أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ابتكاراستثماربحث

وعد الابتكار المستهدف

قد تشهد الأطراف الفاعلة في قطاع البضائع الاستهلاكية عوائد أفضل من البحث والتطوير إذا ما قلدّوا منافسيهم الأصغر.

مارسيل كورستجنس، غريغورى إس. كاربنتر، توشميت إم. حسن

من هم ملوك الإنفاق على البحث والتطوير R&D؟ التكنولوجيا الفائقة والرعاية الصحية، بالطبع. كل من هذين القطاعين يصرف نحو ربع ميزانية البحث والتطوير العالمي.1 فماذا عن شركات البضائع الاستهلاكية؟ إنها بالقرب من القاع، بأقل من %3 فقط.2 لكن ما تنفقه ليس بالأمر البسيط. وتضخ أكبر شركات البضائع الاستهلاكية أكثر من بليون دولار سنوياً. وبلغ متوسط الإنفاق لدى إحدى أكبر الشركات، وهي بروكتر أند غامبل Procter & Gamble، نحو بليوني دولار سنوياً خلال العقد الماضي.3

فما الذي حصلت عليه هذه الشركات العملاقة في مقابل إنفاقها الضخم على البحث والتطوير؟ لا شيء تقريباً من منظور المبيعات. ففي تحليل قطاعي، وجدنا أن أكثر الشركات إنفاقاً على البحث والتطوير في قطاع البضائع الاستهلاكية المعبأة لم تشهد أي أثر ملموس على الإيرادات. وهذا أمر مقلق للشركات التي استقر نموها خلال السنوات الخمس الماضية، إذ تحدى منافسون جدد العلامات التجارية الراسخة.

ومع ذلك، تبدو الصورة أكثر تمايزاً على مستوى الشركة: وعلى الرغم من أن الشركات التي أنفقت مبالغ كبيرة على البحث والتطوير – مثل بروكتر أند غامبل ويونيليفر Unilever– لم تشهد أي أثر قابل للقياس في المبيعات، فقد أظهرت بعض الشركات التي أنفقت أقل على البحث والتطوير علاقة إيجابية ذات دلالة. مثلاً، شهدت كل من هنكل Henkel وبييرسدورف Beiersdorf، وكلتاهما في ألمانيا، زيادة في الإيرادات، كما فعلت لوريال L’Oreal في فرنسا وريكيت بينكيسير Reckitt Benckiser في المملكة المتحدة. وسنصف هنكل ولوريال، اللتين تمتلكان جذوراً في قطاع الكيميائيات، كشركتين متوسطتي الإنفاق، وغيرهما كشركات متواضعة الإنفاق.

واتضح، كما كتب الاقتصادي إي إف شوماخر E.F. Schumacher، أن القليل قد يكون جميلاً حقاً.4 وبطبيعة الحال، ليس الابتكار المتزايد – أي جني عوائد صحية مع تحسينات صغيرة ومتكررة – فكرة جديدة. ففي تطور شهير، عززت أبل Apple مبيعات أجهزة آيفون مع تعديلات تدريجية في كل دورة من دورات المنتجات، كما تقدم – في بعض الأحيان – شركات أدوية التي تُبَاع بوصفات وتحمل علامات تجارية ترقيات متواضعة مقارنة بالعلاجات السابقة أو البدائل المكافئة. لكن حكمة الإدارة التقليدية، المستندة إلى سنوات من البحث، لا تزال تعتقد أن إنتاجية البحث والتطوير تعتمد على القوة التصنيعية: يمكن للشركات الكبيرة أن تنفق أكثر على الابتكار، ونتيجة لذلك، هي تبتكر أكثر – وأفضل.5 لكن في عالم المنتجات الاستهلاكية، على الأقل، يشير تحليلنا إلى أن الأمر ليس كذلك.

أنماط الإنفاق المختلفة

لفهم هذا اللغز بشكل أفضل، دعونا نتفحص اثنتين من شركات البضائع الاستهلاكية ذات المستويات المختلفة تماماً من الاستثمار في البحث والتطوير: بروكتر أند غامبل وريكيت بينكيسير.

على الرغم من استثمارات بروكتر أند غامبل الضخمة في البحث والتطوير – أكثر من 38 بليون دولار بين عاميْ 1998 و2017، مقارنةً ببليوني دولار لريكيت بينكيسير خلال الفترة نفسها – فقد حصد إنفاق بروكتر أند غامبل عدداً أقل من المكافآت على مقياس رئيسي: بينما أنفقت بروكتر أند غامبل أكثر من %3 من إيراداتها السنوية على البحث والتطوير مقارنة بنحو %1.5 لريكيت بينكيسير، نمت مبيعات بروكتر أند غامبل بمعدل سنوي مركب بلغ %3.4، في حين نمت مبيعات ريكيت بينكيسير بمعدل أسرع بثلاثة أضعاف، عند %9 سنوياً. إضافة إلى ذلك، لم تقدم بروكتر أند غامبل أي علامات تجارية رائدة منذ ظهور منافض ومماسح «سويفر» Swiffer dusters قبل 20 سنة تقريباً.6 ومن المؤكد أن أي شركة قد تنجح في البحث والتطوير من دون تطوير أسماء منزلية جديدة، وولّدت شركات كبرى للبضائع الاستهلاكية كثيراً من براءات الاختراع في حين خفضت التكلفة وزادت مدة صلاحية منتجاتها وملاءمتها. لكن بالنظر إلى إنفاق بروكتر أند غامبل على البحث والتطوير وتاريخها في تطوير علامات تجارية شهيرة مثل منظف الغسيل تايد Tide، ومعجون الأسنان كريست Crest، وسائل غسل الصحون دون Dawn، فإن من المفاجئ توقف ابتكارها الرائد.

ويمكن ملاحظة الحظوظ الابتكارية المتنافرة لريكيت بينكيسير و بروكتر أند غامبل في أسعار أسهمهما أيضاً. فبين عامي 1998 و2017 ارتفع سعر سهم بروكتر أند غامبل بمقدار 2.5 ضعف فقط، في حين ارتفعت أسهم ريكيت بينكيسير أكثر من سبعة أضعاف.7 وربما ساهم عدد من العوامل التي تتجاوز الإنفاق على البحث والتطوير والابتكار في تقييم الشركات. ولهذا السبب نمذجنا المبيعات كدالة Function من عدة عوامل. ومع ذلك، تعتمد قناعة المستثمرين بشركة ما إلى حد كبير على التوقعات حول قدرتها على توليد المبيعات والنمو من خلال عوائد قوية من الابتكار.

فلسفات الابتكار المختلفة

كيف نفسر استنتاجاتنا؟ قد يكون أحد العوامل هو أن بروكتر أند غامبل وريكيت بينكيسير تجسدان على ما يبدو فلسفات مختلفة من الابتكار.

ونرى النهج الذي تفضله شركات البضائع الاستهلاكية الكبيرة مثل بروكتر أند غامبل ويونيليفر مشابهاً للقانون الثالث لإسحاق نيوتن: هي تتصرف كما لو كان لكل فعل ردة فعل مساوية في المقدار ومعاكسة في الاتجاه. وبعبارة أخرى، هي تتوقع عوائد كبيرة من الاستثمارات الكبيرة، لذلك تطارد المنتجات الرائدة. لكن على الرغم من إنفاق الأموال الكثيرة على البحث والتطوير، لم تنتج بروكتر أند غامبل أي منتج آخر على غرار منتجات سويفر.

قارنوا ذلك بما نسميه النهج لورينزي Lorenzian approach للاستثمار في البحث والتطوير، فلهذا النهج أوجه شبه بعمل عالم الرياضيات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إدوارد لورينز Edward Lorenz، والد نظرية الفوضى Chaos theory. فعند فحص أنماط الطقس اكتشف لورينز أن الإجراءات الصغيرة قد تكون لها عواقب كبيرة. فالفراشة التي ترفرف جناحيها قد تؤدي إلى تشكيل إعصار. ومثل نظام الطقس الذي يضاعف من أثر الحشرات المرفرفة، يمكن لنظام معقد من الشركات والعملاء والمنافسين والمورّدين والمؤثرين أن يضخم أو يقلل من أثر الابتكار. وفي عالم كهذا، قد تموت الأفكار الكبيرة، وقد تنمو الأفكار الصغيرة، كما هي الحال في ريكيت بينكيسير.

فالشركة ليست لديها ميزانية كبيرة للبحث والتطوير ولا موظفين من العلماء البارزين. لذلك تختار أن تنفق مبلغاً صغيراً لكن مع التركيز على التحسينات الهامشية لعلاماتها التجارية الأكثر مبيعاً. وتبدأ ريكيت بينكيسير بأبحاث عميقة تستهدف المستهلكين لتحديد الكيفية التي يمكن بها تحسين أفضل علاماتها التجارية وعدد المستهلكين الإضافيين الراغبين في الدفع. ومن الناحية الفنية تُعتبَر ابتكاراتها تدريجية.

انظر إلى تعديلات الشركة على فينيش Finish، منظفها لغسَّالات الصحون. فبعد بضع سنوات من إطلاق المنتج، أضافت الشركة عامل شطف. وتبع ذلك بعد بضع سنوات إضافة الملح لتليين الماء ومنع البقع والعلامات المائية. وفي الآونة الأخيرة، أدرجت مكوناً لحماية الطلاء الزجاجي الخزفي أثناء الغسيل. وعلى الرغم من أن التغييرات صغيرة، فإنها كلها ميزات تقترح أبحاث العملاء أن الأشخاص سيقدرونها.

ولاحظوا أن نهج ريكيت بينكيسير يختلف عن «الإصدارات» Versioning القياسية التي تمارسها منذ زمن شركات البضائع الاستهلاكية الكبيرة. فالإصدار الجديد يضيف نموذجاً جديداً أو حجماً أو تفصيلاً إلى العلامة التجارية الأساسية على أمل تحقيق هدف المبيعات الخاص بالربع السنوي التالي أو حماية المساحة التي تحتلها العلامة التجارية على رفوف البيع بالتجزئة. وهكذا، يواجه المستهلكون عشرات النكهات من رقائق البطاطس ورقائق التورتيا وأنواع لا تُعَد ولا تُحصَى من المشروبات الغازية. والمشكلة في هذا النهج، حتى إذا كان ناجحاً في الأجل القريب، تكمن في أنه قد ينشئ بمرور الوقت تعقيداً لمالك العلامة التجارية، ولاسيما في الإنتاج والخدمات اللوجستية، ويولد ارتباكاً عند العملاء. وعلى النقيض من ذلك، مع كل تكرار للمنتج، تنظر ريكيت بينكيسير في الخط بكامله وتحيل إلى التقاعد أي إصدار لم يعد يستحق مساحته على الرفوف.

ومشاريع البحث والتطوير التي تجريها ريكيت بينكيسير هي أقل مخاطرة وأقل تكلفة من تلك الخاصة بمنافسيها الأكبر. ولكن الشركة تضع هدف أداء طموحاً لكل منها. وتتوقع أن تأتي نسبة معينة من مبيعاتها كل عام من منتجات جديدة أو إصدارات أفضل من المنتجات الحالية، ويُكافَأ المسؤولون التنفيذيون الذين يتعاملون مع السوق مالياً عندما تحقق الشركة هذه الأهداف Targets أو تتجاوزها. وفي المقابل، يدفع حافز الدفع في مقابل الأداء موظفي الشركة على دعم المنتجات المحسّنة بالبحث والتطوير ودفعها إلى السوق.8

كيف يمكن للمنفقين الكبار تحسين عوائدهم

إذاً، ما هو الحل «للنيوتونيين» المنفقين الكبار إذا كانوا يريدون عوائد أفضل من البحث والتطوير؟ نرى ثلاث طرق يمكنهم من خلالها تغيير حظوظهم: يصبحون «لورينزيين» أكثر، أو «يؤيدون» الأفكار الجديدة الواعدة، أو يشجعون تعاونا أكبر بين التسويق والبحث والتطوير.

راهن رهانات صغيرة أكثر ورهانات كبيرة أقل. إذا استمر «النيوتونيون» في الإنفاق بشكل كبير على البحث والتطوير (وفي حالات كثيرة، يجب عليهم ذلك)، يكونون بحاجة إلى الاستثمار بشكل أفضل.9 وهذا يعني تقليص الرهانات الكبيرة التي تقدم عوائد ممكنة مشكوكاً فيها. وبدلاً من ذلك، يجب أن يركزوا على الرهانات الأصغر التي تعتمد على فهم عميق (1) لرغبات المستهلكين، و(2) القيمة ذات الدلالة التي قد يضيفها الابتكار الصغير، و(3) نظام تجار التجزئة والمنافسين الذي سيُقدَّم فيه الابتكار.

وقد يسأل المرء، «لكن ألا ينبغي للشركات أن تسعى إلى تحقيق ابتكار مُزعزع قبل أن تتعطل أعمالها فتضطر إلى إقفال أبوابها؟» ليس بالضرورة في حالة شركات البضائع الاستهلاكية. فإذا كان للشركة تراث من النجاح من خلال وسائل أخرى، مثل التسويق، فقد تفتقر إلى مخصصات البحث والتطوير اللازمة لإنتاج اختراقات كبيرة.

إضافة إلى ذلك، وبينما يمكن للاختراع العرضي أن يغير السوق أو حظوظ الشركة بشكل جذري، فمن الصحيح أيضاً أن ابتكاراً يهز السوق كهذا لا يحدث فجأة. فهو غالباً ما ينتج عن حل العديد من المشكلات الأصغر على مدى فترة طويلة، وليس مشكلة كبيرة واحدة فقط. فقد مرّ آيفون من أبل بعقود من العمل على المعالجات الدقيقة والتكنولوجيا الخلوية، وقد بُنِي أمازون غو Amazon Go، وهو السلسلة الجديدة للمتاجر الحقيقية التابعة لمتجر البيع بالتجزئة على الإنترنت، على التقدم المسبق في الهواتف الذكية، والرؤية الحوسبية، وتعلم الآلة. ومثل الإنجازات العلمية الكبيرة التي تتبع اكتشافات أقل تبعية على ما يبدو (اعتمدت نظرية آينشتاين الرائعة للنسبية بشكل كبير على الهندسة غير الإقليدية، مثلاً)، بدا أن هذه الابتكارات تنفجر في لحظات مفاجئة لكنها في الحقيقة تعتمد على عقود من العمل من قبل جيوش من العلماء والمهندسين.

ويتطلب الفوز في الأسواق أيضاً استعداداً لتحديد المكاسب الصغيرة والاستيلاء عليها. ويقدم فريق ركوب الدراجات في المملكة المتحدة مثالاً آخر مفيداً. وبينما شارك الفريق في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 في لندن، فإنه لم يكن يتمتع بقوة عالمية لكنه أراد الحصول على ميدالية. وكان المدرب مات باركر Matt Parker، بصفته «رئيس المكاسب الهامشية» للفريق، من مؤيدي القيام بأشياء صغيرة لاكتساب ميزة تدريجية.10 فشَجَّع أعضاء الفريق على غسل أيديهم بعناية والسفر مع وسائدهم المفضلة. وقبل السباقات رش الفريقُ الكحولَ على الإطارات لجعلها أكثر لزوجة، وثبّت مسجلاً صغيراً للبيانات تحت كل مقعد من مقاعد الدراجين. وفي المسابقات استخدم الفريق وسائل النقل الخاصة به لدرء حالات العدوى. وأطعم دراجيه زيت السمك وكرز مونتمورنسي؛ لأن أطعمة كهذه ممتلئة بمضادات الأكسدة. وتراكمت هذه وغيرها من التحركات التي بدت تافهة. وحسّن كل درّاج بريطاني الأداء بين الأدوار ما قبل النهائية والأدوار النهائية في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012. وكان الأمر الأكثر إثارة للدهشة أن فريق المملكة المتحدة فاز بـ14 ميدالية للمسارات والطرق خلال منافسات لندن، على الرغم من قلة نجومه.

يوجد تشابه هنا مع فلسفة «كرة المال» Moneyball المشهورة الآن في لعبة البيسبول، والتي أدركت أن عددَ العداءين الأساسيين الذين حصل عليهم الفريق في كل لعبة مرتبطٌ بالانتصارات بشكل أقوى من عدد مرات الجري إلى القاعدة التي حققها الفريق.11 ودفع هذا العامل رائدَ المفهوم، بيلي بينBilly Beane الذي كان آنذاك مديراً عاماً لأوكلاند لألعاب القوى وهو الآن نائب الرئيس التنفيذي لعمليات البيسبول، إلى جلب لاعبين بارعين في العودة إلى القاعدة، سواء من خلال التسديد أو المشي – وكان الاعتماد على المشي تفكيراً جذرياً في ذلك الوقت. وليس من قبيل المصادفة أن يكون هؤلاء اللاعبون أقل تكلفة بكثير من اللاعبين الضاربين للأهداف Home-run sluggers. وراهن بين بالاستثمار الأصغر في فريقه فحقق مكاسب كبيرة: مزيد من الانتصارات مقارنة بالفرق التي تنفق ضعفين أو ثلاثة أضعاف على اللاعبين. وفي المُحصّلة قلدته بقية فرق البيسبول. واليوم، يُعتبَر استخدام الإحصائيات المتقدمة لتقييم اللاعبين والبحث عن مزايا تنافسية أمراً شائعاً في نوادي الدوري الرئيسي.

ويرى بارت بيخت Bart Becht الذي كان يشغل موقع الرئيس التنفيذي لريكيت بينكيسير بين عامي 1999 و2011، الجانب الموازي في عالمه: «يتمثل الابتكار في الحصول على العديد من التسديدات القاعدية وأحياناً الجري إلى القاعدة بعد التسديد. فأنتم نادراً ما تفوزون في لعبة بيسبول بمجرد الجري إلى القاعدة بعد التسديد».12

استحوذ على الأفكار الجديدة. يجب على الشركات النيوتونية كذلك أن تدرك أن حجمها وهيكلها التنظيمي ليسا بارعين في البحث العميق والاختراع، على الرغم من أنها بارعة في تطوير المنتجات وإضفاء الطابع التجاري عليها. وكما يشير كلايتون كريستنسن Clayton Christensen، أستاذ كرسي كيم بي كلارك لإدارة الأعمال في كلية الأعمال بجامعة هارفارد، في عمله بشأن الابتكار المزعزع Disruptive innovation، غالباً ما تكون الشركات الكبرى رائدة في قطاعاتها، ومن ثم تتجنب القيام بأي شيء يهدد الوضع الراهن – لأنها تمتلك معظم ما هو مهدد بالخسارة.13

ومن ثم، يجب عليها النظر إلى الخارج للحصول على مساعدة. وتتمثل إحدى الطرق لأداء ذلك في تعهيد لشق البحث من البحث والتطوير، والاستفادة من حقيقة مفادها أن الشركات الأخرى – تلك الأصغر حجما، والتي تخاطر أكثر، ولديها مزيد من ثقافة الابتكار – قد تنتج أفكاراً أفضل. وهذا نموذج لطالما استُخدِم في قطاع المستحضرات الصيدلانية.14 فعلى الرغم من أن الشركات الكبرى للأدوية تمتلك تقاليد قوية في مجال البحث والتطوير، فهي غالباً ما تترك المراحل الأولى من اكتشاف الأدوية إلى الشركات الصغيرة والمختبرات الجامعية. وبعد ذلك، عندما يبدو الاختراق واعداً، تشتري الجهات المبتكرة الصغيرة أو رخص الاكتشافات.

تقدم صفقة حديثة بين «نستله» Nestlé و«باري كالبو» Barry Callebaut السويسرية لتصنيع منتجات الشوكولاتة، مثالاً في قطاع البضائع الاستهلاكية عن منافع تأييد الأفكار المبتكرة. فقد أثارت باري كالبو ضجة في العام الماضي عندما قدمت ما تسميه «الشوكولاتة الرابعة» The fourth chocolate– وهي حلوى بلون الياقوت الأحمر، احتلت مكانها إلى جانب الأصناف السوداء والحليبية والبيضاء الراسخة. فقد ابتكرت الشركة طريقة لمعالجة حبوب الكاكاو الحمراء إلى مسحوق مع الحفاظ على لونها. ويجري تسويق الشوكولاتة الياقوتية كأول لون طبيعي جديد للشوكولاتة منذ أن ابتكرت نستله الشوكولاتة البيضاء قبل 80 سنة – في فئة للمنتجات موجودة منذ مئات السنين. وإذ هدفت نستله إلى ضخ طاقة جديدة في خط منتجاتها، أبرمت صفقة مع باري كالبو لاستخدام الشوكولاتة الياقوتية الخاصة بالأخيرة لستة أشهر. وكشفت نستله عن الشوكولاتة الرابعة في نسخة جديدة من ألواح «كيت كات» KitKat bars الخاصة بها، أطلقتها وسط ضجة كبيرة في اليابان تزامنا مع عيد الحب Valentine’s Day.ـ15

وهناك جدل حول ما إذا كانت الشوكولاتة الياقوتية ابتكارا حقيقيا أو مجرد وسيلة للتحايل التسويقي. ولدى كلا الطرفين حججه، لكن الحقيقة تبقى أن المنتج جاء من طرف فاعل أصغر لا يمتلك أي علامات تجارية – إن باري كالبو هو مصنع ذو علامة تجارية خاصة، وليس شركة قطاعية راسخة تنفق الأموال على البحث والتطوير.

وهناك طريقة أخرى لتأييد الأفكار تتمثل في اكتساب المبتكرين أنفسهم، وليس فقط ابتكاراتهم. وهذا ما فعلته يونيليفر عندما اشترت دولار شايف كلوب Dollar Shave Club، وهي جهة تبيع شفرات حلاقة على أساس الاشتراكات، وما فعلته بيبسي كو PepsiCo عندما اشترت صودا ستريم SodaStream، وهي شركة لتصنيع آلات صنع الصودا في المنزل. وفي كلتا الحالتين، فقد حصلت الشركة الأكبر على الابتكارات التي تحتاج إليها مع التركيز على ما برعت فيه: التسويق وإضفاء الطابع التجاري.

حقق التعاون بين التسويق والبحث والتطوير. أخيراً، يجب على الشركات النيوتونية أن تعالج ما يمكن اعتباره أكبر تحدٍ للابتكار: تعزيز التعاون بين موظفي التسويق وموظفي البحث والتطوير. فهناك أدلة وافرة على أن النجاح يكون أكبر حين يتعاون شق التسويق وشق البحث والتطوير منه عندما يهيمن أحدهما على الآخر.16

خذوا قطاع التكنولوجيا الفائقة، حيث يهيمن عادة البحث والتطوير وتكون للتسويق قوة قليلة نسبياً. تُعتبَر إنتل Intel التي لطالما أدارها علماء ومهندسون، مثالاً مألوفاً.17 ويمكن أن تفرض سعراً عاليا على معالجاتها الحاسوبية؛ لأنها تتمتع بأداء رائد في السوق – فلديها أفضل مزيج بين السرعة والسعر. ومع ذلك، عرفت شركة منافسة، هي إيه إم دي AMD، كيف تبدع معالجات بالأداء نفسه وتفرض رسوماً أقل عليها. وبعد مقاضاة إيه إم دي وخسارة الدعوى، توقعت إنتل مستقبلاً أقل ربحية بفعل حروب الأسعار والتسليع إذا بقيت على مسارها. ورداً على ذلك، أجازت إدارتها العليا الحملة الشهيرة (والباهظة الثمن) لبناء العلامة التجارية إنتل في الداخل Intel Inside، الأمر الذي لم يخلق وعياً أكبر بإنتل فحسب، بل مَيَّز أيضاً معالجاتها الحاسوبية في أذهان مشتري أجهزة الحاسوب. ولو لم يكن شق البحث والتطوير مستعداً للتنازل عن بعض قوته – وموارده – لصالح التسويق؛ لكان من المرجح أن تكون إنتل شركة مختلفة تماماً اليوم.
وفي شركات البضائع الاستهلاكية، يميل التسويق إلى التأثير أكثر من البحث والتطوير: يبني التسويق العلامات التجارية القوية ويولّد قيمة ضخمة للمستثمرين. ولا يمكن للأطراف الفاعلة الكبيرة في هذا القطاع – ولا يجب عليها – نسيان ذلك. لكن على موظفي البحث والتطوير التحسين كذلك. فهم يحتاجون إلى تحديد أفكار جديدة واعدة سواء داخل الشركة أو خارجها. ويجب أن يصبحوا بارعين في العثور على مرشحين جذابين يوفرون التأييد. وسيتطلب ذلك أن يكونوا أكثر بروزاً في المجتمعات الصغيرة للبحث والتطوير والشركات الناشئة حيث تُجرى أفضل «الأبحاث».

يميل التسويق إلى التأثير أكثر من البحث والتطوير: يبني التسويق العلامات التجارية القوية ويولّد قيمة ضخمة للمستثمرين.

إضافة إلى ذلك، يجب منح البحث والتطوير صوتاً أقوى. فأقسام البحث والتطوير تحتاج إلى أن يناصر الموظفون أفكاراً جديدة ويولدوا حماسة بين صانعي القرار من المستوى الرفيع. وسيضمن ذلك الموارد لمزيد من التطوير وإضفاء الطابع التجاري. وإذا لم يكن المديرين الذين يمتلكون هذه المهارات جزءاً من فريق البحث والتطوير، فقد حان الوقت لتطويرهم أو، إذا لزم الأمر، العثور عليها في مكان آخر.
وفي العديد من شركات البضائع الاستهلاكية الكبيرة، يفشل نهج ابتكاري انعكاسي – يقول بالإنفاق أكثر فقط! – في توليد المبيعات والنمو. ويمكن للقيام برهانات أصغر وأكثر تركيزاً، وتأييد الأفكار، ومواءمة البحث والتطوير والتسويق، أن تؤدي إلى نتائج أفضل للجهات المنفقة الكبيرة والصغيرة على حد سواء. وتنجح هذه التكتيكات بالفعل بالنسبة إلى الأطراف الفاعلة الأصغر في مجال البضائع الاستهلاكية مثل ريكيت بينكيسير، لكن نستله وأبل وغيرهما من الشركات الكبيرة تستفيد منها أيضاً. ويتطلب جني عوائد أكبر من البحث والتطوير تفكيراً شديداً ليس فقط فيما يتعلق بإنفاق شركتكم، بل والأهم من ذلك، الكيفية التي تنفق بها.

مارسيل كورستجنس Marcel Corstjense

مارسيل كورستجنس Marcel Corstjense

أستاذ كرسي يونيليفر للتسويق في «إنسياد» بفونتينبلو في فرنسا.

غريغوري إس كاربنتر Gregory S. Carpenter

غريغوري إس كاربنتر Gregory S. Carpenter

أستاذ كرسي جيمس فارلي/«بوز ألن هاملتون» للاستراتيجيات التسويقية في كلية كيلوغ للإدارة بجامعة نورث ويسترن Northwestern University في شيكاغو.

 توشميت إم. حسن Tushmit M. Hasan

توشميت إم. حسن Tushmit M. Hasan

طالبة دكتوراه في التسويق بجامعة تكساس University of Texas في أوستن.

شكر وتقدير نقدر بكل امتنان تعليقات الأستاذ بلاكيلي ماكشان من كلية كيلوغ للإدارة بجامعة نورث وسترن. وأي خطأ هو خطؤنا.

حول البحث يعتمد هذا الموضوع على مصدرين رئيسيين للبيانات. الأول هو مجموعة بيانات حديثة نشرتها المجموعة الاقتصادية الأوروبية وتهدف إلى قياس فاعلية البحث والتطوير في 2500 شركة في قطاعات وبلدان مختلفة. واستكملنا ذلك ببيانات تسويقية، تمتد بين عامي 1989 و2016 من كومبيوستات Compustat. وبالنسبة إلى الشركات التي تفحصناها، نمذجنا المبيعات، باستخدام دالة كوب – دوغرلاس للإنتاج Cobb-Douglas production function، باعتبارها تعتمد على العمالة Labor ورأس المال Capital– أي المدخلين التقليديين. ولكننا أضفنا مدخلين آخرين، هما الاستثمار في البحث والتطوير والتسويق، لكي يمكننا قياس مساهمة كل عامل في المبيعات. وعلى المستوى القطاعي، عندما حللنا نتائج المبيعات لشركات البضائع الاستهلاكية، وجدنا، في المتوسط، وجود علاقة إيجابية قوية مع الاستثمارات التسويقية، لكن ليس هناك في الواقع علاقة مع الإنفاق على البحث والتطوير. وفي المقابل، أظهرت المبيعات في صناعة المستحضرات الصيدلانية، التي أدرجناها كجهة مقارنة معيارية، وجود ارتباطات إيجابية قوية بكل من التسويق والبحث والتطوير. ومع ذلك، يظهر تحليلنا على مستوى الشركة أن عدم وجود أثر في البحث والتطوير في قطاع البضائع الاستهلاكية لا يصمد على نطاق واسع. فقد شهدت بعض الشركات التي استثمرت في البحث والتطوير مبالغ أصغر وأكثر استهدافاً مكاسب ذات دلالة في المبيعات؛ وكانت أكبر الجهات المنفقة هي التي لم تحقق أي عائد ملموس.

المراجع (17)

  1. “Percentage of global research and development spending in 2017, by industry,” Statista, 2018.
  2. 2. Ibid.
  3. The 2016 EU Industrial R&D Investment Scoreboard, European Commission, Joint Research Centre, 2016.
  4. E.F. Schumacher, “Small Is Beautiful: A Study of Economics as if People Mattered” (London: Blond & Briggs, 1973).
  5. E.M. Mendigorri, T.G. Valderrama, and V.R. Cornejo, “Measuring the Effectiveness of R&D Activities: Empirical Validation of a Scale in the Spanish Pharmaceutical Sector,” Management Decision 54, no. 2 (March 2016), 321-362.
  6. J. Reingold, “Can P&G Find Its Aim Again,” Fortune, June 9, 2016.
  7. Reuters data services.
  8. من مقابلات المؤلفين مع المسؤولين التنفيذيين لريكيت بينكيسير و“Transforming Reckitt Benckiser,” by M.T. Hansen, H. Ibarra, and N. von Bernuth, INSEAD case study no. 04/2011-5686.
  9. E.M. Mendigorri et al., “Measuring the Effectiveness of R&D Activities.”
  10. A. Fotheringham, “‘Head of Marginal Gains’ Helps GB Gold Machine Stay in Front,” The Independent, Aug. 7, 2012.
  11. M. Lewis, “Moneyball: The Art of Winning an Unfair Game” (New York: W.W. Norton & Co., 2003).
  12. P. Nunes and T. Breene, “Jumping the S-Curve: How to Beat the Growth Cycle, Get on Top, and Stay There” (Boston: Harvard Business Review Press, 2011).
  13. C. Christensen, “The Innovator’s Dilemma: When New Technologies Cause Great Firms to Fail” (Boston: Harvard Business Review Press, 1997).
  14. A. Buvailo, “Pharma R&D Outsourcing Is on the Rise,” BiopharmaTrend, Aug. 13, 2018.
  15. C. Gretler and L. Du, “Nestlé Debuts Natural Ruby Chocolate in KitKat-Crazed Japan,” Bloomberg, Jan. 17, 2018.
  16. B. Jaruzelski, J. Loehr, and R. Holman, “The Global Innovation 100: Why Culture is Key,” Strategy + Business, Oct. 25, 2011.
  17. A.M. Brandenburger and B. Nalebuff, “Inside Intel,” Harvard Business Review, November-December 1996 issue.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى