حول العالم، يعملون في تسع شركات. فقبل عام 2015 كانت جهود جنرال إلكتريك لربط الجيوب الموزعة للخبرة جهودا غير متكافئة. ولاحظ دان رانتا Dan Ranta، قائد تبادل المعرفة Knowledge-sharing leader، قائلاً: «كانت لدينا نقاط مضيئة حيث كان تبادل الخبرات بين الأعمال فعّالا، لكننا لم نكن متناسقين داخل القطاعات وما بينها. وكان الأمر يحدُّ من فرصنا الواسعة النطاق». ولمح القادة فرصة لتحسين التعاون في جميع أنحاء الشركة من خلال المجتمعات الجديدة للخبرة المدعومة بالتحليلات. وكان الهدف هو تمكين تكامل الخبرات بطريقة طبيعية لا تتطلب إلا القليل من جهد الخبراء المعنيين.

وطور رانتا وفريقه أولاً نموذجاً كميّاً Quantitative model to لتوقع ما إذا كان مجتمع صغير ما على استعداد لتقاسم خبرته على المستوى العالمي، استناداً إلى البيانات المجموعة حول المجتمعات الناجحة المتخصصة بمشاركة المعرفة في أمكنة أخرى بالشركة. وحسبا النتائج التي تعكس نضج التعاون بين أفراد المجتمع، ودرجة التزامهم المتبادل بالنجاح، ومدى دعم بيئتهم التكنولوجية المحلية لمجتمع عالمي، ومستوى الدعم لمجتمع عالمي داخل مؤسستهم. وعندما توقع النموذج بأن مجتمعا ما جاهز، ضمّن فريق رانتا هذا المجتمع في بنية جديدة لتبادل المعرفة تتميز بمساحات للمناقشة، حيث أمكن للخبراء التفاعل على المستوى العالمي. أما المجتمعات التي لم تكن جاهزة؛ فوُجِّهت بدلاً من ذلك نحو هياكل أصغر وأكثر تركيزاً، مثل الفرق المُشكَّلة وفقا للمهام Mission-based teams.

واستخدمت جنرال إلكتريك التحليلات لتوقع أي من أفراد المجتمع ستتوفر لديهم الخبرة المناسبة ليجيبوا عن كل نوع من الأسئلة، وليوزعوا الأسئلة تلقائيّاً على خبراء المجتمع المناسبين من خلال استخدام برمجيات ذات نطاق صناعي Industrial-scale software. ولأغراض إدارة المجتمعات، ولّدت جنرال إلكتريك تحليلات في الوقت الفعلي Real-time analytics لأنماط التعاون لتحديد الموظفين الأكثر مشاركة والذين يحدثون فارقاً في مواقع عملهم.

ونتيجة لهذا العمل، صارت الاستفادة من خبرة جنرال إلكتريك أسهل حيثما وجدت هذه الخبرة. مثلاً، أنشأت أعمال جنرال إلكتريك للطاقة المتجددة، التي تضم نحو 43 ألف موظف، 27 مجتمعاً للربط بين الأفراد عبر مئات من المناقشات التقنية التي تمتد عبر الحدود الجغرافية والأعمال، فأنتجت هذه المجتمعات مجتمعة مجموعةً واسعة من الحلول والدروس المستفادة. وفي عام واحد، حل 1,172 من المتعاونين الداخليين مجتمعين ما مجموعه 513 مشكلة من مشكلات العملاء، مما أدى إلى أكثر من 1.1 مليون دولار من التكاليف المتجنبة في الإنتاجية. ولاحظ رانتا قائلاً: «التحليلات تُعزِّز عملياتِنا، وتقلل من التكلفة البشرية لمساعدة بعضنا بعضاً، وتتيح لنا الاستفادة من العرق الأكثر سماكة في ‘منجم ذهب المشاركة’»، وهو الكرم البشري والفخر المهني.

2 تحسين التصميم والتنفيذ التعاونيين Improving collaborative design and execution. تنتشر الهياكل القائمة على الفرق Team-based structures في المؤسسات، لكن الموظفين المعينين في عدد أكبر مما ينبغي من الفرق ينتهي بهم الأمر إلى إبطاء الجهود والتسبب بتعطيل كبير إذا شعروا بالإرهاق ورحلوا.8M. Mortensen and H.K. Gardner, “The Overcommitted Organization,” Harvard Business Review 95, no. 5 (September-October 2017): 58-65. وقد تساعد تحليلات التعاون القادة على تحديد الأمكنة التي تكون فيها هياكل الفريق أكثر فاعلية، فسيتنير بها التدريب الداخلي، وتولّد أفضل الممارسات التي تساعد على تكرار تلك الشبكات، وتضبط عمل الفرق من أجل الرشاقة والسرعة.

أما التعاون الجانبي Lateral collaboration فيمثل تحدياً خاصاً في الشركات المصرفية الاستثمارية. وعلى الرغم من ثقافة “مؤسسة واحدة” One firm culture التي يُنادى بها، فإن التسلسلات الهرمية التي تنمو في ضوء شريك تدفع الموظفين في الأغلب إلى تركيز كل جهودهم داخل فرقهم، كما تحد قيود الوقت من قدرتهم على التعلم عن الحلول المتاحة في الجيوب المعزولة من الشركاء الآخرين. وقد يؤدي ذلك بالفرق التي تتعامل مباشرة مع العملاء إلى التركيز على بيع حلولهم الخاصة بدلاً من الحلول المتكاملة والشاملة التي تتضمن هوامش أعلى وتُحسِّن من الاحتفاظ بالعملاء.

وأدرك المسؤولون التنفيذيون في أحد المصارف الاستثمارية العالمية أن هذه المعضلة الهيكلية الخاصة بالجيوب المعزولة للشركاء تمنع مصرفهم من اللحاق بالجهات الرائدة في الصناعة. ومن خلال تحليل شبكي Network analysis، حدد فريق التحليلات عدد العلاقات المدرة للدخل بين قادة الفرق ذوي الرتب المتوسطة لفهم أين تقدم — أو لا تقدم — العروض المتكاملة المطوّرة باستخدام حزم من المهارات. واكتشف الفريق أحد الأصول التي غفلوا عنها فيما سبق: الموظفون ذوو الرتب المتوسطة الذين مكّنوا الآخرين من بيع خدمات إضافية. ومقارنةً بالموظفين الآخرين، كان لهؤلاء “المتكاملون الخفيون” Hidden integrators ثلاثة أضعاف عدد روابط غيرهم في المجموعات الشريكة، وكان احتمال أن تربط روابطهم الفرق الضعيفة الارتباط أكبر بخمسة أضعاف تقريباً. ومن الناحية المالية كان هؤلاء المتكاملون الخفيون المولّدين لأكثر من ستة أضعاف متوسط إيرادات بيع خدمات إضافية.

لكن اتضح أن هؤلاء المتكاملين الخفيين، على الرغم من قيمتهم الضخمة للشركة، كانوا في الواقع في خطر. فالعديد منهم غادروا الشركة مؤخرا. وكشفت التحليلات أنهم كانوا موضع تقدير قليل: لقد كان أثرهم في بيع الخدمات الإضافية غير مرئي إلى حد كبير للشركة ولم يُحتسَب من ضمن توليد الإيرادات. وسرعان ما عدَّل القادة نظام التعويضات للاعتراف بالمساهمات المهمة لهؤلاء.

ولعل الأهم من ذلك هو أن التحليلات كشفت أن هؤلاء المتكاملين القيمين نجحوا بطرق مختلفة. فقد تخصص بعض المتكاملين بالعديد من الصفقات الأصغر، لذلك حررت الشركة وقتهم لفعل ذلك. وبرع متكاملون آخرون في تمكين صفقات أكبر بكثير (أكثر من 15 مليون دولار)، لكن بالنظر إلى الوتيرة المنخفضة لحدوثها، كان لا بد من إدارة هؤلاء الموظفين ومكافأتهم بشكل مختلف على جهودهم البعيدة الأجل.

3 دفع الابتكار المخطط له والناشئ Driving planned and emergent innovation. الابتكار بطبيعته عملية اجتماعية، ترتكز على الاحتكاك المبدع الذي يحدث عندما يجتذب الأشخاص ذوو الخبرات والتجارب المختلفة بعضهم بعضاً في اتجاهات غير متوقعة ويتوصلون إلى شيء جديد تماماً. ومن الأفضل عدم ترك الصدفة تتحكم بفهم الموضع الذي ينبغي أن تحفِّز فيه المؤسسةُ الابتكار َمن خلال بناء شبكات تجمع الأشخاص ذوي الأنواع المختلفة من الخبرة. وقد تكشف تحليلات التعاون القدرات المعزولة التي إذا ما حققنا التكامل بينها بشكل أفضل، قد تحفز الابتكار وتترجم الأفكار الإبداعية إلى عروض جاهزة للإنتاج.

واستخدمت جنرال موتورز تحليلات التعاون لفعل ذلك. وتبرز نماذج الأعمال Business models الجديدة جذريّاً في صناعة السيارات على صعيد التنقل المشترك Shared mobility، والقيادة الذاتية Autonomous driving، والسيارات الكهربائية، والربط Connectivity. وفي مواجهة هذه الفرص ومجموعة غير مسبوقة من المنافسين غير التقليديين، أدركت جنرال موتورز أن عليها اتخاذ إجراءات جريئة للتكيف مع هذا العالم الجديد.

وسرعان ما استحوذت جنرال موتورز شركات ناشئة ووظفت مواهب جديدة لتعزيز قدراتها التكنولوجية في المجالات الاستراتيجية الأساسية. لكن على الرغم من هذه الاستثمارات في رأس المال البشري لدى جنرال موتورز، أقر المسؤولون التنفيذيون أيضاً بأهمية رأس المال الاجتماعي، أو شبكات العلاقات التي تربط الموظفين وتعزز قدراتهم الفردية. ولإنتاج زيادة ضخمة في رشاقة الشركة وإبداعها، ركزت جنرال موتورز على إنشاء ما أطلق عليه آنذاك مايكل أرينا Michael Arena، كبير المسؤولين عن المواهب، المجال التكيـفي Adaptive space– وهو شبكة من الروابط التي تربط بين جيوب الريادة في الابتكار داخل الشركة والعناصر التشغيلية التقليدية فيها التي تركز على التنفيذ.9M.J. Arena, Adaptive Space: How GM and Other
Companies Are Positively Disrupting Themselves and Transforming Into Agile Organizations (New York: McGraw-Hill, 2018).
وبدأ هذا يقلل من الجيوب المعزولة التاريخية. ويتطلب إنشاء مساحة تكيفية تدخلات تدور حول أربعة أنواع مختلفة من الشبكات: اكتشاف الأفكار Idea discovery، وتطوير المفاهيم Concept development، ونشر الابتكار Innovation diffusion، والزعزعة التنظيمية Organizational disruption. وعلى الرغم من أهميتها كلها، فلنركز على المرحلة الثانية – تطوير المفاهيم – التي تطورت فيها بسرعة أفكار واعدة لتصبح ابتكارات ناشئة.

طلب أرينا إلى فريق التحليلات الداخلية دراسة شبكات مجموعتي التطوير التي حولت الأفكار إلى نماذج أولية Prototypes جديدة. وكانت مجموعة منها أفضل من الأخرى في هذا المجال. وكشفت تحليلات التعاون المستمدة من بيانات الشبكات أن المجموعة الأكثر نجاحاً لديها مُعامِل تجميع Clustering coefficient (درجة تكوّن الفريق من مجموعات فرعية صغيرة متماسكة بإحكام) كان أعلى بأكثر من ضعفين منه لدى نظيرتها الأقل نجاحاً. وكان الفريق الأكثر نجاحاً أفضل في تشكيل مجموعات فرعية صغيرة تعاونت في مهمة أو وظيفة واحدة من وظائف تحدي التطوير ككل. وبهذه الطريقة، تمكنت من التركيز على إتقان كل شيء على حدة وإحراز تقدم سريع ومركّز.

وكما قد تتوقعون، كان لدى المجموعة الناجحة أيضاً مقياس للكثافة Density metric (وهو مقياس يعتمد على عدد الروابط التي تربط المجموعة معاً) بلغ نحو ضعف مقياس المجموعة الأقل نجاحاً. ومن خلال هذه الروابط، شارك أعضاء الفريق المكلفون بجانب من جوانب التطوير تطويراتهم مع أعضاء من مجموعات أخرى بطرق ساعدت على جمع الابتكارات المحلية في مفهوم فعّال وأوسع في مجال السيارات. ومن المثير للاهتمام أن أعضاء الشبكة الناجحة، في حين كانت للشبكة علاقات داخلية أكثر، امتلكوا علاقات خارجية أقل بمصادر الأفكار المحتملة في الصناعة أو الأوساط الأكاديمية، لذلك تحرروا من التشتيت الخارجي الذي قد يعيق تركيزهم على المهمة في كل مراحل التطوير. وكان لدى مجموعة التطوير الأقل نجاحاً مزيد من الروابط الخارجية التي كانت ذات قيمة في تمكين اكتشاف تبصرات جديدة لكنها قادت الفريق في الأغلب إلى التحوط في رهانات التطوير الخاصة بهم من خلال متابعة احتمالات متعددة في وقت واحد. ومن المفارقات أن هذا ترك أثراً سلبيّاً في سرعة تطوير المفهوم وأَخَّر القرار بإيقاف النماذج الأولية الأقل نجاحاً.

لقد مكن الجمع بين الحصول على موظفين مهرة والتأكد من وضع هؤلاء الأفراد بشكل صحيح في الشبكة جنرال موتورز من التكيف بشكل أسرع مع القوى المزعزعة التي تحيط بها.

قد تؤدي تحليلات التعاون دوراً قويّاً في تحديد الأمكنة التي يؤدي فيها الربط المفرط إلى استنزاف الوقت أو إبطاء سرعة التسويق أو الإضرار بمعنويات الموظفين.

 

4 تبسيط العمل التعاوني Streamlining collaborative work. بالنظر إلى أن الموظفين يقضون جزءا كبيرا من وقتهم في الاجتماعات والمكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني، قد تؤدي تحليلات التعاون دوراً قويّاً في تحديد المواضع التي يؤدي الربط المفرط فيها إلى استنزاف الوقت أو إبطاء سرعة التسويق أو يُضرّ بمعنويات الموظفين. وقد يزعج الحمل التعاوني الزائد أفراداً أو أدواراً محددة، ويمكن لتحليلات التعاون أن تحدد المواقف التي يكون فيها بعض الأشخاص -على صعيد التعاون- أقل كفاءة بكثير من الآخرين في المؤسسة.10R. Cross and P. Gray, “Where Has the Time Gone? Addressing Collaboration Overload in a Networked Economy,” California Management Review 56, no. 1 (fall 2013): 50-66. وفي بعض الأحيان يُنشَأ الحمل الزائد عن عمليات اتخاذ القرارات الشاملة بشكل مفرط. وبشكل عام، يحدث الحمل الزائد عندما يفيد أكثر من ربع الأشخاص الذين يتفاعلون مع أي موظف فردي (من خلال استطلاع داخلي) بأنهم لا يستطيعون تحسين أدائهم من دون مزيد من الوصول إلى ذلك الفرد.

وربما لا يكون تبسيط العمل التعاوني أكثر أهمية منه عند تحويل المستحضرات الصيدلانية الجديدة إلى سلع تجارية Commercialization. إذ يحدث ذلك بعد تنفيذ معظم الاستثمارات الضخمة اللازمة لتطوير دواء جديد لكن قبل أن يصل المنتج إلى الرفوف. وهو حساس للوقت بشكل غير عادي، فالتأخير ليوم واحد يكلف الشركة الملايين في أرباح ضائعة Lost profits. لكن تحويل الأدوية إلى سلع تجارية يتطلب أيضاً تعاوناً مكثفاً بشكل لا يصدق، ويتطلب التنسيقَ بين الشؤون التنظيمية، والشؤون الطبية، والبحث والتطوير، والمبيعات، والتسويق Marketing، والشؤون القانونية، والتصنيع، والعديد من الوظائف الأخرى.

وقد يكون لتبسيط التعاون أثر مباشر وفوري في النتيجة النهائية. فقد اكتشف رئيس وحدة تحويل المنتجات إلى سلع تجارية في إحدى شركات المستحضرات الصيدلانية التي درسناها هذه الحقيقة، بعد استخدام تحليلات التعاون لتحديد الفرص الهادفة إلى زيادة كفاءة اتخاذ القرارات الروتينية، والتي بدا أنها كانت في الأغلب تستغرق وقتاً طويلاً. وطلب فريق التحليلات إلى كل عضو في الوِحدة الإجابةَ عن سلسلة من الأسئلة حول شبكة المتعاونين معه، بما في ذلك حجم الوقت الذي يقضيه كل شخص في اتخاذ القرارات الروتينية في مقابل القرارات غير الروتينية. واستخدم الفريق، المسلح ببيانات حول التأخير المقدر لهذه الأنواع من القرارات، تحليلات نصية لاحتساب أي من فئات القرارات أخرت العملية أطول من غيرها.

وبالتركيز على كل مجال من مجالات التحسين، صاغ القادة وموظفوهم مبادئ توجيهية للاتخاذ الأمثل للقرارات، وفي بعض الحالات وضعوا مخططات لتدفق القرارات Decision-flow schematics لضمان معرفة كل الأطراف المعنية بأفضل تسلسل والخطوط الزمنية. وراجعوا مبادئ الحوكمة Governance principles ودربوا الموظفين على دفع المسؤولية والمساءلة وصولا إلى الرتب الأدنى في المؤسسة.

واكتشف فريق التحليلات أيضاً تبايناً كبيراً في حجم الوقت الذي يقضيه الأفراد في التعاون مع أدوار معينة داخل الوحدة والإعداد لتلك التفاعلات (ما نسميه الكفاءة التعاونية Collaborative efficiency). وحددت التحليلات الإحصائية أربعة أدوار محددة كان الأفراد يتصرفون فيها بطرق ربما اعتقدوا أنها فاعلة، لكن ذلك التصرف لم يلتزم بأي ممارسة مُثلى Best practice. واستهلك أولئك الذين كانوا أكثر كفاءة في هذه الأدوار وقتاً قليلاً فقط من التفاعل مع كل شخص في شبكتهم، في حين استهلك الأشخاص الأقل كفاءة أضعافاً مضاعفة من هذا الوقت. وكشفت الحسابات اللاحقة أن تحسين كفاءة هذه المجموعة قد يكون له أثر محفز في المؤسسة بكاملها. ويمكن لمجرد جعل ذلك هو المتوسط المعتاد أن يوفر أكثر من 17 ألف ساعة من وقت التعاون سنويّاً في بقية المؤسسة – ما يعادل نحو تسعة موظفـين بدوام كامل.

ومن خلال هذه التبصرات تمكنت الوحدة من الحفاظ على آلاف الساعات وتوفير الوقت في العملية الشاملة لتحويل المنتجات إلى سلع تجارية. وأظهر تحليل التعاون بهذه الطريقة أن التغيرات كانت ممكنة ومرغوب فيها، وقدم تبصرات تشخيصية لمساعدة المجموعات الأخرى في الشركة على اكتشاف طرق جديدة وأفضل لأداء وظائفها.

ولا يمثل استخدام البيانات المستندة إلى الاستطلاعات والمتعلقة بالتعاون الطريقةَ الوحيدةَ لاستنباط تبصرات مفيدة في أوجه القصور في تعاون الشركة. ومن الممكن أيضاً استخلاص بيانات التعاون من مصادر رقمية موجودة، مثل بيانات الاجتماعات ورسائل البريد الإلكتروني، باعتبارها منتجاً ثانويّاً لسلوكيات أخرى. واستخدمت إحدى الشركات الرائدة في تمويل الرهون العقارية Mortgage finance محركاً لتحليلات التعاون يعمل بـ“البيانات السلبية” Passive data مكّن فريق التحليلات من أن يحدد بسهولة فرص التبسيط. وبدا أن إحدى الوحدات كانت فاعلة بشكل خاص، وكشف تحليل بيانات التعاون السلبي Passive collaboration عن مدى اختلاف سلوك الموظفين في الوحدة عن الآخرين في الشركة. وأنشأت هذه المجموعةُ ثقافةَ تمكينً وعلاقات عمل قوية بين الموظفين. فأعضاؤها، مثلاً، قضوا وقتاً أقل بنسبة %56 في اجتماعات تدارس الموافقات و%29 وقتاً أكثر في رسائل البريد الإلكتروني لتدارس بالموافقات. وعملوا أيضاً بمزيد من الاستقلالية، إذ أمضوا وقتاً أقل بنسبة %20 في الاجتماعات التي حضرها مشرفهم. وكانوا أكثر تركيزاً حين شاركوا في تعاونات وجهاً لوجه، وكان لديهم تعارض أوقات اجتماع أقل بنسبة %40 وأرسلوا عدداً أقل من رسائل البريد إلكتروني أثناء الاجتماعات بنسبة %18.

إشراك المواهب Engaging talent. ظهرت مجموعة سريعة التطور من تطبيقات تحليلات التعاون كامتداد طبيعي لوظائف تحليلات الأشخاص في المؤسسات. وتحرز المؤسسات تقدماً سريعاً في مجموعة متنوعة من المسائل الشائكة المتعلقة بالمواهب – وتولّد أثراً Impact في المجالات التي كان التقدم فيها في الأغلب محدوداً تقليديّاً – من خلال دمج دوافع نجاح Success drivers رأس المال الاجتماعي مع دوافع نجاح رأس المال البشري التقليدية. مثلاً، تقوم الشركات بما يلي:

• تقليل نزف الموظفين Attrition باستخدام نماذج التحليلات التي تحدد أنماطاً للتعاون تتوقع الاحتفاظ بالموظفين.11G. Ballinger, E. Craig, R. Cross, et al., “A Stitch in Time Saves Nine: Leveraging Networks to Reduce the Costs of Turnover,” California Management Review 53, no. 4 (summer 2011): 111-133.

• تعزيز الأداء الفردي ونجاح الفترة الانتقالية من خلال دراسة شبكات أصحاب الأداء المرتفع ومساعدة الآخرين على تكرار تلك الشبكات.12R. Cross and R.J. Thomas, “Managing Yourself: A Smarter Way to Network,” Harvard Business Review 89, nos. 7-8 (July-August 2011): 149-155.

• تحسين عمليات إدارة الأداء Performance management لتحديد كبار المتعاونين -الذين تغفل عنهم في الأغلب الأنظمة التقليدية- والاحتفاظ بهم.

• استخدام النُّهُج القائمة على الأدلة لتوليد مزيد من الأثر من برامج التنوع Diversity والشمول Inclusion programs.

وتقدم شركة بوز ألن هاملتون Booz Allen Hamilton مثالاً نادراً على استخدام تحليلات التعاون التوقعية Predictive collaboration analytics ليس فقط لتوقع الاحتفاظ بالموظفين بل أيضاً تحسينه. وطورت الشركة بالفعل نموذجاً لتوقع نزف الموظفين يستند إلى بيانات مثل الخصائص الديموغرافية، وخصائص العمل، والمستوى في المؤسسة، وطول مدة الخدمة، والتعويضات، والمزايا. وحدد النموذج الدوافع الرئيسية لنزف الموظفين، وحدد الموظفين المعرضين إلى خطر ترك الشركة أكثر من غيرهم، والذين قد يستفيدون من التدخلات المستهدفة. ومع ذلك، وبعد تطوير النموذج، ظهرت عوامل اجتماعية إضافية قد تؤثر في نزف الموظفين.

وتشير البيانات إلى أن مخاطر الدوران الوظيفي Turnover كانت أعلى بعد انتقال الموظف إلى دور جديد. وكشف تحليل آخر أن الطريقة التي يدير بها الموظف الشبكات شكلت احتمالات المغادرة بعد الانتقال. عند النظر إلى بيانات الاقتران Mapping data لحجم شبكة التعاون كل موظف ومداها Reach وجودتها Quality ومقارنتها ببيانات النزف، فإن ذلك يكشف عن تبصرات مختلفة في نطاقات محددة من فترات التوظيف. ويتناقض التحليل مع كثير من النصائح التقليدية حول الشبكات (مثلاً، أن الشبكة الكبيرة هي دائماً شبكة جيدة).

وقد وجدنا أن خمس فئات من العوامل المستندة إلى الشبكات ميَّزت الموظفين الذين غادروا خلال سنتين من انضمامهم إلى الشركة عن أولئك الذين بقوا. (انظر: الدوافع الشبكية للاحتفاظ بالموظفين في بوز ألن هاملتون.) وكان الأفراد الذين بقوا هم أولئك الذين ولَّدوا مزيداً من الطاقة في تفاعلهم مع الآخرين، وساعدوا الآخرين على الشعور بأن عملهم كان ذا هدف وكان مهمّاً، وولّدوا «جذباً» Pull (أو طلباً) على مواهبهم، وولّدوا تنوعاً في التفكير في شبكات أوسع، وأقاموا روابط مع مجموعات قوية من الأقران. وعلى أساس هذه النتائج، فقد نفذت بوز ألن برنامجاً جديداً لدمج الموظفين الجدد Onboarding دمجا متكاملا ركّز على أبعاد الشبكة المحددة حيث يزداد احتمال الاحتفاظ بالموظفين. وأكدت تحليلات المتابعة Follow-up analyses حدوث تحسن كبير في الاحتفاظ بالموظفين نتيجة لتدريب جديد على التعاون.

ويتضمن المثال الثاني استخدام تحليلات التعاون Collaboration analytics لتقييم إدارة الأداء بشكل أكثر كفاءة وفاعلية – وهذا دافع رئيسي من دوافع مشاركة الموظفين13J.L. Whittington, S. Meskelis, E.K. Asare, et al., Enhancing Employee Engagement: An Evidence-Based Approach (New York: Palgrave Macmillan, 2017). – في دبليو إل غور وشركائه W.L. Gore & Associates، وهي شركة لتطوير المنتجات المستندة إلى البحث والتطوير R&D. والهيكل التنظيمي للشركة -المسطح والمشابه لشبكة متداخلة Latticelike- يمكّن المشاركون Associates من تحديد القادة الذين يجب متابعتهم، كما يجعلهم مسؤولين مسؤولية مباشرة أمام أعضاء فرقهم. ففي غياب رؤساء تقليديين لتقييم الأداء، يصنف أعضاء الفريق بعضهم بعضاً وفق مساهماتهم (الأثر والفاعلية) التي تُدمَج في ترتيب جميع المشاركين في مجالاتهم داخل الشركة. بعد ذلك يُستخدَم نظام التصنيف لتحديد التعويض Compensation الخاص بالمشاركين.

وبحلول عام 2015 نمت غور إلى أكثر من تسعة آلاف مشارك؛ مما زاد من تعقيد عملية تقييم المساهمة. والنمو العالمي للشركة يعني أن الكثير من المشاركين كانوا يعملون في فرق افتراضية متعددة تعمل في موقع واحد، ويكون أي فريق بمفرده على دراية بشريحة صغيرة فقط من أداء أحد المشاركين. ونتيجة لذلك، فقد يستغرق استكمال مشارك واحد للمساهمات عدة أيام، ولاسيما بالنسبة إلى الأفراد الذين شغلوا مواقع محورية في شبكات الأداء في الشركة.

وبدأت غور باستكشاف نهج أبسط وذي شقين، باستخدام تحليلات التعاون. أولاً، مكنت الاستطلاعات المؤتمتة المشاركين الفرديين من تسمية جهات اتصال شبكية كانت تعرف مساهماتهم بشكل أفضل. واستوعبت خوارزمية كل بيانات التعاون هذه وكشفت عن المشاركين الذين كانوا في وضع يمكنهم من المقارنة بين أزواج من المشاركين الآخرين. وقدم استطلاع مؤتمت ثانٍ لكل مشارك أزواجاً من المتعاونين كان المشارك في وضع مناسب -بشكل فريد- لتقييمها وطلب الاستطلاع إليه تصنيف ما إذا كان أحد المساهمين أقوى من الآخر. ويتطلب إكمال كل هذا عادةً بين 15 و20 دقيقة من كل مشارك بدلاً من ساعات أو أيام. وعملت التحليلات على مجموعة البيانات المجمعة، ثم أنتجت تصنيفات لجميع المشاركين في الشركة.

وبالنسبة إلى تجربة في وحدة من 200 شخص، وجدت غور أن التصنيفات كانت مماثلة جداً لتلك التي وُلِّدت أخيراً من خلال العملية التقليدية لتقييم المساهمات. وأُطلِقت العملية بالكامل في عام 2017. وأشار ويليس جنسن Willis Jensen، العضو في الفريق، قائلاً: «قدّرنا بشكل محافظ أن نهجنا أنقذ عشرة آلاف ساعة في السنة، لكن في الواقع، ربما كان الرقم عدة أضعاف». وبالقدر نفسه من الأهمية، فقد كانت العملية الجديدة لا تزال متوائمة بشكل جيد مع ثقافة التمكين الخاصة بالشركة.

وعلى الرغم من اتفاق واسع النطاق حول أن التعاون يمثّل أمراً حاسماً لتحقيق النتائج المرجوة للأعمال، تتخبط المؤسسات في شأن كيفية تعزيز هذه القيمة في ضوء ظروف معيّنة. وفي كثير من الأحيان كانت مبادرات التعاون الحسنة النية تؤدي فعليّاً إلى نتائج عكسية، إذ تنزلق إلى حمل زائد على الموظفين الرئيسيين. ومن خلال تحليلات التعاون، يمكننا أن نبدأ بتسليط الضوء على من يحتاج إلى التعاون مع من وحول ماذا، وأي أنواع من التعاون ستسفر عن نتائج معينة، والكيفية التي يؤثر بها التعاون في رضا الموظفين وأدائهم ونزفهم.

وأبعد بكثير من التحليلات التقليدية التي توفر ببساطة نماذج وصفية وبصرية حول من يتحدث إلى من، هناك جيل جديد من تحليلات التعاون آخذ بالظهور، مع إمكانات أكبر على صعيد التوقع والإرشاد. وتستخدم هذه التحليلات أساليب متقدمة، بما في ذلك تعلم الآلة Machine learning، لتحديد البيانات الرئيسية من دون الحاجة إلى بذل جهد إضافي من الموظفين، وربط مقاييس التعاون بمجموعة متنوعة من مقاييس أداء الأعمال. وهي تمتلك القدرة على التأكد من أن المبادرات المصممة للمساعدة على جعل فريقكم أكثر إنتاجية لا تأتي بنتائج عكسية مُذهلة.

وتضع هذه النُّهُج الجديدة تحليلات التعاون على مستوى متساوٍ مع أدوات تحليلية مهمة أخرى في المؤسسات. فهي تُقدِّم لمتخذ القرار سلطةَ بيانات وتحليلات التعاون الإنساني في العمل.

روب كروس Rob Cross

روب كروس Rob Cross

أستاذ كرسي إدوارد إيه مادن Edward A. Madden للقيادة العالمية في كلية بابسون. Babson College

توماس إتش. دافنبورت Thomas H. Davenport

توماس إتش. دافنبورت Thomas H. Davenport

(@tdav) الأستاذ المتميز للرئيس لتكنولوجيا المعلومات والإدارة في كلية بابسون، وزميل في مبادرة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology حول الاقتصاد الرقمي، ومستشار رئيسي في ممارسات التحليل والإدراك لدى ديلويت Deloitte.

بيتر غراي Peter Gray

بيتر غراي Peter Gray

أستاذ في مدرسة ماكينتير للتجارة McIntire School of Commerce بجامعة فرجينيا University of Virginia. للتعليق على هذا الموضوع http://sloanreview.mit.edu/x/61105.

المراجع

المراجع
1 (Order of authorship is alphabetical, as this was a fully collaborative effort (although without analytics).
2 R. Cross, S. Taylor, and D. Zehner, “Collaboration Without Burnout,” Harvard Business Review 96, no. 4 (July-August 2018): 134-137; and R. Cross, R. Rebele, and A. Grant, “Collaborative Overload,” Harvard Business Review 94,
3 R. Friedman, “The Cost of Continuously Checking Email,” July 4, 2014, https://hbr.org.
4 M. Lewis, “The No-Stats All-Star,” The New York Times, Feb. 13, 2009.
5 B. Schoenfeld, “How Data (and Some Breathtaking Soccer) Brought Liverpool to the Cusp of Glory,” The New York Times, May 22, 2019.
6 Others have approached this field more technically, by focusing on the metrics themselves. For instance, see P. Leonardi and N. Contractor, “Better People Analytics,” Harvard Business Review 96, no. 6 (November-December 2018): 70-81. Our focus is on the problems that collaboration analytics can solve, in hopes of inspiring action among leaders who need to understand more viscerally what impacts are possible before diving into the methods and metrics.
7 J.W. Boudreau and P.M. Ramstad, “Where’s Your
Pivotal Talent?” Harvard Business Review 83, no. 4 (April 2005): 23-24.
8 M. Mortensen and H.K. Gardner, “The Overcommitted Organization,” Harvard Business Review 95, no. 5 (September-October 2017): 58-65.
9 M.J. Arena, Adaptive Space: How GM and Other
Companies Are Positively Disrupting Themselves and Transforming Into Agile Organizations (New York: McGraw-Hill, 2018).
10 R. Cross and P. Gray, “Where Has the Time Gone? Addressing Collaboration Overload in a Networked Economy,” California Management Review 56, no. 1 (fall 2013): 50-66.
11 G. Ballinger, E. Craig, R. Cross, et al., “A Stitch in Time Saves Nine: Leveraging Networks to Reduce the Costs of Turnover,” California Management Review 53, no. 4 (summer 2011): 111-133.
12 R. Cross and R.J. Thomas, “Managing Yourself: A Smarter Way to Network,” Harvard Business Review 89, nos. 7-8 (July-August 2011): 149-155.
13 J.L. Whittington, S. Meskelis, E.K. Asare, et al., Enhancing Employee Engagement: An Evidence-Based Approach (New York: Palgrave Macmillan, 2017).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى